رغم أن صندوق النقد الدولى أحصى 124 أزمة مصرفية منذ عام 1970 وحتى 2007، فإن انهيار مصرف ليمان برانرز فى مثل هذا اليوم قبل 10 سنوات يعد المشهد الافتتاحى لأشد أزمة مالية عرفها العالم فى العصر الحديث. ورغم مرور كل هذه السنوات فإن الآثار الاقتصادية لاتزال ماثلة فى أوروبا ودول أخرى، أما آثارها السياسية والاجتماعية فمازالت تكبر وتتفاعل ولم تبلغ ذروتها بعد. الأخطر أن خبراء عديدين يرون أن احتمالات تكرار هذه الأزمة المالية فى المستقبل القريب مازالت قائمة، ومن نفس الأسواق التى تسببت فى أزمة 2008 وهى العقارات والعملات مضافا إليها المخاطر الناجمة عن تفاقم الديون الحكومية فى كثير من الدول كنتيجة مباشرة للأزمة الماضية. الجانب الإيجابى الذى يمكن ذكره أنه بعد 10 سنوات من انفجار الأزمة العالمية عادت البنوك لتحقيق الأرباح المجزية ونشطت حركة الإقراض بما فى ذلك الإقراض العقارى، وتمكنت البنوك المركزية والحكومات خلال هذه الفترة من وضع قواعد صارمة لأنشطة البنوك ولاسيما فى مجال المشتقات المالية والرهن العقارى، كما ابتكرت البنوك المركزية اختبارات جديدة ومتطورة لقياس مدى تحمل البنوك، ولاسيما الكبرى، أى عثرات مالية ضخمة، وقبل ذلك ألزمت البنوك العاملة بتقليل قروضها ودعم احتياطياتها حتى لا تضطر الدول إلى الاستدانة من أجل مساندة البنوك الضخمة حين تتعرض للانكشاف والإفلاس كما حدث فى 2008 والسنوات التالية، فقد كان من أهم ما كشفت عنه الأزمة المالية العالمية تلك العلاقة المتشابكة والمعقدة بين الحكومات والبنوك فيما يتعلق بإدارة الحياة الاقتصادية. التوسع فى الاستدانة كان الثمن الذى قبلته الحكومات للحيلولة دون انهيار النظام المالى فى 2008 ولكن إجراءات التقشف القاسية وغير المعتادة المترتبة على تفاقم الديون أدت بدورها إلى انتشار البطالة وضعف الدخول وهو ما أثار غضبا شعبيا واسعا عبر عن نفسه فى الصعود المتتالى لليمين الفاشى واليسار المتطرف، كما تصاعد الحديث عن اللامساواة والفجوات بين الدخول وازداد القلق بين الموظفين خوفا على وظائفهم بالإضافة إلى مظاهر الفقر الناتجة مباشرة عن الأزمة « 9 ملايين مواطن أمريكى فقدوا مساكنهم بسبب عدم قدرتهم على سداد أقساط الرهن». المشكلة أن اليمين المتطرف الذى يشارك فى الحكم فى العديد من الدول الغربية ويطمع فى المزيد كشف عن عدم امتلاكه حلولا طويلة الأمد للخروج من الأزمة الاقتصادية. وبسبب انشغال الاتحاد الأوروبى بمحاصرة صعود اليمين فإن الحكومات هناك لا تبذل الجهد الكافى والمنسق لدعم اليورو وحل مشاكله «الهيكلية» وإذا ما استمرت الأحوال على ما هى عليه أو تعرضت دول مثل إيطاليا وإسبانيا والبرتغال واليونان لانتكاسة فإن انهيار العملة الأوروبية أو التخلى عنها يصبح احتمالا مرجحا، وهو خطر تفوق عواقبه بمراحل ما حدث فى 2008. الولاياتالمتحدةالأمريكية تعافت من الأزمة بعد قرابة 5 سنوات ولكن بثمن ضخم تمثل فى ضخ عدة تريليونات من الدولارات فى أسواقها وأسواق الآخرين وفقا لسياسة « Quantitative easingطبع النقود لشراء السندات». هذه العملية توقفت الآن ولكنها خلفت جراء تطبيقها لسنوات طويلة ديونا حكومية ضخمة كما أن البنوك الأجنبية استفادت من هذه السيولة السهلة حيث تلقت نحو تريليون دولار خلال الفترة وهو ما أدى إلى تضاعف ديونها بالدولار Offshore Dollar وهو ما يمثل خطرا محتملا أمام الاقتصاد الأمريكى عند تعرض النظام المالى القائم للاهتزاز. وطبقا ل»إيكونومست» فإن أى أزمة محتملة فى النظام المصرفى فسوف تكون مرتبطة بأسواق العقارات، أيضا كما حدث فى الأزمة السابقة، ويكمن جوهر المشكلة فى هذا التناقض بين رغبة الأحزاب السياسية والحكومات التابعة لها فى تحقيق أمانى المواطنين فى امتلاك السكن الذى يعيشون فيه، وفى الوقت نفسه تأمين نظام الرهن العقارى وأن تظل الأقساط دائما مرتبطة بالقيمة السوقية للعقار حتى لا تحدث هزة مصرفية نتيجة العجز عن السداد.. وهكذا بعد مرور 10 سنوات على انفجار الأزمة المالية فإن تداعياتها الاجتماعية والسياسية مازالت تتفاعل، أما على الجانب الاقتصادى وبرغم كل ما جرى اتخاذه من إجراءات فإن احتمالات وقوع أزمة جديدة لا تزال قائمة لأسباب أخرى.. وربما لنفس الأسباب.