بعد فشله في تحقيق نصر انتخابي واضح مرتين في غضون ستة أشهر، يبدو أن بنيامين نيتانياهو أطول رؤساء وزراء إسرائيل حكما، يعتقد الآن أنه لم يعد بوسعه البقاء في السلطة إلا بتقاسمها. وفي أعقاب انتخابات يوم الثلاثاء غير الحاسمة، عرض نيتانياهو يوم الخميس تشكيل حكومة وحدة وطنية على منافسه الرئيسي بيني جانتس، الجنرال السابق الذي برز هذا العام كوجه جديد ليتحدى نيتانياهو. لكن حزب جانتس رفض عرض الزعيم المخضرم الذي هيمن على مدى السنوات العشر الماضية على السياسة الإسرائيلية بمفرده ودون منافس فعلي. بل إن جانتس لم يذكر نيتانياهو حتى بالاسم وترك لقادة أصغر في حزبه مهمة التأكيد على تعهده الانتخابي بعدم الدخول في تحالف مع رئيس الوزراء الذي يواجه اتهامات بالفساد، ينفيها نيتانياهو. وتوقع الكثيرون أن يتمكن نيتانياهو المتمرس من تشكيل ائتلاف حاكم، ولذلك فإن إخفاقه في ذلك مرتين يبدو ضعفا في بلد يعول فيه كثير على القوة. * هل هي نهاية نيتانياهو؟ من السابق لأوانه إعلان نهاية عهد نيتانياهو، لكنها قد تكون بداية النهاية. وعلى مدى عقد من الزمن، هيمن نيتانياهو الذي يكمل عامه السبعين خلال شهر، على محطات البث ونشرات الأخبار ومنصات التواصل الاجتماعي وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي الوحيد الذي تعامل معه زعماء كثيرون في أنحاء العالم. غير أن الرجل المعروف بين أنصار حزب ليكود الذي يتزعمه "بالساحر" سبق وتمكن من الخروج من مواقف صعبة. * لماذا يهتم نيتانياهو بتقاسم السلطة؟ لمح نيتانياهو إلى اتفاق على تدوير محتمل لرئاسة الوزراء مع جانتس مستشهدا باتفاق في الثمانينيات بين رئيس الوزراء السابق شمعون بيريس، اليساري، وإسحق شامير سلف نيتانياهو في حزب ليكود. وتناوب الاثنان على رئاسة الوزراء في الفترة بين 1984 و1988. كان شامير، الذي توفي عام 2012، يتبنى نهجا أمنيا متشددا ودخل في ذلك الائتلاف مع بيريس بعد تنحي سلفه في ليكود مناحيم بيجن وسط انقسام شعبي بسبب غزو إسرائيل للبنان عام 1982. ومن شأن تقاسم السلطة أن يتيح لنيتانياهو الحصول على ولاية خامسة قياسية ليضمن بقاءه السياسي كما يسمح له بقول إن لديه تفويضا عاما للتصدي لتهم جنائية ربما تُوجه له قريبا. * من فاز بالانتخابات؟ بعد فرز 99 بالمئة من الأصوات وفق ما ذكرته وسائل إعلام إسرائيلية، فقد حصل الليكود مؤقتا على 31 مقعدا بالكنيست المؤلف من 120 مقعدا. وقد يتغير ذلك مع استمرار فرز الأصوات، لكن كما تبدو الأمور الآن، فإن ليكود أقل بمقعدين من حزب أزرق أبيض الوسطي بزعامة جانتس. ولم يحصل أي منهما على أغلبية تسمح له بالحكم دون الاعتماد على أحزاب أخرى، لكن جانتس يبدو في وضع أقوى. * لماذا يستغرق تشكيل الحكومة الجديدة وقتا طويلا؟ لم يسبق أن فاز حزب واحد في إسرائيل بأغلبية مطلقة في الكنيست، وهو ما يعكس الانقسامات السياسية والدينية والعرقية في البلاد. ولن يتغير هذا في عام من الاضطراب الانتخابي غير المسبوق والذي شهد بالفعل إجراء انتخابات مرتين، في التاسع من أبريل نيسان و17 من سبتمبر. ويقود نيتانياهو مجموعة من الأحزاب اليمينية والأحزاب الدينية المتشددة تملك حاليا 55 مقعدا. ومن المحتمل أن يحصد تكتل يساري-وسطي بزعامة جانتس 57 مقعدا، وقال جانتس إنه يتصور تشكيل ائتلاف "ليبرالي"، في إشارة إلى ائتلاف علماني يستثني حلفاء نيتانياهو من المتدينين المتشددين. * هل هناك أطراف أخرى رئيسية؟ إحدى الأوراق الرئيسية هو أفيجدور ليبرمان، المهاجر اليميني المتطرف من الاتحاد السوفيتي السابق والذي يعيش في مستوطنة بالضفة الغربيةالمحتلة. وليبرمان علماني بشدة ويتبنى نهجا متشددا تجاه قضايا تتعلق بالأمن والصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وأقدم ليبرمان على مقامرة كبيرة برفضه الانضمام إلى حكومة ائتلافية بقيادة نيتانياهو بعد انتخابات أبريل نيسان كمسألة مبدأ، مما أفضى إلى إجراء انتخابات ثانية. لكنه حقق مكاسب بزيادة عدد مقاعد حزبه. لكن بعدما تواصل نيتانياهو مع جانتس اليوم، وهو ما قد يبعد ليبرمان عن المشهد، رد ليبرمان بغضب قائلا إن نيتانياهو "مجرد انتهازي" يسعى إلى التحايل على خصومه "لتهيئة الرأي العام لجولة ثالثة من الانتخابات". وقد ينتهي الحال بأن يكون ليبرمان صانع ملوك. ويمكن أن يبرم اتفاقا لدعم نيتانياهو. لكن من الممكن أيضا استبعاده تماما. * ماذا عن اتهامات الفساد ضد نيتانياهو؟ بعد أن أجرت الشرطة تحقيقا على مدى فترة طويلة أعلن النائب العام الإسرائيلي عزمه توجيه الاتهام لنيتانياهو في ثلاث قضايا فساد. ومن المتوقع أن يقرر ما إذا كان سيوجه الاتهامات رسميا بحلول نهاية 2019. ولكن هناك جلسة في أكتوبر تشرين الأول قبل المحاكمة يمكن ليناتنياهو خلالها أن يعارض الاتهام. وينفي نيتانياهو ارتكاب أي مخالفات ويقول إنه ضحية حملة ملاحقة. وأشار حلفاء نيتانياهو إلى استعدادهم لتقديم دعم له لمنحه حصانة برلمانية. لكن من المرجح أن يسبب ذلك السيناريو استنكارا شعبيا ويبدو حاليا أنه بات بعيدا. وإذا ظل نيتانياهو رئيسا للوزراء، أو تناوب على المنصب، فإن القانون يقول إنه لا يتحتم عليه التنحي حتى إذا تم توجيه الاتهام رسميا له. ولكن إذا أرغم على تشكيل حكومة وحدة مع جانتس فقد يواجه المزيد من الضغوط السياسية والعامة لترك المنصب. وأشار بعض المحللين إلى احتمال طرح صفقة يتنحى بمقتضاها نيتانياهو عن المنصب في مقابل تقليص التهم. * ماذا سيحدث بعد إعلان النتائج النهائية؟ سيجري الرئيس الإسرائيلي مشاورات مع كل زعماء الأحزاب بشأن الشخص الذي يفضلونه للمنصب ثم سيختار الشخص الذي يعتقد أن لديه أفضل فرصة لتشكيل حكومة ائتلافية. وسيكون أمام المرشح، الذي ليس من الضروري أن يكون رئيس أكبر حزب، 42 يوما لتشكيل حكومة. وإذا لم يتمكن من ذلك مثلما كان الحال بالنسبة لنيتانياهو في أعقاب انتخابات أبريل، فسيكلف الرئيس سياسيا آخر بمحاولة تشكيل ائتلاف. * كم من الوقت لتشكيل الحكومة؟ قد يصل الأمر إلى أسابيع. فغالبا ما امتدت المفاوضات التي سبقت تشكيل حكومات إلى اللحظة الأخيرة. وأيا كان الذي سيطلب منه تشكيل الحكومة المقبلة فإنه سيتحتم عليه استيعاب أحزاب عديدة. وقد لا يستغرق الأمر مدة طويلة إذا قرر نيتانياهو وجانتس العمل سويا سواء بمساعدة ليبرمان أو بدونه. * ماذا عن خطة ترامب للسلام؟ يقول نيتانياهو إنه يتوقع أن يعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطته للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين بعد الانتخابات. لكن ترامب ربما يرغب في الانتظار ليرى الحكومة التي سيتم تشكيلها في إسرائيل قبل كشف النقاب عن الخطة. ومن المؤكد أن يواجه نيتانياهو وقتا عصيبا لإقناع حلفائه من اليمين المتطرف بالتوقيع على أي خطة سلام تتضمن تنازلات للفلسطينيين. كان نيتانياهو قد أعلن عزمه ضم غور الأردن في الضفة الغربيةالمحتلة حيث يسعى الفلسطينيون لإقامة دولة. ولكن من دون الحصول على أغلبية واضحة من داعميه من الجناح اليميني فإن اتمام هذه الخطوة ليس مرجحا. وأي حكومة سيشارك فيها جانتس ستكون منفتحة على الأرجح للتفاوض مع الفلسطينيين.