عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الخميس 5-6-2025 في مصر بعد الارتفاع الكبير (آخر تحديث)    اللحمة الكيلو ب340 جنيها.. أسعار اللحوم بمحال الجزارة في كفر الشيخ    زعيم كوريا الشمالية: ندعم روسيا فى جميع مواقفها السياسية بما فى ذلك قضية أوكرانيا    الخطيب ال16.. من سيلقى خطبة عرفة اليوم    أذكار الصباح ودعاء يوم عرفة لمحو الذنوب (ردده الآن)    أخبار مصر: إقالة مسئول بوزارة الصناعة على الهواء، ترامب ينتقم من دول عربية بسبب مصري، ارتفاع الذهب، تحذير من طقس يوم عرفة    موعد أذان المغرب اليوم في القاهرة والمحافظات يوم عرفة.. هنفطر الساعة كام؟    «البحر الأحمر» ترفع درجة الاستعداد لاستقبال عيد الأضحى    موعد صلاة عيد الأضحى 2025 في القاهرة والمحافظات    إلى عرفات الله، قصة قصيدة بدأت برحلة هروب واعتذار شاعر وانتهت بصراع بين مطربتين    أيمن بهجت قمر يحتفل بتخرج ابنه: «أخيرًا بهجت عملها» (صور)    استشهاد 10 فلسطينيين في غارات إسرائيلية على قطاع غزة    "الصحة" السعودية تحذر الحجاج من التعرض لأشعة الشمس من 10 صباحا حتى 4 مساء    زلزال بقوة 5.7 درجات يضرب بنما ولا تقاريرعن وقوع أضرار    الولايات المتحدة تعلن اعتقال قيادي داعشي    إيلون ماسك يهاجم خطة ترامب الضريبية: إفلاس أمريكا ليس مقبولا    شريف بديع ل الفجر الفني: كنت شاهد على تحضيرات ريستارت..ورسالته مهمه وفي وقتها ( حوار)    تهنئة عيد الأضحى 2025 رسمية مكتوبة    عالم أزهري: أفضل أيام العشر يوم النحر يليه يوم عرفة    ترامب يأمر بفتح تحقيق بشبهة التستر على الحالة العقلية ل بايدن    وداعًا سيدة المسرح العربي| سميحة أيوب.. فصل الختام في سيرة لا تنتهي    موعد إعلان نتيجة 3 إعدادي محافظة جنوب سيناء الترم الثاني.. رابط الاستعلام بالاسم و رقم الجلوس فور اعتمادها    فرصة تعيين جديدة.. «التعليم» تفتح باب التقدم ل 9354 و ظيفة معلم مساعد في اللغة الإنجليزية بجميع المحافظات    «بعد توافد الحجاج على جبل عرفات».. كيف يقضي الحاج يومه في أعظم أيام الحج؟    فضل الدعاء في يوم عرفة.. أمين الفتوى يوضح    حبس عصابة تخصصت في سرقة مواقع تحت الإنشاء ببدر    أيمن موسى يكتب: «جورجي إسرائيلي كوري بيلاروسي»    اليوم.. «بيت الزكاة والصدقات» يقدِّم 4000 وجبة إفطار للصائمين بالجامع الأزهر    تشكيل الزمالك المتوقع ضد بيراميدز في نهائي كأس مصر.. الجزيري يقود الهجوم    عيد الأضحى موسم للتواصل مع الناخبين.. الأحزاب تسابق الزمن استعدادا للانتخابات    محافظ قنا يستقبل وفدًا من مطرانية الأقباط الأرثوذكس للتهنئة بعيد الأضحى    نوال الزغبي ترد على أنباء زواج وائل كفوري (فيديو)    دي أمراض أنا ورثتها، كامل الوزير يقيل أحد مسؤولي وزارة الصناعة على الهواء (فيديو)    الفاصوليا ب 70 جنيهًا.. أسعار البقوليات في أسواق الشرقية الخميس 5 يونيو 2025    أبطال مجهولون في العيد.. وقف ‬الراحات ‬وحملات ‬مكثفة ‬وانتشار ‬أمني ‬واسع    إصابة 3 أشخاص إثر انقلاب سيارة ملاكي في الوادي الجديد    ناجي الشهابي مهنئًا الرئيس السيسي بعيد الأضحى المبارك: نقف خلفكم.. ومواقفكم أعادت لمصر دورها القيادي    إصابة 3 أشخاص في انقلاب ملاكي بمحور أسيوط - الوادي الجديد    «اصبر أحنا مطولين مع بعض».. محامي زيزو يتوعد عضو مجلس الزمالك بعد واقعة الفيديو    رد جديد من اتحاد الكرة بشأن أزمة عقد زيزو مع الزمالك: «ملتزمون بهذا الأمر»    بعثة الأهلى تغادر مطار دبى إلى أمريكا للمشاركة فى كأس العالم للأندية    المصرية للاتصالات WE تطلق رسميًا خدمات الجيل الخامس في مصر لدعم التحول الرقمي    غرفة عمليات ذكية لضمان أجواء آمنة.. صحة مطروح تُجهز الساحل الشمالي ل صيف 2025    بعد ارتفاع عيار 21 لأعلى سعر.. أسعار الذهب اليوم الخميس 5 يونيو بالصاغة محليًا وعالميًا    أحمد سالم: صفقة انتقال بيكهام إلى الأهلي "علامة استفهام"    بحضور نجوم الفن.. حماقي وبوسي يحييان حفل زفاف محمد شاهين ورشا الظنحاني    هل تسقط مع الظهر بصلاة العيد؟.. حكم صلاة الجمعة يوم «الأضحى المبارك»    رسميًا.. الهلال السعودي يعلن تعاقده مع سيموني إنزاجي خلفًا لجيسوس    نجاح أول جراحة لاستبدال الشريان الأورطي بمستشفى المقطم للتأمين الصحي    نصائح مهمة يجب اتباعها على السحور لصيام يوم عرفة بدون مشاكل    صحة الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى خلال إجازة عيد الأضحى    التعليم العالى تعتزم إنشاء أكبر مجمع صناعي للأجهزة التعويضية    قبل صدام بيراميدز.. كم مرة توج الزمالك ببطولة كأس مصر بالألفية الجديدة؟    نجاة السيناريست وليد يوسف وأفراد أسرته من حادث سير مروع    الرسوم الجمركية «مقامرة» ترامب لانتشال الصناعة الأمريكية من التدهور    القائد العام للقوات المسلحة ووزير خارجية بنين يبحثان التعاون فى المجالات الدفاعية    الوزير: "لدينا مصنع بيفتح كل ساعتين صحيح وعندنا قائمة بالأسماء"    فوائد اليانسون يخفف أعراض سن اليأس ويقوي المناعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجيش والثورة.. من الميدان إلي الانتصار
جمعة الرحيل وصحوة الضمير
نشر في الأخبار يوم 18 - 09 - 2011

في الحلقة التاسعة من كتاب »الجيش والثورة من الميدان إلي الانتصار« يرصد مؤلف الكتاب وقائع ما شهده ميدان التحرير في جمعة الرحيل، والمحاولات التي بذلتها الحكومة لتهدئة مشاعر المتظاهرين، وأهداف الزيارة التي قام بها المشير حسين طنطاوي إلي الميدان صباح ذات اليوم.
ويرصد الكاتب مواقف القوي السياسية من دعوة الحوار التي أطلقها نائب رئيس الجمهورية عمر سليمان ويركز علي استراتيجية الإخوان المسلمين وكيف تعاملوا مع الأحداث في هذا الوقت!!
ويتحدث الكاتب عن العلاقة التي كانت تربط بين رشيد محمد رشيد وجمال مبارك وكيف استطاع رشيد محمد رشيد الإفلات من الاعتقال في هذا الوقت.
ويتوقف الكاتب أمام موقف الإدارة الأمريكية وتصاعد الضغوط من أجل إجبار الرئيس علي التنحي ونقل السلطة إلي حكومة انتقالية خاصة بعد الخطاب الذي ألقاه مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية علي خامنئي والذي تحدث فيه عن إقامة نظام إسلامي في مصر!!

كانت القوات المسلحة قد استعدت لجمعة »الخلاص والرحيل« في الرابع من فبراير ، تمت زيادة حجم القوات المرابضة علي أطراف الميدان، وكان هناك تعاون واضح مع الثوار في تشكيل اللجان الشعبية للحيلولة دون اختراق المليونية الكبري من بعض عناصر وفلول الحزب الحاكم ، خوفا من تكرار سيناريو موقعة »الجمل«!!
تدفقت الجماهير واحتشدت منذ مساء الخميس، وزحف مئات الألوف في الصباح المبكر من جمعة »الرحيل« إلي الميدان، الذي تمت إحاطته بأسلاك شائكة في مداخله الرئيسة، وتعرض المواطنون للتفتيش حرصا علي سلمية المظاهرات.
جرت إقامة العديد من المنصات لإلقاء الخطب حيث كان هناك أكثر من منصة لشباب الثورة، وكانت هناك منصة للاخوان المسلمين ومنصة لبعض المثقفين والقوي الحزبية وكانت الخطب تركز علي شعار واحد ووحيد هو رحيل الرئيس وإسقاط النظام.
كان عشرات الألوف من الأسر المصرية قد زحفت بصحبة أطفالها إلي الميدان، حاملين الأعلام المصرية ومرددين الهتافات ومصممين علي البقاء بالميدان لحين إسقاط النظام.
كانت هناك مظاهرات أخري في بعض ميادين القاهرة احتشدت خلالها أعداد محدودة من المتظاهرين تطالب بالاستقرار وبقاء الرئيس وقبول خطوات الإصلاح التي أعلنها في خطاباته الأخيرة.
ومع اقتراب صلاة الجمعة كان هناك أكثر من مليون متظاهر قد احتشدوا في الميدان، حيث ألقي الشيخ خالد المراكبي إمام مسجد عمر مكرم خطابا ألهب حماس الجماهير وطالبهم بالصمود لحين تحقيق النصر.
كانت مشاعر الحزن علي الشهداء الذين سقطوا في الميدان دافعا للمتظاهرين لأشعال نار الثورة.
ارتفعت اللافتات التي تطالب بمحاكمة وزير الإعلام، فقد كان أنس الفقي معاديا للثورة، بل يقاتل ضدها بشراسة، لقد سخر الإذاعة والتليفزيون وكان يعطي تعليمات للصحف القوميةبتبني خطاب وخيارات النظام وتوجية الاتهامات إلي الثوار والتحريض ضدهم!!
في هذا اليوم كان رئيس الوزراء أحمد شفيق قد بدأ في الاتصال بعدد من العناصر المقبولةجماهير يا لتهدئة مشاعر الثائرين بالميدان، ففي مساء الخميس 3 فبراير كان عمرو موسي الأمين العام للجامعة العربية قد تلقي اتصالا من الفريق أحمد شفيق يطلب منه فيه تهدئة مشاعر المتظاهرين ودعوتهم للحوار مع الحكومة.
وبالفعل قام عمرو موسي بزيارة سريعة إلي ميدان التحرير حيث ألقي خطابا وجه فيه التحية إلي ثورة الشباب ودعاهم إلي رفض التخريب والتدمير وأن يقبلوا الدعوة للحوار مع الحكومة وأن يختاروا عددا من ممثليهم للمشاركة في الحوار الذي دعا إليه نائب رئيس الجمهورية!!
وانتقد عمرو موسي أحداث العنف التي شهدها ميدان التحرير وقال إن المرحلة الانتقالية بدأت طريقها بالفعل بعد أن أعلن الرئيس مبارك أنه لن يرشح نفسه مرة أخري للانتخابات الرئاسية!!
كان عمرو موسي قد اتخذ قراره في هذا الوقت بالترشح لانتخابات الرئاسة حتي وإن لم يعلن ذلك صراحة، إلا أنه وجد الفرصة سانحة لتحقيق حلمه الذي ألمح إليه أكثر من مرة ولكن بشكل غير صريح.
..لقد ظن عمرو موسي أن ساعة الحسم قد جاءت، وأن رصيده السياسي والوطني عند الجماهير كبير وتحديدا مواقفه في مواجهة السياسة الأمريكية والإسرائيلية، معروفة للكثيرين خاصة أن وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق »مادلين اولبرايت« لعبت دوراً مهماً في التحريض علي إبعاده من موقعه!!
كانت زيارة عمرو موسي للميدان نقطة فاصلة في اتخاذ قرار الترشح، خاصة بعد أن هتف الآلاف من المتظاهرين بدعوته للترشح، كان يدرك أن ساعة سقوط النظام قد حانت، وأنه سيكون الأقوي بين المرشحين، إذا فتح باب الترشح في أعقاب الفترة الانتقالية.
كان الجيش يتابع الموقف في الميدان عن كثب، وكان المشير قد عقد اجتماعا مساء الخميس مع الفريق سامي عنان رئيس الأركان، وقرر النزول إلي الميدان بنفسه وبشكل مفاجئ في »جمعة الرحيل«.
أبدي بعض ضباط المنطقة المركزية دهشتهم عندما علموا بالأمر، فقد كان الوضع خطيرا جدا، وكانت مشاعر الجماهير ملتهبة، وكان الأمر غير مضمون العواقب، إلا أن المشير صمم علي النزول إلي الميدان.
وقبيل صلاة الجمعة بقليل كان المشير قد وصل إلي ميدان التحرير ، فوجئ المتظاهرون بوجوده وسطهم، تبادل معهم الحديث، قال لهم: »يا جماعة الراجل قال لكم إنه لن يرشح نفسه مرة ثانية، أتمني منكم الهدوء، مطالبكم إحنا عارفنها كل ما أرجوه منكم هو الهدوء، إحنا حنبدأ الحوار معاكم وأرجوكم إقنعوا الإخوان المسلمين بالمشاركة فيه مع كل القوي الأخري«!!
لقيت كلمات المشير قبولا واسعا لدي من التفوا حوله من المتظاهرين هتفوا بكل قوة »يا مشير .. يا مشير احنا ولادك في التحرير«، دقائق معدودة وغادر المشير الميدان، وشدد قبل المغادرة علي مطالبته للقادة العسكرية في الميدان حماية المتظاهرين والتعاون مع لجانهم الشعبية.
في هذا الوقت كان الإخوان المسلمون قد أصدروا بيانا أكدوا فيه استعدادهم للمشاركة في الحوار ولكن بعد رحيل الرئيس مبارك عن الحكم، إلا أن شباب الإخوان بالميدان طالبوا مكتب الإرشاد بعدم تفويت الفرصة والمشاركة في الحوار الذي دعا إليه عمر سليمان ، وطرح الشروط كاملة عليه.
كان ظهور الإخوان المسلمين في مسرح الأحداث مثيراً لقلق بعض التيارات الليبرالية والعلمانية، فالإخوان قوة مؤثرة في الشارع، بل تكاد تكون القوة الأكثر تنظيما وفاعلية..!!
لقد شاركوا بشكل قوي في مسرح الأحداث منذ الثامن والعشرين من يناير، وكانوا هم، الفصيل الأقوي الذي تمكن من دحر البلطجية في موقعة »الجمل«! لقد قاتلوا بروح من البطولة أذهلت الجميع، ودفعوا ثمنا لذلك العديد من الشهداء والجرحي من بين صفوفهم.
أدرك الإخوان في هذه اللحظة أن الفرصة باتت مواتية للتخلص من نظام القهر والاستبداد، حسموا أمرهم وقرروا الدفع بجميع كوادرهم والجماهير المحيطة بهم، لتحقيق الحلم المنتظر وتطهير مصر من النظام الفاسد الذي حكمها علي مدي ثلاثين عاما.
كانت للإخوان استراتيجيتهم، وسعيهم الدؤوب للوصول إلي الحكم عن طريق صندوق الانتخابات، بعد أن طلقوا العنف السياسي منذ زمن طويل، لقد أدركوا أن اللحظة قد حانت، وأن سقوط النظام يعني أن انتخابات جديدة سوف تشهدها البلاد، وأنهم الأكثر حظا في الفوز بغالبية المقاعد البرلمانية، وهو الأمر الذي سيمكنهم من تشكيل الحكومة والتحكم في إصدار القوانين!!
كان الإخوان يعرفون أن هناك قوي سياسية وجماهيرية لاتزال تشكك في نهجهم السياسي وسعيهم لإقامة دولة دينية في البلاد، ولذلك أصدروا في هذا اليوم بيانا أوضحوا فيه موقفهم من الدولة الدينية، حيث أكد البيان اتفاقهم مع الرغبة الشعبية الواضحة في أن تكون مصر دولة مدنية ديمقراطية ذات مرجعية إسلامية، وأن تكون الأمة فيها مصدر السلطات، وتعتمد النظام البرلماني نظاما للحكم وتكفل حرية تكوين الأحزاب واستقلال القضاء، وأن تبقي فيها المؤسسة العسكرية حامية للوطن بعيدة عن السياسة!!
لم تقتنع النخبة بما طرحه الإخوان المسلمون، لكنهم وجدوا أن الأولوية في الظرف الراهن هي لإسقاط النظام، ثم تليها مرحلة الحوار بين جميع القوي الوطنية والثورية بما فيها »الإخوان المسلمون« لتحديد مسار المرحلة الانتقالية ودور القوي السياسية فيها.
.. كانت كل القوي تريد أن تثبت وجودها في هذا الوقت، فقد أدرك الجميع أن النظام يلفظ أنفاسه الأخيرة، وإنه مستعد لتقديم المزيد من التنازلات وإن التاريخ يكتب صفحة جديدة في حياة هذا الوطن.
لم يقتصر الأمر علي قوي الداخل، بل إن الملك السابق أحمد فؤاد الثاني آخر ملوك مصر الذي أطاحت به ثورة 23 يوليو في يونيو 1953 وجدها فرصة ليبعث برسالة إلي الجميع يقول فيها »أنا هنا«!!
.. كان أحمد فؤاد يتحدث وكأنه صاحب حق تاريخي في هذا البلد، لقد، أطلق بيانا من مقر إقامته بسويسرا طالب فيه بايجاد حل سريع للأزمة في مصر، وراح يقدم برنامج عمل عنوانه »التنمية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لن تتحقق إلا بالحوار السلمي«!!
تلقي المحللون كلمات الملك السابق بشيء من الحذر، أبدي البعض مخاوفهم من أن تكون هناك خطة غربية هدفها إعادة الملكية مرة أخري إلي مصر، إلا أن صوت الجماهير الهادر علي الأرض المصرية ورفع صور الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في كل مكان كانت هي الرد الأبلغ علي مثل هذه الادعاءات..
وكان محمد البرادعي المدير السابق لوكالة الطاقة الذرية قد مثل هو الآخر علامة استفهام لدي الكثيرين، لقد كان له دوره في الحراك الجماهيري في الشارع قبل الثورة بقليل، إلا أنه سرعان ما كان يختفي ثم يعود من جديد!!
ومع انطلاقة الثورة لم يكن البرادعي موجودا علي أرض مصر فلقد عاد في وقت لاحق.
واستقبل بحفاوة في ميدان التحرير يوم 27 يناير ،خاصة من أنصاره الذين ينتمون إلي الجمعية الوطنية للتغيير، كما أنه شارك في مظاهرة كبيرة يوم بجمعة الغضب»82 يناير« انطلاقا من أحد مساجد الجيزة الكبري.
لقد اقترح محمد البرادعي في »جمعة الرحيل« ضرورة أن تكون هناك فترة انتقالية لمدة عام تدير فيها الحكومة الحالية الأمور في مصر، بعد أن يجري تنحية الرئيس عن السلطة، وتتهيأ الأجواء لإجراء انتخابات في ظل رقابة دولية ولجنة قضائية مستقلة!!
وكان البرادعي هو واحد ممن يطرحون أنفسهم كبديل للنظام الحالي، إلا أن موقفه كان يتأرجح بين إعلان استعداده للترشح تارة والابتعاد عن مسرح الأحداث تارة أخري، إلا أن حالة من التردد والرفض له سادت مشاعر الكثيرين في هذا الوقت، بسبب الحملات الإعلامية التي تعرض لها قبل وأثناء الثورة!!
كان الميدان يموج بالبشر وبالأعلام التي ارتفعت شاهقة، وكان دوي الهتافات ينقل علي الهواء مباشرة، وفي هذا اليوم تحديداً اقترحت لجنة الحكماء التي جري تشكيلها من بعض رموز الفكر والثقافة بضرورة أن يعلن الرئيس مبارك تفويضه للسيد عمر سليمان وينقل إليه صلاحياته كاملة حتي تاريخ الانتخابات الرئاسية الجديدة.
.. كانت اللجنة قد أجرت مشاورات مع جميع القوي السياسية وممثلين عن الثوار والإخوان المسلمين وقد وافقت الغالبية علي هذا المقترح، وقالوا إن الهدف من ذلك هو أن يتنحي الرئيس مبارك، ولكن بشكل حضاري لا يمثل إهانة له، ولا يتسبب في فراغ دستوري، ولا يشكل رغبة انتقامية يمكن أن تقود البلاد إلي الدمار..!!
لقد تضمنت المقترحات الستة التي طرحت في الميدان بواسطة المفكر ورجل القانون د.أحمد كمال أبوالمجد أن يتعهد نائب الرئيس بحل مجلسي الشعب والشوري، وإجراء التعديلات الدستورية من خلال لجنة قضائية مستقلة وخبراء دستوريين، وتشكيل حكومة تكنو قراط مقبولة شعبياً، وإنهاء حالة الطوارئ ومحاسبة المتورطين في الاعتداء علي المتظاهرين، وعلي الممتلكات العامة والخاصة، وتأمين المتظاهرين في ميدان التحرير والميادين الأخري.
لقد أشاد البيان بالدور الوطني المسئول للمؤسسة العسكرية، في إشارة واضحة لا تخلو من معني ودلالة، خاصة بعد أن أعلنت المؤسسة العسكرية انحيازها لخيار الشعب وتفهمها لمطالبه المشروعة.
كانت الجماهير علي قناعة تامة بأن خيار التنحي هو الخيار الوحيد المقبول في هذا الوقت، ولذلك ما أن انتهي د.كمال أبوالمجد من طرحه للبرنامج المقترح من لجنة الحكماء حتي أنقسم المتظاهرون بين أقلية مؤيدة وأغلبية رافضة.
أدركت لجنة الحكماء أن الشارع المصري لم تعد لديه ثقة في النظام القائم، وأن هناك تخوفا من تدهور الأوضاع الأمنية بعد رفض غالبية المتظاهرين للبيان الأول، فقرروا إصدار بيان ثان ناشدوا فيه المؤسسة العسكرية أن تلعب دورها للخروج بالوطن والمواطنين من هذه الأزمة وإنقاذ أرواح شباب مصر.
لقد حذر البيان من مغبة العنف الذي تشهده الشوارع المصرية في هذا الوقت وقال إن هذا العنف لن يقود إلا لمزيد من الاحتقان السياسي وانسداد أي أفق لانفراج الأزمة الراهنة.
في هذا الوقت أصدرت مجموعة تطلق علي نفسها »حركة شباب 52 يناير« بيانا اعتذرت فيه للرئيس مبارك عما آلت إليه الأحداث في البلاد، قالت فيه: إن الحركة وجهت في الخامس والعشرين من يناير مطالب محددة تستهدف تحقيق التغيير وليس الإطاحة بالنظام، وإنها قررت الانسحاب من الميدان بعد ذلك خاصة بعد قيام عناصر مندسة باستفزاز قوات الأمن وقيام عيون وعملاء لجهات أجنبية لها أيادٍ بالداخل بالتدمير والنهب والحرق سعياً وراء مصالح شخصية!!
وقد طالبت هذه الحركة التي حملت شعار »الحرية لمصر« بمحاكمة جميع المسئولين عن الانفلات الأمني الذي شهدته البلاد وعلي رأسهم وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، كما طالبوا بمحاكمة كل من تورط في عدم الاستجابة للقوات المسلحة وتضليل آلاف الشباب للبقاء في ميدان التحرير مما يشكل تهديدا للأمن القومي واستقرار البلاد!!
لقد أدان الثوار هذا البيان واعتبروه لا يعبر عنهم، وقالوا إن من أصدره هم حفنة من أعوان الحكومة وإن الثوار الحقيقيين لن يبرحوا جميع الميادين إلا بإسقاط النظام وإجبار الرئيس علي التنحي!!
.. في هذا الوقت تم إنشاء »إذاعة الثوار« في الميدان وكانت الإذاعة ترد علي الشائعات وتنقل البيانات والمعلومات وتوجه المتظاهرين أولاً بأول، وراح الشباب ينظمون أنفسهم في لجان تنظيمية وإعلامية للرد علي كل ما يثار ومواجهة الأحداث والتطورات.
.. كان الميدان ملتهباً، وكانت الأصوات الرافضة أقوي، إلا أن بعض القوي السياسية رأت أن الحوار مهم في هذه اللحظة التاريخية، ليس فقط لوضع حد للعنف والفوضي التي تهدد البلاد ولكن لطرح أهداف الثورة والعمل علي تحقيقها سلمياً علي مائدة الحوار.
.. في هذا اليوم أعلن حزبا الوفد والتجمع عن عزمهما المشاركة في الحوار الوطني الذي دعا إليه نائب رئيس الجمهورية عمر سليمان لبحث تحقيق الإصلاحات السياسية والدستورية وبقية المطالب الجماهيرية ومن بينها تحديد الحد الأدني للأجور والتحقيق في أحداث موقعة الجمل »2 فبراير«.
وفي هذا اليوم أيضا أصدر النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود قراراً يقضي بمنع المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة في حكومة أحمد نظيف من السفر إلي خارج البلاد وتجميد أرصدته في البنوك كإجراء وقائي لحين استكمال التحقيق معه.
.. كان رشيد محمد رشيد قد غادر قبل هذا الموعد إلي قطر في طائرة خاصة مملوكة لأحد كبار المسئولين ثم إلي دبي، وقد أعلن في تصريحات صحفية أنه لم يهرب خارج البلاد، وأنه سيعود علي الفور بعد انتهاء مهمته وأكد أنه مستعد للمثول أمام جهات التحقيق، وراح يوالي إصدار التصريحات والبيانات من الخارج ليشير إلي أن صدور هذا القرار جاء نتيجة للبلاغ السابق الذي تقدمت به للنائب العام حول دوره في إدخال صفقة القمح الفاسد إلي مصر، وهو ما ترتب عليه حبس مستورد الصفقة 54 يوماً وإرغامه علي دفع 06 مليون جنيه قيمة 25 ألف طن استوردها من روسيا!!
كان الأمر متعلقا بفساد اقتصادي واسع شهدته وزارة الصناعة والتجارة في عهد الوزير الذي كان واحدا من أقرب المقربين إلي جمال مبارك، إنه نفس الرجل الذي أشاد به الرئيس الأمريكي جورج بوش في وقت سابق معتبراً أنه يمثل نموذجاً للديمقراطية والتغيير في مصر!!
يومها قامت الدنيا ولم تقعد ضد رشيد محمد رشيد، واعتبر البعض أن إشادة بوش به وبنهجه يعني أن الإدارة الأمريكية باتت مقتنعة بأنه يمثل البديل المنتظر، إلا أن الأيام مضت وتعاظمت سلطة رشيد محمد رشيد أكثر من ذي قبل، ويومها وضح للجميع أن رجال جمال مبارك لا يمكن المساس بهم، حتي وإن رغب الرئيس في غير ذلك!!
كان جمال مبارك قد عقد العزم علي إبعاد أحمد نظيف مع قرب انتخابات الرئاسة، والإتيان برشيد محمد رشيد كبديل له في رئاسة الوزارة وتشكيلها من عدد كبير من رجال الأعمال، لقد كان علي قناعة بأن اختيار رشيد، سيمثل رسالة ذات معني إلي الإدارة الأمريكية، خاصة أن كثيراً من الأجهزة كانت تعرف أن رشيد هو واحد من أبرز رجالات الحكم المقربين إلي الإدارة الأمريكية، شخص موثوق فيه لديهم!!
يومها اعتبر جمال مبارك أن ترشيح رشيد محمد رشيد رئيساً للوزارة من شأنه أن يرفع الفيتو الأمريكي علي مشروع »التوريث« خاصة أن إدارة أوباما أعلنت أنها ستحترم السيادة الوطنية للبلدان المختلفة ولن تتدخل في شئونها الداخلية.

كان الشارع المصري مشغولاً بما يمكن أن تسفر عنه جمعة »الرحيل« وكانت المخاوف من انفجار الأوضاع أو تكرار سيناريو الهجوم علي المتظاهرين كبيرة، كانت الساعات تمر بطيئة، وكان الأمل يحدو الجميع في تحرك للقوات المسلحة للانقلاب علي النظام والإمساك بحكم البلاد.
في هذا اليوم بدأت مواقع الإنترنت تنشر تفاصيل مقال كشفت فيه صحيفة »نيويورك تايمز« الأمريكية عن مشاورات واتصالات جرت بين مسئولين مصريين وأمريكيين تستهدف اجبار الرئيس مبارك علي الاستقالة ونقل السلطة إلي نائبه عمر سليمان.
كان الرئيس أوباما يقود هذه المشاورات بنفسه، وكانت هيلاري كيلنتون وزيرة الخارجية هي محور هذه الاتصالات، وكان أشد ما يقلق الإدارة الأمريكية هو موقف الجيش المصري، إن واشنطن لا تريد للجيش السيطرة علي الحكم، بل فقط تأمين نقل السلطة إلي حكومة انتقالية!!
في هذا اليوم أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية عن ارتياحها للمسيرات السلمية التي يقوم بها المصريون للاحتجاج ضد النظام، وأشادت بالدور الذي يقوم به الجيش المصري في حماية وتأمين هذه المظاهرات بشكل سلمي وهادئ، وأعربت عن أملها في ضرورة نقل السلطة علي الفور!!
وكان رئيس أركان القوات المشتركة الأمريكية قد أعلن بدوره أنه تلقي تطمينات من القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية بأنها لن تطلق النيران علي المتظاهرين في التحرير، كما أشادت وزارة الدفاع الأمريكية بموقف القوات المسلحة من تأمين المظاهرات وحماية المتظاهرين.
.. كانت واشنطن قلقة جداً من نمو التيار الإسلامي الصاعد في هذه المظاهرات، فالإخوان دخلوا الساحة بثقلهم والسلفيون حسموا ترددهم وقرروا المشاركة بقوة، كما أن الجماعة الإسلامية لم تكن بعيدة عن مسرح الأحداث.
.. لقد سعت واشنطن إلي ضمان النقل الآمن للسلطة سريعا إلي حكومة انتقالية تكون مهمتها التمهيد لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في أسرع وقت ممكن لقطع الطريق أمام انفراد الإسلاميين أو صعود نجمهم في الأحداث.
.. لقد تسبب تصريح أطلقه آية الله خامنئي مرشد الثورة الإسلامية في إيران في خطبة الجمعة التي تحدث فيها باللغة العربية للمرة الأولي، في تصاعد حالة من القلق والمخاوف لدي صناع القرار بالإدارة الأمريكية.
كان خامنئي قد طالب في خطابه بإقامة نظام إسلامي في مصر، مؤكداً أن الثورات العربية لا تعدو كونها بمثابة توابع لزلزال الثورة الإيرانية عام 9791..
كانت واشنطن قلقة من هذه التطورات الخطيرة، لقد أدركت أن إيران لن تبقي بعيدة عن مسرح الأحداث في مصر، خاصة بعد النجاح الذي تحقق في الإفراج عن عدد من كوادر حزب الله وكوادر حماس من سجن وادي النطرون وتهريبهم إلي خارج البلاد سريعاً.
في هذا الوقت راحت واشنطن تسابق الزمن، وتمارس ضغوطها بشدة علي النظام، غير أن الجيش المصري كان في الجانب المقابل يتحرك ويدفع بالأمور نحو ضمان إنهاء الأزمة والحيلولة دون الانفلات الأمني الذي تصاعد في هذا الوقت بشكل كبير.
الخميس المقبل الحلقة العاشرة:
انهيار الحزب والبحث عن »محلل«!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.