انشغل الجميع بالسياسة ولم يشتغلوا بها وبدا ممثلو غالبية الأحزاب والقوي السياسية والثورية وكأنهم يشتغلوننا.. خطب, وشعارات, وبيانات, ومعارك في الفضائيات والمؤتمرات وجلسات الحوار دون أي تواجد في الشارع. ولم استغرب موقف حزب النور السلفي الذي يتمسك بضرورة الالتزام بإجراء الانتخابات البرلمانية قبل الرئاسية ويتصدي لمن يدعون لإجراء الانتخابات الرئاسية أولا; لا لأنه يتمسك بثوابت خارطة الطريق التي أقرها مع المجتمعين في3 يوليو الماضي وتلاها الفريق أول عبد الفتاح السيسي, ولا إخلاصا لتلك الخارطة ولكن لأنه يري أنه المتواجد بقوة في الشارع السياسي سواء بانصهار العديد من الأحزاب الإسلامية الصغيرة بداخله أو علي طريقته سواء بمنابر الدعوة أو المشاركة في حل مشاكل كثير من الناس أو توزيع عبوات الزيت والسكر وبيع اللحوم بشوادره السياسية الدينية بأسعار مخفضة تناسب البسطاء والفقراء وعائدها الحصانة البرلمانية والتحكم في الرئاسية. لا أقول ذلك لتحفيز الأحزاب المدنية والقوي السياسية والثورية علي تقليد حزب النور في غاياته البرلمانية التي تبرر وسائله للتعامل مع السياسة علي طريقة اطعم الفم تستحي العين ولكن لأن دور تلك القوي والأحزاب يقتصر علي طلب التغيير دون تغيير فعلي في طريقتها التي لا وجود لصوت المواطن فيها رغم أن السياسة في أبسط معانيها تعني الانصراف إلي معالجة الأمور ومنها أمور الناس إلي جوار هموم المواطن وقضايا الوطن, وهي أيضا إجراءات و طرق تقود من يمارسها إلي اتخاذ قرارات من أجل المجموعات و المجتمعات البشرية, وهي أيضا رعاية الناس وتدبير أمورهم وإصلاح حالهم, وصنفها العرب الأوائل ضمن علوم الحكمة العملية التي كانت تشمل ثلاثة علوم هي: العلم المدني, وتحته الأخلاق, والسياسة. وقد ترك السياسيون الجدد كل ما يتعلق بالسياسة واختصروا علاقتهم بها في الكلام دون ناتج ملموس علي الأرض, تنظير يعقبه اختلاف يعمق الخلاف وينسف أية فرصة للنزول إلي الشارع والاقتراب من الناس; فكثير من المصريين ممن لا تعرفهم قيادات نحوي83 حزبا في مصر لا تعنيهم القضايا التي تسيطر علي اجتماعاتها بقدر ما يعنيهم من يقف إلي جانبهم ولو من غير فعل ملموس بداية من المشاركة في الأفراح والمواساة في العزاء نهاية بإصلاح المدارس وتهيئة الطرق وتوفير البوتاجاز والأسمدة للمزارعين وغيرها, وكان يكفي أي حزب القيام بدور مع الحكومة الحالية لتذكيرها بهموم الناس والتعاون مع منظمات المجتمع المدني في حل بعضها أو حتي مجرد محاولة الحل ولكن تلك الأحزاب تبدو أمام قوي تيار الإسلام السياسي هشة وقائمة علي مبادئ واهية وتمويل مالي شبه معدوم, مما جعلها أحزابا كرتونية لا تضيف شيئا إلي الحياة السياسية أو التواجد بين الناس باستثناء الأحزاب الإسلامية, وبعض الأحزاب القديمة والأحزاب ذات التمويل المالي الكبير بحسب تقرير للمركز الوطني للأبحاث والاستشارات. ولكن تلك الأحزاب تتعامل مع صوت المواطن علي أنه آت آت كرها في الإخوان وتجار الدين وهو منطق مغلوط في دولة ذات هوي ديني قد يجعل من فراغ الساحة وتفريغ الساسة وتراجع القائمين علي أمور الناس والهجرة السياسية غير الشرعية إلي الفضائيات التربة مناسبة لاستمرار قوي التيار الإسلامي من إخوان وسلفيين وغيرهم حتي ولو علي طريقة الخلايا النائمة وحلفاء الصمود وأتباع زينب الغزالي وتلاميذ الجامعات وتلميذات7 الصبح وارتداء أقنعة سياسية تكسبهم نيو لوك قد يجعل الغلبة لتجار الدين والزيت والسكر علي حساب تجار الكلام والتنظير من القوي السياسية والثورية. والمؤسف أن كثيرا من الأحزاب القديمة كالوفد والتجمع والأحرار والعربي الناصري وغيرها سقطت في تعاملها مع الإخوان بعد ثورة25 يناير وقبلت طواعية القيام بدورها كديكور سياسي وهو الدور الذي تمرست علي القيام به في العديد من الحقب التاريخية خاصة في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك بشراكة وصفقات سرية وعلنية مع الحزب الوطني المنحل, ورغم تلاشي الدور العلني لبعض الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية كالحرية والعدالة والبناء والتمية والحزب الإسلامي وغيرها في ضوء الملاحقات الأمنية لبعض قادتها ورموزها المتهمين في قضايا التحريض علي العنف والقتل لم تقم الأحزاب القديمة بدورها وتركت الساحة خالية تعاني فراغا كبيرا, وبدلا من استمرار توحد تلك الأحزاب تحت راية جبهة الإنقاذ الذي ظهر في معركة إسقوط الإخوان عادت تلك الأحزاب إلي التفرق وكأنها كانت تتوحد للقيام بمهمة لصالح الغير وليس لإثبات قوتها وجدارتها بالعمل السياسي والدفاع عن قضايا الجماهير وإدارة أمورهم, ولم يتوقف الأمر عند هذه الأحزاب القديمة وإنما تلاشي دور تمرد واقترب شبابها من مقاعد القوي والأحزاب الورقية وفضل أعضاؤها الظهور في المشهد السياسي فقط دون التواجد بين الجماهير والمشاركة في حل مشلاتهم. وإذا كان حزبا المصريين الأحرار والجبهة الديمقراطية قد اندمجا بشكل سياسي مقبول تحت راية نتحد لنغير بتمويل مالي وقدرة سياسية فإن باقي الأحزاب كانت مطالبة بنوع من الاندماج أو التحالف الجاد علي أهداف محددة وواضحة تضع المواطن ومصلحة الوطن في مقدمة اهتماماتها, وتبتعد عن الخلافات الشخصية ومعارك الظهور في المشهد السياسي دون أداء فعلي, والشو الإعلامي, والتمتع بالمواقع القيادية وغنائم الترشح للرئاسة وعدد مقاعد المرشحين في الانتخابات البرلمانية. وبدلا من أن تتوحد الأحزاب أو تندمج أو تتحالف تفرغت لهمومها ومشكلاتها وخلافاتها وتركت المواطن وحيدا أمام كل الظروف التي تنسف آماله وتحطم أحلامه في حياة أفضل, وتتم التهيئة لحزب يسمونه حماة الثورة وجبهة أطلقت علي نفسها مصر بلدي يضافا إلي مئات الأحزاب والجبهات والمنظمات والائتلافات التي لا يعرفها المواطن إلا من كثرة معاركها وصداماتها وصراعها الذي لا ناقة له فيها ولا جمل. رابط دائم :