من حق الباحثين والدارسين لتاريخ الشعوب والذين من صميم عملهم هو الوقوف علي المرصد يرقبون ما يحدث وما يجري للبلاد والعباد من أحداث أن يتأملوا فيما حدث لمصر منذ أن اندلعت ثورة25 يناير والموجة الثانية لها وهي ثورة30 يونيو.. لقد أثبت شعب مصر للعالم أنه عريق ومتحضر وأن حضارة سبعة آلاف عام وما يزيد تقف وراءها وتدفعه ليستعيد عافيته ومكانته ولكي ما يبدع ويصنع المعجزات.. أنه نفس الشعب أذهل العالم في(1973) بعبوره وكسر حاجز المستحيل محققا نصرا معجزا ظافرا مشهرا ومجردا إسرائيل وجيشها التي ادعت أنه الأسطورة والجيش غير القابل للهزيمة.. فإذا بذلك الشعب يهدر عليهم متسلحا بإيمانه وحضارته مصمما علي استرداد كرامته وكرامة الأمة العربية غير عابئا بتلك الأقاويل وتلك الإمكانيات والقدرات التي توافرت لجيش إسرائيل وتفوقه في العتاد والسلاح.. وإذ به يحول التاريخ ومجري الأحداث نفس الشيء حدث في25 يناير حيث خرج ذلك الشعب في الميادين ومكث ليال عديدة يدفعه إصراره وإيمانه أنه هو صاحب الشرعية وأنه لابد وأن يخلع مبارك رغم محاولاته وتوسلاته لأن يمنحه الشعب الفرصة لكي ما يصحح أخطاءه.. ولكن الشعب قد رأي أنه يصعب أن يسلم له مرة ثانية وقد كان أشبه بالزوجة التي رأت استحالة الحياة مع زوج لا يرعي حقوقها فقام بخلعه من الحكم وكانت هذه أول سابقة في التاريخ المصري الذي يثور فيه علي الحاكم ويقصيه عن الحكم واصفا إياه بالمخلوع.. وقد يستغرب البعض هذه التسمية ولكن لها أساس في التوراة, ولعل ذلك هو الخلع الذي تجيزه المحاكم الشرعية الآن وقد يكون ذلك الوضع أي نعته بالمخلوع ليس فقط أنسب لقب قد رآه الشعب وقتها ولكن لما ينطوي عليه ذلك المسمي المعروف بمخلوع النعل من تخل عن المسئولية وعدم القدرة علي الولاية وتوفير الحماية.. فقد كان أي أخ يموت عند اليهود وليس له نسل كان يلزم أخيه بأن يتزوج زوجته لكي ما يقيم لأخيه نسلا وحتي لا تنقطع ذريته وذكره.. وعندما لا يقبل يذهبون لأقرب واحد من العائلة وهو ما يعرف بالولي ولكن شريطة أن يقوم ذلك الأخ بخلع نعليه ويطلق عليه في إسرائيل مخلوع النعل وكان يعد ذلك عارا في إسرائيل.. لقد ألحق شعب مصر العار بحاكمه الذي تخلي عنه وأهمله.. ولم يكتف بذلك بل طالب بمحاكمته وأخضعه للقضاء ولم يرتض غير ذلك وقد كانت هذه السابقة الأولي من وصفها وكان لها دلالات عظيمة وكبيرة وهي أن الشعب هو صاحب القوة الحقيقية.. وأن أي حاكم مهما كانت قوته وقهره فإنه بذلك يدخر لنفسه غضبا في يوم الغضب الذي يعلنه عليه الشعب ويطارده حتي آخر نفس وحتي ولو كلفه ذلك الكثير من تضحيات ودماء غزيرة إنه نفس الشعب الذي استهان به حاكموه فهانوا عليه وقام بتجريدهم من قوتهم التي نسوا أنهم هم مصدرها وأنهم قد منحوها لهم يوم أن ائتمنوه علي أنفسهم وعلي مستقبلهم ومستقبل أبنائهم وعهدوا إليه من خلال عقد غير مكتوب برعاية مصالحهم وأن يخاف الله فيهم.. وعلي الرغم من ذلك الدرس القاسي والفريد في نوعه إلا أن الطغاة لا يتعلمون وأن بريق السلطة والجاه يعمي أبصارهم وبصائرهم بل ويختم علي قلوبهم فإذ هم لا يبصرون وإذ بهم يسقطون في نفس الغلطة برغم من أن التجربة مازالت قائمة وأن الرئيس المخلوع لم يبرح سجنه هو وأولاده وأيا كان وصفه القانوني إلا أنه قد خضع للقضاء والمحاكمة وهو ما لم يكن يتخيله هو حتي في أشد الكوابيس.. ولكن قد حدث ووقف العالم كله منبهرا بما حدث ومن قوة ذلك الشعب وإصراره وقدرته علي البذل والتضحية من أجل تحقيق أهدافه.. ويأتي الإخوان إلي الحكم ولكنهم سرعان ما نسوا ما حدث وظنوا أنهم محصنون وأن لديهم القوة والشرعية التي تحميهم فراحوا يكررون نفس الأخطاء ولكن علي نحو أشد.. وقد غاب عنهم الحرص ولعبت أحلامهم برءوسهم واستهانوا بالشعب وأرادوا أن يجعلوا منه محرقة وأضحية لتحقيق طموحاتهم وأحلامهم.. فقد تعاقبت علي الشعب النوازل وضاقت حالته الاقتصادية ورأي خيراته تذهب للآخرين بطرق غير مشروعة.. وأدرك أن ما يحدث هو مخطط لتجويعه وأن من أتي بهم إلي الحكم ليسوا كما كانوا يوعدونه بالخير الوفير ورغد العيش والنهضة بل أنه ببلده ذات التاريخ والحضارة مجرد خطوة وعتبة للوثوب إلي أوهام ليس لها مكان إلا في عقولهم وهي دولة الخلافة والتي لا تعدو مصر فيها سوي أحد الأمصار.. لذلك رأوا أن يختزلوا دولة بحجم مصر وتاريخها وحضارتها التي لا تعدو لديهم سوي رمز الأوثان وسرعان ما ظهر أفقهم الضيق وفكرهم الرجعي وحاولوا أن يلبسوا مصرا ثوبا آخر لا يليق بها أو هو ليس بثوبها.. وقد ظنوا أن شعبها بعد ثورة يناير لا يمكن أن يعيد الكرة بعد أن أجهد في سلسلة من الانتخابات وبعد تلك السنة العجفاء التي تولي فيها الإخوان الحكم فهم لن يقووا علي الحراك.. وقد ظن الإخوان أنهم في موقع القوة وأن الشعب لن يخرج عليهم رغم تلك الأزمات المتكررة والتي شاهدناها في أزمة الطاقة علي نحو أشد وضوحا حيث كان يبيت السائقون أمام المحطات في طوابير تصل بالكيلومترات وقد لا يحصلون علي الوقود.. وعلي الرغم من التنبيهات والتصريحات والتلميحات من جانب رجل الشارع إلا أن الإخوان رأوا أن يمضوا في طريقهم وأن ذلك الشعب لا يستطيع أن يثور مرة أخري.. وقد كانت نفس روح الاستخفاف ولكن علي نحو أشد قوة ووضوحا من جانب رموز النظام وقتذاك.. والذين حاولوا تخويف الشعب وردعه بأن من يخرج عليهم وعلي رئيسهم الذين اعتبروه ليس فقط رمزا للشرعية بل إنه هو الشرعية ذاتها سوف يوقعون بهم وينحرونهم كالإبل.. وقد كانت التهديدات صارخة وكان يتوعدونهم بالثبور وعظائم الأمور.. ذلك هو العناد بعينه وعدم القدرة علي التعلم بل إن شئت فقل إن هذه هي سطوة وشهوة السلطة وغرورها الذي تمثل بل وجسده الرئيس مرسي الذي ركب رسه هو ومكتب الإرشاد الذي أتي منه لكي ما يحكم مصر لحساب أجندات أخري وليس لحساب شعبها ومصلحته.. وقد ظن الإخوان ورئيسهم الواهم والمخدوع الذي خدعوه بأنه هو صاحب الشرعية وهو الرئيس المنتخب الذي أتي به الصندوق لذلك لن يخرج عليه الشعب لأنه يوم أن يقبل علي ذلك فهو يكون قد خرج علي الشرعية.. لقد ضلل الإخوان الرجل وخدعوا أنفسهم.. وإذ بهم يصمون آذانهم ولم يسمعون لأصوات العقلاء وكان كل من يوعيهم يعتبرونه خائنا وخارجا علي الشرعية وأن عليه أن يدخر نصائحه لنفسه.. وقد نتظر الشعب أن يخرج الرئيس عليهم بخطاب يهدئهم ويطمئنهم فيه فإذا به يسخر منهم ومن معاناتهم وقد كانت هذه هي القشة التي قصمت ظهر البعير وإذ بالشعب يخرج عليه هادرا كعادته كالطوفان الكاسح والجارف والذي يجرف في طريقه كل ما يعترضه.. وقتها وقف العالم مشدوها ومندهشا بما يفعله المصريون بعد ثورة25 يناير وحالة الإنهاك فإن به يستجمع قواه ليفاجئ العالم بأكبر حشد بشري عبر التاريخ الإنساني كله يخرج في مواجهة رئيسه ليعزله بعد أن فوض مؤسسته الوطنيه وهي الجيش ليتولي حماية الوطن والشعب.. أكثر من ثلاثين مليونا خرجوا ضد مرسي وجماعته وبعدها حصل علي لقب المخلوع.. ومثل في نفس القفص في المحاكمة القضائية كسلفه مبارك ولكن الفوارق كانت كبيرة.. فمبارك قد أستغرق ما يزيد علي ثلاثين عاما في الحكم قبل أن يخرج الشعب عليه ومرسي قد أكمل العام فقط وخرج الشعب عليه ليعزله.. مبارك خرج عليه مليونين وكان وقتها ذلك الرقم قياسيا في تاريخ الثورات ولكن مرسي خرج عليه ما يزيد علي30 مليونا, مبارك قد استسلم للقضاء ولأحكامه بعد خلعه وعندما اتخذت الإجراءات القانونية والعدالة مجراها ضد مرسي وجماعته أثاروا الفتن والقلاقل وأسالوا دماء الأبرياء واستنزفوا الشعب وأرهقوه بالتظاهرات التي اتسمت بالعنف الشديد وقاموا بحرق المؤسسات والكنائس علي أمل إشعال نيران حرب أهلية.. وهم الآن رغم تراجعهم مازالوا يحاولون التلاعب بعقول البسطاء ويوهمونهم بأن الرئيس مرسي سوف يعود إلي الحكم فهو صاحب الشرعية وقد حاولوا تصدير ذلك الوهم لهذه الفئات المغرر بها.. ولكن الأغرب من ذلك ما فعله مرسي أثناء المحاكمة وهو ما يؤكد علي أن الرجل بالفعل لم يخدع فقط من جماعته ولكن من نفسه وقد تحدث بلغة غريبة مع رجال القضاء وأخذ يهزي أنه الرئيس الشرعي وأنه هو الذي يجب أن يحاكمهم ويحاكم الانقلابيين وهو يعتقد أنه سوف يعود ويفعل ذلك بهم.. من هنا فهو يستحق أن يلقب ليس بالرئيس المعزول ولكن بالمخدوع. دكتواره في العلوم السياسية [email protected] رابط دائم :