نوال سيد «لطالما قالوا إن تحقيق السلام فى الشرق الأوسط مستحيل... وأنا أحب التحديات المستحيلة» لم تكن كلمات دونالد ترامب تلك مجرد استعراض للثقة بالنفس التى اعتادها العالم منه، بل إعلانًا مبكرًا عام 2020 عن فلسفة حكم تقوم على اقتحام الملفات التى فشل فيها الآخرون واليوم، بعد صفقة غزة الأخيرة، يبدو أن الرئيس الأمريكى يسعى إلى تحويل شعاره القديم إلى واقع جديد، حيث لم تعد خطته فى الشرق الأوسط سوى بداية دور أكبر يطمح من خلاله إلى إعادة صياغة ميزان القوى وإحياء إرثه السياسى. ويتطلب تنفيذ خطة ترامب الطموحة جيشًا من الخبراء فى مجالات تتراوح من القيادة والسيطرة العسكرية إلى المشاركة المجتمعية وإعادة التأهيل لقد تعهد بإنهاء الحرب على غزة وبإعادة الأسرى الإسرائيليين إلى ديارهم، ويبدو أن هذا بالضبط ما فعله بصفقة الأسبوع الماضى فى حين أن العديد من الأفكار التى تضمنتها خطة ترامب للسلام المكونة من 20 نقطة سبقت إعادة انتخابه، إلا أنه وفريقه يستحقون الإشادة لترجمتهم تلك الأفكار إلى مقترح عملى، وتحديد مرحلة أولى واسعة وسهلة الفهم، وجمع كل العناصر التى جعلت الاتفاق ممكنًا. اقرأ أيضًا | القاهرة - واشنطن.. من التحالف الهادئ إلى الشراكة المحسوبة مع ذلك، للنجاح جوانب سلبية هل تذكرون قاعدة بوترى بارن فى السياسة الخارجية، التى اشتهرت خلال حرب العراق؟ «إذا كسرتها، فأنت مالكها» والآن لدينا مقولة ترامب: «إذا صلحتها، فأنت مالكها» على الرغم من حرص ترامب على التخلى عن التزاماته تجاه الشرق الأوسط عند توليه منصبه، إلا أنه أخذ على عاتقه مسئولية كبرى: مسئولية خطة سلام ستحمل اسمه إلى الأبد فى 6 أكتوبر 2023، أى قبل يوم من طوفان الأقصى، كانت العلاقات العربية الإسرائيلية على وشك تحقيق اختراق تاريخى بتطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية؛ وبعد عامين، أصبحت العلاقات العربية الإسرائيلية - بما فى ذلك إنجاز ترامب الأول فى ولايته الرئاسية، المتمثل فى اتفاقيات إبراهيم، على شفير الهاوية بتقديمه خطة لا تعد فقط بإنهاء الحرب فى غزة، بل ببناء سلام إقليمى شامل ودائم، تولى الرئيس مهمة إصلاح الشرق الأوسط، بحسب ما نشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدني. إن كيفية اضطلاع ترامب بهذه المسئولية المهمة لها عواقب وخيمة على دور أمريكا فى المنطقة والعالم. يراقب الصينيون ما إذا كان سيتحلى بالشجاعة الكافية للحفاظ على تحالف واسع النطاق عندما تسوء الأمور. ويراقب الروس ما إذا كان الرئيس سينفذ بصرامة بنود الاتفاق حرفيًا أم سيتجاهل بعض الجوانب غير السارة. وسيراقب الإيرانيون ما إذا كان ترامب سيجد نفسه غارقًا فى تفاصيل إعادة إعمار غزة لدرجة أنه لن يتمكن من إعادة بناء التحالف العربى الإسرائيلى الذى حمى إسرائيل قبل عام من وابل الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة الإيرانية وسيتساءل جميع هؤلاء الخصوم - وغيرهم-عما إذا كان التركيز الأمريكى المكثف اللازم لضمان تنفيذ هذه الصفقة سيصرف انتباه الرئيس عن مجالات الضرر الخاصة بهم هذه بعض المخاطر الدولية هناك طريق صعب أمام تحقيق الصفقة نفسها ستشمل بعض التحديات الأكثر إرباكًا ما يلى: تنفيذ خطة سلام غزة شديدة التعقيد، وتكليف الجيش الأمريكى بتنسيق تجنيد ونشر وإدارة قوات متعددة الجنسيات، وإنشاء إدارة انتقالية والإشراف عليها، تشرف على كل شىء بدءًا من الإغاثة الإنسانية إلى إزالة الأنقاض والذخائر وصولًا إلى مشاريع إعادة الإعمار الضخمة، وتأمين الدعم من الأممالمتحدة ووكالاتها المتخصصة، التى يتعين عليها أن تلعب دورًا أساسيًا فى تقديم الخدمات الغذائية والطبية، ومنع قطر وتركيا من ترجمة وضعهما الحالى إلى تأثير على اتجاه السياسة الفلسطينية. والتعامل مع كل خطوة على الطريق مع رئيس وزراء إسرائيلى من ائتلاف يمينى من المرجح أن ينظر إلى كل قرار، كبيرًا كان أم صغيرًا، من خلال عدسة انتخابات مصيرية من المتوقع أن يدعو إليها قريبًا جدًا والتى ستظهر ما إذا كان الشعب الإسرائيلى يريد معاقبته أو مكافأته على ترامب مهمة حيوية أخرى على الأقل فى هذا الشأن. يجب عليه أن يشرح للشعب الأمريكى سبب قيامه بذلك على مدى ما يقرب من 20 عامًا، صرح الرؤساء الأمريكيون من كلا الحزبين برغبتهم فى الابتعاد عن الشرق الأوسط، لكنهم يجدون أنفسهم باستمرار متورطين فى صراعات المنطقة وسياساتها المعقدة فى كثير من الأحيان. يستحق الأمريكيون أن يعرفوا لماذا قرر رئيس «أمريكا أولاً» أن المصالح الأمريكية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بنجاح خطة السلام هذه. وعلى الرغم من الانقسامات الداخلية، فإن المنصفين من كلا الحزبين سيدعمون نجاح ترامب فى صفقة السلام هذه.