معاني الفساد, كما يقول الراغب الأصفهاني, إنه يشير إلي خروج الشيء عن الاعتدال, قليلا كان الخروج أو كثيرا, ويقابله أي يضاده الصلاح, وينسحب ذلك علي النفس, والبدن, والأشياء الخارجة عن الاستقامة, ومن الملفت أنه تختل لدي كثير من المفسدين, مقاييس الخير والشر, فيزعمون أن إفسادهم إصلاح. والفاسدون دائما يعرفون من أين تؤكل الكتف, ولذلك لا تراهم يضيعون وقتا, أو يفوتون فرصة; فما إن يستشعروا أدني خطر, تجدهم يسارعون إلي وضع المتاريس, ونصب الفخاخ, والتخفي في أكثر من قناع.. تارة يقولون لك إنهم لا يبغون سوي المصالح العليا, وأخري يزعمون أنهم يرفضون التهرب من المسئولية, ومرة ثالثة يدعون أنهم لا يسعون إلي أي مطامح, أو مطامع ذاتية.. بالمناسبة يقال إن آية الفاسد.. المبالغة في ادعاء النظافة. هم في الحقيقة يخادعون أنفسهم, ويكذبون وهم يعلمون أنهم يكذبون, لكنها النفس البشرية, والنزعة الدفاعية المتأصلة في عقولهم الفاسدة, التي تحرضهم علي بذل أقصي ما لديهم من جهد, للاحتفاظ بمكاسبهم, والتصدي لأي تهديد محتمل, قد يهز مقاعدهم, ويفضح انحرافاتهم, التي يمكن- في حال انكشافها- أن تعرضهم للمساءلة القانونية, ولا تستبعد في هذا الإطار, المحاكمة الجنائية. أمثال هؤلاء.. جل تصرفاتهم كذب ومراوغة, وانتهازية ودسائس ومؤامرات, ومحاولات استباقية, لإجهاض كل ما يمكن أن يشكل لهم أو عليهم خطرا, من قريب أو بعيد.. العجيب أنهم إذا قابلوك, قالوا لك إنهم ضد الفساد ومع النزاهة والشفافية, بينما إذا خلوا إلي شياطينهم, أخذوا بأيديهم, وأبرموا معهم الوعود والعهود, علي ألا يسمحوا لأي غريب عنهم, أن يطأ أرضهم, أو يفضح جرمهم.. أو يقف علي أسرارهم, وألاعيبهم الجهنمية.. هؤلاء وأمثالهم, تحسبهم جميعا, مع أن قلوبهم شتي, غير أن وحدة المصالح, هي ما يؤلف بينهم, ويجمع شتاتهم, ولو بصفة مؤقتة, فإذا ما هدأت الريح وانجلت الغمة بالنسبة لهم, عاود كل منهم سيرته الأولي, طاعنا في كفاءة ونزاهة الآخر. الفاسدون جميعا.. الخداع طبعهم, والمراوغة طريقتهم... يقولون لك, في حال نصرك الله عليهم ومكنك من تعريتهم أمام نفوسهم المريضة, إن الأمور تشابهت علينا, وإنا إن شاء الله لمهتدون, فيما هم يكيدون لك ويتربصون بك, حتي يتحقق لهم ما خططوا له وسعوا إليه, فإذا خاب ظنهم وضل سعيهم, وأسقط في أيديهم, تراهم يبدون لك محبة وودا مصطنعين, علي النقيض تماما مما كانوا يضمرون. هؤلاء ينطبق عليهم قول الله تعالي في كتابه الحكيم: ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله علي ما في قلبه وهو ألد الخصام, وإذا تولي سعي في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد. ولا غرابة في هذا.. فإن فيروس الفساد يطور نفسه باستمرار, ويتكيف مع الظروف المحيطة به, حيث يتحور ويكتسب القوة, والقدرة علي التسلل من أسهل ثغرة, ومهاجمة أقرب نقطة ضعف.. فإذا ما أعيته الحيل وأضعفته الوقاية, بقي رغما عن أنفه, كامنا ساكنا, هامدا خانعا مستسلما, حتي حين. لكن مع هذا.. يجب الانتباه إلي أن مكمن الخطورة في الفساد, أنه يأتيك من مأمنك, أي من حيث لا تدري ولا تحتسب.. كما أن الفساد, تستطيع إدراكه بجميع حواسك, إلا بالعين! وعلي ذكر الفساد, أتصور أن اختيار القيادات الصحفية الجديدة في المؤسسات والصحف التي اصطلحنا علي تسميتها بالقومية, يجب أن يخضع لضوابط ومعايير حقيقية, تجنبنا لكثير من أوجه الفساد, التي شابت تلك الاختيارات, في أثناء ولاية مجلس الشوري المنحل, وفي ظل رئاسة فتحي شهاب الدين للجنة السياحة والثقافة والإعلام.. فالمعروف أن طريق عدد غير قليل من القيادات المشار إليها, كان مفروشا بنسبة بارزة وسافرة, من التدخلات والمجاملات, والانقلاب علي كل المقاييس المعلنة, والتصريحات الرسمية الكاذبة والمضللة. وأقسم بالله أننا لو كنا في بلد يحترم القانون, ويقر بالحق والعدل, لاستوجب الأمر محاكمة كل من كانوا سببا في قفز أقزام بالباراشوت, علي منصب رئاسة التحرير, بطرق فاسدة, رتبت لأصحابها أهلية, فاقدة تماما للشرعية, أو حتي المعقولية والمنطقية البشرية.. ولا أستثني من هؤلاء المشبوهين, رئيس مجلس الشوري, ووزير الإعلام, ونقيب الصحفيين السابقين, وهم بالترتيب: أحمد فهمي وصلاح عبدالمقصود تعال وأنا أقولك هو عمل إيه؟!, والرجل المؤمن ممدوح الولي, وبعض ممن جري اختيارهم في لجنة تقييم ملفات المترشحين لموقع رئاسة التحرير, ولو أن اختيارات وتفضيلات بعض هؤلاء, ضرب بها عرض الحائط, ربما بسبب ما تردد, من أنها كانت توجيهات, إما من مكتب الإرشاد بالمقطم, أو بحسب أهواء السادة المحترمين فهمي وعبدالمقصود والولي! ومع إقراري بالتقدير والاحترام لأعضاء المجلس الأعلي للصحافة, الذين تم تعيينهم في أعقاب ثورة يونيو, فإنني أنبه إلي أنه ينبغي أن يكون واضحا في الأذهان, أن شبح الفساد يمكن أن يحضر مجددا, في قليل أو كثير من الاختيارات المقبلة, وهذا في حال فتحنا المجال لالشخصنة, وغياب النزاهة والمعيارية, والتغاضي عن تمتع المرشحين الجدد, بالجدارة, والكفاءة والاستحقاقية المهنية والعلمية, ويسبق هذا ويتوازي معه, نظافة اليد ودماثة الخلق, والتحلي بالروح الثورية, وأخيرا الأقدمية.. ولا أنصح مطلقا بالاحتكام إلي آلية الانتخاب من داخل المؤسسات الصحفية, ففي يقيني أن هذه الآلية, ظاهرها الشفافية والمصداقية, لكن باطنها التزوير والمحسوبية. وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي, إن ربي غفور رحيم. صدق الله العظيم... ألا هل بلغت, اللهم فاشهد. رابط دائم :