قالها الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل بوضوح منذ 40 عاما:"إن مصير أصدقاء أمريكا هو القتل أو العزل"، وكان يتحدث عن رؤساء وقادة الشرق الأوسط في حقبة الستينات من القرن الماضي، وما سبقها، وبرغم أنه من الغريب أن تمر كل هذه السنوات دون أن يتغير ما قاله هيكل؛ إلا أن الأغرب بالتأكيد هو ألا يتعلم أحد من دروس الماضي ليعود التاريخ ويكرر نفسه مرة تلو أخرى، ولكن يبدو أن ألا حياة لمن تنادي. ويأتي نشر هذا الفيديو ضمن احتفاء "بوابة الأهرام" ببلوغ الأستاذ هيكل سن التسعين. في اللقاء الذي تم تسجيله في مكتب هيكل بالأهرام عام 1972م. -حيث كان رئيس مجلس إدارة وتحرير الأهرام- ، يبدأ إدوين نيومان المذيع في قناة (NBC) الإخبارية الأمريكية حواره بالتعريف بضيفه والحديث عن تاريخه الصحفي الذي امتد لنحو 30 عاما -آنذاك- ويشير إلى كونه كان الصحفي الأقرب إلى الرئيس عبد الناصر الذي لم يكن قد مر على رحيله عامان. ويتحدث في بداية اللقاء الذي جرى باللغة الإنجليزية عن معرفة هيكل الجيدة بالولاياتالمتحدةالأمريكية، وكيف أنه كتب كتابا يتحدث عن علاقة العرب بالولاياتالمتحدةالأمريكية اسمه "نحن وامريكا"، ويسأله: هل لازالت السياسة الأمريكية تسير على غير هدى في الشرق الأوسط؟ ويؤكد هيكل أنها لازالت كذلك - كان هذا منذ أربعين عاما- ويدلل هيكل على رأيه باستعراض مصير من وصفهم بأصدقاء أمريكا على مدار ال 15 عاما السابقة على إجراء الحوار، فيقول إن نوري السعيد قد اغتيل، وكذلك الملك فيصل، والأمير عبد الإله، وأن من لم تتم تصفيتهم جسديا تم عزلهم... وعلى مدار الحديث يمارس هيكل هوايته في تحليل المواقف بدءا بالنظرة الشاملة للمشهد ككل متكامل، ومن ثم تحليل خيوطه ومساراته لفهمه، ومن ثم توظيف هذا الفهم في استشراف المستقبل. فيحلل تفاصيل السلوك السياسي الأمريكي، ويدلل على أنه لا يختلف في منطقة الشرق الأوسط عنه في أي مكان آخر في العالم بسرد موجز لرؤيته لمأزق الولاياتالمتحدة في فيتنام. وينتقل الحوار بعد ذلك للحديث عن الصراع العربي الإسرائيلي، وكيف دعمت الولاياتالمتحدة إسرائيل في هذا الصراع، وكيف أنها دعت العرب للتفاوض، ولكن مع التأكيد على أن غزة والجولان والقدس وشرم الشيخ والشريط الساحلي من إيلات إلى شرم الشيخ جميعها ليست محل تفاوض، ما يعني أنه ليست فقط الأرض التي يصفها اليهود بوطنهم القومي، وليست كذلك أرض فلسطين الكاملة، ولكننا نتحدث الآن عن أرض عربية أخرى تضم مصر وسوريا والأردن اليوم، ولبنان غدا. وهنا نعيد التذكير بأن الحوار جرى قبيل حرب 1973، وقبل احتلال إسرائيل لأراض لبنانية. ويناقش هيكل فيما يلي ذلك محددات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، ويرى أنها يجب أن تعتمد على محددين أساسيين هما مصالحها في المنطقة، ورؤية تتضمن قانونا متصفا بالعدل، ويؤكد أنه لا يمكن بناء سياسة اعتمادا على القنابل والأسلحة المختلفة، لأن هذه السياسة تكون قصيرة المدى. ويتناول هيكل في حواره المطول مواقف الأطراف المختلفة في الصراع العربي الإسرائيلي، وفي ختام الحوار الذي استمر لنحو الساعة يؤكد هيكل أنه لا يعتقد أن إسرائيل ستتخلى عن الأراضي العربية المحتلة ما لم يتم إجبارها على ذلك بالقوة. الحوار يستحق التأمل رغم مرور 40 عاما على إجرائه، وتعرضه "بوابة الأهرام" كاملا لقرائها، وفي النهاية قد تختلف أو تتفق مع أفكار هيكل وتوجهاته؛ ولكن منقطه في التحليل، وقدرته على استشراف المستقبل انطلاقا من السعي لفهم الماضي بموضوعية، ورصد الحاضر بواقعية، تثير دائما الإعجاب بقدرة الرجل على رسم مآلات الأمور بشكل وثيق الصلة بما يحدث بالفعل. وتكشف بجلاء عن السبب الذي أدى إلى اعتبار هيكل -في الغرب قبل الشرق- واحدا من أهم الصحفيين في العالم. بقي أن نشير إلى أن المذيع الذي أجرى الحوار مع هيكل هو إدوين نيومان، أحد أشهر المذيعين والمحاورين الذين عملوا لحساب قناة NBC الأمريكية، قبل أن يتركها في العام 1984م، ليعمل في قنوات أخرى في الولاياتالمتحدة، قبل أن ينتقل في العام 2007م إلى أوكسفورد بالمملكة المتحدة برفقة زوجته، ليستقر بها إلى أن وافته المنية في 13 أغسطس 2010م.