منذ فترة ليست بالقصيرة، ربما منذ نهاية الحرب الباردة قبل ثلاثين عاما، لم تعد المخاطر والتهديدات التي باتت تواجهها الدول والمجتمعات قاصرة علي المصادر التقليدية لهذه التهديدات من حروب تقليدية وحروب الإرهاب، بل باتت مفتوحة علي مروحة واسعة من التهديدات غير التقليدية التي ترتبط بتداعي الحدود بين الدول، وتجارة المخدرات، والهجرة غير الشرعية، والهجمات الإلكترونية، وغسيل الأموال، وتدهور الأوضاع البيئية بفعل التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية، بالإضافة إلى انتشار الأوبئة كظاهرة دولية عابرة للإقليمية (trans-regional). وفي هذا السياق لم تعد مهام الجيوش تقتصر على القتال في مناطق الحروب، بل امتدت لتشمل الحروب على المخدرات، ومواجهة التمرد والإرهاب، والكوارث، والأزمات البيئية والطبيعية، بالإضافة إلى مواجهة الأوبئة والفيروسات الفتاكة باعتباره تهديدًا بيولوجيًّا، ولهذا لجأت معظم دول العالم للاستعانة بخبرات ومعدات الجيش في مواجهة انتشار وباء كورونا مؤخرا، حيث قام الجيش في العديد من الدول بالسيطرة على الحدود الوطنية وحدود المدن، واستُخدمت المرافق العسكرية لتطبيق أنظمة الحجر الصحي. وهو ما يسلط الضوء علي المهام المدنية المتزايدة التي باتت تقوم بها الجيوش في مواجهة الأمراض و الأوبئة والكوارث الطبيعية التي باتت تتعرض لها البشرية من وقت لآخر. وفي الواقع فإن هذه الأدوار المتزايدة للجيوش في مواجهة الكوارث و الأوبئة تأتي علي خلفية عدة اعتبارات ومؤهلات عدة، أهمها، ضخامة بعض الكوارث و الأوبئة وصعوبة السيطرة عليها من قبل الجهات المدنية بمفردها، وامتلاك الجيوش الخبرات البشرية والعلمية المدربة والمؤهلة، وسرعة الاستجابة في ظل امتلاك العديد من الجيوش للقدرات اللوجيستية والعملياتية، فضلا عن امتلاك الجيوش لثقافة الخدمة والتطوع، بل والتضحية والفداء لمواجهة التي التهديدات التي تواجه الوطن. أولاً: الأبعاد والدلالات توسعت دول عديدة في الدفع بعناصر من أفراد جيوشها في الشوارع للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد، كما استعانت حكومات هذه الدول بالأطقم الطبية للمؤسسات العسكرية لدعم خططها في السيطرة على الفيروس، وتصدر جيش التحرير الشعبي الصيني خط مواجهة الفيروس منذ بداية ظهوره، حيث انتشر أفراده في عشرات المدن الصينية، ووزع أطقمه الطبية، كما نجح فريق من الباحثين يقوده تشين واي من أكاديمية العلوم الطبية العسكرية في الصين، في تطوير أول لقاح لمحاربة الفيروس الفتاك. فمع بداية انتشار الفيروس في مدينة ووهان الصينية، بؤرة تفشى السلالة الجديدة من " كورونا "، أرسلت السلطات الصينية نحو 450 موظفاً صحياً عسكرياً، لدى بعضهم خبرة في مكافحة مرضي "سارس" و"إيبولا". وكان الرئيس الصيني شي جين بينج أصدر، في منتصف يناير 2020، أمرا للجيش الصيني بتحمل مسؤوليته في الإسهام في المعركة ضد وباء فيروس كورونا الجديد، من أجل الانتصار فيها. وفي 23 يناير 2020، أمر الرئيس الصيني الجيش الصيني ببناء وتجهيز مستشفي هوشنشان في مقاطعة ووهان، والذي يتسع ل 1000 سرير، وقد تمكنت الصين من بنائه وتجهيزه خلال 6 أيام بعد تفشي الفيروس في هذه المقاطعة الواقعة في وسط البلاد. وفي أوائل فبراير 2020، كلف الرئيس الصيني الجيش بالإبقاء على مهمته الراسخة في الأذهان، وطالب القوات المسلحة بتحمل مسؤوليتها والمحاربة في المعركة القاسية ومساعدة السلطات المحلية بشكل فعال في مكافحة الوباء. واتبعت دول خططاً مماثلة لما فعلته الصين من حيث استدعاء جيوشها لمواجهة الفيروس، وكانت اليابان من أبرز الدول التي سارعت إلى الاستعانة بقوات الدفاع الذاتي في مواجهة "أزمة كورونا "، إذ ظهرت أولى حالات فيروس " كورونا " في اليابان في 16 يناير 2020، وذلك بعد عودة طالب ياباني كان يدرس في مدينة "ووهان" الصينية، وقررت الحكومة سريعًا إِشراك قوات الدفاع الذاتي اليابانية في عمليات التخطيط لإجلاء المواطنين اليابانيين من مدينة ووهان الصينية، كما قامت وزارة الدفاع بتوفير عبّارات لكي تكون بمثابة حجر صحي لمدة أسبوعين للأشخاص الذين تم إجلاؤهم. ومع تفشي فيروس " كورونا " على متن باخرة الرحلات "أميرة الألماس" (Diamond Princess) البريطانية، والتي ضمت العديد من الجنسيات ووصلت إلى الموانئ اليابانية، أعلنت الحكومة اليابانية في 5 فبراير 2020 أن الفيروس منتشر على متن هذه السفينة، وتمسّكت طوكيو بقانون "الحجر الصحي" لمنع إنزال 3711 شخصًا يتضمنون الركاب وأفراد الطاقم من على متن الباخرة. وقامت قوات الدفاع الذاتي بتوفير دعم لوجستي ضخم لتنفيذ عملية الحجر الصحي. وشهدت إيران حالة مشابهة بعدما بدأت تتولى القوات العسكرية الدعم اللوجيستي لمحاربة فيروس كورونا ، ففي 12 مارس 2020، أصدر الزعيم الأعلى الإيراني علي خامنئي، مرسوما إلى رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة اللواء محمد باقري، يأمر فيه بإنشاء مقر للصحة والعلاج لتنظيم الخدمات للمواطنين. وهو مشهد تكرر في كوريا الجنوبية والفلبين. ومن وسط أوروبا، بدأ الجيش الإيطالي في محاصرة بلدات في شمال البلاد وتسيير دوريات في ميلان لضبط الأوضاع بعد حالة الرعب والخوف التي تسيطر على السكان، وفي 7 مارس 2020، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية(البنتاجون)، عن البدء في تجارب على لقاحات جديد في مختبرات قيادة القوات البرية ضد فيروس " كورونا الجديد"، وذلك بالتعاون مع مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منه(CDC)، ومجموعة من المؤسسات، والأوساط الأكاديمية. يأتي ذلك في إطار سلسلة من التدابير التي تتخذها الولاياتالمتحدة للتصدي للفيروس، بعد أن قامت بإلغاء عدد من المناورات العسكرية في وقت سابق للحيلولة دون تفشيه بين أفراد الجيش. وفي حين أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أنه يعتزم طلب مساعدة الجيش ل"بناء منشآت موقتة للمرضى"، أعلنت وزارة الدفاع البريطانية، في 19 مارس 2020 أنها وضعت 20 ألف جندي في حالة جهوزية لمساعدة أجهزة القطاع العام في إطار "قوة الدعم في مواجهة كوفيد". وسيتم تدريب 150 منهم بشكل خاص على نقل أجهزة الأكسجين للقطاع الصحي. وقال وزير الدفاع البريطاني بن والاس إن القوات المسلحة "جاهزة لحماية بريطانيا". كما استعانت فرنسا بالجيش لتطبيق"حالة الطوارئ الصحية" التي تتيح لها فرض قيود إضافية على تلك المعمول بها، لمواجهة التفشي الخطير والمتواصل لوباء "كوفيد - 19" بين السكان. وفي الدول العربية، أطلق الجيش المصري خطة لمواجهة الفيروس، وذلك بعدما وجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ب"تعاون القوات المسلحة مع جميع أجهزة الدولة لمجابهة خطر فيروس ( كورونا ) المستجد واتخاذ كل الإجراءات التي تكفل سلامة ووقاية أفراد الشعب المصري". كما بدأت القوات المسلحة الأردنية إغلاق جميع محافظات المملكة من جميع المنافذ، حيث لم تعد تسمح بالتنقل بين المحافظات، مع الالتزام بمحدودية الحركة داخل المحافظات إلا للضرورة القصوى، اعتباراً من الساعة السابعة صباحاً بالتوقيت المحلي وحتى إشعار آخر، وذلك في إطار الإجراءات التي تتخذها المملكة لمنع انتشار الفيروس. ونشرت دول أخرى أطقماً طبية تتبع جيوشها في عدد من مدنها للحيلولة دون انتشار الفيروس الذي اعتبرته منظمة الصحة العالمية "عدواً للبشرية". وأمام رصد السلطات الإسرائيلية استهتارا لدى كثيرين بالتعليمات حول الحجر الصحي والبقاء في البيوت، ما دفعها إلى التحذير من موت ألوف الإسرائيليين نتيجة للإصابة ب كورونا . ورأت جهات إسرائيلية الجهات المعنية التي عالجت حتى الآن انتشار الفيروس تبدي عجزا عن السيطرة على كل مكونات العمل في محاربة الوباء وتجنيد المواطنين والمرافق، معتبرة أن الجيش وحده هو الذي يمتلك الأدوات لذلك. "فهو لديه جهاز الجبهة الداخلية، المدرب على مواجهة كوارث الطبيعة، مثل الزلزال والهزات الأرضية، والحالات الحربية، وليس أفضل منه لتولي المسئولية". وقد بادرت وزارة الأمن، المسئولة عن الجيش، إلى تأجير 10 فنادق ضخمة في المدن الكبرى، وبدأت في إعدادها لتصبح "مقرا للمصابين الملزمين بالحجر الصحي". وتم تجنيد كوادر الموظفين في هذه الفنادق للعمل إلى جانب الجنود في هذه المهمة. وفي مواجهة الأبعاد الخطيرة التي بدأ يتخذها فيروس كورونا على الوضع العالمي، بدأت بعض الدول تلجأ الى تدابير أو بروتوكول الحرب النووية وهو عزل مسئولين من مختلف الهيئات لتسيير شؤون البلاد في حالة مرض ووفاة المسئولين العموميين من ملوك ورؤساء الدول والحكومات أو الانهيار التام. وتعيش معظم الدول، ومنها الكبرى، حالة من الفزع والطوارئ تعادل الكوارث الطبيعية الكبرى أو الحرب النووية، وهي الحروب والظروف التي تحتم نزول الجيش للمشاركة في التسيير. وقد بدأت الجيوش في العالم كله هذه المهام في مرحلتها الأولى وهي المشاركة في الحراسة وتطبيق عدم التنقل وإقامة المستشفيات الميدانية من الصين الى إيران، ومن مصر الى المغرب الى فرنساوالولاياتالمتحدة. وبدأ زعماء العالم يرددون أنهم يتعاطون مع مواجهة فيروس كورونا مثل إعلان حرب، حسب ما جاء في خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماركون، وتصريحات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأن المانيا تواجه أكبر تحد منذ الحرب العالمية الثانية، أي أكثر من الحرب الباردة النووية. بل وطُرحت مؤخرا أفكار ومقترحات فرنسية لقيادة البلاد في حالة مرض الرئيس والحكومة، وأغلب المسئولين في الصف الأول للبلاد، ويزداد الاصرار على مثل هذه الأسئلة الآن في ظل الأخبار التي تشير الى استمرار الفيروس وتهديده المجتمعات بما فيه القيادات. وفي مثل هذه الحالة ومنها الأبعاد التي يتخذها كورونا فيروس، تحاول القيادات العمل من مراكز معزولة نهائيا مغايرة لمقرات الحكم المعتادة وهي القصور الملكية والرئاسية، وهنا يتعلق الأمر بالمراكز التي يتم اللجوء إليها خلال الكوارث الطبيعية الكبرى وخلال الحروب البيولوجية أو النووية. كما تعمل الدول على عزل وحدات من نخبة الجيش والشرطة وموظفين في مؤسسات من مختلف القطاعات لتشرف على استمرار الدولة في حالة الانهيار التام. ثانياً: الحوافز والمحركات: 1- لم تعد المؤسسات المدنية قادرةً بمفردها على مواجهة الانتشار واسع النطاق لفيروس كورونا ، إذ تزايد الاعتماد على الجيوش نتيجةً لأمننة التهديدات الوبائية، والحاجة لفرض إجراءات الحجر الصحي وحظر التجوال في مناطق تفشي الأوبئة ، وإلزام المواطنين بتطبيق القوانين والقواعد المنظِّمة للحركة، بالإضافة لتعزيز ودعم قدرات قطاع الرعاية الصحية المدني، وتشييد مستشفيات ومنشآت صحية جديدة بصورة سريعة وغيرها من المهام غير التقليدية للجيوش في مواجهة الأزمات الصحية. 2- يتعلق تزايد انخراط الجيوش في مكافحة كورونا بالاتجاه العالمي لتوسيع الأدوار غير التقليدية للقوات المسلحة و"أمننة القضايا المدنية" (Securitization of civilian issues) و"عسكرة قوات الشرطة" (Militarization of Police Forces)، حيث شهد القرنان الماضيان تمكن الدول من "احتكار القوة" بشكل أساسي، وتوزيع المهمات ليصبح دور الجيش مقصورًا على الدفاع الخارجي، وليقتصر دور الشرطة على الحفاظ على السلام الداخلي، على أن يعمل كل منهما وفقًا لإطار قانوني منفصل وبمهام ومعدات متمايزة مع القيام بتدريبات خاصة لكليهما. ولكن مع بداية السبعينيات واجه هذا "المنظور التقليدي" (Paradigm) تحديات عديدة ازدادت بعد الحرب الباردة بسبب العديد من التحديات غير التقليدية التي ترتبط بتماهي الحدود بين الدول، وتجارة المخدرات، والهجرة غير الشرعية، والهجمات الإلكترونية، وغسيل الأموال، وتدهور الأوضاع البيئية، بالإضافة إلى انتشار الأوبئة كظاهرة دولية عابرة للإقليمية (trans-regional). 3- مع تزايد تداعيات "العولمة السلبية" (negative globalization) لم يعد الفصل التقليدي بين مهام الجيش والشرطة ممكنًا. ففي إطار العمليات الخاصة قامت قوات الشرطة باستخدام المعدات العسكرية، والتدريب شبيه بالتدريبات العسكرية التي تتلقاها القوات المسلحة. في المقابل، لم تعد تقتصر مهام الجيش على القتال في مناطق الحروب، بل امتدت لتشمل الحروب على المخدرات، ومواجهة التمرد والإرهاب، والكوارث، والأزمات البيئية والطبيعية، بالإضافة إلى مواجهة مثل هذا الفيروس باعتباره تهديدًا بيولوجيًّا، ولهذا لجأت معظم دول العالم للاستعانة بخبرات ومعدات الجيش في مواجهة الطوارئ، حيث قام الجيش في العديد من الدول بالسيطرة على الحدود الوطنية وحدود المدن، واستُخدمت المرافق العسكرية لتطبيق أنظمة الحجر الصحي. 4- تقوم القوات المسلحة دور فاعل في التعامل مع سلسلة عريضة من الأزمات والكوارث، خصوصاً في الحالات التي ينجم عنها تدهور في الأوضاع، وفي سيناريوهات أخرى كثيرة، حتى ولو كانت من الفئة التي تنطوي على قدر محدود من المخاطرة، فإن القوات المسلحة هي التي توفر المحيط الأمني الأساسي اللازم لإطلاق سلسلة واسعة من المبادرات، حيث تمتلك القوات المسلحة عديداً من القدرات والمهارات التي تمكنها من الوجود والسيطرة على الأوضاع، والتعامل معها بأقصى سرعة، وبشكل منظم ومنضبط، كل ذلك إضافة إلى ما تمتلكه القوات المسلحة من مراكز الاستشعار عن بعد، وأنظمة التحكم والمراقبة، والتي يمكن من خلالها التنبؤ- إلى حد ما- بوقوع الكوارث، أو اتجاه تطورها بعد وقوعها، أو إمكانية حدوثها مرة أخرى. ولقد سلطت كوارث وأزمات السنوات الأخيرة الضوء على مدى فاعلية دور قدرات عسكرية معينة عندما تجد الأجهزة المدنية نفسها عاجزة عن الاضطلاع بمهمة التصدي، وفي هذا الإطار تقوم القوات المسلحة باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ دورها في إدارة الأزمات والكوارث وفقاً لقرارات القيادات العسكرية العليا في الدولة، لضمان التبادل السريع للمعلومات، وعمل التحضيرات اللازمة التي تتضمن خطط انتشار واستخدام القوات للقيام بالمهام المختلفة، في ضوء الإمكانيات والقدرات المتاحة. 5- تملك الجيوش قدرات هائلة تمكنها من التعامل مع الأوبئة ، بجانب أن أفرادها مدربون على العمل في عالم من الأسلحة البيولوجية، ويملكون المعدات الثقيلة وتجهيزات الحماية الشخصية اللازمة للعمل داخل بيئة مصابة. أيضاً، تحظى الجيوش بمؤسسات طبية ضخمة وقدرات بحثية يمكن تطبيقها على العلاجات التكتيكية والبحث عن لقاحات وعقاقير مسكنة. بجانب ذلك، تملك الجيوش القدرات اللوجيستية التي تمكنها من نقل القوة البشرية والمعدات، بل ومستشفيات كاملة عبر أرجاء العالم في غضون أيام أو حتى ساعات. وأخيراً، تتميز غالبية المؤسسات العسكرية بثقافة الخدمة، مما يعني أن أفرادها سيكونون على استعداد للتضحية في مواجهة أخطار شخصية، مما يجعل من الجيوش في مثل هذه المواقف مزيجاً ثرياً من القدرات. وتقوم القوات المسلحة بإنشاء المستشفيات الميدانية المجهزة بالأطقم الطبية، والمعدات، والأدوية لإسعاف الضحايا بموقع الكارثة، وكذلك تقوم بإمداد شبكات الكهرباء والماء بالإمكانات المتاحة من وحدات الإضاءة المتنقلة، ومولدات الكهرباء المخصصة للطوارئ، والفنيين المختصين، وتضع الخطط المناسبة لرفع كفاءة المستشفيات العسكرية، وزيادة قدرتها الاستيعابية لاستقبال الحالات المصابة، وإقامة المستشفيات الميدانية، ودعمها بالأطقم، والمستلزمات الطبية. 6- وتبلور مفهوم الخدمات الطبية العسكرية في معظم جيوش العالم، في أثناء الحرب العالمية الأولى، وأخذت منذ الحرب العالمية الثانية، موقعها الهام في المؤسسات العسكرية العالمية، ثم اتسعت واكتسبت أهمية خاصة، مستمدّة من أهمية الجيوش واتساعها واستمرارية وجودها، لقد كان عدد ضحايا الأوبئة ، في الجيوش، في الحرب العالمية الأولى، أكبر من عدد ضحايا المعارك الحربية، ومن هنا تتبين أهمية المجهود الطبي الوقائي، في الخدمات الطبية العسكرية، في السلم وفي الحرب. لقد باتت الخدمات الطبية العسكرية هي اليوم، هيئة في تنظيم القيادة العسكرية للجيش، توفر العناية الطبية، بشتى أنواعها، للقوات العسكرية ولأسر العسكريين في زمن السلم والحرب، وللعاملين المدنيين في وزارة الدفاع، وللمدنيين العاديين من المواطنين في حالات استثنائية وحين تستدعي الحاجة، وذلك في المؤسسات والمستشفيات التابعة لها. 7- عرت أزمة فيروس كورونا بوضوح الأنظمة الصحية العالمية والتى جعلت الرعاية الصحية الفائقة فى العديد من الدول الرأسمالية قاصرة فقط على الأغنياء والقطاع الخاص، فمنظومة الصحة العامة إما ضعيفة ومحدودة الكفاءة أو غير موجودة على الإطلاق ومستبدلة باحتكار الشركات الخاصة التى لا تقدم رعايتها سوى للقادرين. لكن تلك الأزمة أظهرت بوضوح أن الرعاية الصحية للفقراء لا تقل أهمية عن الرعاية الصحية للأغنياء، الصحة العامة يجب أن تكون فى النهاية هدفا لكل الأنظمة السياسية ومحورا لعمل المنظمات الدولية خلال الفترة القادمة. وبالتالي فإن أهم درس من دروس وباء كورونا حتى اللحظة هو أنه لا غنى عن الدولة، فحتى الآن الدولة وأجهزتها، وفي مقدمتها الجيوش الوطنية، هى الفاعل الأهم والأكبر والمحورى فى مواجهة الأعباء الاقتصادية والاجتماعية والصحية لوباء كورونا ، وهو ما يعنى أن كل النظريات التى تطالب الدولة بالانسحاب من إدارة الأنشطة الصحية والاقتصادية وغيرها والتحول إلى مجرد شرطى يطبق القوانين هى نظريات غير واقعية ولا تستطيع أبدا الصمود أمام كارثة بهذا الحجم. لقد أثبت مرض كورونا أن الدولة هي الأساس في الحفاظ على صحة مواطنيها ضد الأمراض المعدية، فالسياسات العامة تحددها الدولة، لا منظمات المجتمع المدني، أو الشركات عابرة للحدود، أو أدوات التواصل الاجتماعي، الدولة هي مركز العمل العام في مواجهة الأوبئة . الخاتمة: وبرغم هذه الجهود الوطنية المتزايدة للجيوش في المجال المدني، لكنها قد تحمل في طياتها بعض المخاطر والتهديدات علي بعض قوات وأفراد الجيش، لاسيما في احتمال تفشي الأمراض بصورة لافتة بين أفراد القوات المسلحة، ومن ناحية ثانية، فإن انخراط الجيوش في مكافحة الأوبئة يزيد أعباءها في تحمل نشاطات مدنية متزايدة. * نقلًا عن مجلة الديمقراطية