على مقربة من مكتبة الإسكندرية، يفترش محمود على (34 سنة) الرصيف بمجموعة من الكتب وأسطوانات ال"سي دي" التي أصبحت أكثر رواجًا. درس محمود الهندسة، ولكنه يهوى بيع الكتب، ويعمل بالمهنة منذ عام 2003، لكن بالرغم أنه لا يبعد إلا أمتار عن المكتبة، التي يتوافد عليها الكثير من الأجانب والمصريين، فإن زبائنه عدد قليل فقط، من الطلبة والمارة، فقد أصبح الإقبال على شراء الكتب أقل بكثير عن الأعوام السابقة. الثقافة في الإسكندرية، قديمة تمتد لآلاف السنين، كعمر المكتبة ، لكنها أيضا ليست متطورة كما توحي مكتبة الإسكندريةالجديدة، بعد أن أصبح الرصيف أحد مصادرها الأساسية. وعندما تشاهد التزاحم على دخول مكتبة الإسكندرية، ربما تعتقد أنه لايوجد كتب في أي مكان آخر، لكن بالرغم من كم الكتب الذي تحويه مكتبة الإسكندرية إلا أن الشارع السكندري لا يخلو من بيع الكتب على الأرصفة أو على محطات الترام. لا يعرض محمود سوى الكتب التي تتعلق بالأطعمة و المأكولات والصحة مثل "العناية بصحة وجمال بشرتك" و"الجمال والرشاقة" و"أسئلة تهم المرأة" و"100صنف من المربات" والبرامج التعليمية. أما أبو بكر السكندري الذي اتخذ من الرصيف مقرًا لبيع الكتب أصبح لا يعرف أي مهنة أخرى غيرها، ولكنه يفكر في البحث عن عمل آخر، ليدخر منه، فقد يكتفي كثيرون من المارة بمشاهدة أغلفة الكتب فقط. يبيع السكندري كتبا بأسعار مختلفة تبدأ من جنية وحتى 35 جنيهًا، حسب أنواع الكتب، لكن الأكثر مبيعًا الكتب العلمية والمتعلقة بالتنمية البشرية. تتركز سوق الكتب الدينية بمكتبات السلفيين بجوار مسجد القائد إبراهيم، الذي أنشئ في 1948 خلال الذكرى السنوية لوفاة القائد إبراهيم باشا إبن محمد علي باشا وإلي مصر في القرن التاسع عشر. يعد "القائد إبراهيم" من أشهر المساجد التي بنيت بالإسكندرية بمنطقة محطة الرمل حيث قام بتشييده المهندس الإيطالي ماريو روسي عقب مسابقة أقيمت لذلك ومن خلالها أصبح قائما على أعمال القصور والمساجد في عهد الملك فؤاد الأول. يتوافد المصلون إلى المسجد من جميع أنحاء المحافظة ، ليس لموقعة المميز فقط الذي يقع بجوار أحد أسهل وأقدم وسيلة مواصلات وهي "الترام"، أو لأنه يجاور حديقة الخالدين التي تضم تماثيل للسيد محمد كريم، وحسن الاسكندرانى، و سيد درويش، والسيد عبد الله النديم، أو أنه قريب من شاطئ البحر، وليست دار المناسبات فقط ما يجعل المسجد مقصدا للكثير من الزوار، حيث يتوافد آلاف المصلين خلال شهر رمضان للصلاة خلف الشيخ حاتم فريد أحد أشهر الأئمة السلفيين ويمتدون من ميدان محطة الرمل، وميدان صفية زغلول، والكورنيش فتتعطل حركة المرور التي تغلق معظم الشوارع المحيطة بالمسجد. يرجع أحد رواد المسجد شهرته إلى فترة السبعينات، حينما كان الشيخ المحلاوي الذي اشتهر بخطبه السياسية إماما للمسجد ومنع بسبب خطبه من اعتلاء المنبر، وبعدها تم القبض عليه ووضع بالسجن، ومن هذا الوقت ظل المسجد، رغم ضمه لوزارة الأوقاف، محطا للأنظار. على الرغم من وجود دار مناسبات ملحقة بالمسجد الذي يحتل موقعا استراتيجيا بمنطقة محطة الرمل وملاصق للقنصلية الإنجليزية، وللمبنى القديم لليونسكو، فإن اللافت هو التشديد الأمني حول المسجد، حيث يمنع الأمن أي سيارة من الوقوف بجانبه. تحيط بالمسجد عديد من مكتبات السلفيين التي تضم أشهر وأندر المجلدات السلفية، ويختلف طابع أصحاب المكتبات من شخص لآخر فبعضهم رفض الحديث معي وبعضهم اتسم بالعصبية، والبعض الآخر قابلني بالترحيب وكرم الضيافة. "مكتبة أبو بكر" هي أقرب مكتبة من المسجد السلفي الذي يعتبر مقرًا رئيسيا للمظاهرات ، ويمتلكها الحاج أحمد شحاتة، وهو ملتحي الذي ما إن رآني حتى رمقني بحدة، ورفض التحدث معي، متحججًا بالمرض، قائلا "ياعم سيبونا في حالنا". غادرت المكتبة.. وجدت أخرى اسمها "الرياض" تلاصقها ضمن مجموعة تصطف على محطة ترام القائد إبراهيم، فوجدت إسلام جامع خريج كلية التربية قسم اللغة العربية، يقوم بشرح كيفية تشغيل مجموعة أسطوانات "سي دي" لأحد المواطنين، كانت مجموعة للشيخ الشعراوي لتفسير القرآن الكريم. فرغ إسلام من عمله قائلا تفضل، قبل أن نتكلم سأل أحد الزبائن عن كتب لإحسان عبدالقدوس، فرد إسلام.."مفيش". أوضح إسلام أن المكتبات الموجودة على الترام تعرض كتبا دينية فقط، مثل "لا تحزن" للشيخ عائض القرني، والذي تصدره مكتبة العبيكان بالسعودية، و"رحلة إلي الدائر الآخرة" للشيخ محمود المصري، والذي تنتجه مكتبات"الصفا"و"التقوى" ويباع ب25 جنيه، بينما تعرض مكتبات فياض بالمنصورة كتاب "أحداث النهاية" للشيخ محمد حسان، كما ينافس كتاب "الرحيق المختوم" وهو بحث في السيرة النبوية من إعداد المبار كافوري.وكثير من كتب السلفيين كالشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ، والشيخ عبد لله بن عبد الرحمن الغديان، والشيخ صالح بن فوزان الفوزان ، والشيخ صالح اللحيدان، وأهل المدينة كالشيخ ربيع بن هادي المدخلي ، والشيخ صالح بن سعد السحيمي ، والشيخ على بن ناصر فقيهي ، والشيخ محمد بن هادي المدخلي ، والشيخ عبد المحسن العباد، وولده عبد الرزاق، و الشيخ محمد بن ربيع المدخلي. يضيف إسلام: يقبل أهل السنة والمشايخ وطلبة العلم ممن يحضرون دروس المشايخ بالجامع الإبراهيمي.على شراء هذه النوعية، أما السيدات يقبلن على شراء كتب معينة مثل "تحفة العروس" للشيخ مهدي الإستانبولي، و"الزواج السعيد" للشيخ محمود المصري، و"نساء الأمة" ،و"فتاوى المرأة المسلمة"،و"فقه السنة للنساء"، ويتراوح أسعار هذه الكتب مابين 25 إلى 30 جنيهًا. معظم الكتب التي تباع تتبع التيار السلفي الذي وصفة إسلام بأنه يختلف عن غيره من التيارات الإسلامية مثل "الإخوان المسلمون"، حيث ينظرون إلى أي مسألة من الكتاب والسنة، عن طريق النقل قبل العقل، ويشتهرون بعدم تساهلهم في مسائل الحجاب واللحية و التعامل مع البنوك. ويذكر إسلام جامع أحد المواقف التي مر بها في أثناء بيعة أسطوانات "سي دي" للأطفال لسيدة منتقبة ، حيث رشح لها قصص الأنبياء المؤداه بشخصيات من الصلصال، والذي كان يعرض في رمضان، ولكن في أثناء تشغيله من خلال جهاز الكمبيوتر بالمحل، وجدت موسيقى تصويرية خلال العرض، فرفضت أن تشتريه، قائله أنه مخالف للشريعة. قبل أن يفرغ جامع من حديثة حضر المحامي مسعد صاحب ثالث مكتبة على رصيف الترام وتسمى بمكتبة "القائد إبراهيم" الذي أشار إلى أن، وجود المكتبات بجوار الترام جعلها محط أنظار الكثيرين دون دعاية إعلانية، ولكن تأثرت حركة البيع في الوقت الحالي عن السنوات السابقة، حيث أصبحت تنحصر في بعض المشايخ، كما تزايد الإقبال على شراء أسطوانات السي دي أكثر من شراء الكتب. الاستقرار على مساحة من الرصيف أمرا ليس سهلا، والعمل على هذه المساحة ليس آمنا، لكن قسوة الظروف دفعت بائعي الكتب على الأرصفة إلى تكييف يومهم على حياة الشارع في محاولة لكسب الرزق. فى الشارع المزدحم بالباعة والمشترين، خرجت سلمى محمد طالبة الحقوق بصحبة صديقتها ملك في أثناء بحثهما عن وسيلة للتغلب على الفراغ بعد الانتهاء من استذكار دروسهما، حيث أنهما من القاهرة وتدرس في الإسكندرية. لم تجد سلمى مكانا أفضل من محطة الرمل، حيث الكثير من بائعي الكتب بمختلف أشكالها وأنواعها الثقافية والعلمية والترفيهية، ولأن سلمى تهتم بالأخبار الفنية، أصبحت تبحث عن الكتب والمجلات المتخصصة، في أخبار الفنانين، على الأرصفة. تقضي ملك أكثر من ساعة كي تصل إلى كتبها في محطة الرمل لكنها تفضل المجيء إليها عن أي مكان آخر لرخص ثمن الكتب التي تقتنيها. لم تكن سلمى تعرف مكان الأرصفة التي تبيع الكتب لأنها ليست من الإسكندرية ولكن أصدقاءها دلوها عليه. ذهبت سلمى إلى مكتبة الإسكندرية لكنها لم تجد نفسها فيها، وترى أنها يمكن أن تكون "مكان مناسب للباحثين" لكن بالنسبة لها ولظروفها فإن الحصول على الكتب من الرصيف أسهل وأرخص.