«ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول منى لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين».. صدق الله العظيم هذه الآية تنهى الجدل تماما حول هدفنا من الكتابة والرغى والثرثرة.. فليس صحيحا على الاطلاق ان كلامنا سيهدى الضال ويصلح الحال.. ولو كان الكلام يهدى ويصلح لكان كلام الله تعالى أولى بذلك ولكان كلام رسله الكرام أحق.. ربما نكتب ونقول ليقال كتبوا وقالوا.. ربما نسعى إلى شهرة ونجومية ومنصب وفلوس ومنا من يكتب ليبرئ ذمته ويكون من الناجين يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.. وهؤلاء أيضا لا يهدون ضالا ولا يصلحون حالا.. ولا يعيدون مرتحلا ولا يطردون حالا. القاعدة العامة الآن أن الناس ضالون إلا من رحم ربى.. وان الناس فاسدون إلا قليلا ليسوا شيئا مذكورا وان التيار الجارف هو تيار الفساد والضلال واما ان تسبح معه وتركب موجته فتعلو أو تسبح ضده فتغرق.. وسنة الله فى خلقه ان الخير فى القليل والصلاح فى القليل والهدى فى القليل.. وإذا قررت ان تكون مع القليل فلن يكون لك جمهور أو مريدون أو أنصار وانصارك لا يدفعون عنك شرا ولا يقونك بردا ولا حرا. يغرنا تقلب الذين كفروا وافسدوا فى البلاد اى انهم «ماليين الدنيا».. تراهم هنا وهناك اعلى صوتا واكثر نفيرا فلا يملك المرء إلا أن يقول: «اشمعنى انا يعنى.. الناس كلها كده». الزيف هو قائد وحادى رحلات الشتاء والصيف.. والناس لا يعنيهم الكيف.. ولكن يعنيهم الكم.. نحن مع الكثير ولا يهم ان كان زبدا يذهب جفاء.. المهم انه كثير نستأنس به ونختبئ فيه ونقى انفسنا من التفكير والبحث عن الصواب فإذا قال الضالون قلنا خلفهم «آمين».. لانهم كثير والكثرة تغلب الشجاعة.. والزيف الكثير يغلب الحق القليل..وهذا هو حل اللغز وجواب السؤال: لماذا يفشل المصلحون وينجح المفسدون ؟ لماذا ينتصر المضلون وينكسر الهداة؟ لأن الكثير يكسب.. فانت لا تحتاج إلى عناء لاقناع اللص بأن سرقاته مشروعة.. لا تحتاج إلى جهد لتبرر للزانى جريمته.. لكنك ستفشل رغم الكبد والجهد فى اقناع اللص بالكف عن لصوصيته واقناع الزانى ببشاعة جرمه (لماذا؟ لان جينات الناس مضبوطة على الفساد ولأن كرات دمهم مغموسة فى الانحراف والشر.. فأنت لست بين فاسد وصالح ولكن بين فاسد ومن ينتظر دوره فى طابور الفساد.. ومن لم يفسد بعد لم تأته الفرصة بعد.. وهناك مفسدون ولا يشعرون كما جاء فى القرآن الكريم.. يعنى المصلح نفسه قد يكون مفسدا ولا يشعر.. أو قد يكون مصلحا فعلا لكنه يحتاج فى دعوته للاصلاح إلى مرحلتين.. الأولى اقناع المفسد بأنه مفسد ثم اقناعه بالكف عن فساده.. والمرحلة الأولى صعبة إلى حد المستحيل لذلك لن ينتقل المصلح إلى المرحلة الثانية ابدا.. بل ربما ينجح المفسد فى اقناع المصلح بفساده وهذا أقرب. زمان كان أبى يرحمه الله وكان الكبار جميعا فى قريتى وأسرتى يوجهون إلينا نصيحة واحدة متكررة هى تجنب رفاق واصحاب السوء وكانوا يقولون: (فلان ده حيبوظ أخلاقك.. فلان ده صايع ومنحرف اوعى تصاحبه ولا تمشى معاه).. وحاولت يوما أن اتفلسف وقلت لابى: (ولماذا لا اصلحه أنا؟ لماذا تخاف على منه ولا تثق باننى قادر على اصلاحه؟).. فقال لى ببساطه وتلقائيه: (موش لو كان عارف انه فاسد وصايع؟) الاقرب ان يقنعك الفاسد بالفساد ولا تقنعه انت بالصلاح.. العزل والنبذ خير سلاح ضد الفسده (والصيع).. أما مصاحبتهم فهى تشجيع لهم وتمكين من نشر رذيلتهم.. الفسدة يعتبرون أنفسهم متحضرين ويروننا متخلفين وربط الرقى والتحضر بالفساد والانحراف اسرع وسيلة لنشرهما بين الناس كما يحدث الآن.. والناس يحبون السهل وينفرون من الصعب.. وطريق الفساد والانحراف مفروش بالورود والتحضر والرقى لكن طريق الاستقامة والصلاح مفروش بالأشواك واتهامات التزمت والتطرف والإرهاب والتخلف والظلامية. ولا سبيل لإثبات رقيك إلا بالفساد والانحراف.. كما ان الأدهى والأمر ان فسادك أهم أوراق اعتمادك فالفسدة والفسقة اعلى مكانة واغنى وأكثر نجومية ومسموعو الكلمة واصحاب قرار وامدهم الله بأموال وبنين وجعلهم اكثر نفيرا ليمضوا فى طغيانهم يعمهون.. وإذا غضب الله على عبد زين له سوء عمله.. وجعله من الأخسرين اعمالا الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا. الفسدة اصحاب القول الفصل والرأى الحاسم واصحاب اقلام ونجوم شاشات وميكروفونات وقادة رأى ويحتلون المقاعد والمواقع وهؤلاء مفسدون ولا يشعرون وهم الذين إذا قيل لهم: اتقوا الله اخذتهم العزة بالاثم وإذا قيل لهم: لا تفسدوا فى الأرض قالوا: انما نحن مصلحون. هؤلاء كثيرا ما صادفتهم وحاورتهم (ونشفوا ريقى واعترضوا طريقى واشعلوا حريقى).. كثيرا ما اتحاور مع اناس يتحدثون نفس لغتى ولكننى اشعر باننى اتحدث معهم بلغة لا يفهمونها.. الناس يفهمون الالفاظ ولا يعرفون المعانى.. وعندما يستغلق الأمر تجد نفسك فى حيرة: هل المدرس كان حمارا فى شرحه.. أم ان التلميذ كان حمارا فى فهمه؟ الكل يقول ان الدنيا (بايظه والناس وحشه) حتى هؤلاء (اللى مبوظين الدنيا) يقولون ان الدنيا (بايظة) حتى هؤلاء الذين خربوها وقعدوا على تلها يقولون ان الأمة (خربانة).. الناس جميعا يتهمون الناس (طب فين الجانى والمجنى عليه؟) (اوسخ الناس يقولون: احنا شعب وسخ).. مثل رجل سب الدين لرجل يسب الدين اعتراضا على فعلته الشنعاء.. مثل رجل يدعو إلى المعروف بالمنكر.. ويدعو إلى الاصلاح بالافساد ويدعو إلى الهدى بالاضلال.. مثل الصحافة والاعلام اللذين يدعوان إلى الفضيلة بالرذيلة ويمارسان التوعية بالتعمية.. ويسعيان إلى افاقة الناس بتخديرهم. نحن لسنا فى زمان الحلال البين والحرام البين بل نحن فى زمن المشتبهات والاشباه.. انه زمان البلبلة والغلوشة والشوشرة والتشويش.. إذاعات الحق والصلاح والهدى يتم التشويش عليها والغلوشة عليها فلا يتبين لك ما تقول فتصاب بالزهق والقرف وتحول المؤشر بعيدا عنها.. والناس لا يتقون الشبهات ولكن يخوضون فيها لأن هناك فتوى تحرم وأخرى تبيح.. ونحن مع من يبيح.. نحن مع التيسير ونردد أن الدين يسر واعتمادا على ذلك (نقطع السمكة وديلها) أو نسرق السمكة وذيلها مع أن يسر الدين استدراج خطير حيث هو حجة لنا لا علينا يوم القيامة. الدنيا من حولنا كلها مشتبهات ليس فى الأمور الدينية فقط ولكن فى كل الأمور.. السياسة العربية كلها مشتبهات.. والثقافة والفن والإعلام والانتخابات والاقتصاد والطب والقانون.. حياتنا كلها إلا مثل قوانيننا وتشريعاتنا.. هذا حلال إلا أن يكون كذا وكذا.. هذا محظور إلا أن يكون كذا وكذا.. وإلا مثل لو تفتح عمل الشيطان والفساد.. (إلا) أداة استثناء.. وحياتنا مليئة بالاستثناءات والحسوبيات.. وفى ظل (إلا) يكون الفساد قانونيا ويكون الانحراف شرعيا (كله بالقانون) وفى ظل (إلا) امتلأت تشريعاتنا بالثقوب والمنافذ والأبواب الجانبية والسلالم الخلفية للهروب من القانون والإفلات من العقوبة. إن ما يؤلم حقا أنه لم تعد هناك حقائق فى هذه الأمة.. ولم تعد هناك ثوابت.. كل الأمور تم تمييعها وتسييلها وتحولت إلى مشتبهات وأنت لا تعرف من الذى عليه الحق ومن الذى معه الحق.. لا تعرف من المرشح الأصلح لتعطيه صوتك.. لذلك يبتعد المحترمون وينزوى ذوو الأخلاق.. فالمشارك فى كل شئون الأمة المانعة لابد أن يكون شريكا فى الجريمة وهو لا يدرى.. الزيف بطل المشهد السياسى وبطل المشهد الإعلامى وبطل كل الأفلام العربية فى كل مجال.. حتى أنك فى ظل المشتبهات والزيف لا تستطيع أن تعرف هل هذا الأمر نكتة فتضحكك.. أم أنها مأساة فتبكيك. الدنيا من حولنا (صينى).. زمان لم نكن نعرف إلا الطقم الصينى.. ولم نعرف من الصين أيضا إلا البطة البكينى والمايوه البكينى.. والطقم الصينى أو طقم الصينى والبط البكينى والمايوهات البكينى كانت كلها أسماء تعبر عن علامات الجودة والسخونة والإثارة والطعم اللذيذ.. لكن الصينى اليوم مرادف للزيف.. ومرادف للمضروب والمغشوش.. هو مرادف للمشتبهات والبين بين (وكده وكده).. (ويعنى.. ويمكن.. وأصل.. وفى الواقع) لكنه أبدا ليس مرادفا للقطع والحسم والحقيقة. وبهذا المعنى أصبح كل شيء (صينى)؛ السلع والناس والدواب والمعانى والكلام.. المرشح صينى ونائب البرلمان صينى والوزير صينى والصحفى صينى والإعلامى صينى والحب صينى والنسوان (صينى) والقاضى صينى والقانون صينى.. والحقيقة (صينى) والسلام مع إسرائيل صينى والعروبة (صينى).. والأزهر صينى والكنيسة صينى والتدين والدعاة والعلماء والقساوسة (كله صينى). الحياة العربية كلها صينى.. وديمقراطيتنا وحريتنا وانتخاباتنا وبرلماناتنا وحكوماتنا ومعارضاتنا وأحزابنا واجتماعاتنا على مستوى القمة أو القاعدة وتصريحاتنا ووعود وزرائنا ومرشحينا ومسئولينا.. كل هذا وغيره (صينى).. فلا نحن صنعنا زيفا محليا ولا استوردنا حقائق من مصادر جيدة.. هذه الأمة صارت كلها (صينى).. صارت مضروبة تلمع وتبرق وتخطف البصر وتغرى بالسعر الرخيص ولكن سرعان ما (يبوظ) كل شىء بعد قليل.. فلا ضمان ولا أمان ولا قطع غيار.. وكل شىء فى هذه الأمة صار يستعصى على الإصلاح مثل البضاعة (الصينى).. وليس أمامك إلا أن تلقى به فى أقرب صفيحة زبالة.. (الناس فى أمتى باظت).. ولأن الناس (صينى) فلا سبيل لإصلاحهم ولا حل إلا تكهينهم وبيعهم خردة.. وهناك عملية منظمة الآن لتخريد الشعوب العربية أى بيعها خردة ومستعملة.. الشعوب يتم استخدامها الآن كقطع غيار للأغنياء والمفسدين فى الأرض.. الشعوب العربية الآن يتم التعامل معها كمناطق عشوائية خطيرة يجرى التخلص منها وإزالتها.. لتقام بدلا منها مناطق الأغنياء العشوائية.. فالأغنياء يقيمون الأبراج المخالفة لكن لا يقال عن مناطقهم عشوائية بل يقال مناطق راقية.. أما الفقراء فإن قطهم جمل وحبتهم قبة. يا أصدقائى جويلى وأحمد أبو زريعة وعبد الكريم مكى ومصطفى ابوبكر خير الله لعلكم مثلى تبحثون بين ركام الزيف والزبالة (الصينى) عن شىء واحد حقيقى.. لعلكم مثلى تبحثون عن شىء واحد أصلى وأصيل.. لقد أزالوا من طرقنا العلامات.. كل العلامات التى كنا نلف وندور ثم نعود إليها.. اليوم نلف وندور لكننا نتوه ونحاول العودة فلا نستطيع بعد أن أزالوا العلامات من طرقنا.. لذلك لا نعرف من أين جئنا ولا إلى أين نذهب ولا متى سنعود. كل محاولات الإصلاح تصطدم بأن ما نحاول إصلاحه (صينى) لا سبيل إلى إصلاحه وإعادته إلى ما كان عليه.. فليس لأى منا كتالوج نستطيع العمل من خلاله.. الحكاية كلها مزيفة فالمصلح مزيف وما يتم إصلاحه مزيف. لم يعد هناك شىء أصيل فى أمتنا.. كل القيم تم تسييلها وتسييحها.. فلا عيب ولا حرام ولا (كخ ولا دح).. الناس يتفاخرون بفسادهم وبقدرتهم على مسح البلاط بالقانون والقيم وبامتلاكهم ثمن كل شىء كما قال الشاعر العربى القديم: شعث مفارقنا تغلى مراجلنا نأسو بأموالنا آثار أيدينا والأغنياء فى أمتنا يأسون بأموالهم آثار أيديهم يقتلون ويسرقون ويزنون ويبيعون الأوطان ويدفعون لإسكاتنا وإخراسنا أو لنشيل عنهم القضايا أو لنعطيهم أصواتنا فى الانتخابات.. هؤلاء جعلوا حياتنا كلها (صينى).. أنا نفسى صينى.. وقلمى يعصينى فى الزمن الصينى. ••••• نظرة أجهلنا من يظن أنه أكثرنا علما.. وكفى بامرأة قبحا أن ترى نفسها أجمل النساء.. وأشقانا فى هذه الأمة من عرف (الفولة).. فهو لا يملك القرار ولا يستطيع الفرار وأخطر الجهلاء فى أمتنا هم أولئك الذين يعتزون بجهلهم.. ويجدون من حولهم جيشا من الشياطين يزينون لهم سوء أعمالهم.. وأسوأ ما وصلنا إليه أننا فقدنا البوصلة.. ولم نعد نعرف شمالنا ولا جنوبنا ولا شرقنا ولا غربنا. موش لاقى فى غربتى.. أهلا ولا سهلا لا قادر أجرى ولا عارف أسير مهلا أكتب ويتهيألى إنى حكيم الزمان وكل ما أعرف.. ألاقينى بأزيد جهلا عرب [email protected] [email protected]