تنسيق 2025.. طريقة حصول طلاب الثانوية العامة على الرقم السري اللازم لتسجيل الرغبات بالصور    تجهيز 190 لجنة استعدادا لانتخابات مجلس الشيوخ في أسوان    بالتعاون بين وزارة التعليم العالي وسفارة اليابان.. انتهاء مقابلات المرشحين لمنحة «MEXT» الحكومية    تنسيق الجامعات.. البرنامج المكثف في التمريض بجامعة حلوان    ارتفاع كبير للطن.. سعر الحديد اليوم الأحد 27 يوليو 2025 أرض المصنع    كل ما تحتاجه الأسرة من منتجات غذائية ولحوم وخضار بسوق اليوم الواحد بالجمالية    وزيرة التخطيط تلتقي نظيرتها بجنوب أفريقيا خلال اجتماعات وزراء التنمية بمجموعة العشرين    توجيهات رئاسية مهمة للحكومة اليوم.. تعرف عليها    تموين سوهاج: توريد 184 ألف طن قمح للصوامع والشون منذ بدء الموسم    سوريا تحذر من «مخططات تستهدف النسيج الوطني» وتحمّل إسرائيل مسؤولية التصعيد    إجراء تصويت.. حزب معارض في البرلمان البريطاني يطلب الاعتراف بدولة فلسطين    الجيش السودانى معلقا على تشكيل حكومة موازية: سيبقى السودان موحدا    موعد مباراة إنجلترا وإسبانيا في نهائي كاس أمم أوروبا للسيدات والقناة الناقلة    الأهلي يوافق على رحيل «كوكا» إلى الدوري التركي بشرط (خاص)    إصابة 4 أشخاص في تصادم سيارة نقل أموال وربع نقل بالصحراوي بأسوان    وزير التعليم يعتمد جدول امتحانات الثانوية العامة 2025.. الدور الثاني    حالة الطقس في الكويت اليوم الأحد.. حرارة شديدة ورطوبة نسبية    حجز طرفي مشاجرة علي شقة سكينه في السلام    كاظم الساهر ناعيا زياد الرحباني: خسارة لا تعوض للفن العربى    وفاء الحكيم: نور الشريف وأحمد زكي شكّلا ملامح تجربتي الفنية    بعد اشتداد موجة الحر.. تحذيرات من هيئة الأرصاد للمواطنين    إطلاق حملة توعوية من «القومي للبحوث» للتعريف بالأمراض الوراثية وأهمية الكشف المبكر    بعد انتهاء معسكر تونس .. الأهلي يتجه إلى مطار قرطاج لبدء رحلة العودة للقاهرة    موعد حفل تامر عاشور في العلمين الجديدة و أسعار التذاكر    في ذكري وفاة رشدي أباظة .. دخوله التمثيل كان بسبب صداقته لأحمد رمزي وعمر الشريف    ضمن فعاليات " المهرجان الصيفي" لدار الأوبرا .. أحمد جمال ونسمة عبد العزيز غدا في حفل بإستاد الاسكندرية    الأحزاب فى اختبار الشعبية بالشارع    المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: القطاع يحتاج إلى 600 شاحنة إغاثية يوميا    اليوم.. قرعة الدوري «الاستثنائي» بمشاركة 21 فريقا بنظام المجموعتين    وزير الثقافة: نقل الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم إلى معهد ناصر    استشهاد 10 فلسطينيين وإصابة آخرين جراء قصف خيام واستهداف منتظري المساعدات بغزة    العودة إلى الجذور.. البابا تواضروس يفتتح ملتقى لوجوس الخامس للشباب    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة ببداية جلسة الأحد    شوبير: الزمالك يعلن عن 3 صفقات خلال ساعات.. وحسام عبد المجيد يغلق صفحة الرحيل    بورسعيد تودع "السمعة".. أشهر مشجع للنادى المصرى فى كأس مصر 1998    سويلم: إزالة 87 ألف تعد على النيل منذ 2015 ومواصلة مكافحة ورد النيل    مقتل 6 أشخاص جراء تدافع في معبد هندوسي شمالي الهند    زكى القاضى: مصر تقوم بدور غير تقليدى لدعم غزة وتتصدى لمحاولات التهجير والتشويش    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى بولاق الدكرور دون إصابات    إصابة 6 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بالطريق الأوسطى    "الصحة": حملة 100 يوم صحة قدّمت 15.6 مليون خدمة طبية مجانية خلال 11 يوما    «الإفتاء» توضح الدعاء الذي يُقال عند الحر الشديد    إصابة 11 شخصا في حادثة طعن بولاية ميشيجان الأمريكية    القاهرة الإخبارية: المساعدات لغزة تحمل كميات كبيرة من المواد الغذائية والطحين    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية»| الأحد 27 يوليو    إيتمار بن غفير: لم تتم دعوتي للنقاش بشأن إدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة    حياة كريمة.. افتتاح جزئى لمستشفى دار السلام المركزى بسوهاج اليوم    القصة الكاملة لحادث انهيار منزل في أسيوط    بعد فتوى الحشيش.. سعاد صالح: أتعرض لحرب قذرة.. والشجرة المثمرة تُقذف بالحجارة    «تجاوزك مرفوض.. دي شخصيات محترمة».. نجم الأهلي السابق يفتح النار على مصطفى يونس    الثالث علمي بالثانوية الأزهرية: نجحت بدعوات أمي.. وطاعة الله سر التفوق    «الحشيش مش حرام؟».. دار الإفتاء تكشف تضليل المروجين!    ما حكم شراء السيارة بالتقسيط عن طريق البنك؟    "سنلتقي مجددًًا".. وسام أبوعلي يوجه رسالة مفاجئة لجمهور الأهلي    سعيد شيمي يكشف أسرار صداقته مع محمد خان: "التفاهم بينا كان في منتهى السهولة    تأكيدا لما نشرته الشروق - النيابة العامة: سم مبيد حشري في أجساد أطفال دير مواس ووالدهم    خالد الجندي: من يُحلل الحشيش فقد غاب عنه الرشد العقلي والمخ الصحيح    الأمم المتحدة: العام الماضي وفاة 39 ألف طفل في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دراسة : حاملو نوبل في الاقتصاد: يبشرون بالنموذج الإسلامي في التنمية

فجميع الإيديولوجيات السابقة حوت بداخلها التناقض, والتناقض لابد في الأمد البعيد أن يخلق في الإيديولوجية نوعا من التفتيت بعكس الإيديولوجية الإسلامية هي وحدها من بين الإيديولوجيات الأربع تملك من نواحي القوة الكثير. فعناصر القوة في الواقع الإسلامي: الكثافة السكانية- الامتداد الإقليمي- العلاقة الجاذبة مع العالم النامي- الحقيقة العالمية- سد الفراغ الإيديولوجي. فالعالم المعاصر يعيش فشلا إيديولوجيا بين يمين محافظ ويسار مادي حيث كلاهما فشل في تكتيل القوي السياسية وتحقيق التعاطف المعنوي مع مواطن القرن الحادي والعشرين. ومن المعروف أن النموذج الإسلامي كما يقول الدكتور حامد ربيع- أعظم شخصية مصرية أنجبتها مصر في القرن العشرين- أنه يتكون في تطبيقه من ستة عناصر أساسية, أهمها: سيادة الأخلاقيات ووحدة القيم الأساسية, النموذج الإسلامي يقوم علي أساس الإطلاق في كل ما له صلة بالأخلاقيات بل إن قواعد الممارسة الأخلاقية لا تقتصر علي قواعد التعامل القومي والداخلي أي مع المواطن الذي ينتمي إلي الجماعة الإسلامية ولا علي المواطن المسلم أو المواطن غير المسلم في حالة السلم, بل إنها تتعدي ذلك إلي التعامل مع غير المسلم وفي حالة الحرب, لا نريد أن نذكر بنصائح الخلفاء الراشدين بعدم الاعتداء علي الأطفال والشيوخ وبعدم تخريب الممتلكات أو اغتصاب النساء في اثناء القتال أو عقبه. إن سيادة الاخلاقيات التي ظلت ثابتة ولو بقسط معين أيضا في مراحل الانحلال والتحلل هي التي أذهلت الغرب والتي عبروا عنها بكلمة الفروسية والشهامة العربية, إنها ليست إلا تعبيرا نظاميا عن اخلاقيات الممارسة السياسية.
ولقد فوجئ الغرب بثورات الربيع العربي وما بثته من انبهار ورقي وحضارة في نفوس الشباب الغربي الذي تمني تقليده وسارع في احتجاجات عمت العالم. فعلي الفور تحركت اجهزة المخابرات في العالم الغربي وشكلت الولايات المتحدة أكبر غرفة عمليات في تاريخها, حتي يقال إنها أكبر من تلك التي شكلتها قبل إلقاء القنبلة الذرية علي هيروشيما ونجازاكي لاحتواء الربيع العربي من خلال تقديم عشرات المليارات لتشويه النموذج الإسلامي كما تمناه الشباب في بلادهم من خلال تصوير وتسجيل كل ما تبثه الفضائيات العربية وخاصة المصرية من أحداث دقيقة. والتركيز علي ما يشوه النموذج الإسلامي من خلال خلق حواث معينة وتكبيرها وتسليط الضوء عليها مثل البلطجة والاختطاف وتخريب المنشآت العامة والاغتصاب التي تمثل جميعها أفعالا مضادة للنموذج الإسلامي وتقلل من شأنه في عيون الشباب الغربي. ومهما حاول الغرب تشويه هذا النموذج الإسلامي ولو أنفق ما في الأرض جميعا فلن يستطيع, فالدفاع عن النموذج الإسلامي في التنمية لا يأتي من المسلمين أنفسهم بل من كبار اساتذة الاقتصاد والخبراء الغربيين وخاصة في الجامعات والمعاهد المتخصصة في الاقتصاد, وكثير منهم حصلوا علي جوائز نوبل في الاقتصاد ويطلق عليهم صفوة الاقتصاديين في العالم وقد حاولت جهد المستطاع أن أحصر ما قالوه مباشرة عن فشل كل الإيديولوجيات في تقديم نموذج اقتصادي سليم وتحولهم ناحية النموذج الإسلامي وإن لم يكن بطريقة مباشرة فمن خلال التلميحات وأرقام التقارير واتهامهم للقائمين علي الاقتصاد والاقتصاديين أنفسهم.
والقصة تبدأ يقول رغورام راجان عندما طرحت ملكة إنجلترا علي اساتذة الاقتصاد في كلية لندن للاقتصاد سؤالا بسيطا, ولكنه سؤال لا توجد له إجابة بسيطة: لماذا فشل خبراء الاقتصاد الأكاديميين في توقع الأزمة؟ هناك العديد من الردود علي هذا التساؤل. وأحد هذه الردود أن خبراء الاقتصاد كانوا يفتقرون إلي النماذج القادرة علي تمثيل السلوكيات التي أدت إلي الأزمة. وثمة رد آخر يقول إن خبراء الاقتصاد كانوا يتبنون نظرة ضيقة نابعة من إيديولوجية تقضي بأن السوق الحرة غير المقيدة من غير الممكن أن تخطئ. وأخيرا هناك رد بدأ في اكتساب الأرض علي نحو مطرد ومفاده أن النظام كان يرشو خبراء الاقتصاد لكي يلتزموا الصمت.
ولكن أكبر وصف لهذا الفشل كما يقول برادفورد ديلونج عندما سأل مارتن وولف الكاتب في صحيفة فاينانشال تايمز علي نحو لا يخلو من السخرية لاري سمرز وزير الخزانة الأمريكي السابق ومساعد الرئيس باراك أوباما السابق لشئون السياسة الاقتصادية قائلا:' ألا يشير ما حدث في السنوات القليلة الماضية ببساطة إلي أن خبراء الاقتصاد الأكاديميين لم يفهموا ما كان يجري من حولهم؟'. ثم ذهب سمرز إلي توسيع إجابته لتشمل خبراء اقتصاد علي قيد الحياة:' ايتشنجرين, وأكيرلوف, وشيللر, وغيرهم كثيرون'. كما تحدث عن الثورة في مجال التمويل قائلا:' لقد أدركنا أن أسعار الأصول تظهر قدرا كبيرا من التقلب ولا تعكس أي شيء عن الأسس الجوهرية', ولكنه أضاف:' إن الاقتصاد الكلي لم يتمكن من ملاحقة هذه الثورة'. ونتيجة لهذا, وعلي نحو ألحق قدرا عظيما من الضرر بالاقتصاد الكلي المعاصر, لم يفهم زملاؤه من خبراء الاقتصاد أسعار الأصول, والهوس, والهلع, والسيولة. والواقع أن حجم الكارثة هو ما يثير الدهشة. لكن المدهش أكثر من ذلك هو الفشل الواضح الذي أبدته علوم الاقتصاد الأكاديمية في اتخاذ الخطوات اللازمة لإعداد نفسها للمستقبل. والحق أنني توقعت أن أسمع القائمين علي أقسام الاقتصاد في مختلف أنحاء العالم وهم يقولون في أعقاب الأزمة:' إننا في احتياج إلي تغيير أنماط التوظيف لدينا'.
وقبل أن يترك رئاسة البنك المركزي الأوروبي مباشرة, اشتكي جان كلود تريشيه قائلا:' بوصفي أحد صناع القرار السياسي أثناء الأزمة, وجدت أن النماذج الاقتصادية والمالية المتاحة كانت ذات فائدة محدودة. بل إنني قد أذهب إلي ما هو أبعد من هذا: ففي مواجهة الأزمة, شعرنا وكأن أدواتنا التقليدية هجرتنا'.
حاول تريشيه استحضار الإلهام من تخصصات أخري الفيزياء, والهندسة, وعلم النفس, وعلم الأحياء للمساعدة في تفسير الظواهر التي خبرها. وكان ذلك بمثابة صرخة غير عادية طلبا للمساعدة, واتهام خطير موجه إلي مهنة الاقتصاد, ناهيك عن كل أساتذة التمويل ومكافآتهم المسرفة في كليات إدارة الأعمال من هارفارد إلي حيدر أباد. فقد زعم روبرت ماي, أحد خبراء تغير المناخ البارزين, أن التقنيات المستخدمة في مجاله قد تساعد في تفسير التطورات في الأسواق المالية. كما اقترح علماء الأوبئة أن دراسة الكيفية التي تنتشر بها الأمراض المعدية قد تسلط الضوء علي الأنماط الفريدة التي تنتقل بها العدوي المالية التي شهدناها في الأعوام الخمسة الماضية. وحاول بنك إنجلترا تحفيز أفكار جديدة. حتي إن وقائع المؤتمر الذي نظمه بنك إنجلترا في وقت سابق من هذا العام تم تحريرها تحت العنوان المستفز' وما الفائدة من الاقتصاد؟'. ووصف يوجين فاما من جامعة شيكاغو فكرة خطأ نظرية التمويل بأنها' خيال', وهو يزعم أن' الأسواق المالية والمؤسسات المالية كانت ضحية الركود وليس السبب الذي أدي إلي الركود'. ولا يمكننا أن نلقي باللائمة علي فرضية كفاءة الأسواق التي ناصرها فاما, وذلك لأن' أغلب الاستثمار يتم من خلال مديرين نشطين لا يؤمنون بأن الأسواق تتمتع بالكفاءة'. كما لاحظ البعض أن تحركات الأسعار, التي توقعت النماذج أنها يجب ألا تحدث أكثر من مرة واحدة كل مليون سنة, تكررت عدة مرات في أسبوع واحد. وهم يعملون جادين لفهم الأسباب وراء ذلك, ووضع مناهج جديدة لقياس ومراقبة المخاطر, وهو ما يشكل الهم الرئيسي للعديد من البنوك حاليا.
وتساءل الكثيرون من خبراء الاقتصاد, هل نستطيع أن نعتبر الفساد هو الجاني؟ إن بعض خبراء الاقتصاد الأكاديميين يعملون كمستشارين للبنوك أو وكالات التصنيف, ويلقون الخطب علي مؤتمرات المستثمرين, ويخدمون كشهود من الخبراء, ويجرون البحوث التي ترعاها جهات مختلفة. ومن الطبيعي أن تثار الشكوك والشبهات حول انحيازهم. فقد يكتب أي خبير اقتصادي تقريرا متأثرا بما يريد الرعاة أن يسمعوه, أو قد يدلي بشهادة مأجورة بحتة.
ويري راغورام راجان في اعتقادي أن الفساد لم يكن السبب الرئيسي الذي جعل أهل المهنة يغفلون عن الأزمة الوشيكة. إن تفاعل أغلب خبراء الاقتصاد مع عالم الشركات ضئيل للغاية, ولم تكن قدرة خبراء الاقتصاد' غير المتحيزين' هؤلاء علي توقع الأزمة أفضل. وأنا أزعم أن ثلاثة عوامل تسهم إلي حد كبير في تفسير فشلنا الجماعي: التخصص, وصعوبة التنبؤ, وانفصال أغلب أهل المهنة عن العالم الحقيقي.
ويضرب سيمون جونسون أمثلة كثيرة علي تورط الاقتصاديين في اعمال فساد كثيرة, فبالقرب من نهاية فيلم تشارلز فيرجسون التسجيلي الحائز علي جائزة الأوسكار,' عملية داخلية', يجري مقابلات مع العديد من خبراء الاقتصاد البارزين فيما يتصل بالدور الذي لعبوه كمشجعين ومصفقين مدفوعي الأجر لإفراط القطاع المالي في خوض المجازفات والممارسات الحادة أثناء الفترة السابقة لأزمة2008. ولقد تلقي بعض هؤلاء الأكاديميين البارزين مبالغ كبيرة لتعزيز مصالح البنوك الضخمة وغيرها من شركات القطاع المالي. وكما يوثق فيرجسون في فيلمه وفي كتابه الأخير الصادم' أمة من المفترسين', فإن الكثير من هذه المدفوعات لم يتم الكشف عنها بشكل كامل حتي اليوم. إن الافتراس مصطلح مناسب تماما لوصف أنشطة البنوك. ولأن فشل هذه البنوك من شأنه أن يلحق الضرر ببقية الاقتصاد, فإنها تحظي بقدر فريد من الحماية, علي سبيل المثال, خطوط الائتمان الخاصة من البنوك المركزية والقيود التنظيمية المتساهلة( وهي التدابير التي كانت متوقعة أو أعلن عنها في الأيام الأخيرة في الولايات المتحدة, والمملكة المتحدة, وسويسرا). ونتيجة لهذا فإن الأشخاص الذين يتولون إدارة هذه البنوك يجدون في أنفسهم الشجاعة لخوض الكثير من الرهانات الخطيرة, التي تتضمن أنشطة قائمة علي المقامرة المحضة. ثم يحصد المصرفيون فوائد الجانب الإيجابي عندما تسير الأمور علي ما يرام, في حين تصبح مخاطر الجانب السلبي مشكلة شخص آخر. إنه مخطط دعم غير شفاف وخطير تديره الحكومة, ويشتمل في نهاية المطاف علي تحويلات مالية بالغة الضخامة من دافعي الضرائب إلي قلة من الأشخاص علي قمة القطاع المالي. ولحماية الوجود المستمر لهذا المخطط, فإن البنوك العالمية العملاقة تسهم بمبالغ ضخمة من المال للساسة. علي سبيل المثال, شهد جيمي ديمون الرئيس التنفيذي لشركة جيه بي مورجان تشيس مؤخرا أمام اللجنة المصرفية في مجلس الشيوخ الأمريكي بشأن الانهيار الواضح لإدارة المخاطر علي النحو الذي تسبب في تكبيد شركته خسائر تجارية بلغت نحو7 مليارات دولار. وطبقا لتقديرات' أوبن سيكريتس دوت أورج' فإن جيه بي مورجان تشيس, الشركة المصرفية القابضة الأكبر في أميركا, أنفقت ما يقرب من8 ملايين دولار علي مساهمات سياسية في عام2011, وأن ديمون وشركاه تبرعوا لأغلب أعضاء مجلس الشيوخ في اللجنة. ولم يكن من المستغرب أن تأتي أسئلة أعضاء مجلس الشيوخ رقيقة ولطيفة في أغلبيتها الساحقة, ويبدو أن إستراتيجية الضغط الأوسع نطاقا التي يمارسها جيه بي مورجان تشيس تؤتي ثمارها, فمن المرجح أن تنتهي' التحقيقات' في سوء الإدارة علي النحو غير المسئول الذي هدد النظام بالكامل إلي تبرئة المتهمين.
ويقول داني رودريك إنه في غياب الفهم الواضح لمن يكسب ومن يخسر من الوضع الراهن, فمن الصعب أن نفهم سياساتنا القائمة. ولكن الإفراط في التركيز علي المصالح الخاصة من الممكن أن يحولنا بسهولة بعيدا عن المساهمة الحاسمة التي يمكن تقديمها من خلال تحليل السياسات وروح المغامرة السياسية. والواقع أن إمكانيات التغيير الاقتصادي ليست محدودة بواقع السلطة السياسية فحسب, بل وأيضا بفقر أفكارنا.
ولعل النقطة التي ركز عليها أساتذة الاقتصاد وأصحاب جوائز نوبل هي قضية الديون, فروبرت سكيدلسكي يقول' لن يتمكن كل من هو ليس ضليعا في الشعوذة وخفة اليد المالية من فهم معركة السندات هذه. ولكن خلف هذه المعركة يكمن موقفان أخلاقيان قد يكون فهمهما أسهل كثيرا. الأول يتلخص في الرفض التقليدي للدين. إن أقدم قاعدة في التمويل الشخصي تتلخص في تجنب الدين أو بعبارة أخري ألا ننفق أبدا ما يتجاوز دخلنا. ولقد اجتمع خبراء الاقتصاد وعلماء الأخلاق علي اعتقاد مفاده أن المرء يتعين عليه أن ينفق أقل مما يكسب بغية' الادخار' من أجل الأيام العصيبة أو سنوات الشيخوخة. كان الدين مرتبطا منذ الأزل بالتبذير والإسراف وانعدام الإحساس بالمسئولية. وإذا وقع شخص ما في الدين, فإن سداد ذلك الدين في وقت استحقاقه كان مسألة شرف, سواء ببيع بعض الأصول, أو الحد من الاستهلاك, أو بذل المزيد من الجهد في العمل, أو كل ذلك. والواقع أن الأمر كان في الأغلب الأعم أكثر من مجرد مسألة شرف: فالفشل في سداد الدين في الموعد المحدد كان يعني دخول المدين السجن.
ولكن في القرن العشرين, ومع توفر قدر أعظم من الظروف الآمنة والنمو الاقتصادي المستمر, أصبح من الطبيعي أن يمارس الأفراد والشركات والحكومات الاقتراض في ظل التوقعات بتحقيق أرباح, أي أنهم ينفقون أموالا ليست بحوزتهم ولكنهم يتوقعون أن تصبح بحوزتهم. ومع انحسار المخاوف من إقبال أغلب المودعين علي سحب أموالهم أو من العجز, بدأت احتياطيات البنوك في التناقص علي نحو متزايد, الأمر الذي عزز بالتالي من قدرتها علي تقديم المزيد من تسهيلات الإقراض. وكان إشراف هذا النظام القائم علي الوساطة المالية علي الانهيار في عام2008 بمثابة المبرر في نظر العديد من المراقبين للعودة إلي التحذيرات القديمة من المخاطر التي تحيط بالمديونية. ففي مراجعتهما التاريخية الشاملة للأزمات المالية, كتب كينيث روجوف وكارمن راينهارت:' مرة تلو الأخري, ينهمك الأفراد والدول والبنوك والشركات في الاقتراض المفرط في أوقات الرواج من دون التحلي بالقدر الكافي من الوعي بالمخاطر التي سوف تأتي لاحقا عندما يأتي الركود الحتمي'. ولكن هناك موقف أخلاقي معاكس يتلخص جوهره في التالي: رغم أن الديون المفرطة أمر يؤسف له, فإن اللائمة تقع علي المقرض وليس المقترض. في مسرحية هاملت يقدم بولونيوس النصيحة التالية:' تعسا للمقترض والمقرض'. كان إقراض الأموال في مقابل فائدة يعد' ربا', بمعني صنع المال من المال وليس من السلع والخدمات وهو التمييز الذي يعود إلي عهد أرسطو, الذي كان المال في نظره بمثابة أرض قاحلة. وكان المرابي أكثر الشخصيات إثارة للبغض والمقت في أوروبا في القرون الوسطي.
ولم ترفع آخر القيود القانونية التي كانت مفروضة علي تقاضي الفائدة علي المال إلا في القرن التاسع عشر, عندما استسلمت تلك القيود لحجة اقتصادية مفادها أن إقراض المال كان بمثابة خدمة, وعلي هذا فمن حق المقرض أن يتقاضي ما تسمح به السوق أو تتحمله في مقابل تلك الخدمة. ولكن نظرية الربا ظلت باقية في رأي مفاده أنه من الخطأ أخلاقيا أن يستبيح المرء لنفسه مبلغا إضافيا من المال ما كان ليحصل عليه لولا ضعف موقف المقترض التفاوضي أو احتياجه الشديد.
ولعل انتقاد مايكل سبنس لمشروطية صندوق النقد خير دليل أن النموذج الغربي في التنمية قد أفلس, فمن خلال نهجه الجديد الذي عرف بتوافق واشنطن الجديد ركز فيه علي أن لكل دولة الحق في اختيار نموذجها الخاص في التنمية, ولا يمكن نقل نموذج تنموي من بلد لآخر.
وفي أعقاب الأزمات المتتالية نهجت كثير من الدول الغربية وعلي رأسهما الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا في محاولة يائسة نحو النهج الاشتراكي, حيث يقرر برافورد ديلونج من جامعة كاليفورنيا أن كل دول العالم المتقدمة تقريبا تتبع نظاما ديمقراطيا اشتراكيا وفي انتظار بديل آخر, وهي كذلك حقا: أنظمة اقتصادية مختلطة تشرف عليها حكومات في غاية الضخامة تؤدي مجموعة عريضة من وظائف الرعاية والضمان الاجتماعي, وتزيل تكتلات الثروة الضخمة وتراكمات السلع من السوق. ويقول إن التفاوت الحاد المتصاعد في الدخول أدي إلي تفاقم مخاطر لعبة الاقتصاد. والحكومة التي تعجز عن موازنة مواردها المالية لا يمكن الاعتماد عليها في توفير الاستقرار لعناصر الاقتصاد الشامل. والحقيقة أن بول فولكر الرئيس السابق لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يري أن الولايات المتحدة عرضة للخطر فيما يتصل بالاقتصاد الشامل, حيث تبلغ احتمالات تعرض الدولار لأزمة عميقة تستمر لعدة أعوام قادمة, نسبة75%. كذلك الحال بالنسبة لفرنسا فللمرة الأولي منذ سبعة عشر عاما, وبعد ثلاث هزائم متعاقبة, يعود اليسار متمثلا في المرشح الاشتراكي فرانسوا أولاند إلي قصر الإليزيه. والواقع أن الأثر الأول المترتب علي هذه الانتخابات المهمة بلا أدني شك يتلخص في التأكيد علي العودة إلي الاستقرار. ونستطيع أن نقول بعبارات أكثر موضوعية إن سياسات ساركوزي الضريبية بشكل خاص كانت تحابي الطبقات العليا والأثرياء. وعلي هذا فقد نشأت تركيبة قوية من الغضب الاجتماعي والسياسي, وخاصة في ضوء اعتقاد مفاده أن الجشع المفرط من جانب رجال الأعمال والمصرفيين كان السبب الرئيسي وراء الأزمة التي اندلعت عام2008. وكان التصحيح الاجتماعي والسياسي ضروريا, وأتي هذا التصحيح مع شكل من أشكال الانتقام تتفرد به فرنسا. فإن الاشتراكيين الآن لا يسيطرون علي الرئاسة والحكومة فحسب, بل ويتمتعون بالأغلبية في مجلس الشيوخ أيضا, وكل الرئاسات الإقليمية, ونحو55% من وزارات البلاد, والمجالس المحلية في أغلب المدن الكبري. ويسيطرون علي أغلبية الجمعية الوطنية أيضا, الأمر الذي يعني قدرا من تركيز السلطة لم يسبق له مثيل في فرنسا الحديثة. الآن يستطيع الاشتراكيون أن يحكموا بلا حدود, كما يقول ميشيل روكارد, لذا فهم وحدهم المسئولون عن تحسين الإدارة. وهذا هو منبع الشكوك التي تحوم حول مستقبل فرنسا, إن لم يكن مستقبل أوروبا بالكامل.
لهذه الأسباب جميعها بدأ يدرك الكثيرون من خبراء الاقتصاد العالميين إمكانية التحول عن النماذج التقليدية نحو النموذج الإسلامي خاصة أن هناك جزءا واحدا من القطاع المالي يشهد توسعا استثنائيا مطردا: فقد نمت الأصول المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية من نحو5 مليارات دولار أمريكي في أواخر ثمانينيات القرن العشرين إلي ما يقرب من2,1 تريليون دولار في عام2011. فقد نجحت هذه الفئة من الأصول, التي تتميز بتقاسم المخاطر بين المؤسسات المالية وعملائها, في تجنب العديد من أسوأ عواقب الأزمة المالية العالمية التي بدأت في عام2008. والواقع أن هذه المرونة, إلي جانب العديد من الميزات الرئيسية الأخري, تشكل جزءا من الأساس الذي استند إليه هذا الأداء العالي والشعبية المتنامية للتمويل الإسلامي. ولكن مبدأ تقاسم المخاطر المتأصل في التمويل الإسلامي زاد من قدرة هذه الأدوات علي مقاومة الجولة الأولي من العدوي المالية التي ضربت العالم في عام2008. وقد اقترح بعض خبراء الاقتصاد البارزين, مثل كينيث روجوف من جامعة هارفارد, أن التمويل الإسلامي يوضح المزايا المترتبة علي تعزيز مبادئ العدالة وتقاسم المخاطر مقارنة بالانحياز التقليدي لصالح أدوات الدين. والواقع أن العديد من السمات المميزة جعلت مؤسسات التمويل الإسلامي مستقرة نسبيا طيلة فترة الأزمة. ومن بين هذه السمات أن التمويل الإسلامي كما يقول الدكتور محمود محيي الدين- وهو أحد الخبراء الذي يستطيعون المساعدة في نشر هذا النموذج بحكم موقعه في المؤسسة الدولية- يركز علي دعم الأصول, وبالتالي ضمان الارتباط المباشر بين المعاملات المالية والأنشطة الاقتصادية. وهناك ارتباط وثيق بين مدخرات المؤسسات وعائداتها الاستثمارية, لأن تحديدها يتم بواسطة القطاع الحقيقي وليس القطاع المالي. باختصار, تتعامل المؤسسات المالية الإسلامية مع عملائها باعتبارهم شركاء تجاريين. لذا فإنها لديها من الحوافز القوية ما يدفعها إلي تقييم طلبات التمويل بعناية, ومساعدة المقترضين في الأوقات العصيبة, وبالتالي الحد من الضغوط التي قد تفرض بيع الأصول بأسعار بخسة والتقليل من احتمالات انتقال العدوي المالية. وأخيرا, تعمل الأطر المالية الإسلامية علي حماية توازنات الودائع ومنع النمو الائتماني المفرط. في الوقت الحالي, أصبحت الأدوات المالية الإسلامية متاحة في سبعين دولة علي الأقل. ففي تقرير البنك الألماني( دويتشه بنك) الصادر في نوفمبر2011 تحت عنوان' تقرير العمل المصرفي الإسلامي العالمي' يتوقع البنك نمو الأصول الإسلامية بمعدل سنوي مركب يبلغ24% علي مدي الأعوام الثلاثة المقبلة. وهناك خمسة أسباب استندت إليها هذه التوقعات: تعرض المؤسسات المالية التقليدية المتعددة الجنسيات علي نحو متزايد أصولا إسلامية, وهناك اهتمام متزايد بهذه الأصول في لندن, ولوكسمبورج, وغيرهما من العواصم المالية العالمية, وكان ارتفاع أسعار السلع الأساسية في بعض الدول الإسلامية سببا في توليد فوائض لابد من تخصيصها من خلال الوسطاء الماليين وصناديق الثروة السيادية. وأن الأدوات المالية الإسلامية من الممكن أن تتوافق مع الشريعة المبادئ الأخلاقية والأحكام الدينية للإسلام فضلا عن قدرتها علي إرسال إشارات التغيير المتوافقة مع التطورات الأخيرة في العديد من البلدان ذات الأغلبية المسلمة. ولكن تحقيق إمكانات التمويل الإسلامي علي أرض الواقع يتطلب رقابة إشرافية قوية. ويتعين علي المؤسسات المالية أن تعزز من دور الفرز قبل الإقراض والمراقبة بعد الإقراض. ومن ثم يجب علي خبراء الاقتصاد العرب أن يعطوا اهتماماتهم للاقتصاد الإسلامي وخاصة عملية التمويل الإسلامي وأن يعملوا علي إيجاد سوق للأوراق المالية الإسلامية بهدف تجميع وتحصيل أكبر كمية ممكنة من الموارد المالية واستخدامها في إنشاء العديد من المشروعات الاستثمارية والإنتاجية والتجارية التي تعود بالفائدة علي اقتصاديات الدول العربية الإسلامية حيث تبعث فيها النشاط وتزيد من الإنتاج ودخل المواطنين ومن ثم الناتج القومي والدخل القومي وتحد من العجز الدائم والمستمر في الموازين التجارية والموازنات العامة للدول العربية الإسلامية ومن ثم إيجاد سوق مالية عربية وإسلامية وتوفير مقومات تنشيطها.
والمشروع الذي تموله هذه الأوراق المالية عبارة عن مشروع اقتصادي له ذمة مالية مستقلة إذا كان لغرض محدد- وله أنشطة استثمارية ذات أهداف محددة. وعادة ما يكون المشروع منشأه البنك الإسلامي الذي يقوم بإصدار هذه الأوراق أو يكون مقدما من الغير مع طلب الترويج والمشاركة في التمويل له من قبل البنك. ويمكن للمشروع أن يتخذ إحدي الصور التالية:
1- المشاركة الدائمة في رءوس أموال المشروع.2- المشاركة المتناقصة التي تنتهي بالتمليك في حقوق الملكية.
3- شراء أو استثمار معدات وآلات لتأجيرها.
4- الشراء والبيع لمدد قصيرة أو متوسطة أو طويلة الأجل. لذلك تكون الورقة المالية الإسلامية ممثلة لحصة مالية شائعة في صافي موجودات المشروع.
وقد يكون من المناسب في الظروف الراهنة للاقتصاد المصري وفي إطار اتجاه المواطنين بالإقبال علي الاشتراك والمساهمة في المشروعات الإسلامية أن تقوم الحكومة بالمشاركة مع أحد البنوك الإسلامية بإصدار هذه الصكوك بالعملة الأجنبية والعملة المصرية بأشكالها المختلفة علي أن يتولي البنك الإسلامي الإصدار والتوظيف وأن تشاركه الحكومة في الأرباح مقابل ما تقدمه من تسهيلات وإعفاءات ضرائبية وخلافه وهناك إعفاءات كثيرة يمكن أن تقدمها الحكومة سوف نتطرق إليها لاحقا. وهل يمكن أن نعمل معا لوقف أعمال البلطجة وتخريب المنشآت واغتصاب النساء لتحسين صورة الثورة والعودة بها إلي أيامها الأولي من أجل جذب الملايين من شباب الغرب نحو النموذج الإسلامي أم أن مليارات الدولارات ستقف عثرة أمام تحقيق حلمنا وخاصة أنها الفرصة الأولي والأخيرة بعد عصر الخلفاء الراشدين تلوح لنا الآن وقد تهرب منا بلا عودة*


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.