" خِربتْ مصر" جملة قصيرة، تفاصيلها قليلة، تتخذ شكل الحكاية التى يمكن تقديمها للجماهير بشكل يخيفهم. " خِربتْ مصر" مقولة يتكرر نقلها والاضافة والحذف منها، كحقيقة معبرة عن المشهد المصرى الاّن. لكنها من ناحية أخرى تحمل كل ملامح الشائعة، من ناحية الغموض فى التفاصيل، بحيث لا يتوافر أى دليل على أن الكلام دقيق أو غير دقيق، والتشويق فى العرض، لكونها مجهولة المصدر، سهلة النقل فى جو يخاف الناس فيه على مستقبلهم. ومن ثم فإننا نطرحها هنا كشائعة، أكثر منها حقيقة، هدفها صرف انتباه الجماهير المحتشدة عن شكل الحكم القادم، وتفريقهم عن الوحدة التى حدثت بينهم. وإذا كانت البيئة المصرية الاَن هى البيئة المناسبة للشائعات، كونها بيئة تغيب عنها المعلومات، فإن ترويج شائعة خراب مصر، فى ظل نظام قديم يُهدم، ونظام جديد لم يتشكل بعد، هدفه الحفاظ على مصالح مجموعات الفلول الموجودة فى كافة المؤسسات والأماكن. لذا فإن مقولة " خِربتْ مصر" هى مقولة يرددها المرجفون فى المدينة، والمحبطون، والعملاء، والجواسيس والمرتشون، والمنافقون، والخونة، لتصدير اليأس والاحباط لقلوب المصريين, وتكريس الأوضاع السابقة، ريثما يعودوا بطلتهم القبيحة من جديد. " خِربتْ مصر" هى مقولة تلخص معركة تدور ما بين جيل فقد الحلم، وجيل حُرم من الحلم، لكنها فى ذات الوقت عبارة عن معركة نفى وإثبات. فنفى الشباب لوجود اَباء للثورة، جعل هؤلاء الاَباء يحاولون اثبات حضورهم داخل المشهد القائم بأى طريقة. لذا فإن القهر الذى مارسه الشباب تجاههم كان خطئاً وقعوا فيه،فاستغله الفلول ليلعبوا عليه. ولكون الفلول لا يزالون يملكون بعض الاوراق، فعلى الشباب تركهم ليلعبوا لعبتهم الأخيرة. لكن إلى أى مدى نرى مقولة " خِربتْ مصر" موجودة على أرض الواقع ؟ الاجابة أنك حينما تطالع أرشيف الصحافة المصرية التى صدرت منذ قيام ثورة 25 يناير حتى الاَن، تقتنع أن مصر خربت بالفعل. وحينما تقلب فى الوثائق الرسمية وغير الرسمية التى صدرت خلال تلك الفترة، تشاهد اَثار هذا التخريب. وحينما تقلب فى وجوه الناس فى كل مكان وتسألهم وتسمع شكواهم فى الثورة والثوار، يفزعك اقتناعهم بخراب الديار. وحينما تشاهد التلفاز ترى وتشاهد اَثاراً لهذا الخراب. الخلاصة أنك أينما تولى وجهك تشعر أن تلك المقولة قد أصبحت هى المقولة السائدة والمعبرة عن حال مصر والمصريين. من ناحية ثانية وجب علينا طرح النقاش بصيغة أخرى: هل مصر خربت بالفعل ؟ أم أن هذا الخراب مصطنع هدفه قبول الناس بأى صيغة تطرح عليهم ؟ هل هذا الخراب حقيقى وواقعى ؟ أم أنه شائعات هدفها تحبيط الناس وإفقادهم أى أمل ينتظرونه ؟ الإجابة تنحو بالبعض للعودة الى التاريخ، لتقول بأن خراب مصر قد جاء مع ثورة يوليو 1952. وأنها كانت أحسن حالاً فى عصر أسرة محمد على. والبعض يقرب المسافة أكثر ليقول بأن عهد عبدالناصر لم يشهد أبداً مثل هذا الخراب، بل كان عهداً للبناء والتنمية. والبعض يشير بأن خراب مصر بدأ مع انفتاح السادات، ثم حدثت الكارثة فى عشر السنوات الأخيرة من حكم مبارك. المهم أينما تولى قبلتك تجد تفسيرات وتحليلات عديدة لهذا الخراب. كل تلك التفسيرات السابقة مقبولة ومنطقية. لكن الجديد فى الأمر الاَن، هو تحميل الثورة والثوار مسئولية هذا الخراب. مدللين على ذلك بأوضاع قائمة، متمثلة فى انهيار البورصة، والاعتماد على الاحتياطى النقدى الأجنبى، وقلة الانتاج، وهروب الاستثمارات إلى الخارج، والركود الاقتصادى وغير ذلك من دلائل. بقراءة الواقع والنظر لسقف الطموح الموجود لدى قطاع كبير من المصريين نجد أن مقولة " خِربتْ مصر " هى مقولة ليست صحيحة بالمرة . بل هى مجرد شائعات تقف خلفها أيدى مجرمة اَثمة تريد ابتزازنا فى هذا الظرف الصعب. مصر لم تخرب يا سادة، ولن تخرب بإذن الله. منذ يناير 2011 ونحن نسمع هذا الكلام، منذ يناير ونحن نسمع تلك الأغنية وهذا اللحن المبتذل. ورغم ذلك لا زالت البلد لم تشهر إفلاسها بعد، لأنها محروسه بعين خالقها. خسئتم من مجرمين واَفاقين، لم يكفكم ما نهبتم من أموال وأعراض، بل وتريدون المزيد. خربتْم مصر، ولم تعترفوا بدوركم فى هذا الخراب. خربتْم مصر، ولم يعترف زعيم عصابتكم ولا بطانته بجريمة الخراب. خربتْم مصر، ولم تكتفوا بتخريبها الذى حدث، بل تريدون أن تلصقوا التهمة بالثوار. ما يعنينا الاَن هو تقويم شائعاتكم ومدى خطورتها، وتحديد خطة لمواجهتها. سلمت مصرنا من كل سوء، وموتوا بغيظكم. فقلوبكم الخربة هى التى صنعت الخراب، وتريد أن تصدره لنا إلى الأبد. د.أحمد عبدالدايم محمد حسين أستاذ مساعد التاريخ الحديث والمعاصر معهد البحوث والدراسات الافريقية جامعة القاهرة [email protected]