عبدالمحسن سلامة بعيدا عن التهويل والمبالغة، فإن مايحدث على ارض سيناء الآن هو إنجاز القرن، بكل ما تحمله الكلمة مع معان، وبعيدا عن الأفكار الطائشة والانفعالات الزائدة، فإن حديث الانجازات على أرض سيناء يظل هو الشاهد على حجم الطفرة غير المسبوقة على ارض سيناء على مدى تاريخها الممتد منذ القرن الخامس عشر قبل الميلاد حتى الآن . فى عام 1905 استطاع «فليندرز بترى» إزاحة الغموض عن تاريخ سيناء القديم بعد أن اكتشف ما عرف ب «النقوش السيناوية» التى استطاع فك رموزها عالم المصريات جاردنر ليكشف انها كتابات كنعانية من بقايا الحضارة الكنعانية القديمة فى سيناء فى القرن الخامس عشر قبل الميلاد. منذ ذلك التاريخ شهدت سيناء الكثير من الانتصارات والانكسارات، كانت دائما هى بوابة مصر الرئيسية لصد الغزاة واستقبال الفاتحين قبل وبعد الميلاد، وفى العصر الحديث شهدت سيناء صمود المصريين فى مواجهة اطماع وغزوات الآخرين بدءا بالحروب الصليبية الأولى، وانتهاء بالاحتلال الإسرائيلى حيث احتفلنا أمس بمرور 38 عاما على تحريرها من دنس الاحتلال الإسرائيلى إلى غير رجعة. ولأن الرئيس عبدالفتاح السيسى قائد عسكرى بارع يحفظ عن ظهر قلب تاريخ سيناء ويعى اهميتها ودورها التاريخى والمعاصر، ويعرف انها الحصن الحصين لمصر والمصريين، فقد نجح فى ترجمة كل ذلك إلى استراتيجية متكاملة للسلام والاستثمار. استراتيجية قائمة على مطاردة الإرهاب ورائحة الموت، وفى الوقت نفسه بعث ارادة الحياة والاستثمار والبناء، لان ارادة الحياة هى التى تطارد ارادة الموت، وبعيدا عن الضجيج والصخب دارت عجلة الانجازات والتعمير فى كل شبر من أرض سيناء. لم يكن أبدا الحديث عن الاستثمار والتنمية فى سيناء ممكنا مادامت تعانى الوحدة والبعد المكانى بسبب صعوبة الحركة والانتقال منها وإليها. كانت الحركة منها وإليها ضربا من العذاب، لانه لم يكن هناك سوى نفق الشهيد أحمد حمدى، وكوبرى السلام، وهما لايستوعبان حركة التنقل الطبيعية مما ادى إلى تكدس السيارات والشاحنات والمعديات ذهابا وعودة والتى كانت تمتد إلى ساعات طويلة وأيام. يوم الاربعاء الماضى كان يوما مختلفا فى تاريخ سيناء حيث كان الموعد مع استكمال إنجاز القرن فيها، بعد ان شهد الرئيس استكمال حفر نفق الشهيد احمد حمدى «2» وخروج ماكينة الحفر العملاقة منه ليصبح النفق الخامس الذى تم إنجازه فى عصر الرئيس عبدالفتاح السيسى. شيء ربما يفوق خيال الكثيرين منا، وربما كان المتوقع إضافة نفق جديد إلى نفق الشهيد أحمد حمدى، لكن ان تتم اضافة 5 أنفاق جديدة إلى نفق الشهيد أحمد حمدى، فهذا هو ما يجعل هذا الانجاز انجاز القرن بحق دون أدنى مبالغة. نفق الشهيد أحمد حمدى «2» سوف يجعل المرور من نفق الشهيد أحمد حمدى القديم اتجاها مروريا واحدا، وينهى عصر ازدواجية حركة المرور به التى استمرت 41 عاما منذ افتتاحه عام 1980 بحضور الرئيس الراحل انور السادات. الآن هناك 6 أنفاق عملاقة، نفقان بكل مدينة من مدن القناة الثلاث الاسماعيلية وبورسعيد، والسويس، بالاضافة إلى كبارى عائمة تستغرق مدة غلق وفتح الكوبرى 4 دقائق مما يسهل حركة المواطنين عليها. نفق الشهيد احمد حمدى القديم بدأ العمل به عام 1975 وتم افتتاحه بعد ذلك بنحو 5 سنوات، فى حين ان الانفاق الخمسة الجديدة كلها تم تنفيذها فى وقت قياسى فى أقل من مدة تنفيذ النفق الواحد، وهو ما يؤكد جدية وسرعة الإنجاز على ارض سيناء التى تشهد معدلات غير مسبوقة على مدى تاريخها الممتد عبر العصور. فى الطريق إلى مقر افتتاح المشروعات سلكنا طريق الاسماعيلية ومن خلال نفق تحيا مصر عبرنا القناة فى اقل من 20 دقيقة حيث افتتاح محطة تحلية مياه المحسمة. محطة تحلية مياه المحسمة تعمل بطاقة مليون متر مكعب يوميا لتكون هى الأكبر عالميا فى معالجة مياه الصرف مع ضمان جودة المياه المنتجة طبقا للمعايير والكود المصرى فى مجال الرى، وتم تنفيذها خلال 12 شهرا بتكلفة وصلت إلى 17 مليار جنيه لزراعة 50 ألف فدان إضافية فى سيناء فى إطار المشروع القومى للزراعة فى شمال سيناء على مساحة 400 ألف فدان، حيث تم تنفيذ 14% من هذا المشروع حتى سنة 2014، ومنذ ذلك العام وخلال 6 سنوات تمت مضاعفة نسبة الانجاز إلى 67%، ومن خلال إنشاء المحطة الجديدة، بالإضافة إلى بعض مشروعات الرى الأخرى سوف تتم زراعة المساحة المقررة بالكامل، وإضافة مساحات أخرى ليصل إجمالى المساحة المنزرعة إلى أكثر من 500 ألف فدان. الطريق إلى تنمية سيناء لم يكن مفروشا بالورد، لكنه كان محفوفا بالصعاب لان سيناء عانت الإهمال فترة طويلة، وكان التحدى الاخطر هو القضاء على العناصر الإرهابية التى حاولت التوطن فيها وبسط نفوذها، واقامة ولاية داعش فى سيناء، إلا أن احلام «الغربان» و«خوارج العصر» تحطمت على صخرة العملية الشاملة التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى يوم 9 فبراير 2018 أى منذ أكثر من عامين، وخلال تلك العملية الشاملة استطاعت القوات المسلحة والشرطة استئصال اماكن تمركز ونفوذ الجماعات الإرهابية، ومطاردة فلولهم فى شمال ووسط سيناء، ونجحت الحملة فى تجفيف منابع الإرهابيين، وتقطيع أوصال الجماعات الإرهابية لتتغلب إرادة الحياة على الموت فى سيناء، وتعود سيناء آمنة مطمئنة. لم تتوقف يد التعمير والبناء طوال مدة العملية الشاملة، وفى الوقت الذى كانت فيه القوات المسلحة والشرطة تقوم بأعمال بطولية عظيمة، وتعيد كتابة تاريخ سيناء من جديد، لم تتوقف ع جلة البناء والتنمية لانها الجناح الثانى فى الحرب ضد الإرهاب، وشهدت سيناء استراتيجية تنموية هى الأضخم فى تاريخها القديم والحديث وصلت تكاليفها إلى 600 مليار جنيه فى إطار استراتيجية متكاملة لتعمير وتنمية سيناء وتحويلها إلى منطقة لجذب الاستثمارات والسكان. ولأن هناك مثلا شائعا يقول «رأس المال جبان» فقد كان من المهم أن تقوم الدولة بتهيئة كل عناصر الجذب والأمان لرأس المال والمستثمرين وهو ما فعلته خلال السنوات الخمس الأخيرة حينما جعلت من سيناء محافظة ربما تكون أقرب فى الاتصال من محافظات أخرى كثيرة بعد ان قامت الدولة بتنفيذ أكبر عملية بنية تحتية لها فى التاريخ، واصبح هناك 6 أنفاق كاملة (3 ذهابا و3 عودة) بالإضافة إلى كوبرى السلام، وخط سكك حديدية إلى جوار العديد من الطرق الاقليمية التى تصل من وإلى هذه الأنفاق من محافظات مصر المختلفة. أيضا أقيمت شبكة من الطرق الإقليمية العملاقة التى تربط بين شمال ووسط وجنوب سيناء من أجل تسهيل حركة السياحة والسفر وتنقل المستثمرين والسكان، وبما يسهم فى توزيع التنمية على مختلف مناطق سيناء. أبرز هذه الطرق الإقليمية التى تم افتتاحها مؤخرا طريق شرم الشيخ الجديد الذى يمتد من نفق الشهيد أحمد حمدى حتى مدينة شرم الشيخ بطول 342 كم بتكلفة 5.5 مليار جنيه. إلى جوار هذا الطريق هناك ايضا طريق يربط بين الأنفاق الجديدة وطابا بطول 350 كم، وتم افتتاح مرحلته الأولى. هذه الطرق والأنفاق ومحطات المياه المعالجة وغيرها من المشروعات الزراعية والصناعية والاسكانية هى مشروعات استثمارية من العيار الثقيل لا يقدر عليها القطاع الخاص ولا يفضل القيام بها، لذلك قامت بها الدولة بهدف جذب الاستثمارات والمستثمرين فى إطار الهدف الاستراتيجى لخلخلة الكثافة السكانية الرهيبة فى الوادى والدلتا، ومطاردة الإرهاب والموت بالتعمير والبناء. تبلغ مساحة سيناء نحو 60 ألف كيلو متر مربع أى 6% من مساحة مصر ، ومن ثم فإن نصيب سيناء العادل من السكان هو 6 ملايين نسمة، فى حين أن مجموع سكان شمال وجنوب سيناء الآن لا يتجاوز مليون نسمة، أى أنه من الطبيعى أن يتم الدفع بعدد لا يقل عن 5 ملايين نسمة من سكان الوادى والدلتا نحو سيناء لتعميرها واستغلال ثرواتها. أعتقد أن انشاء مدينة الإسماعيلية الجديدة التى أقيمت على مساحة 2828 فدانا بإجمالي52 ألف وحدة سكنية متنوعة المساحات، وتستوعب 250 ألف نسمة هو البداية لإنشاء سلسلة من المدن الجديدة على أرض سيناء مثل مدينة بئر العبد الجديدة، ورفح الجديدة وغيرهما من مدن الجيل الجديد لاستيعاب اكبر قدر من راغبى السكن والعمل والاستثمار فى ربوع سيناء فى إطار الإستراتيجية التى يتبناها الرئيس عبدالفتاح السيسى لمضاعفة نسبة المساحة المعمورة من خريطة مصر وزيادتها من 7% إلى 14% خلال المرحلة المقبلة. الأمر المؤكد أن ما حدث على أرض سيناء خلال الأعوام الستة الأخيرة إنجاز غير مسبوق على مدى تاريخها ويجعلها مهيأة أكثر من أى وقت مضى لتفتح ذراعيها لكل ابناء الوطن والجادين من المستثمرين للعمل والاستثمار بعد أن نجحت العملية الشاملة فى قطع دابر الإرهابيين، ونجحت استراتيجية الدولة فى تبنى وتنفيذ أضخم الإنجازات فى مجالات المياه، والطرق، والإسكان، والزراعة، والاستزراع السمكى، بما يسهم فى تذليل جميع العقبات التى كانت تعترض الاستثمار والتنمية هناك طوال ال 38 عاما الماضية.