لجأت الحكومة المصرية إلى طلب الاستدانة من المنظمات المالية العالمية لسد العجز فى الموازنة العامة والذى من المتوقع أن يصل إلى نحو 9% من إجمالى الناتج المحلى الإجمالى، وذلك على الرغم من أموال مصر المنهوبة التى تقدر بالمليارات والتى تقبع فى بنوك العالم المختلفة. ومن جهته أعلن صندوق النقد الدولى أن مصر طلبت رسميا قرضا يتراوح قيمته ما بين 10 إلى 12 مليار دولار وسوف يصل وفد من الصندوق إلى القاهرة الأسبوع المقبل للنظر فى الطلب المصرى ولكن هناك تساؤلات عدة يطرحها رجل الشارع الآن هل من المعقول أن تطلب مصر الاستدانة فى الوقت الذى تمتلك فيه أموالا منهوبة تخص رموز النظام السابق وقابعة فى بنوك العالم؟ ، والتساؤل الآخر هل من الممكن الاستدانة بضمان تلك الأموال ؟ ، والسؤال الثالث لماذا الاستدانة من صندوق النقد الدولى دون الدول الخليجية العربية الشقيقة؟. ويقول الخبراء إن الاقتصاد المصرى فى حاجة ماسة وسريعة إلى ضخ أموال فى شرايينه قبل أن تجف خاصة مع النقص الشديد فى السيولة وبصفة خاصة من النقد الأجنبى الذى تحتاجه البلاد بشدة فى الوقت الحالى نظرا للعجز فى ميزان المدفوعات بعد انخفاض حصيلة النقد الأجنبى لعائدات السياحة وتحويلات المصريين فى الخارج أيضا، وكذلك للتناقص فى الاحتياطيات الدولية من النقد الأجنبى المتوافر لدى البنك المركزى والذى كان يقدر قبل ثورة 25 يناير بنحو 36 مليار دولار وأصبح يصل الآن إلى 28 مليار دولار تقريبا علما بأن مصر تحتاج شهريا إلى توفير نحو 4 مليارات دولار لتلبية احتياجاتها من السلع الغذائية الأساسية المستوردة من الخارج. فى الوقت نفسه تحتاج عملية استعادة أموالنا المنهوبة إلى وقت ليس بالقليل حتى تنتهى التحقيقات ويصدر حكم قضائي نهائي تتمكن بموجبه الحكومة المصرية من استرداد تلك الأموال. وفيما يتعلق بالدول العربية الشقيقة أصبح من الواضح أن الاستجابة لطلبات مصر خاصة بعد الجولة الأخيرة لرئيس الوزراء عصام شرف لم تأت بجديد باستثناء من دولة قطر التى أبدت رغبتها فى تقديم وديعة لمصر تصل إلى 10 مليارات دولار لكن دون ذلك لم يعلن عن تلقى مصر لمساعدات أو قروض من تلك الدول حتى الآن. وعلى صعيد آخر، يرى المراقبون الاقتصاديون أن الاقتصاد المصرى يمتلك الآن مقومات عديدة تمكنه من الاستدانة بسهولة ولديه القدرة على الوفاء بالتزاماته فى أقصر وقت بمجرد استرداد عافيته ويمتلك سمعة جيدة على المستوى العالمى اكتسبها نتيجة وفائه من قبل بجميع التزاماته على الرغم من صعوبة الوضع الاقتصادى الذى كانت تعانيه مصر فى التسعينيات وبالرغم من ذلك نجحت فى جدولة ديونها مع أعضاء نادى باريس وحققت نموا مطردا بعد ذلك. كما أن استدانة مصر الآن تختلف عن استدانتها فى التسعينيات من القرن الماضى .. حيث لم يكن الاقتصاد يمتلك قوى الإنتاج التى تستطيع أن تعمل بمجرد ضخ الأموال فى شرايينها مثلما هى الآن وكانت الاموال توجه اساسا إلى البنية التحتية إلا أن الوضع الحالى يتمثل فى احتياج الاقتصاد أساسا إلى قوة دفع فقط تمكنه من الدوران بنفس المعدلات التى كانت قبل الثورة ومن أجل تحقيق معدلات نمو لا تقل عن 7% بل وربما تصل إلى 10% لتحقيق الطموح المصرى من أجل توفير فرص عمل للشباب المنتظرين للدخول إلى سوق العمل، كذلك المنتظرين فى طابور العاطلين. كذلك تحتاج مصر إلى سرعة دوران عجلة الإنتاج والتوقف مؤقتا عن المطالب الفئوية التى كلفت الحكومة حتى الآن نحو 7 مليارات جنيه لتحقيق مطالبها التى أهملها النظام الفاسد السابق، كما تحتاج أيضا توفير الاستقرار والأمان حتى تستعيد مصر بريقها الجاذب للاستثمارات الأجنبية وكذلك عودة السياحة حيث لا يهم السائحين القادمين الباحثين عن الراحة والاستجمام ما تنادى به الشعوب من حقوق فى ثوراتها ضد الأنظمة الفاسدة. ويتوقع خبراء المؤسسات المالية العالمية انه بمجرد عودة الاستقرار إلى مصر سوف ينطلق الاقتصاد المصرى وبقوة ليصبح واحدا من الاقتصاديات الصاعدة على مستوى العالم وسوف يحصل على مراتب متقدمة فى التقييم الائتمانى الدولى.