مثلما اعتاد المصريون منذ آلاف السنين تناول الأسماك المملحة والفسيخ وخلافه في يوم شم النسيم، يحرص الكوريون الجنوبيون منذ مئات السنين أيضًا على تناول وجبة "الكيمتشي" أو (الخضار المختصر) احتفالًا باستقبال أعياد الربيع، وقد أعلن المركز الثقافي الكوري بالقاهرة مؤخرًا عن تقديمه وصفات تلك الوجبة التقليدية باستخدام مكونات محلية متوفرة في مصر وذلك بداية من 3 مايو وحتى نهاية الشهر على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة للمركز. وتتضمن الفعالية التي ينظمها المركز الثقافي الكوري، كروت تعريفية ترصد التشابه بين وجبات الربيع المصرية والكورية، وفوائد طبق "الكيمتشي" المختلفة، وثلاث طرق مختلفة لتحضيره بمنتجات محلية مصرية. ويعقب الفعالية مسابقة لمشاركة الكروت التعريفية عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع تعليق شخصي على المحتوى، وسيتقدم المركز الثقافي الكوري بمنح هدايا من الأطعمة الكورية والمكونات المميزة للوصفات الكورية المشهورة. ما هو "الكيميتشي"؟ ورغم أن كوريا الجنوبية دولة تطورت بشكل كبير خلال القرن الماضي، وباتت إحدى الدول الاقتصادية الكبرى التي تنتج رقائق الكومبيوتر والمنتجات التكنولوجية مثل الهواتف والسيارات، إلا أن الناس هناك لا يزالوا متمسكين بالطابع الثقافي المميز، بالتوازي مع التطور الذي شهده المجتمع والانفتاح بشكل كبير على الثقافات الغربية، خصوصًا الأكلات الشعبية المتوارثة منذ القدم، وقد ساعدت الدراما والأفلام الكورية على انتشار المطبخ الكوري في دول العالم، وتبرز من ذلك المطبخ وجبة "الكيمتشي" كأحد أقدم الأطعمة وأكثرها شهرة في كوريا الجنوبية، والذي يعتبر من الأطعمة الأساسية علي مائدة الطعام الكورية. وبالنسية للكثير من الكوريين فإن وجبة الطعام التي تخلو من "الكيمتشي"، قد تكون وجبة طعام غير مكتملة، وهو عبارة عن خليط من الخضروات المتخمرة، كما أنه من الأطباق ذات النكهة الحارة والحامضة ويتم إعداده باستخدام أنواع عديدة ومختلفة من المكونات ومزيج فريد من النكهات والتي لا تجدها في الكثير من الأطباق الأوروبية. لماذا أدمنه الكوريون؟ وفضلًا عن قيمته الصحية والغذائية العالية بسبب احتوائه علي نسبة كبيرة من الألياف وبسبب انخفاض سعراته الحرارية، حيث يُقدم دائمًا على موائد الطعام في العزومات الكبرى، بل يستخدمه البعض هناك للتعبير عن تقديرهم للطرف الآخر. في حين يشتكي الكوريون دائمًا من الآثار السيئة للطعام الغربي على معدتهم, ويقولون إن أكل "الكيمتشي" هو أفضل علاج لمحاربة تلك الآثار المزعجة. ففي كوريا الجنوبية وحدها يستهلك الفرد سنويًا قرابة 18.14 كجم من تلك الوجبة، فهم يضيفونها لكل شيء تقريبًا. لكن الغريب إن صنعه بالطريقة الكورية يستغرق من شهرًا لثلاثة أشهر، أما خارج كوريا فالموضوع أسهل حيث لجأ عديد من الطهاة الأمريكان لصنع أنواعًا مختلفة منه اعتمدوا فيها على تخليله للحصول على طبق أخف وأكثر ميلاً للذوق الغربي وتحضيره أسهل, إلا أنه في الواقع طعام يصنع بطريقة التخمير مما يجعل الحصول على "الكيمتشي" الأصلي يستغرق وقتاً أطول. ففي حال تخزينه بشكل مناسب, يحافظ "الكيمتشي" على طعمه لمدة تتراوح بين شهر إلى 3 أشهر منذ صنعه, ولكن فيما يخص الطهو فهو أفضل كلما كان أقدم، و"الكيمتشي" الناضج يؤدي إلى "يخنة مثالية"، وهو إضافة رائعة للكيمباب "Kimpap" والأطباق المقلية, كطبق الكيمتشي بالأرز المقلي. 200 نوع ويوجد تقريبًا 200 نوع مختلف من "الكيمتشي"، فإذا ظننت أنك تعرف ماهيته, فمن المرجح أنك لا تعرف سوى مقدمة عنه, ولكن مع اعتبار تنوع أشكال الملفوف والفجل وغيرها من الخضراوات, بالإضافة لطرق التحضير المختلفة, فإن عدد أنواع "الكيمتشي" لانهائي! لكن أكثرها شيوعًا هو الملفوف المسمى "بيتشو كيمتشي"، وهو نوع مخمر وحار يضاف إليه الملفوف الصيني, وفلفل "غوشو", والبصل الأخضر, والثوم والخل. كذلك "كيمتشي الفجل المقطع" أو "كاكتوغي", وكيمتشي الخيار أو "إي كيمتشي", وكيمتشي المياه "مول كيمتشي" وجميعها تعتبر من أنواع "الكيمتشي" المعروفة بشكل جيد أيضًا. وهذا يسمح للكوريين أن يضيفوا النوع المناسب من "الكيمتشي" مع طعامهم, تمامًا كما يفعل الفرنسيون مع نبيذهم. تنمر غربي ورغم ذلك إلا أن "الكيمتشي" منذ زمن ليس ببعيد, كان عبارة عن طعام غريب جدًا بالنسبة لأغلب سكان الغرب. ويمكن أن يُرى حب الكوريين له بأنه حب هوسي وهو كذلك حقًا في بعض الأحيان. لكن منذ فترة, أصبح أمر اهتمامهم بصورتهم أمام العالم وعدم إهانتهم للغرباء ببعض عاداتهم وطعامهم الغريب أمرًا مهمًا جدًا ومتعلق بالكرامة الوطنية, ولكن قبل ذلك, كان المسافرون الكوريون يأخذون معهم بعض "الكيمتشي" المصنوع منزليًا أثناء سفرهم, مما يتسبب في إزعاج المسافرين بقربهم (بسبب رائحته) والذين أساءوا الظن بالكوريين. حتى أن "دايفيد تشانغ" صاحب سلسلة مطاعم "Momofuku موموفوكو" الكورية الشهيرة، اعترف بأنه تعرض للتنمر من قبل زملائه في المدرسة عند إحضاره "الكيمتشي" معه خارج بلاده. استغلال أوليمبياد سيول وبعد ألعاب الأولمبياد التي أقيمت في العاصمة الكورية سيول عام 1988, اكتشف صناع القرار الكوريون أهمية الطعام كمصدر صغير للقوة, فأصبح الترويج لل"كيمتشي" أمراً أساسياً في استراتيجية التسويق العالمية في كوريا. ولكنهم سرعان ما علموا أن رائحته القوية وطعمه الحار لن يُسهل من بيعه للزبائن بالخارج. كما لم يكن من الصعب عليهم أن يفهموا مدى غرابة هذا الطعام بالنسبة للغرباء, حيث أن الدبلوماسيين الخارجيين كان يترددون في تذوقه عند زيارتهم لكوريا, والقليل ممن تذوقوه أعجبهم طعمه. وبسبب ذلك, تعهدت الحكومة أن تبذل جهداً أكثر في هذه المسألة, حيث أنشئوا مشاريع شارك إليها طهاة عالميون وعلماء مشهورون لإنتاج "كيمتشي" محسن, بحيث يحافظ على اللمسة الكورية وبنفس الوقت ينال إعجاب الذوق الغربي الغير معتاد على هذا النوع من الطعام. ومنذ أعوام, أنفقت الحكومة الكورية 9 ملايين دولار على برامج الأبحاث, وترافق ذلك مع زيادة طبيعية لشعبية "الكيمتشي", ساهم فيها المهاجرون الكوريون والطهاة ممن لديهم حب للتجربة. كما بذلت جهود لنشر ثقافة "الكيمتشي" من قبل جوانب أخرى من الثقافة الكورية، تضمنت الدراما، وأفلام الكرتون والأغاني. معجزة تقاوم الأمراض وإذا كان لديك أصدقاء كوريون, فلا بد أنهم أخبروك مرارًا وتكرارًا أن "الكيمتشي" مفيد صحيًا, وهو كذلك حقاً "وفقًا لخبراء تغذية، باحتوائه على 15 حريرة تقريبًا في الوجبة الواحدة, فيعتبر من أقل الوجبات التي تحتوي على سعرات حرارية. حيث يحتوي على كمية كبيرة من مضادات الأكسدة والألياف كما يعد مصدرًا مهمًا للفيتامينات A, B1, B2, B12، وكذلك الكالسيوم والسيلينيوم. لذلك يؤمن الكوريون بأن "الكيمتشي" هو سر صحتهم الجيدة، ولياقتهم العالية، وحياتهم الطويلة. كما يعتقد الكثيرون أنه يمنع ويخفف من الالتهابات، ويعالج مرض السارس التنفسي، وحتى السرطان!