كيف تتم صناعة التطرف والإرهاب؟ ولماذا تلصق غالبا بالدين الإسلامي؟ وغيرها من الأسئلة التي طرحناها علي الدكتور محمد عبدالفضيل منسق مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، في محاولة لفهم كيف يفكر الإرهابيين، وما هي العوامل التي تبيح لهم الدماء، وكيف نتصدي لهم. وكان الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر قد أطلق "مرصد الأزهر باللغات الأجنبية"، في يونيو 2015 ليكون أحد أهم الدعائم الحديثة لمؤسسة الأزهر، وقد وصفه وقتها بأنه "عين الأزهر الناظرة على العالم"، لا سيما وأنه يعمل بثمان لغات أجنبية حية (الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية، الإسبانية، الأوردية، الفارسية، اللغات الإفريقية، الصينية)، يقوم من خلالها بقراءة وتتبع ما يتم نشره بهذه اللغات عن الإسلام والمسلمين مع التركيز على ما ينشره المتطرفون من أفكار ومفاهيم مغلوطة.
- ما ألية عمل المرصد وأهدافه؟ مرصد الأزهر الشريف لمكافحة التطرف هو مؤسسة أزهرية تضم مجموعات من الشباب والباحثين الذين يجيدون العديد من اللغات الأجنبية إجادة تامة يعملون بجد ودأب على مدار الساعة كخلية نحل ليرصد بدقة كل ما تبثه التنظيمات المتطرفة ويتابع كل ما ينشر عن الإسلام والمسلمين في العالم على مواقع الانترنت وصفحات التواصل الاجتماعي ومراكز الدراسات والأبحاث المعنية بالتطرف والإرهاب ودراسة أحوال المسلمين والقنوات التليفزيونية وإصدارات الصحف والمجلات باللغة العربية وثمان لغات أجنبية حية، ويرد عليها من خلال لجان متخصصة، ليغلق على الإرهابيين والمتطرفين وأصحاب الآراء المتشددة جميع المنافذ التي يتسلل منها إلى عقول الشباب، وليحث المسلمين في الغرب على الاندماج في مجتمعاتهم واحترام قوانين البلاد التي يعيشون فيها.
- من الفئة المستهدفة من عمل المرصد.. وهل يصل إليها فعليا؟ الفئة المستهدفة من عمل المرصد في المقام الأول فئة الشباب على مستوى العالم؛ ففي مصر والوطن العربي تعقد "حملات توعية" تستهدف شباب الجامعات وفي عدة دول عربية أخرى تعقد مؤتمرات "حوار الشباب المسلم المسيحي" والهدف هو تحصين عقول الشباب من أي فكر متطرف وغرس قيم المواطنة التعايش السلمي وفهم الآخر والرقي بلغة الحوار مع الآخر. وفي الغرب يتم إرسال "قوافل السلام" وهو مشروع يدعمه مجلس حكماء المسلمين ويقوم على تنفيذه مرصد الأزهر، الذي أرسل حتى الآن 12 قافلة إلى دول اعالم المختلفة في آسيا وأروبا وأمريكا وإفريقيا. - هل هناك تعاون بين المرصد والجهات الرسمية داخل مصر وخارجها، بمعني هل يعمل المرصد علي تقديم المشورة أو يكتفي بالرصد؟ نعم يوجد تعاون متبادل بين المرصد وجهات رسمية مختلفة داخل مصر وخارجها، فمرصد الأزهر الشريف لا يقوم فقط بعملية الرصد والتحليل و تفنيد الشبهات والرد، بل يقوم أيضًا بتقديم المشورة التي يراها ضرورية بناءً على ما تم رصده، كما يوجد العديد من الهيئات التي يتعاون معها مرصد الأزهر الشريف من أهمها، المعهد الملكي للدراسات الدينية في الأردن، الذي وقع بروتوكولًا رسميا مع المرصد قبل عام، وهناك مشروع تعاون مع جامهعة الدول العربية، وآخر مع مركز صواب التابع لدولة الأمارات، وثالث مع المركز الثقافي الهولندي، هذا إلى جانب التعاون الكبير مع مجلس حكماء المسلمين ومجلس الكنائس العالمي. - علي مدار عمل المرصد هل تلقي العاملين به اي تهديد من الجماعات الإرهابية؟ بشكل مباشر لم يتلق العاملون بالمرصد أية تهديد؛ ولكنه أمر غير مستبعد. هل يتم رصد ما يبث من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وهل سبق وأن طالبتهم من إدارة فيسبوك أو تويتر غلق حساب ما؟.. وان حدث فما هو ولماذا؟ نتابع بعض الحسابات المشكوك في منشوراتها بعين الحذر، حتى الآن لم نطالب من إدارة الفيسبوك وتويتر بإغلاق شيء، لأن داعش ليست لديها حسابات رسمية، الأمر يتعلق بحسابات شخصية لأشخاص ينتمون للتنظيم بشكل ما أو يعتقدون في صحة آرائه الدينية. - من أخطر الجماعات الإرهابية، ومن أخطرهم علي مصر؟ من خلال متابعتنا ورصدنا لواقع الجماعات المتطرفة، التي حملت السلاح ومارست العنف مؤخرًا، نستطيع أن نقول إن تنظيم داعش يعد الأخطر حاليًا، نظرًا لاستخدامه أسلحة مختلفة وتكنيك حربي مختلف فضلاً عن تنوع مصادر تمويله، وطموحه الذي بناه على أفكار مغلوطة، وقدرته على استقطاب الشباب في جميع دول العالم، وامتلاكه لعدة قنوات تواصل مع الشباب بلغات مختلفة في المجتمعات المُختلفة. وأخطرهم على مصر هي حركة حسم التي بايعت داعش فهي تكفر وتقتل بدافع السيطرة على أرض سيناء، ولذلك يروِّعون الآمنين بل ويستخدمونهم أحيانًا حوائط بشرية لحماية أنفسهم ويهجِّرون المسيحيين ويفبركون بعض المقاطع المرئية لبث الرعب وسط أهالي المنطقة، ولكن في نفس الوقت نلاحظ محاولاتهم التنقل داخل محافظات أخرى فتراهم يتبنون هجمات جبانة على دور العبادة وخصوصًا الكنائس. - كيف تقرأ حركة الجماعات الإرهابية في دول الجوار وما مدي تأثيرها علينا؟ الحركة الوحيدة الموجودة في دول الجوار هي في ليبيا حيث انتشر تنظيم داعش وقام بالعديد من العمليات الإرهابية هناك، وهو أمر يمثل خطورة كبيرة على الأمن القومي المصري. - كيف تقرأ ما يحدث في سيناء.. ومحاولة داعش السيطرة عليها؟ ما يحدث في سيناء من قتل وإرهاب وتعدي على أمنها هو قتل وتعدي على شعب مصر، الأمر الذي ما قبلته الجهات الأمنية (الداخلية والجيش)، فشعب مصر دفع بخيرة شبابه لتحرير أرض سيناء الغالية من أيدي العدو، فلا نستطيع أن نتخيل كيف لمجموعة شباب متطرف حمل السلاح في أن يفكر أن أرض سيناء سهله المنال؟! نحن من خلال رصدنا لواقع من أسموا أنفسهم بولاية سيناء ومبايعتهم لتنظيم داعش وجدنا أن هؤلاء ضلوا طريقهم، ونحن كمرصد نعمل على تصحيح هذه المفاهيم لينتصح من ينتصح منهم ويرجع لرشده ولإنقاذ باقي شباب الأمة من الوقوع أسرى لمثل هذه الأفكار المغلوطة، فتراهم يستخدمون آيات قرآنية، نعم هي موجودة في كتاب الله ولا نستطيع أن ننكرها، ولكنهم يحرفون الكلم عن مواضعه، فتراهم يضعون تفسير خاطئ للآيات والأحاديث النبوية الشريفة حتى يلعبوا على وتر الدين في قلوب بعض الشباب، ولذلك أرى أن تدريس الدين وزرعه في قلوب الشباب منذ صغرهم أمر هام جدًا، حتى لا تستطيع أي جماعة أن تسيطر على عقول الشباب لأنها خاوية من الدين، لذلك ترى أن هذه التنظيمات تُعادي الأزهر وعلمائه وطلابه بوضوح، لأن الأزهر عمل ويعمل على ترسيخ صحيح الدين الوسطي في قلوب الشباب قبل أذهانهم، فلا يستطيع أي فكر النيل منهم. أمّا بالنسبة لمحاولة داعش البائسة من السيطرة على أرض سيناء فهو وهم في عقولهم، فلن يسمح أي مصري من حدوث هذا الأمر، وجيش مصر مفوّض من كل المصريين، فهو يتشكل من أبناءنا وإخواننا وأصدقائنا، للدفاع عن كامل مصر وسيناء جزء من قلوب المصريين قبل أن تكون جزءًا لا يتجزأ من أرض مصرنا الحبيبة. - من خلال عملكم،كيف يتم صناعة التطرف وما هي العوامل التي تساعد علي نموه وكيفية القضاء عليه؟ التطرف بمعنى: المغالاة والتشدد والبعد عن الوسطية أمرٌ شائع على مر العصور والأزمان سواءً كان تطرف عقديًا أو تطرفًا سياسيًا أو تطرفًا فكريا الخ .. فالتطرف لا يرتبط بدين معين أو عقيدة معينة فقط أنما يرتبط أحيانًا بأشخاص، فالتطرف بالأحرى نبتة شيطانية تنبت في أرض خصبة مع غيرها من النباتات، إلّا أنها تتلون بلون الرافد الذى تستمد منه غذائها وتتشكل بحسب الحاضنة ألتي تحيط بها وتسهم في نموها. صناعة التطرف تتم عن طريق استغلال عوامل التطرف واس1بابه، والتطرف قد يكون سياسيا أو دينيًا أو فكريًا، نذكر منها على سبيل المثال: التطرف السياسي، فهذا النوع من التطرف كان ولايزال موجود ولكنه ظهر بل تحول إلى إرهاب لعدة أسباب نذكر منها ما يلي: 1- الرغبة الجامحة في السيطرة على شعوب العالم وثرواته من خلال قادة هذه الدول وحكامها 2- انسياق الشعوب وراء شعارات، الوطن فوق الجميع، التي كانت تُسَّوق لأغراض وأهداف معينة لتحقيق مآربهم وتنفيذ مخططاتهم. 3- المستوى الثقافي والفكري الضحل، الذي سمح بانتشارها هذه الافكار وتطورها. 4- تجيش الشعوب وجرها إلى مستنقع الحروب وتأثير ذلك على الحالة النفسية والاجتماعية. أما التطرف الديني فهو التطرف الذي انتشر وعم في هذه الآونة الأخيرة لدرجة يعتقد المرء معها أن التطرف لا يكون إلَّا دينيًا فقط، كن هذا مغاير للحقيقة و إن كان التطرف الديني قديم قدم البشرية فهو موجود منذ وجود البشرية وليس هناك دليل على ذلك أكثر مما حدث من قابيل، ابن ادم، حين اعترض على أخيه من غير حق (متطرفًا)، فلما تحاور مع أخيه ورُفض قُربانه قتله هابيل، وهذ أول تطرف في البشرية وأول إرهاب وقتل في العالم، ثم التطرف في الإسلام بدأ في حياة رسول الله صلى الله علية وسلم حين قدم ثلاثة من أصحابه إلى زوجته عائشة وسألوها عن عبادة رسول الله وكأنهم تقَّالوها، إلَّا أن النبي علاج بقوله: "فمن رغب عن سنتي فليس مني"، ولم يظهر التطرف على عهد رسول الله ولم يظهر أثره لأنه كان صلى الله عليه وسلم يُقوِّمه، وهذا هو تقويم التطرف في الفكر والفهم، مثال آخرمن أمثلة التطرف موقف الخوارج من على، فقد اتهموه بالكفر مع أنه من أهل الجنة ومن العشرة المبشرين بها، فهؤلاء كانوا على عهد رسول الله متطرفين في أفكارهم وهم يمثلون بذرة التطرف الإسلام في عهد رسول الله، ولكن سرعان ما ظهروا بعد موت رسول الله في أواخر عهد عثمان؛ حيث توفرت لهم سبل التطرف من ادعاء بعدم تطبيق حكم الله وعدم تطبيق القصاص من قتلة عثمان، ولذلك أجاب على رضى الله عنه، حينما طالبوه بتنفيذ حكم الله، قال: "كلمة حق أريد بها باطل"، وقال رسول الله: "هم كلاب أهل النار وطوبى لمن قتلهم وقتلوه" أي أن النبي بدأ بعد المواجهة الفكرية بالمواجهة القتالية العملية لمن لم ينفع معهم المواجهة الفكرية فقط، ثم توارت هذه الحركات في عهد معاوية، ثم انتهت تماما في عهد عمر بن عبد العزيز، فالبيئة السياسية آنذاك كانت ممهدة للقضاء على مثل هذه الحركات تماما، فالظروف المحيطة هي التي تلعب الدور الرئيس في نمو هذه الظاهرة وتطورها. - لماذا دائما يُلصق التطرف والإرهاب بالدين الإسلامي؟ الأمر بباسطة مرجعة إلى عدة أمور: 1- أن أغلب العمليات الإرهابية التي يسلط عليها الضوء تُرتكب من مسلمين باسم الإسلام. 2- كثرة الإصدارات التي تنشرها الجماعات الإرهابية المسلمة والتي تحتوى على قراءة دينية مغلوطة للنصوص الإسلامية 3- أن الآلة الإعلامية للغرب أقوي من الآلة الإعلامية للمسلمين، ولذلك فإنها هي التي تحرك الشراع و تصنع من السراب جبالًا. - ما هي رسالتك إلى الأنظمة والحكومات للقضاء على ظاهرتي التطرف والإرهاب؟ القضاء على التطرف والإرهاب يمكن عن طريق عدة أمور "متكاملة" وليست "متفرقة": 1- تقوية المؤسسات الدينية بحث تتبنى الفكر النقدي والفقهي البناء، الذي يُلبي حاجات العصر وينسجم مع التطور والقضايا الفقهية المُستحدثة. 2- مواجهة الفكر الهدام بالفكر أولاً والتعامل مع قضية الإرهاب والتطرف بإستراتيجيات طويلة الأمد تحقق الغاية منها والهدف من ورائها. 3- مواجهة العوامل السلبية ألتي يتغذى عليها الإرهاب وينمو فيها التطرف كالفقر والجهل والبطالة والتخلف إلخ... 4- العمل على خلق بيئة إعلامية هادفة تنشر القيم الإنسانية والمبادئ الدينية الوسطية. 5- العمل على إصلاح التعليم والمعلم والرقي به وخلق بيئة صالحة للإبداع والتألق. 5- الاهتمام بالشباب على وجه الخصوص عن طريق إنشاء مشاريع صغيرة في القرى و النجوع سواء كانت مشاريع اقتصادية أو مشاريع ثقافية تعمل في المقام الأول على عرس الولاء والانتماء وحب الوطن وتُشعر الشباب بأهمية وجودهم وأثر نشاطهم على المجتمع والواقع.