د. خالد قنديل ربما لا يختلف اثنان على الدور المصرى، الحيوى والفاعل والفارق، فى نجاح الحوار الفلسطينى، وكيف تبنت القاهرة الموقف برمته، مستوعبة جميع الفصائل الفلسطينية، قبل أن ينتهى هذا الحوار إلى توافق عام، بدا أقرب ما يكون إلى لوحة جمالية، من المؤكد أن البيت الفلسطينى كان يفتقدها لسنوات. كان الدور المصرى واضحا منذ البداية، فى التئام الحوار على أرضية واضحة للجميع، لا تستهدف سوى مصلحة القضية الفلسطينية، وحسم جميع نقاط الخلاف بحسم ورفق فى آن، وقد مهدت الجلسات الأولى التى شملت جميع الفصائل الفلسطينية، عبر جلساته الموسعة فى القاهرة، الطريق للوصول إلى كثير من النتائج الفاصلة والمهمة، وعلى رأسها التوافق على عقد الانتخابات التشريعية والرئاسية بشكل أساسى، وهى خطوة بات الجميع ملزماً بإجرائها والقبول بما تفرزه من نتائج. وربما لا يختلف اثنان أيضا، على ان القضية الفلسطينية خسرت كثيرا، فى ظل حالة الخلاف بين فصائل العمل الوطنى الفلسطينى، التى تراكمت آثارها على مدى أكثر من 14 عاما من الانقسام، التى كانت سببا فى العديد من التدخلات الخارجية الضاغطة، على طرفى المعادلة الفلسطينية الداخلية، وحسنا فعلت الفصائل عندما قررت بالتوافق مع مصر، ترحيل تلك القضايا لاجتماع آخر سيعقد فى أقل من شهر بالقاهرة أيضا. والمطلوب من قادة فصائل العمل الوطنى الفلسطينى خلال تلك الفترة، هو الصبر وضبط النفس لاقصى درجة، فالقلق لا يزال يخيم على المشهد السياسى فى الأرض المحتلة، خوفا من احتمالية تجدد النزاعات والخلافات مرة أخرى، خاصة بين فتح صاحبة السلطة فى الضفة الغربية، وحماس صاحبة سلطة الأمر الواقع فى غزة، وهو قلق له ما يبرره. ويأمل المرء كثيرا فى ان تكون عودة الفصائل إلى القاهرة فى حوارات الشهر المقبل، مصحوبة بقدر أكبر من الجدية، من أجل إتمام الإجراءات المتفق عليها، بالصورة العادلة والمرضية للجميع، وفى مقدمتها الاتفاق على مصير الجهاز الحكومى، والأجهزة الأمنية فى غزة، الذى تُشرف عليه حماس، الى جانب تحديد مصير المحكمة الدستورية التى شكلها الرئيس الفلسطينى عباس، وسبق لها أن حلّت المجلس التشريعى السابق، الذى كانت حركة حماس تهيمن على غالبية مقاعده، والمؤكد أن دور مصر المحورى والرئيسى فى هذا الحوار، سوف يتواصل بالقوة المطلوبة، من أجل تأكيد على وجود ضمانات لتنفيذ كل الاتفاقات، من كل الأطراف الفلسطينية، التى لم يكن ينقصها فى الحقيقة، الدافع القوى لإعادة اللحمة من جديد، خصوصا بعد تلقيها العديد من الضربات القاسية، طوال الحقبة الترامبية، وكلنا أمل فى أن يتوصل الأشقاء، إلى حلول حاسمة، تليق بمستقبل الشعب الفلسطينى، وفى مقدمة تلك الحلول، أن تبقى جميع الفصائل على موقفها الداعم للمرسوم الرئاسى، الذى أكد ضرورة إجراء الانتخابات الفلسطينية، والاختبار الحقيقى لذلك، سيظل مرهونا بمدى جدية ومصداقية هذا التوافق، واختلافه عما سبقه من توافقات ذهبت أدراج الرياح. الحقيقة أن خيارات حماس وفتح، باتت محدودة، فكلاهما فى وضع صعب، وتحتاجان إلى إقناع الشارع الفلسطينى، بأنهما أهل لثقته بعدما كاد ينفض عنهما فى الفترة الأخيرة، ولعل فتح وحماس تدركان أكثر من غيرهما، مدى العقبات التى يضعها الاحتلال فى وجه إنجاح التجربة الانتخابية المرتقبة، خاصة فى القدس، فضلا عن مخاوف قطاعات كبيرة من الشعب الفلسطينى، من تكرار عدم اعتراف واشنطن بنتائج الانتخابات، إذا ما أسفرت عن أطراف قد لا تعترف بإسرائيل. المبادرة المصرية لجمع شمل الفصائل الفلسطينية، تبشر بنتائج طيبة، وهو ما بدا واضحا فى الجولة الأخيرة من الحوار، عندما استطاعت القاهرة أن تنجز نقاطا جوهرية، تنبئ باكتمال مشهد المصالحة الذى بات على مرمى البصر.