ليس صعبًا ولا هو درب من الخيال، أن تتغلب إرادة الشعوب على الأزمات لتحولها إلى الانطلاق نحو التقدم، فألمانيا- نموذجًا- كما اليابان، قد شق التقدم طريقه فيهما بعد أزمة طاحنة فى الحرب العالمية الثانية. وقد يرى البعض أن ثمة بعض الفضل إلى مشروع مارشال الذى تبنته الولاياتالمتحدة لإعادة بناء دول أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية، ولكن الشيء المهم هو إرادة هذه الشعوب والإدارة الناجحة التى خططت على أسس علمية، ولعل نفس الظروف الآن فى مصر، فقد بدت الصورة تأخذ شكلها الصحيح، فثمة تحسن فى مؤشرات الأداء الاقتصادى، تتواكب مع التقدم فى المسار السياسى فى تنفيذ خارطة المستقبل وقرب الانتهاء من إعداد الدستور لبناء دولة ديمقراطية. لم يغب عن المشاركين فى مؤتمر اليورومنى الذى يمثل أكبر محفل اقتصادى تشهده القاهرة بعد ثورة 30 يونيو، أن مصر تتحول نحو الطريق الصحيح، الاقتصاد يتحسن وهو ليس بعيدًا عن السياسة، حيث بدا المزاج العام فى المجتمع ينحو نحو التوافق. رسالة الحكومة كانت واضحة وإيجابية وجاءت على لسان وزير المالية الدكتور أحمد جلال، وهو قبل أن يكون وزيرًا فى الحكومة، فهو أحد كبار الاقتصاديين البارزين فى البنك الدولى، حيث يجيد مخاطبة الاقتصاديين والمستثمرين بلغة سهلة، ولذا فقد ركز على المحاور الأساسية فى السياسات الاقتصادية التى تنتهجها الحكومة، فى تنفيذ برنامج التحفيز الذى بدأت نتائجه فى السوق، حيث إن كل جنيه تنفقه الحكومة فى الاستثمار يترتب عليه مضاعف بخمس أمثال. رسالة المستشار السياسى لرئيس الجمهورية الدكتور مصطفى حجازى، كانت واضحة ومباشرة للمشاركين فى المؤتمر وهى أن مصر تسير بخطى ثابتة نحو تنفيذ خارطة المستقبل، مشيرًا إلى إن لدينا 3 نقاط أساسية فى خارطة الطريق أولها الدستور، ثم الانتخابات التشريعية ثم الرئاسية بدأنا من التاسع من سبتمبر، ونحن في انتظار المسودة النهائية في 3 ديسمبر ثم الاستفتاء على الدستور الذي نتوقع أن يتم أواخر ديسمبر أو أول يناير حتى نبدأ في الانتخابات التشريعية أي أن الانتخابات الرئاسية ستتم بحلول صيف العام المقبل. وهذه هى الرسالة الثانية من مسئول مصرى وزير الخارجية نبيل فهمى، تؤكد أن خارطة المستقبل تسير وفق المدى الزمنى المحدد لتحقق آمال المجتمع وأهداف الثورة. كما حدد توجهات السياسة الخارجية الجديدة، لمصر فى ظل الحديث عن دور روسيا والصين، حيث أوضح أن مصر دولة رائدة فهي دولة تعرف وضعها في العالم وأن الاتجاهات السياسية الحالية قد تؤدي إلى قوى أكثر توازنًا في المنطقة، وأن الأساس فى هذه العلاقات هو تحقيق المصالح المشتركة وأن تكون علاقات متوازنة وعلى قدم المساواة. المستقبل أكثر إشراقًا على حد توقعات وزير المالية، الذى أكد أن مصر عبرت المرحلة الصعبة وفى طريقها إلى التعافى اقتصاديًا وأيضًا سياسيًا فى ظل المضى قدمًا فى تنفيذ خارطة المستقبل، متوقعًا أن تشهد الأشهر المقبلة نتائج جيدة بفضل السياسات التى تتخذها الحكومة حاليًا التى تظهر آثارها بعد أشهر، وخاصة على مستوى خفض سعر الفائدة الذى سيؤدى إلى خفض الدين العام المحلى بشكل جيد من خلال إحلال الأذون التى حل أجلها بأخرى أقل تكلفة، بنحو 4 % بعد أن انخفض العائد على أذون الخزانة من 15.5 % إلى 10.6 % وهو ما يسهم فى تخفيض نسبة الدين العام إلى 91 % من الناتج المحلى. وأضاف: هناك وفورات جيدة سوف تساعد الحكومة على خفض عجز الموازنة إلى 10 % هذا العام تمهيدًا إلى خفضها إلى 9 % العام المقبل. تاكيدات وزيرالمالية على قدرة الحكومة على خفض عجز الموازنة العام كانت ردًا على سؤال ل"بوابة الأهرام"، الذى جاء مباشر حول إمكانية الحكومة فى خفض عجز الموازنة العامة بعد أن تفاقم العام الماضى فى ظل حكومة "الإخوان"، وكان رد الوزير مقنعًا بأنه سوف تعمل الحكومة على ألا يتجاوز العجز هذا العام 200 مليار جنيه بنسبة 10 % فقط من الناتج المحلى الإجمالى، مدللاً على أن قدرة الحكومة ليس فقط فى الوفورات من خفض سعر الفائدة، لكن من حزمة المساعدات الخليجية بمبلغ 7 مليارات دولار أى 42 مليار جنيه إلى جانب نحو 3 مليارات جنيه من منع تهريب المنتجات البترولية، إضافة إلى العائد المتوقع من تطبيق الضريبة العقارية. ورغم أن وزير المالية كشف عن رد الحكومة من خلال البنك المركزى للسندات القطرية التى يحل أجلها ومنها 500 مليون دولار أوائل الشهر المقبل، إلى جانب سداد مليار دولار أخرى لصالح الشركات الأجنبية العاملة فى مجال التنقيب والبحث والاستكشاف واستخراج البترول والغاز هذا العام فى إطار تسوية شاملة لإجمالى مديونياتها التى تزيد على 6 مليارات جنيه وذلك من خلال لجنة من وزارة المالية والبترول والبنك المركزى. إلا أنه أكد أن هذا الأمر لن يؤثر كثيرًا على الاحتياطى فى ظل السياسة الرشيدة للبنك المركزى، إلى جانب أن سداد وتسوية مديونيات الشركات الأجنبية العاملة فى البترول، سوف يسهم فى ضخ هذه الشركات لاستثمارات كبيرة قد تصل إلى 4 مليارات دولار تحقق عائدًا ومردودًا إيجابيًا كبيرًا للاقتصاد المصرى فى توفير البترول والغاز. أما محافظ الأقصر اللواء طارق سعد الدين، فقد كشف ل"بوابة الأهرام" عن حقيقة تعزز التفاؤل، حيث أكد أن نسبة الإشغالات فى الفنادق بالمحافظة زادت إلى نحو 12 % حاليًا ارتفاعًا من 3 % منذ أسابيع. قطاع تكنولوجيا المعلومات والتصالات يأتى فى مقدمة القطاعات الواعدة لجذب الاستثمارات وكما يؤكد عاطف حلمى وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ل"بوابة الأهرام" على هامش المؤتمر، فإن مصر تمضى فى طريق التعافى الاقتصادى، وأن انعقاد مؤتمر اليورومنى، مؤشر جيد على التفاؤل بالمستقبل، من حيث عدد الشركات والمؤسسات المالية والاستثمارية المشاركة فيه. ويضيف، هناك مؤتمر دولى آخر سوف ينعقد فى القاهرة فى 9 ديسمبر المقبل وعلى مدى 3 أيام، بمشاركة واسعة من الشركات العالمية وسوف يتم الإعلان عن فرص واعدة للاستثمار فى هذا القطاع بمصر لجذب 3 مليارات جنيه خلال العام المالى الحالى. ثمة توافق بين آراء رؤساء مؤسسات الاستثمار الكبرى مع وزيرى المالية والاتصالات فى التفاؤل بالمستقبل مع بعض الملاحظات كما تحدث هشام الخازندار، المؤسس والمدير التنفيذى لمجموعة القلعة، مبديًا التفاؤل، كما يرى أن الحكومة بدأت تحفيز الاقتصاد على النمو، بدلاً من اتباع سياسة انكماشية، وإنهاء المشروعات التى بدأ تنفيذها وتوقفت، ولكنه شدد على أهمية أن تتخذ الحكومة مزيدًا من الإصلاحات لإرساء قواعد للحكومة القادمة، لافتًا إلى قضية الدعم الذى يستحوذ دعم الوقود على 21 مليار دولار منه، معظمه يذهب لمن لا يستحق. رسالة الحكومة استقبلتها المؤسسات الأجنبية بشكل إيجابى، فقد جاءت إجابات جيمس مواران، سفير الاتحاد الأوروبى بمصر، الذى أكد أن الحكومة المؤقتة تقوم بعمل جاد، ولكنه دعا الحكومة إلى إعطاء أولوية لإزالة قلق المستثمرين في ما يتعلق بأحكام رد الشركات التى تم خصخصتها منذ سنوات، لافتًا إلى أنه بدون حل هذه المشكلة، فسيظل قلق المستثمرين قائمًا، وتوقع أن تشهد الفترة المقبلة عقب مجيء الحكومة المنتخبة، تدفقًا كبيرًا فى الاستثمارات الأوروبية لمصر، خاصة مع إعلان الحكومة خطتها خلال السنوات، مؤكدًا التزام الاتحاد الأوروبى بدعم ومساندة مصر.