أربعة أيام فقط مرت علي بدء تحقيق حلم استضافة أول مونديال عالمي لكرة القدم في القارة السمراء, ورغم أن هذه الأيام القليلة لا تنبئ بالكثير عما ستشهده المنافسة الطاحنة بين32 فريقا علي مدار شهر كامل, لكن ما شهدناه من مباريات لا يشير إلي تغييرات كبيرة في خارطة الكرة العالمية. فلا تزال أمريكا اللاتينية ممثلة في البرازيل والأرجنتين تعزف ألحانا كروية مختلفة الإيقاعات والتفاصيل, وتأتي بعدها أسبانيا وهولندا بكرة جميلة هي خليط بين النظام الأوروبي الدقيق والمهارة اللاتينية المميزة.. لكن المدارس الأوروبية الأكثر جدية في كرة القدم مثل انجلترا وألمانيا لم تبدي كرامة حتي الآن, بينما واصلت فرنسا عروضها الهزيلة استمرار للحالة المزاجية الفرنسية, التي تتداخل فيها الكثير من العوامل النفسية والعلاقات الشخصية بين المدرب ولاعبيه. في المونديال العالمي بجنوب أفريقيا أو في أي مكان في العالم يمكن الحكم علي الشعوب من خلال كرة القدم, فالكوريون الذين يقدسون العمل, ويعملون بروح الفريق في المصانع والشركات, تجدهم كذلك في الملاعب إيقاعات سريعة ومنضبطة, وحماسة متقدة وكأنك تشاهد صناعة مباراة في كرة القدم داخل مصنع أو شركة وليست داخل ملاعب كرة القدم. أما الفرق الأفريقية فهي جميعا تمتاز بمهارات فردية عالية, لكنك لا تشعر تقريبا بأن القارة السمراء مصممة علي الدخول في عالم كرة القدم, وإنما نحن أمام سوق لعرض اللاعبين للبيع في أكبر الفرق الأوروبية, مما يجعل مباريات الفرق الأفريقية أقرب لسوق تجاري منها لمباريات كرة القدم, أو جلسة مزاد للمزايدة علي اللاعبين الأفارقة خاصة صغار السن في الفريق الغاني. فرق أمريكا اللاتينية ومعها أسبانيا تمتاز بالدم الحار, والطقس الحار, الذي يجعل اللاعبين ينتفضون طوال الوقت ليس فقط في الكشف عن مهاراتهم, وإنما لتحقيق الفوز, خاصة علي الفرق الأوروبية, وكأنما نعيش عصر الستينات حينما كانت أمريكا اللاتينية في حالة حرب مع أوروبا لإنهاء الاستعمار القديم ونيل الاستقلال.. وهي نالت استقلالها الكروي قبل السياسي. أما أوروبا فهي لا تزال مجرد فرق منضبطة منظمة تلعب كرة القم بالورقة والقلم.. ووفق حساب دقيق, لا مجال فيه للخطأ, لكن الخطأ وارد وعندها يتحول إلي كارثة كما حدث من حارس مرمي إنجلترا أمام الولاياتالمتحدة, التي هي بالمناسبة أكثر ميلا وتحالفا في السياسة وفي كرة القدم إلي أوروبا. ماذا سيحدث في كأس العالم, التاريخ يقول أن الأوربيين لا يحرزون اللقب إلا علي الأراضي الأوروبية, بينما القادمون من بعيد من أمريكا اللاتينية يمكنهم التألق في قارات العالم كافة, لكنهم لم يجربوا من قبل القارة السمراء.. وهنا ستبدو المنافسة تاريخية وحامية بين أمريكا اللاتينية التي كانت في معسكر سياسي واحد مع القارة الأفريقية طوال الستينات.. وعادت لها من جديد مع يسارها السياسي الجديد..وبين أورويا الإمبراطورية الاستعمارية القديمة التي استعمرت الاثنين معا.. أمريكا اللاتينية وافريقيا. هذا هو الصراع التاريخي الذي يبدو أنه سيعيد تكرار نفس فصوله منذ انطلاق هذه المسابقة عام1930, بينما ستكتفي قارات مثل أمريكا الشمالية وأسيا وأفريقيا وحتي إستراليا باللعب علي تناقضات أمريكا اللاتينية وأوروبا بحثا عن مجرد الوصول إلي منصة التتويج ولو عبر المركز الرابع.. لكن حصانا أسيويا واحدا قد يكون مؤهلا لتكرار هذا الانجاز وهو كوريا الجنويبة.