ظل حجم ملكيات الأراضى الزراعية حتى قيام ثورة يوليو 1952 هو المحدد الرئيسى لتكوين وتمييز القوى الاجتماعية فى مصر. وراحت ثورة يوليو تضيف طبقتها المتوسطة لتخلق وتضيف قوى جديدة مؤثرة، سيطرت على مسرح الأحداث فى فترة عبدالناصر وحتى انفتاح الرئيس السادات. غير أن هذا الانفتاح قد أدخل قوى اجتماعية جديدة، تحالفت مع القوى القديمة خلال عصر مبارك. فنشأ ما نشأ من فساد وتدمير وخراب للبلاد والعباد. وقد لعب التطور التقنى والتكنولوجى دورًا فى نشأة القوى الشبابية الثورية الجديدة بعيداً عن المناقشات والجدال العقيم الذى كان يجرى بين مختلف القوى المتصارعة طيلة فترة مبارك. ولاشك أن القوى الجديدة قد تربت على الانفتاح على كل الثقافات وعلى كل القوى. ومن ثم كانت هى الحصالة للشباب الفارين من الأحزاب القديمة، ومن التنظيمات والقوى السياسية الليبرالية والدينية والعلمانية وغيرها. ربطت بينهم شبكة المعلومات الدولية والفيس بوك وتويتر والفضاء الإلكترونى. ودخلوا فى مناقشات وحوارات، واطلعوا على بيانات وعوالم جديدة لم تكن متاحة للقوى القديمة من قبل. ومن ثم شعروا بأن هناك فرق زمن وتوقيت بينهم وبين هؤلاء الأقدمين. وشعروا بأن اللحظة قد حانت للتخلص من كل تلك القوى المسيطرة على الساحة السياسية والفكرية. حينما شعروا بالظلم والقهر الذى يعانيه الموطنين، حينما ناقشوه سوياً على صفحاتهم وعبر الشات، دون النظر لخلفياتهم الاجتماعية والأيديولوجية. فى هذا الإطار أوقدوا الشعلة لانطلاقة ثورة 25 يناير وأشعلوها، وحشدوا الناس حولها. لكن ما حدث شئ آخر. حيث تفرقت تلك القوى شيعاً وجماعات وعاد بعضها لعشه القديم، وراح بعضها يبحث له عن عش جديد يأويه ويحتمى به. السؤال الذى يطرح نفسه ماذا حدث للقوى الثورية الجديدة؟ هل ما حدث لها من انقسام هو صراع على الغنائم ؟ أم أن القوى القديمة احتاطت للأمر فلفت لفها لإحداث تلك الخصومة بينها وداخلها؟ الإجابة تقول بأن ما حدث على الساحة المصرية من أحداث بعد الثورة، مروراً بأحداث محمد محمود، انتهاءً بأحداث قصر العينى ومجلس الوزراء، يقول بأن القوى الاجتماعية الجديدة التى أفرزتها الثورة، قد تعرضت لمؤمرات داخلية وخارجية بغرض تفتيتها قبل أن تبدأ كفاحها الثانى. بالقطع كان من الطبيعى للقوى الثورية أن تقوم على استرجاع خيرات البلد من شلة مبارك وحاشيته، ومن البنوك الأوروبية. ومن ثم كان من الطبيعى أن تتدخل القوى القديمة لتبحث فى ملفات الشباب الذين حركوا الثورة، وتحلل تحركاتهم، وتتعرف على أصولهم الأسرية والعائلية، حتى تتبين كيف تؤكل كتف هؤلاء الشباب الذين أسقطوا حكم مبارك قبل أن يتجهوا لفتح بقية الملفات، ولتتعرف على كيفية استقطابهم عبر شبكة القرابات والأسر. من ناحية أخرى، راحت القوى القديمة تسعى للقفز على السلطة وإدخال هؤلاء الشباب فى معارك لا تنتهى بغرض استنزاف قواهم. ومن ثم فإن ما نراه على الساحة من أحداث إنما هو صراع على السلطة ليس أكثر .مبارك كان يوحد القوى القديمة المتصارعة، بحكم أنه رئيس ووضع طبيعى أن الكل يحاول نفاقه واستقطابه إليه. ومن ثم توحدت قوى كثيرة معه وعليه. ولهذا فإنه حينما تلاشى مبارك ظهرت تلك الصراعات بين الفرق اللاعبة تحت السطح لأعلاه. هذا المناخ كان جيداً لو التفت إليه الشباب ووعوه، ليقودوا تلك القوى المتصارعة بجعلها تتخلص من بعضها البعض. لكن ما حدث أن القوى القديمة نفسها قد انشطرت لفرق، وكل فريق يلتف حول طامح للسلطة. فكان من الطبيعى أن يبحث كل طرف فى ملفات القوى الشبابية ليجتذبها لصفه، لتعطى له الشرعية الثورية التى يبحث عنها.. ومن ثم فإن ميدان التحرير وبقية الميادين صارت الآن هى البوابة التى تشهد على الجريمة التى اُرتكبت بحق القوى الثورية الجديدة. فقد صارت تلك الميادين أرضاً خصبة لكل تحركات القوى القديمة وأهدافها، بل وميدانًا خصبًا لكل التسريبات والشائعات والتصعيد لشخصيات، وحرق لشخصيات أخرى إلى غير ذلك من أمور. بما يشرح جانباً من مساومات المافيا التى تحكم القاهرة، وتلك الراغبة فى استعادة حكم مصر ليبيت فى حضنها من جديد. د. أحمد عبد الدايم محمد حسين [email protected]