عن تجربة اليابان في بناء الدولة الحديثة، شارك السيد "ماتسوناجاهيديكي"، المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وأوروبا، بهيئة التعاون الدولي اليابانية "جايكا"، ضمن سلسلة محاضرات قيمة، تنظمها الجامعة المصرية - اليابانية للعلوم والتكنولوجيا E-JUST بمقرها في مدينة برج العرب الجديدة بالإسكندرية... للمرة الثانية منذ تأسيسها في عام 2009، تشرفت - يوم الأربعاء الماضي - بزيارة مقر الجامعة المصرية - اليابانية، بدعوة كريمة من رئيسها، الدكتور أحمد الجوهري، والدكتور عصام حمزة، عميد مركز الآداب والثقافة والدراسات اليابانية. أعرف السيد "ماتسوناجاهيديكي"، وجمعتني به حوارات عديدة، لرفع وتحسين وتوثيق المساعدات اليابانية لمصر، منذ نحو 10 سنوات، وبالتحديد، منذ أن كان ممثلا مقيمًا لهيئة "جايكا" بالقاهرة، وهو الآن يحتل موقعًا قياديا مرموقا بالهيئة. هيئة التعاون الدولي اليابانية قدمت مساهمات مالية واقتصادية وتنموية حكومية جليلة للمصريين على مدار العقود الأربعة الماضية، لتشمل بناء دار الأوبرا، وتشييد جسر السلام فوق قناة السويس، الذي يربط بين قارتي إفريقيا وآسيا، وبناء مستشفى الأطفال في أبوالريش، وأحد خطوط مترو الأنفاق، والمتحف المصري الكبير، وصولا إلى الجامعة المصرية - اليابانية للعلوم والتكنولوجيا ب برج العرب. حسب الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي، تبلغ محفظة التعاون الجارية بين جمهورية مصر العربية وهيئة التعاون الدولي اليابانية 2.7 مليار دولار، من بينها 287 مليون دولار للاستثمار في رأس المال البشري، من خلال الشراكة المصرية - اليابانية لتطوير التعليم، و1.12 مليار دولار للكهرباء، و552 مليون دولار للنقل والملاحة، و450 مليون دولار للسياحة والآثار، و240 مليون دولار لتمويل سياسات التنمية، و57 مليون دولار للري. خلال تمثيله لل "جايكا" في القاهرة، عاصر السيد "ماتسوناجا" الحقبة حالكة الظلام التي اعتلى فيها التنظيم الإرهابي سدة الحكم في مصر، وقد وجه لي الدعوة، في أثنائها، للالتقاء بأحد كبار مسئولي الهيئة اليابانية بمقر مكتبها بالقاهرة للتعرف عن قرب ومن وجهة نظر صحفية، على حقيقة الأوضاع المقبضة، السائدة في البلاد في تلك الفترة، حتى تطمئن "جايكا" على مصير مساعداتها التنموية، وفي مقدمتها، مشروعي المتحف المصري الكبير والجامعة المصرية - اليابانية. ممثل ال "جايكا" لم يكن مرتاحا لحالة عدم الاستقرار، التي كانت تمر بها مصر في ذلك الوقت، لدرجة أنه نشر مقالا بصحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، بعنوان: دروس لمصر في فترة ما بعد الثورة، أعدت نشر فقرات منه بمقال لي في "الأهرام" بتاريخ 13 ابريل عام 2013، وبالذات، تنبيهه - حسب تقديره كمحلل اقتصادي محايد - إلى أن المستقبل الاقتصادي القصير في مصر، وقتها، ليس ورديا، في ظل سياسات الاقصاء والتهميش، التي كان يتبعها مكتب الإرشاد. في وقت لاحق، وتحديدًا في يوم العاشر من شهر أكتوبر عام 2013، جاء مقعدي بجوار السيد "ماتسوناجا" في القاعة الكبرى بدار الأوبرا المصرية، لحضور الاحتفال بمرور 25 عاما - اليوبيل الفضي - على افتتاح الدار، وقد شارك في أحيائه، مغنية السوبرانو اليابانية، من أصول عربية، مريم تاماري، وكانت ترتدي زيًا من أحدث أعمال مصممة أزياء الزفاف اليابانية المعروفة، يومي كاتسورًا. أجواء التفاؤل السائدة بين الضيوف والأجانب، وبالذات اليابانيين، في ذلك الاحتفال كانت تعكس حالة الارتياح والبهجة التي كان يعيشها المصريون عقب نجاح ثورة 30 يونيو في إزاحة التنظيم الإرهابي، وطوى صفحته السوداء إلى غير رجعة، وطمأنة الداخل والخارج على مسيرة الاستقرار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. بالنسبة للسيد "ماتسوناجا" وكممثل للهيئة اليابانية في مصر، فقد كان مهموما بضرورة إنجاز المشروعات التنموية التي بدأتها بلاده في مصر، وفقا للتوقيتات المنصوص عليها، والأهم أن يسارع الجانب المصري بالوفاء بالتزاماته، كما فعل بالضبط اليابانيون تحديدًا تجاه مشروعي المتحف الكبير والجامعة في برج العرب. أحد مظاهر التزام الجانب الياباني بتعهداته والتوقيتات المتفق عليها بين الجانبين، المصري والياباني، تجاه إنشاء الجامعة المصرية - اليابانية للعلوم والتكنولوجيا ببرج العرب، كنت شاهدا عليه بنفسي فور صدور مرسوم تأسيسها في عام 2009، وذلك حينما كلفني الدكتور مصيلحي رجب، المستشار الثقافي المصري الأسبق بطوكيو، بتحميل طرد من المعدات والتجهيزات التكنولوجية اليابانية الدقيقة، خاصة بالجامعة، على أمتعتي بتذكرة رحلة عودة بالطائرة من طوكيو للقاهرة. في أحد شهور عام 2013، لبى السيد "ماتسوناجا" دعوة لزيارتي في معهد الإعلام بأكاديمية الشروق، حيث كنت أقوم بتدريس مادة الصحافة الإلكترونية، وأتذكر عندما همس في أذني في ختام الزيارة بأنه كم كان يتطلع لإنجاز الإنشاءات الخاصة بالجامعة المصرية - اليابانية، وهو الالتزام المؤجل تنفيذه بلا أي مبرر. بعد أن أنهى مهمته في القاهرة، وانتقل إلى واشنطن، ممثلا ل جايكا لعدد من السنوات، لم ينقطع التواصل بيني وبين السيد "ماتسوناجا"، ليحل ضيفا - بحكم موقعه الوظيفي الجديد منذ أيام - على أحد المشروعات العملاقة، التي انتظر طويلا حتى يراها بأم عينه، ألا وهي الجامعة المصرية - اليابانية للعلوم والتكنولوجية، ولن ينتظر السيد "مانسوناجا" طويلا حتى يرى بنفسه، أيضًا، الإنجاز الأعظم في تاريخ العلاقات الثنائية، بافتتاح المتحف المصري الكبير. لم تفارق مخيلتي فرحة السيد "ماتسوناجا"، خلال الجولة التفقدية بالحرم الجامعي، صديق البيئة، بمدينة برج العرب الجديدة، التي نظمتها لي إدارة الجامعة يوم الأربعاء الماضي، وتبلغ مساحته 200 فدان، ويواكب أحدث التكنولوجيا العالمية، وحسنا فعلت مصر، عندما وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي بإطلاق اسم رئيس حكومة اليابان السابق، آبي شينزو، على المرحلة الثالثة من مجمع الحرم. ولأن الشيء بالشيء يذكر، وجب التنويه هنا إلى المجهودات الدبلوماسية المصرية، وكذلك الدبلوماسية اليابانية، التي عاصرتها عن قرب، منذ ولادة فكرة الجامعة في عام 2003، ومرورا بقبول أول دفعة من دارسي درجتي الماجستير والدكتوراه في فبراير عام 2010، وصولا إلى قبول أول دفعة من طلاب المرحلة الجامعية الأولى لنيل درجة البكالوريوس في عام 2017، وانتهاء بالاحتفال - معا بإذن الله - في شهر سبتمبر عام 2023، حينما يتم استكمال المنطقة الأكاديمية، وبناء 14 كلية بالمعامل الخاصة بها، ومناطق الزائرين والخدمات والسكن الجامعي. [email protected]