قد يكون حديث الدكتور طارق الزمر، أحد قيادات الجماعة الإسلامية، بعد خروجه من المعتقل، بأن أبناء الجماعة تواجدوا فى الميدان منذ اليوم الأول للثورة، وأنهم حموا شباب الثورة المودرن يوم موقعة الجمل، وأن الجماعة كانت مقموعة فى عهد مبارك، وأنها أكثر فصيل دفع ثمن الحرية فى هذه البلد، من الاعتقالات والتشريد والقتل، صحيحاً فى جوانب كثيرة منه. لكن المتابع لموقف الجماعة الإسلامية خلال فترة الثورة، يدرك بأن الضربات التى وجهها نظام مبارك لها هى التى أجبرتها على الصمت. ربما خشية من اعتقادها بأنها أكثر الفئات المستهدفة للاعتقال والتشريد. وربما أن الكثيرين منهم قد خرجوا حديثاً من المعتقلات وما زالوا يكونون أفكاراً عن المجتمع الذى تركوه سنيناً طويلة. وربما لعدم خبرة الجماعة فى تنظيم المظاهرات السلمية وحسن قيادتها. وربما للفجوة التى خلقها نظام مبارك بينهم وبين المجتمع، بلصق تهمة الإرهاب لهم. صحيح أن أرشيف الثورة يثبت وجود شبابهم، وقليل من قياداتهم، فى المظاهرات من أول يوم، غير أن تسجيل هذه المشاركة وتوثيقها رسميا لم يتم، ولم يتنبهوا له حتى الآن. فلم تصدر عن الجماعة أو عن قياداتها أية بيانات خلال الفترة من 25 يناير حتى الثانى من فبراير 2011. بل حتى حينما خرجت الجماعة عن صمتها المطبق، راحت تدعو المتظاهرين فى ميدان التحرير إلى التجاوب مع النقاط التى تضمنها خطاب الرئيس مبارك فى الأول من فبراير، الذى أعلن فيه نيته عدم الترشح لفترة رئاسية جديدة، وأن يعودوا إلى منازلهم حتى تسير عجلة الحياة الطبيعية، وأن يغلبوا مصالح الوطن على ما سواها. وراح الدكتور ناجح إبراهيم، الرجل الثانى فى تنظيم الجماعة الإسلامية فى مقال نشره على موقع الجماعة الإلكترونى يدعو المتظاهرين بأن يتجاوبوا مع كل النقاط التى حواها الخطاب، وألا تغلب عليهم نظرية المؤامرة؛ بأن هذه خدعة من الرئيس، والتفاف على مطالبهم. مفسراً ذلك بأن الرئيس مبارك ليس من هذا النوع الضعيف الذى يعلن عن أمر ثم يلتف عليه. قائلاً بأن الرغبة فى إذلال رئيس الجمهورية بطرده من مصر لا يليق بشعب مصر العظيم، وأن الرجل قد تخلى عن السلطة، فيجب إكرامه وذكر أفضاله. لكن يبدو أن تفاعل الجماعة الإيجابى مع الخطاب الرئاسى المؤثر لم يدم طويلاً. فبعدما حدث فيما سمى بموقعة الجمل كتب الشيخ أسامة حافظ، مفتى الجماعة الإسلامية، مقالاً على موقع الجماعة أشاد فيه بشباب المتظاهرين فى ميدان التحرير ومن تصديهم للبلطجية، ومشيداً باللجان الشعبية ودورها فى حماية الممتلكات. وفى تقديرى أن حسابات الدكتور ناجح إبراهيم باعتباره منظر الجماعة وأهم شخصياتها القيادية، جعلته لا يتخلص من تراث الجماعة السيئ مع الأمن والشرطة المصرية، وألا يقدم تصريحاً يبدو فيه عكس الانطباع العام الذى ساد الشارع المصرى بعد خطاب مبارك العاطفى. لكن فى المقابل بدت الجماعة وكأنها ليست مع الثورة. خصوصًا أنها تكلمت بعد فترة صمت منذ بدء التظاهرات. لكن إذا قدرنا حجم التعذيب والاعتقالات التى تعرضت لها الجماعة فى عصر مبارك، وعدد الأفراد الذين قتلوا وأعدموا من أبنائها، لتلمسنا العذر والعبء الذى يقع على كاهل قياداتها، ومن ثم فهى أبعد فصيل يمكن اتهامه بالجبن والتخاذل عن نصرة الثورة والثوار. وفى هذا الإطار يمكن فهم البيان الأول الذى أصدرته الجماعة الإسلامية بخصوص الثورة المصرية خلال جلسات الحوار الوطنى التى كان يجريها عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية، مع القوى الوطنية والسياسية. فتحت عنوان أفكار تستحق الإشادة اعتبرت الجماعة بأن الأفكار الواردة فى تلك الجلسات هى أمور تستحق الإشادة والتدعيم، وأنها تمثل الخطوة الأولى للخروج من الأزمة الدائرة، ومن حالة الجمود التى سيطرت على الدولة المصرية على مدى ثلاثين عاماً. بما أدى إلى إصابة المجتمع المصرى بحالة من التيبس. لكنها وخلال إشادتها بالحوار الوطنى ونتائجة، راحت تطالب بضمهما إلى الحوار الذى يجريه عمر سليمان مع القوى الوطنية.مبررة مطلبها، على لسان الدكتور ناجح إبراهيم ، بأنها من أوائل القوى السياسية التى عارضت الحكم فى مصر، ودفعت ثمناً كبيراً لذلك، ومن حقها أن يشملها الحوار مع قوى المعارضة. فى حين راح عصام دربالة، عضو مجلس شورى الجماعة، فى بيان له على موقع الجماعة الإلكترونى، يطالب بالحرية دون إقصاء أى تيار سياسى من خلال رفع القيود عن العمل السياسى . د. أحمد عبد الدايم محمد حسين [email protected]