بالرغم من إقراري بأن قناة الجزيرة القطرية تعد الفضائية الأكثر شهرة، وربما الأعلي تأثيرا في عموم المنطقة, إلا أنها تعمد إلي ارتكاب خطايا مهنية وأخلاقية، تتناقض بدرجة كبيرة مع شعارها الشهير "الرأي والرأي الآخر". . فالواقع يبين أنها تعرض رأيا واحدا، وتتبني موقفا محددا، ومن ثم تحجب الرأي الآخر لاعتبارات كثيرة، أغلبها مرتبط بأجندة اهتماماتها، والغرض من انطلاقها أصلا، بالتوازي مع الانقلاب الأبيض لأمير قطر السابق، علي والده في العام1995. وتؤدي "الجزيرة " عملها انطلاقا من اعتبارا أن "الصور التليفزيونية لا تقدم الواقع كما هو، بل تسعي لتكريس ثقافة الهيمنة أو ثقافة المؤسسة". ومن الآليات التي تستخدمها في خطابها, صنع المقارنات الشكلية بين رأيين, في البرامج الحوارية أو الأخبار, بينما هي تروج بشدة لرأي واحد, ولتحقيق غرضها, تعني باختيار نوعية المدعوين شبه الدائمين للقناة، و"تشوش" علي بعض المتحدثين, وكأنها تضعهم في دائرة اتهام. ومن الأهمية بمكان أن أشير إلي بعض الملاحظات التي قد تسهم في فهم حقيقة تجاوزات الجزيرة بشأن تغطية أحداث30 يونيو الماضي في مصر، وما سبقها وما ترتب عليها, من سقوط جماعة الإخوان, وحبس الرئيس المعزول محمد مرسي, تمهيدا لمحاكمته مع أغلب رموز الجماعة, وعلي رأسهم المرشد العام محمد بديع. 1 انطلقت قناة الجزيرة بعد أن قفز حمد بن خليفة آل ثاني إلي حكم قطر في العام1995 م بعد انقلابه علي والده, وقد أعرب الأمير الجديد عن امتعاضه من دبلوماسية الأب غير النشطة, فشرع في تنفيذ ما أراده مشروعا تحديثيا, موجها بوصلة الدبلوماسية الجديدة في اتجاهين: أولهما تحالف قوي مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. وثانيهما مرتبط بموقف الأمير الجديد من الدول العربية التي لم تعترف بانقلابه, باستثناء الأردن. 2 الجزيرة هي انعكاس للسياسات القطرية, فمن المحرم عليها إبداء أي ملاحظات علي الشئون الداخلية لقطر, وغير مسموح لها مطلقا, الإشارة ولو من بعيد, إلي تقارير حقوق الإنسان بشأن تضييق الخناق علي بعض النشطاء في قطر, أو خلافات عائلة حمد, وسياسة قطر الخارجية.. كما أنه من المحرمات علي وسائل الإعلام القطرية أو أي مسؤول, نقد الجزيرة ذاتها. 3 نذكر في هذا السياق مقالا لمستشار المجلس الوطني القطري للثقافة والفنون السابق د. أحمد عبد الملك, الذي أقيل من منصبه لانتقاده فضائية الجزيرة, حيث كتب مقاله في صحيفة "الراية" في الخامس من مارس2007 بعنوان: القطريون يحتاجون إلي كفيل للدخول إلي جزرهم، مستنكرا استبعاد القطريين من العمل في الجزيرة, حيث قال في مقالته: القطريون مسموح لهم بالتجوال في جزرهم الطبيعية، بينما لا يسمح لهم بالتجوال في "جزيرتهم" الجديدة، التي أوجدتها الدولة منذ العام1996. 4 جانب مهم من تغطية الجزيرة للشأن المصري, مرتبط بنزعات شبه ثأرية من جانب الداعمين لانطلاقها والقائمين علي أمورها, فكما يبدو, لا يريد ساسة قطر الجدد, نسيان أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر, تراخي( في منتصف الستينيات), من وجهة نظرهم, في الوقوف إلي جانبهم, بعد أن وعدهم بتدخله لحل خلافاتهم الحدودية مع المملكة السعودية, من دون أن ينجز وعده. 5 وفي العام1995 رفضت مصر في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك, انقلاب الشيخ حمد علي والده, وهو ما فاقم مشاعر العداء القطرية ضد مصر, بدرجة تطفح غيظا وحقدا. فقد أثار عدم اعتراف الدول العربية باستثناء الأردن غضب الشيخ حمد بن خليفة الذي اتهم الدول التي دعمت والده ومن بينها مصر بالضلوع في تدبير محاولة انقلابية عليه, نفذها أفراد من الجيش والشرطة, بالتنسيق مع بعض أفراد من الأسرة المالكة, وانتهي الأمر إلي إعدام ابن عم الأمير مع18 آخرين. وللتعبير عن كراهيته لمصر, قرر الأمير السابق الشيخ حمد تسريح نحو20 ألف عامل مصري, ردا علي رفض حسني مبارك حضور مؤتمر القمة الاقتصادية في الدوحة في العام1997. 6 قبول الشيخ حمد بالنموذج الأمريكي, جعله يحتضن قاعدتها العسكرية, وينفذ من خلال الجزيرة أجندتها الخارجية, لكن بقدر كبير من الاحترافية, من خلال دس السم في الدسم, واللعب علي عواطف المشاهدين العرب الذين سقطوا في فخ أوهام الجزيرة, بالتعاطف مع قضاياهم, حتي في مواجهة أمريكا وإسرائيل. 7 وانتبهوا معي لكلمات من مقالة لأستاذ العلوم السياسية مأمون فندي, في صحيفة "الشرق الأوسط"، في الرابع من أكتوبر2004 تحت عنوان: الانفصام القطري بين رؤية الأمير وأجندة "الجزيرة".. حيث قال: الجزيرة الحقيقية هي دولة قطر, حيث تحتضن القاعدة الأمريكية, وتتميز بعلاقاتها مع إسرائيل.. أما الجزيرة الصورية فهي التي تضم القرضاوي وأنصار الزرقاوي.. الجزيرة الحقيقية تساند الأمريكان, وجزيرة الصور تقاومهم, الجزيرة الحقيقية تصنع السلام مع إسرائيل, وجزيرة الصورة تدعو إلي مقاطعة إسرائيل ومقارمتها. والخلاصة: فإن شعار "الرأي والرأي الآخر"، مغيب فعليا في قناة الجزيرة, كما يقول الباحث الفلسطيني المتميز د. محمد أبو الرب؛ فالرأي الآخر هو بالأساس حاضر لخدمة وجهة نظر "الجزيرة"، ومن ذلك استضافة متحدث ضعيف مقابل متحدث قوي، وتخصيص وقت أكثر لمتحدث علي حساب الآخر، وكذلك طبيعة الأسئلة التي ستوصل المشاهد في النهاية إلي تبني وجهة نظر القناة! رابط دائم :