نراهن على شعبيتنا.. "مستقبل وطن" يكشف عن استعداداته للانتخابات البرلمانية    تراجع أسعار العملات الأجنبية في البنوك بختام تعاملات اليوم 16 يونيو    سياحة النواب توصي محافظة الأقصر بوقف تحصيل رسوم من المنشآت الفندقية    ترامب يرفض التوقيع على بيان مجموعة السبع حول إسرائيل وإيران    "الإسعاف الإسرائيلي": 22 قتيلًا وأكثر من 400 مصاب منذ بداية الحرب مع إيران    جراديشار: فخور بفرصة اللعب ضد قدوتي وسنعود أقوى في المباراة القادمة    محافظ قنا يكرم بطل العالم في الووشو كونغ فو تقديرًا لإنجازاته الدولية    إصابة 10 أشخاص في انقلاب ميكروباص مدينة العاشر من رمضان بالشرقية    بدأت بمشاهدة وانتهت بطعنة.. مصرع شاب في مشاجرة بدار السلام    ورش فنية متنوعة لتنمية مواهب الأطفال بأبو سمبل    وزير الثقافة: تدشين منصة رقمية للهيئة لتقديم خدمات منها نشر الكتب إلكترونيا    خبير علاقات دولية: التصعيد بين إيران وإسرائيل خارج التوقعات وكلا الطرفين خاسر    وائل جسار يجهز أغاني جديدة تطرح قريبا    "كوميدي".. أحمد السبكي يكشف تفاصيل فيلم "البوب" ل أحمد العوضي    «أسلوب حياة لازم نعيشه».. رسائل محافظ قنا أثناء قيادته دراجة في الشوارع    ما الفرق بين الركن والشرط في الصلاة؟.. دار الإفتاء تُجيب    حالة الطقس غدا الثلاثاء 17-6-2025 في محافظة الفيوم    طبيب يقود قوافل لعلاج الأورام بقرى الشرقية النائية: أمانة بعنقي (صور)    وزير الخارجية الإيراني: العدوان الإسرائيلي على المنشآت النووية انتهاك صارخ للقوانين الدولية    وزير العمل يستقبل المدير التنفيذي للأكاديمية الوطنية للتدريب- صور    لمست الكعبة أثناء الإحرام ويدي تعطرت فما الحكم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    ما هي علامات عدم قبول فريضة الحج؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    أمين الفتوى يوضح حكم الجمع بين الصلوات في السفر    العثور على جثة شاب مصاب بطلق ناري في ظروف غامضة بالفيوم    سي إن إن: إيران تستبعد التفاوض مع واشنطن قبل الرد الكامل على إسرائيل    البنك التجارى الدولى يحافظ على صعود المؤشر الرئيسى للبورصة بجلسة الاثنين    التضامن تعلن تبنيها نهجا رقميا متكاملا لتقديم الخدمات للمواطنين    تقرير يكشف موعد خضوع فيرتز للفحص الطبي قبل الانتقال ل ليفربول    إلهام شاهين توجه الشكر لدولة العراق: شعرنا بأننا بين أهلنا وإخواتنا    التعليم العالي تعلن حصاد بنك المعرفة المصري للعام المالي 2024/2025    رئيس جامعة القاهرة يستقبل رئيس المكتب الثقافي الكويتي لبحث التعاون ودعم الطلاب الوافدين    افتتاح توسعات جديدة بمدرسة تتا وغمرين الإعدادية بالمنوفية    البنك المركزي يطرح سندات خزانة ب16.5 مليار جنيه بسعر فائدة 22.70%    عضو ب«مركز الأزهر» عن قراءة القرآن من «الموبايل»: لها أجر عظيم    مفوض الأونروا: يجب ألا ينسى الناس المآسي في غزة مع تحول الاهتمام إلى أماكن أخرى    الرئيس النمساوي يبحث مع زيلينسكي سبل إنهاء الحرب "الروسية الأوكرانية"    بعد عيد الأضحى‬.. كيف تحمي نفسك من آلالام النقرس؟    وفود دولية رفيعة المستوى تتفقد منظومة التأمين الصحي الشامل بمدن القناة    العربية: إيران تعتقل عشرات الجواسيس المرتبطين بإسرائيل    اليوم .. محاكمة 15 متهمًا بالانضمام لجماعة إرهابية في مدينة نصر    تخفيف عقوبة 5 سيدات وعاطل متهمين بإنهاء حياة ربة منزل في المنيا    تقارير: برشلونة ينهى إجراءات التعاقد مع جارسيا    إيراد فيلم ريستارت فى 16 يوم يتخطى إيراد "البدلة" في 6 شهور    تنسيق الجامعات.. 6 أقسام متاحة لطلاب الثانوية ب حاسبات حلوان    النائب حازم الجندي: مبادرة «مصر معاكم» تؤكد تقدير الدولة لأبنائها الشهداء    وزير الصناعة والنقل يشهد توقيع عقد ترخيص شركة "رحلة رايدز لتنظيم خدمات النقل البري"    محمد عمر ل في الجول: اعتذار علاء عبد العال.. ومرشحان لتولي تدريب الاتحاد السكندري    لا تطرف مناخي.. خبير بيئي يطمئن المصريين بشأن طقس الصيف    بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالمنصورة الجديدة.. 6 يوليو    محافظ أسوان: 14 ألف حالة من المترددين على الخدمات الطبية بوحدة صحة العوضلاب    أسعار الفراخ اليوم.. متصدقش البياع واعرف الأسعار الحقيقية    الينك الأهلي: لا نمانع رحيل أسامة فيصل للعرض الأعلى    أمن الجيزة يضبط المتهمين بسرقة كابلات شركة فى كرداسة    إصابة 3 أشخاص بطلقات بندقية فى مشاجرة بعزبة النهضة بكيما أسوان    بالأسماء.. ريبيرو يُجمد خماسي الأهلي في كأس العالم للأندية    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    مجموعة الأهلي| شوط أول سلبي بين بالميراس وبورتو في كأس العالم للأندية    الشرطة الإيرانية: اعتقال عميلين تابعين للموساد جنوب طهران    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا يفعل 12 قصر ثقافة في مدينة الخمسة ملايين نسمة؟


تحقيق موثق يكشف لماذا تطرفت عروس البحر المتوسط :
ماذا يفعل 12 قصر ثقافة في مدينة الخمسة ملايين نسمة؟

لماذا الإسكندرية؟ سؤال يطرح نفسه بعد حادث كنيسة القديسين الذي جاء كتحذير أخير علي ارتفاع مؤشر درجة غليان المدينة التي أصبحت كمرجل بخاري علي وشك الانفجار، يغذيه السلفيون والإخوان بالوقود علي مدار 50 عاما من الستينيات وحتي الآن.
مدينة الثغر (بنيت كالسد لمنع طوفان الظلمة الأفريقية).. هكذا قال عنها «لورانس دوريل» في رباعيته الشهيرة، لكن يبدو أن السد تصدع وأغرق المدينة في ظلمات التعصب الديني والطائفية، فإسكندرية الماضي كانت المدينة ذات الأجناس الخمسة واللغات الخمس والمعتقدات الاثني عشر.. أما اليوم فهي عنصر واحد، ومعتقد واحد هو الإسلام.. كما أن تراثها المعماري الجميل الذي كان يميزها عن بقية مدن مصر أصبح مهدداً بالفناء والضياع، فقد تم هدم معظم الفيللات ذات الطراز المعماري المتميز وحلت محلها كتل خرسانية عارية من الذوق أطلقوا عليها اسم «أبراج»، كلها انعكاسات للتغيرات الطبقية والأيديولوجية التي طرأت عليها.
بمجرد أن تصل الإسكندرية وتسلك الكورنيش يساورك شعور بأنك ضللت الطريق لإحدي مدن الخليج بشكل أو بآخر فمعظم لافتات الفنادق والمطاعم ومحلات الملابس أصبحت إسلامية وكأنهم بذلك الطمس لما تبقي من هوية مدينة كانت متعددة الثقافات يشهرون إسلام الإسكندرية فتجد أسماء من نوعية (الحرم - مكة -جدة - المحتشمة - المنتقبة - والمحجبة) حتي المباني والطرز المعمارية الفريدة التي أبيدت كان وراءها أموال ملوثة بالنفط ورغم كل مظاهر التدين والتشدد لا تجد المدينة نظيفة رغم أن النظافة من الإيمان!
المدينة التي كانت
د.محسن زهران أستاذ الهندسة بجامعة الثغر والمسئول عن مشروع التخطيط الشامل للإسكندرية (1984- 2005) ومؤسس مشروع الحفاظ علي المباني ذات الطرز المعمارية المتميزة.. كلامه مقتبس عن مفكر إصلاحي عمراني اجتماعي (فنلندي الأصل) يدعي (سرينيين) قال: «أرني مدينتك وأنا أخبرك مدي التقدم أو التدهور الحضاري والثقافي لسكانها».
وفي العقود الخمس الأولي من القرن العشرين شهدت الإسكندرية أقوي فترات ازدهارها، عاش بها خمسة أجناس مختلفة.. يونانيون، إيطاليون، فرنسيون وإنجليز مع المصريين الذين امتصوا الحضارة والذوق والموضة بالخاصية الشعرية فكان المصري يحرص علي تعليم أبنائه اللغات والعزف علي البيانو ويهتم بملابسه ومع تنوع الأذواق التي يعيش معها ارتقي الذوق العام سواء في المظهر أو في الطرز المعمارية.
كانت الإسكندرية أشبه ب(لوكيشن) تصوير منظمة ونظيفة عندما كان يحكمها في ذلك الوقت المجلس البلدي الذي كان أعضاؤه يسمون ب(آباء) الإسكندرية فكانوا بمثابة حراس المكان. المجلس ابتكر طريقة يجعل بها أبناء المدينة شركاء في كل شيء ويشعرهم بأهمية الحفاظ علي الممتلكات العامة فقام بالتأمين علي المباني والشوارع وحتي الأشجار وأعمدة الإنارة وهو ما كان يساعد علي بقاء المدينة في أبهي حالاتها.
وجاءت نكسة1967 فكانت نكسة للإسكندرية خصوصا مع بداية التهجير فجاء المهاجرون من مدن القناة والشرقية بطباعهم الريفية ثم جاءت الموجه الثانية من الهجرة الأفقية من محافظات الصعيد.
وعلي الجانب السياسي والاجتماعي يقول د.محمد عبداللاه رئيس جامعة الإسكندرية الأسبق: عندما انسحبت الجاليات الأجنبية من المجتمع السكندري فجأة بدون مقدمات ودفعة واحدة تركت فراغا تم ملؤه بشكل عشوائي وكذلك عندما انهار اليسار مخلفا وراءه فجوة فكرية وسياسية تمددت فيها الجماعات الإسلامية وفي زمن قياسي.
الحلقة المفقودة!
د.محمد عبداللاه يقول: «في مصر ظاهرة تاريخية هي أن الحكم المركزي يكون في العاصمة وباقي المحافظات تكون بعيدة عن العين فكانت الإسكندرية مكانا نموذجيا لهروب فلول الإخوان ومناخا خصبا لتكون الجماعات الإسلامية».
كانت هذه هي الخطوة الأولي في طريق تمركز الفكر الديني المتطرف بالمدينة، وقد خطاها الإخوان ففي عام 1966 في مدرسة الناصرية الثانوية بحي باكوس بالإسكندرية، بدأ «محمد بسيوني» مدرس بالمدرسة بتكوين نواة الجماعات الإسلامية وكان آنذاك يشرف علي تربية مجموعة مكونة من ثلاثين رجلاً كانوا هم التشكيل التنظيمي الوحيد في مصر وقتها، وهذه المجموعة كانت تتبني أفكار ومنهج (سيد قطب، ومحمد قطب) وكان «محمد بسيوني» يجتمع بهم في بيته.
هذه المجموعة خرج منها أشهر قيادات الإخوان والجماعات السلفية الجهادية بعد ذلك منهم رفاعي سرور الشهير برفعت سرور، وهو أحد المفكرين لتنظيم الجهاد فيما بعد، وأحد المؤثرين فكريا في شخصية «عبود الزمر» وهو الآن صاحب دار نشر، وكان آنذاك مجنداً في القوات المسلحة ومتخرجا بإحدي المدارس الصناعية الفنية بالإسكندرية.
منهم أيضا وجدي غنيم، الداعية الإسلامي الشهير الآن، والشيخ شاهين كاشف من أقطاب السنة المحمدية في هذا الوقت وأحد أبرز خطبائهم وانضم إليهم عام 1968 طلال الأنصاري المتهم الثاني بعد صالح سرية في قضية الفنية العسكرية عام 1974 والذي حكم عليه بالإعدام ثم خفف الحكم عنه.
الخطوة الثانية كانت دمج جمعية أنصار السنة والجمعية الشرعية معا بعد الثورة تحت اسم جمعية أنصار السنة المحمدية والتي لعبت دورا رئيسيا في الفترة من عام 1966 إلي عام 1975 حيث كانت هي النشاط الديني الوحيد المسموح به رسمياً، فكانت مساجد وزوايا أنصار السنة المحمدية بؤر تصنيع التطرف في الإسكندرية.
الخطوة الثالثة كانت قدرية وقامت بها وزارة الأوقاف بنقل الشيخ أحمد المحلاوي من مسجد صغير في البرلس وتم تخييره ما بين مسجد في الفيوم ومسجد القائد إبراهيم في الإسكندرية فاختار الأخير لعلمه بما يحدث من تجهيز لإعادة بناء صفوف الجماعة الإسلامية هناك.
عندما تستمع لوصف المحلاوي لمدي كراهيته لما كانت عليه الإسكندرية عندما نقل إليها تعرف فورا لماذا تحولت إلي أفغانستان وكيف وعلي يد من فهو يقول: «كرهت الحياة الجديدة، أشد ما تكون الكراهية، فمن منطقة ريفية إلي عالم البنطلون والميني جيب وهو وضع لم أكن أطيقه وكثرت شكواي».
لذلك بدأ خطة اختراق المجتمع سريعا عام 1963 فاتجه للعمل مدرساً بالمدارس الأهلية لنشر الدعوة من خلالها وكان يأخذ الطلبة للمسجد حتي ينفرد بهم تحت مسمي رحلات دينية، لكن اعترضت الأوقاف علي عمله بالمسجد والمدرسة معا.
وبدلا من أن ينشر أفكاره في مدرسة واحدة قام بجذب طلبة من كل المدارس لذلك اتفق مع مجموعة من المدرسين علي إعطاء دروس خصوصية مجانية لجميع المراحل العمرية داخل المسجد، ونجحت فكرة الخدمات المجانية في استقطاب أعداد كبيرة من العقول الخضراء، كما حدد للبنات أياما منفصلة واشترط حضور الفتاة محجبة، وبدأ الحجاب في الظهور لأول مرة في شوارع الإسكندرية التي لم يكن بها أثر للحجاب قبل 1963 إلا إذا كانت من ترتديه ريفية أو صعيدية.
- مظاهرات الطلبة
هندسة إسكندرية.. نوفمبر 1968
كثيرا ما يحدث خلط لدي البعض بين مظاهرات الطلبة فبراير 1968 المنددة بأحكام الطيران ومظاهرات نوفمبر من نفس العام المنددة بقرارات وزير التعليم الخاصة بتطوير نظام النجاح والرسوب في الثانوية العامة، الأخيرة هي التي استغلتها الجماعات الإسلامية للعودة للحياة مرة أخري.
يرصد د.محمد عبداللاه: «جاءت مظاهرات نوفمبر 1968 التي حبسوا فيها محافظ الإسكندرية اللواء أحمد كامل داخل كلية الهندسة وجاء الدكتور أحمد السيد درويش - الذي أصبح وزيرا للسياحة بعد ذلك - ليلا وقفز سور الجامعة لكي يقنع المحافظ بتنفيذ مطالب الطلبة».
كانت حركة استعراضية لإعلان فرد العضلات، بدأت بأحداث محدودة من طلاب المعهد الديني بالمنصورة (لاحظ لم يكن لهم علاقة بالقرارات الصادرة من وزير التعليم) وطلاب المدارس الثانوية ضد قرار وزير التعليم آنذاك «محمد حلمي مراد»، وسرعان ما نقل صورة ما حدث إلي كلية الهندسة بالإسكندرية طالبان أحدهما بالفرقة الثانية والآخر بالإعدادي (وهو خيرت الشاطر الذي أصبح فيما بعد النائب الأول لمرشد الإخوان المسلمين).
بعد الإفراج عن الطلبة وإطلاق سراح المحافظ واصل الطلبة اعتصامهم في الجامعة لتنفيذ المزيد من المطالب وطلب المحافظ تدخل الجيش الذي قام بالسيطرة علي البلد وتحولت إلي مواجهات شوارع انتهت بتحطيم أوتوبيسات عامة وسيارات خاصة وعربات الترام فكانت هذه هي شهادة ميلاد الفوضي في الإسكندرية.
- السماء تمطر جماعات
في شهادة للتاريخ يعترف «د.محمد عبداللاه» رئيس جامعة الإسكندرية الأسبق: «جاءت الأوامر صريحة.. اتركوا التيار الإسلامي يؤدب الشيوعيين في الجامعة.. ولن ينكر التاريخ أن الذي شكل هذه التيارات هو نظام السادات وكان لمحمد عثمان إسماعيل دور كبير وعندما أصبح محافظ أسيوط حولها لأفغانستان علي مدار 20 عاما».
«المهزلة الحقيقية أن جزءا كبيرا من أساتذة الجامعة من حاملي لواء الاشتراكية عندما وجدوا أن الموجة القادمة هي دولة الإيمان، طالت لحاهم وظهرت علي جباههم زبيبة الصلاة وانقلبوا بنفس القوة ونفس الفلسفة ونفس التبرير وبدلا من الكلام عن الاشتراكية المصرية أصبحوا يتحدثون عن عدالة سيدنا عمر والتكافل الإسلامي».
شهادة أخري من د.يحيي عاشور رئيس مركز الإبداع في الإسكندرية كان طالبا وقتها: «كنت أمين اللجنة الفنية بجامعة الإسكندرية مطلع السبعينيات.. لم نشعر بشيء يحدث، ففي صمت فوجئنا أن كل من حولنا قد تغير شكلا ومضمونا حتي استيقظنا ذات يوم لنجد الجامعات كلها في أيديهم ورئيس الاتحاد العام لطلاب مصر قيادي منهم.. وتحول خطابهم من دعوة إلي أوامر ثم إلي تهديد.. وكلما حاولت عمل نشاط فني ثاروا وقلبوا الدنيا وفي كل مرة نحاول التفاوض يكون المسموح به مسابقة للقرآن الكريم في المرة الثالثة تصديت لهم في قلب الكلية وقلت لهم: «كل الأنشطة قرآن كريم.. طب ما نعلن وفاة اللجنة الفنية وننصب صوان ونقف لأخذ العزاء ويقرأ الطلبة القرآن علي روح الأنشطة الثقافية والفنية» وكادت كارثة تقع لولا تدخل عدد كبير من الزملاء».
د.محسن زهران يروي شهادته عن كلية الهندسة أحد أهم المعاقل وقتها: «كان الطلاب أمامي مثل الزهور كل يوم أجد أحدهم داخلا بجلباب قصير وذقن تنبت وهو بالأمس كان يرتدي ملابس محترمة ومهندم المظهر أشعر وكأن إحدي ورداتي قد ماتت لم نكن نستطيع أن نناقشهم وإلا كانت التهمة جاهزة (الدكتور شيوعي يكره الدين ويريدنا أن نرتد) أتذكر أن دكتورا شهيرا في كلية الحقوق بالجامعة تزوجت ابنته أمير جماعة ولم يستطع أن يتفوه بحرف ووقف يبكي بشكل مؤلم وهم يسحبونها من يده في قلب ساحة الكلية عندما حاول أن يصطحبها للمنزل».
- المذنبون
لم يكن محمد عثمان إسماعيل وحده هو المذنب في عملية تفخيخ مصر بالجماعات الإسلامية كان هناك آخرون لعبوا أدوارا في تلك المأساة منهم عبدالعظيم لقمة ولكن أخطر دور علي الإطلاق هو الذي قام به يوسف مكادي المعادل المصري ل(جوزيف مكارثي)، الذي كان مسئولا عن هدم المؤسسة الثقافية في مصر والقضاء علي العقول والمبدعين.
كان ضمن جماعة تسمي (لجنة النظام) من مهامها الهجوم علي المثقفين من الكتاب والمفكرين حتي تسمح لهذه التيارات بممارسة نشاطها ضد خصومها، وتركت لها الساحة لمباشرة مهامها لإرهاب المثقفين، واتهامهم بالردة والخروج علي الدين.. وكما خرج (جوزيف مكارثي) بلجنته الفاشية من الكونجرس الأمريكي، خرج علينا في مصر (يوسف مكادي) والذي لم نعرف عنه أي ميول دينية أو التزام في تحول غير مفهوم حتي اليوم.
عن الحالة الثقافية تأتي شهادة د.يحيي عاشور رئيس مركز الإبداع بالإسكندرية فيقول: «حيازة كتاب علمي أو رواية وحتي ديوان شعر كانت جريمة فكانت تصنف كمنشورات فكرية تحتوي علي أفكار هدامة بغرض قلب نظام الحكم، فأصبحت الكتب الوحيدة المباحة هي كتب التراث وخطب المشايخ ودروس الدين بالمساجد هي البديل للندوات».
- الإنذار الأخير «أغسطس 1980»
وعن الخطوة قبل الأخيرة في مشوار الجماعات في عهد السادات يقول د.محمد عبداللاه: «في 1977 بدأت انتفاضة الأسعار من الإسكندرية، كان هناك تمركز قوي للنقابات وقوي اليسار والتي تعرضت للاختراق من الجماعات الإسلامية التي أصبحت الجامعة مقر حكمهم للثغر، حتي وصل الأمر لأنهم دخلوا علي عميد كلية العلوم في جامعة الإسكندرية وحبسوه في مكتبه وقطعوا عنه سلك التليفون لأنه لا يمكنهم من السيطرة.
في نفس الوقت حدثت ظاهرة أخري هي أن طرفي المدينة المنتزه والغرب وجزءا من الرمل التي كانت مناطق زراعية فجأة بين عشية وضحاها تم تقسيمها وظهرت فيها العشوائيات بكثافة وتفلطحت الإسكندرية وقفز تعداد سكانها فجأة.
وأتذكر عام 1979 وأنا شاب أخوض انتخابات الشعب لأول مرة كنا نخشي أن نسير في تلك المناطق بعد المغرب فأنت لا تعرف من هم ولا من أين أتوا.
وعلي ذكر انتخابات 1979 فقد كانت الإسكندرية المحافظة الوحيدة التي خاض فيها أقوي رموز المعارضة حين ذاك الانتخابات سواء إسلاميين مثل المحلاوي وعاشور ومحمود عيد أو العديد من قيادات اليسار.
- القائد ..المحلاوي!
يواصل د.محمد عبداللاه شهادته: «مسجد القائد إبراهيم من السبعينيات هو الهايد بارك للإسكندرية بحكم موقعه المتميز في محطة الرمل واختيار عدد من الرموز له للصلاة به، بالإضافة إلي أنه أصبح رمزا للهجوم علي النظام أيام الرئيس السادات منذ اعتلا منبره المحلاوي فزادت حدة الهجوم وعلت النبرة، وارتفع عدد المريدين الذين يتهافتون علي هذه الموضة الجديدة ولم يكن المحلاوي هو الوحيد فكان هناك مسجد السلام في ستانلي يخطب به الشيخ محمود عيد والاثنان كانا قطبي المعارضة فكانت صلاة الجمعة تصبح كيوم الحشر ليستمعوا للمعارضة فكان هذا الشكل من التمرد جديدا يجذب الناس لا بجرأته إنما بتجرئه علي رمز الدولة والمنطقة العربية كلها في ذلك الوقت أنور السادات.
المسجد يتوسط ميدان محطة الرمل ويفصل بينه وبين كلية الطب عدة أمتار وهو ما قد يكون مبررا لفهم سبب كون كل قيادات السلفية من الأطباء ولكن يبقي هناك سبب آخر خصوصا أن معظم المستقطبين كانوا من كليات الهندسة والصيدلة أيضا وهما بعيدتان عن المسجد مقارنة بكلية الطب.
- الإخوان مع السلفيين
يتقاسم كل من السلفيين والإخوان السيطرة والتمركز علي عشوائيات المحافظة وبالتالي فإن القائد إبراهيم حالة استثنائية لوجود منبر للسلفيين في مكان راق لذلك يعملون علي بناء المساجد والزوايا الضخمة في عزب شرق وغرب المدينة وأحيائها العشوائية.. أشهر هذه المساجد «الإمام البخاري» في شارع السادات (السكة الحديد القديمة) وفي سيدي جابر مسجد «بلال بن رباح» أمام الكنيسة وعلي بعد أمتار في نفس الشارع لهم مسجد آخر اسمه «أنصار المهاجرين» و«الفردوس» في شارع الفردوس الذي يقع في باب شرق في شارع متفرع من شارع الزهور وخطيبه شيخ سلفي يدعي جابر وله جمهور كبير من شباب المنطقة يتزاحمون علي دروسه ومسجد «العزيز بالله» في شارع ابن الوليد المتفرع من شارع الزهور أيضا وشيخه هو الشيخ شعبان وفي شارع آخر متفرع من شارع الزهور أيضا يقع مسجد «الهادي» وشيخه هو د.محمد الجهيني.
وفي شارع الإزالة فقط توجد 3 مساجد لهم تغلق الشارع تماما من بدايته لنهايته وقت الصلاة هي مسجد حامد سليمان ومسجد الحليم ومسجد الفرقان هذه هي أهم مساجد السلفية بخلاف الزوايا التي تنتشر في مناطق رمل إسكندرية وهي منطقة عشوائية كانت صحراء حتي نهاية السبعينيات أما بالنسبة لأماكن تجمعهم السكنية فهي تتركز في عشوائيات أبوسليمان وشارع العشرين والترعة المردومة وترعة المحمودية وميناء البصل وإن كانوا يتقاسمون بعض المناطق مع الإخوان إلا أنهم ينفردون بمجموعة من العزب تابعة لدائرة المنتزه هي عزبة محسن وعزبة البحر وعزبة (500).
أما أهم مساجد وزوايا الإخوان فلهم في منطقة أبوسليمان 8 مساجد متجاورة وفي سيدي جابر مسجد التوبة آخر شارع السكة الحديد وزاوية الرحمن في شارع شركة الخشب أمام مستشفي طلعت مصطفي ومسجدا الصديقين والدعاء في شارع الزهور ومسجد النور في شارع الإزالة شرق ومسجد الحمد لله علي ترعة المحمودية قبل كوبري النزهة في عزبة الخولي التي تعتبر أحد معاقلهم هذا وتعتبر أهم مناطق تمركزهم هي الدخيلة والحضرة القبلية والبحرية ومحرم بك ورمل إسكندرية والحضرة الجديدة.
ففي منطقة عزبة البحر وجدنا 3 مساجد متتالية علي جانب واحد يفصل بين كل منها أقل من كيلو متر وتكلفة أحدها وصلت إلي 25 مليون جنيه
- كله تمام
تحدثنا إلي الشيخ أحمد أبوحطب وكيل وزارة الأوقاف بالإسكندرية وسألناه عن ملاحظتنا فقال: «عدد المساجد في الإسكندرية 2205 مساجد والزوايا 1818 أما المساجد الأهلية 198 مسجدا والزوايا الأهلية 300 وكلها تابعة لإشراف الأوقاف وبها دعاة وأنا أقوم بالمرور ولا توجد أي مشاكل: «أبلغناه أن هناك مساجد كثيرة لا تحصي يتقاسم السيطرة عليها السلفيون والإخوان فثار بشدة وقال: «هذا غير صحيح وكل مساجد الإسكندرية، إما تابعة للأوقاف أو تحت إشراف الأوقاف ولا توجد أي مخالفات أو تجاوزات وخطبة الجمعة 7 يناير كانت موحدة في كل المساجد بتوجيهات من الوزارة حول التسامح في الإسلام والمحبة بين المسلمين والأقباط»!
- حسن ومرقص!
عندما ذهبنا لشارع خليل حمادة الذي وقع به التفجير فعلي بعد أمتار من شارع كنيسة القديسين يقع مسجد المدينة المنورة وهو تابع للأوقاف.. خطيب المسجد الذي ظهر في وسائل الإعلام صديقا للكنيسة عندما التقينا به كان أول ما بادرني به إهدائي كتابا بعنوان (الرد علي شبهات النصاري) واصطحبني إلي (صومعته) كما يسميها - وهي ركن في مغلق الخشب هو مصدر رزقه - ليطلعني علي نشاطه في«البال توك» للرد علي النصاري.
قلت له: أنا لا أفهم كيف تظهر لهم الود وتبطن لهم عدم القبول أليس هذا نفاقا فأجاب: «أنا الآن في مرحلة مراجعة مع نفسي علي اندماجي معهم السنوات الماضية وأفكر جديا في الانعزال والتفرغ للرد علي شبهات النصاري والشيعة وهم الأخطر الآن».
«الناس اعتادت مني في السنوات الأخيرة علي الخطب النارية فقد كنت ألقي خطبة عادية في بداية عملي بالمسجد لم يكن يحضرها سوي عدد قليل جدا وباقي المصلين يتجهون لمساجد الإخوان بالمنطقة فقررت أن أفعل ما يفعله شيوخهم طالما أن المصلين (عاوزين كده) و(فقعت خطب) أكثر سخونة من خطب الإخوان فوجدت أن عدد المصلين وصل في بعض الأحيان إلي 3 آلاف مصل لدرجة أن الشارع يتوقف تماما من الاتجاهين رغم اتساعه أثناء صلاة الجمعة».
- السلفية اليونانية!
«آدموند نيقولا كاسيماتس» رئيس الجالية اليونانية في الإسكندرية هو وريث أقدم محل ملابس بالإسكندرية (منيرفا) من (1908) أي 103 أعوام، هذا المحل كان ينقل أحدث خطوط الموضة من أوروبا للإسكندرية ومنها تتحدد موضة الموسم في القاهرة.. بادرني بإجابة غير متوقعة عن رأيه في الاختلاف الذي حدث فقال: «بالطبع أصبحنا أكثر احتشاما وعلي الأجانب الذين يزورون مصر أن يراعوا ذلك ويحتشموا هم أيضا فعندما تكون في الشرق يجب أن ترتدي ما يرتديه أهل الشرق».
وقد ألمح لذلك عندما أكد علي أن اليونانيين الموجودين لهم استثمارات كبيرة يخشون عليها. وإن قد عاد ليؤكد عدم انعزال الجالية اليونانية واستمرارها في العمل العام فمازالت أول جمعية تأسست في مصر للعمل الخيري وهي الجمعية اليونانية الخيرية (1843) تقوم بأنشطتها ونادي بطليموس لرجال المثقفين اليونانيين والمركز الثقافي اليوناني.
- إبداع فردي
في شارع النبي دانيال الذي كان (كلوب محمد علي) التقيت رئيسه وهو طبيب الأسنان السكندري د.أحمد يحيي عاشور الذي قضي فترة دراسته في جامعة تحكمها ميليشيات إرهابية حرمته الاستمتاع بممارسة أي نشاط فني رغم أنه كان رئيس اللجنة الفنية لاتحاد طلاب الجامعة انطلق قائلا: «أنا ضد مقاومة هؤلاء بالقوة والأمن فمحاولة استئصالهم بالقوة أشبه بمحاولة تدخل جراح بمشرط لاستئصال ورم سرطاني علي الفور يتسبب في انتشاره ويموت المريض.. كذلك هذه الجماعات يجب القضاء عليها بالإشعاع الفكري والثقافي لا بالمواجهات الأمنية التي تصنع منهم أبطالا، الآن وبعد سنوات من العذاب تحت نير احتلالهم للمنابر والجامعات بدأ الجميع يتنبه لدور الثقافة.. ولكن نحن هنا نتحدث عنها في قاعات مغلقة يجب أن تخرج للناس وهذا دور الإعلام الذي يحارب التشدد بالإسفاف.. جامعة لا تعلم العلم لكي تعلم الأخلاق والثقافة، قصور الثقافة توقفت منذ أكثر من 30 سنة الآن تعود للعمل تستكمل من نقطة توقفها.. فأصبحت أشبه بمشهد فيديو الصوت متأخر كثيرا عن الصورة.
خرجنا من مكتبه لنذهب للمكتبة وهي مكتبة كبيرة جدا ومنظمة وبها قاعات لكل العلوم والآداب وكلها فارغة أما قاعة العلوم الدينية فكانت مكتظة بالشباب!! يذهبون إلي مركز الإبداع لكن بعقول أحادية الرؤية والتفكير.
بخلاف مركز الإبداع يوجد بالإسكندرية9 قصور ثقافة و3 بيوت ثقافية من المفروض أن تواجه المد السلفي والإخواني من2403 مساجد و2118 زاوية!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.