تحت عنوان «رؤي مستقبلية بعد ثورة 25 يناير» أقام منتدي ابن رشد ندوته السادسة ضمن مؤتمره لتأسيس العلمانية في مصر بمكتبة خالد محيي الدين، عبر عدة جلسات شارك فيها كل من د. مراد وهبة وحسين عبدالرازق ود. سمير فياض ود. هالة مصطفي ود. مني أبوسنة ود. عماد نصر وعبدالمجيد سيد ووفاء علي ود. مسعد عويس ود. عصام عبدالفتاح ود. عايدة نصيف. في كلمته الافتتاحية أكد د. مراد وهبة أنه قد حدث صراع خفي بين الأيديولوجيا والتكنولوجيا بهدف الإجهاز علي الأيديولوجيا كان «دانييل بل» المشهور بأنه تزعم ما يسمي بنهاية الأيديولوجيا يستهدف أساسا الإجهاز علي الأيديولوجيا الماركسية، ثم إنه صك بعد ذلك مصطلح «المجتمع ما بعد الصناعي» وبعد انتهاء بحثه - في هذا الصدد - اتفقت معه إحدي الشركات للتفرغ لتحويل البحث إلي كتاب وهو «مجتمع ما بعد الصناعة»، وبالعودة إلي القرن السابع عشر نجد مقولة «بيكون» «إن المعرفة قوة» حيث أصبحت المعرفة قوة بشكل جديد وهي كيف نتعامل مع الإلكترونيات - أي المجتمع الإلكتروني. مقاومة خفية وأضاف د. وهبة قائلا: هناك مقاومة خفية لدي المجتمع المصري لأي إبداع لأنه يخشي التغيير. مشيرا إلي أنه في عام 1980 وضع «توفلر» كتابا تحت عنوان «الثروة الثورية» أكد فيه أن الإنسان يستهلك ما ينتجه، وليس هناك فاصل بين الإنتاج والاستهلاك، وقد جاءت ثورة 25 يناير كثورة إلكترونية لم تعتمد علي أحزاب، ولابد للوضع القائم - في فترة معينة - أن يواجه أزمة، وحل هذه الأزمة يتمثل في بناء وضع جديد قائم علي رؤية مستقبلية. وقد سبق لي أن قلت إن الحزب الوطني الذي كان حاكما هو فرع من الإخوان المسلمين. وقد أحدثت الثورة أزمة في كل الأحزاب، حيث إن الثورات الإلكترونية تتم خارج الدولة وخارج النظام الاجتماعي وخارج الأحزاب، وهنا لابد من تنحية الرؤية الماضوية التي من الممكن أن تحطم الثورة الإلكترونية. رؤية مستقبلية وتساءل د. مراد وهبة قائلا: والآن علينا أن نبحث معا عن رؤية مستقبلية تكون فيها الديمقراطية هي الأساس مع ملاحظة أن هناك حضارة إنسانية واحدة ومسئولية مشتركة، قد يمكن للمتخلف في سياقها أن يتحكم في المتقدم ويجهز عليه. وأكد د. وهبة أن العلمانية حالة ذهنية وليست حالة سياسية إذا تحرر الشعب من ذهنية المطلق وتوصل للتفكير في النسبي بما هو نسبي، وسوف يضع أقدامه علي طريق العلمانية إذا تحقق هذا الشرط. وأضاف د. وهبة قائلا: إن الأصولية الإسلامية انطلقت في عام 1979 مع الثورة الإسلامية في إيران، أي بعد سبعين عاما من انطلاق الأصولية المسيحية، وفي عام 1979 عقدت اتفاقية بين مصر وإسرائيل في كامب ديفيد وكان «بيجن» رئيس وزراء إسرائيل أصوليا، وفي نفس العام جري اغتيال الإمام «الصدر» الذي كان لديه إرهاصات علمانية وكان يتحكم في جنوب لبنان، وقد سألته حين قابلته، هل هناك مظاهر علمانية في الإسلام قال لي: نعم، السلاح السوفيتي الذي نستعين به هو سلاح علماني. وحين أجريت حوارا مع العلماء السوفيت وسألتهم: هل الماركسية معتقد أم أسلوب حياة، قالوا: إنها أسلوب حياة ولكنهم عاشوها كمعتقد، ولذا حدث لهم ما حدث. أما نظرية «العقد الاجتماعي» كما طرحها «جون لوك» فقد كانت تمهيدا للعلمانية، وقد قال الشيخ علي عبدالرازق إنه استفاد من «لوك» في مطالبته بإلغاء الخلافة الإسلامية في كتابه الرائد «الإسلام وأصول الحكم». أما د. مني أبوسنة فأكدت أن فكرة «توفلر» عن الإنتاج والاستهلاك تعني الإشارة إلي الاكتفاء الذاتي. وأضافت أن الشباب يملكون المعرفة من أجل إنجاز أهدافهم وهناك أربعة مفاهيم لاستكمال الثورة وهي «التاريخ والمواطن والمسئولية والضمير». أبواب الصراع ويري محمد فرج أن ثورة 25 يناير قد فتحت الباب للصراع بين الجديد والقديم، وكشفت الغطاء عن الكثير من الأمور، فالثورات كالزلازل والبراكين وتوابعها - أحيانا - ما تكون أشد خطرا فهي تكشف عما في باطن المجتمع من تناقضات وتدفع بعضها للظهور علي السطح. وأضاف فرج قائلا: تقوم كل ثورة بالهدم والبناء وهي تشكل نقطة نوعية في التاريخ، حيث قضت علي شرعية النظام القديم دون القضاء عليه، فلم تكن ثورة يناير لها قيادة قادرة علي استلام السلطة وتدور التناقضات التي كشفت عنها الثورة حول الصراع بين القديم والجديد، وبين الدولة المدنية والدولة الدينية، وهناك قوي قلقة حول مصر لا تريدها أن تتحول إلي دولة ديمقراطية بل تريد إدخالها إلي منطقة الصراعات الدينية. وأكد د. مسعد عويس ضرورة البحث الجاد عن آليات للحوار البناء لسد الفجوة بين النخبة العلمانية والناس. وأشار د. عماد نصر إلي أن ثورة 1919 كانت بداية للفكر العلماني في مصر من خلال شعار «الدين لله والوطن للجميع». وأكد عبدالجواد سيد عبدالجواد أن يوم 25 يناير سوف يظل يوما مميزا في التاريخ المصري الطويل، وكما هو معروف فإن طبيعة الثورات هي أنها تهدم وتبني وحيث إن ثورة يناير قد جاءت كاستجابة طبيعية وتلقائية لحالة الاحتقان والإحباط السياسي والاقتصادي الذي أصاب المجتمع المصري نتيجة لممارسات نظام مبارك وأسرته. وتحدث عبدالجواد حول تأكيد الثورة علي الديمقراطية وتأسيس الدولة المدنية، مشيرا إلي وجود تيارات متصارعة الآن علي الساحة، فالتيار الديني تكمن نقطة ضعفه الكبري في أنه يتحرك ضد حركة التاريخ بمعني تعارض حركته مع مصالح العالم الكبير الذي يعيش فيه، كما أنه يفتقد لغياب كامل للرؤية والبرنامج الذي يمكن أن تتحرك من خلاله مصر الإسلامية وصولا إلي مستوي الدول المتقدمة. في حين نجد أن التيار العلماني - وبرغم ضعف موقفه - فإنه يمكن أن نلاحظ بسهولة أن كل نقاط ضعف التيار الديني هي نقاط قوة بالنسبة له وخاصة للقطاع الليبرالي منه فهو يسير مع حركة التاريخ ولا تتعارض مصالحه وأهدافه مع مصالح الدول الكبري، كما أنه غير ملزم بالدخول في أي مواجهة مع إسرائيل هذا بالإضافة إلي تأييد الجماعة القبطية له وقدرته الداخلية علي إنشاء وإدارة دولة عصرية تتمشي مع منظومة القيم الإنسانية. وفي ورقته المعنونة ب «بين تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة» أشار د. عصام عبدالفتاح إلي أن ثورة 25 يناير ليس بإمكانها التحول إلي ثورة فكرية إلا إذا تحقق لها أمران.. الأول: استكمال القطيعة التي أحدثتها في الحقل السياسي مع الطغيان والاستبداد بقطيعة أشد جرأة مع طغيان الفكر المطلق وأوهامه ولن يكون بمقدورها أن تصل إلي بغيتها إلا إذا التزمت بمبدأين: الأول هو الإيمان بنسبية العقل وبعدم قدرته علي امتلاك الحقيقة المطلقة، والثاني إعادة فحص وتفكيك الأفكار والمقولات القديمة البراقة وإخضاعها لمجهر العقل وحده. كذلك رفض كل تيار فكري يسعي إلي الاحتكام للفكر المطلق. التحول الديمقراطي وتحدثت د. عايدة نصيف عن «ثورة يناير بين السياسة والدين والتحول الديمقراطي» مؤكدة أن علاقة الدين بالسياسة إشكالية فرضت نفسها منذ أن وجدت الأديان ووجدت السلطة، فهي قضية لا تنتهي عبر التاريخ البشري، ومع بداية العصر الحديث تراجعت السلطة الدينية وأصبح للعقل مكانته المهيمنة علي كل شيء وانفصلت السلطة الدينية عن السلطة السياسية بفضل الاتجاه العلماني وأصبح لكلا منهما دوره. وأضافت د. عايدة أن التحول الديمقراطي السليم لا يتحقق إلا من خلال إقامة دولة علمانية تحترم الدين وتقبل التعددية والانفتاح علي الآخر.