بدأت مشكلات الاقتصاد العالمي تحتد مع تفاقم أزمة الرهن العقاري الأمريكي والتي نتج عنها تعرض النظام المصرفي العالمي بوجه عام والأمريكي بوجه خاص لمخاطر القروض العقارية الممنوحة دون ضمانات كافية وبعد أن بات من الصعب السيطرة علي حجم الخسائر التي قدرها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بما بين 50 و100 مليار دولار في ظل تحذيرات الخبراء والاقتصاديين من أن هناك أزمة وشيكة الانفجار وهو ما حدث بالفعل حيث تسببت الأزمة في انهيار احلام المستثمرين في جميع انحاء العالم وامتد أثرها إلي مختلف الأسواق العالمية والعربية.. ولاتزال آثارها ممتدة خلال الفترة القادمة. يري المحللون أنه إذا كانت آسيا وأوروبا الأكثر تأثرا بما يجري للاقتصاد الأمريكي فإن بقية الأسواق المالية في مختلف انحاء العالم عرضة للتأثر إذ لم تستطع الولاياتالمتحدة الخروج من الأزمة. في حين يري البعض الآخر أن الأسواق المالية في الشرق الأوسط خاصة الدول النفطية مستفيدة من هذه الأزمة وأن صناديق الاستثمار بها مستفيدة من الهبوط في بورصات أوروبا وأمريكا حيث إن التشدد في الاقراض من البنوك واحتمالات البيع للأصول توفر فرصة تسويق لصناديق الاستثمار الخليجية. أما عن تأثر سوق التمويل العقاري المصري فيؤكد الخبراء أن هناك مخاطر كبيرة تهدد مستقبل هذا السوق الذي لا يتعدي حجمه 2 مليار جنيه خاصة أن نظام السداد يمثل عبئا كبيرا علي الأسر المتوسطة ومحدودة الدخل مع توقعات بأن نواجه بعض الركود في المستقبل القريب إلا انهم استبعدوا أن تهدد الأزمة الأمريكية السوق المصري وذلك للفرق الواضح بين السوقين ولأننا في مصر مازلنا في المراحل الأولي والأساسية لهذه السوق. فكر غير تقليدي في البداية يري د. عصام خليفة عضو منتدب لشركة الأهلي لصناديق الاستثمار أن مشكلات التمويل العقاري تحتاج إلي فكر غير تقليدي من أجل توفير تكلفة رخيصة لتخفيض تكلفة الإنشاء بالإضافة إلي الاستفادة من تجارب الأسواق الناشئة المماثلة للسوق المصرية في هذا المجال حيث إنه من المفترض أن يكون هناك دعم للوحدات السكنية منخفضة التكاليف من خلال ضريبة يتم فرضها علي الوحدات السكنية الفاخرة بالإضافة إلي فرض رسوم علي نشاط الشركات العقارية تخصص للتمويل العقاري.. مشيرا إلي أنه من المفترض أن تكون الفائدة مناسبة ورخيصة. ويري معتصم الشهيدي محلل مالي أن الأسواق العربية لا يوجد بها رهن عقاري بالمعني المعروف في السوق الأمريكي لذلك لن نجد تأثيرا مباشرا علي تلك الأسواق سوي بخروج بعض الأجانب برؤوس أموالهم لوجود مشكلات في أسواقهم المحلية بالإضافة إلي أن السوق المصري قد وصل إلي طفرة هائلة في أسعار العقارات والأراضي لدرجة تجاوزت الحد المسموح به الأمر الذي يقلل من فرص نجاح التمويل العقاري المصري في المستقبل القريب. نشاط كبير أضاف أن السوق المصري شهد خلال عام 2007 اقبالا كبيرا من قبل المستثمرين الأجانب والعرب للاستثمار في هذا المجال مما ساعد علي ارتفاع الأسعار بصورة مبالغ فيها صاحبته حالة من التشبع بمعني أن هناك من استطاع الشراء في حين يوجد العديد لا يقدرون علي الشراء بهذه الأسعار. ويشير إلي أنه من المستبعد أن تحدث أزمة مماثلة لما حدث في السوق الأمريكي خاصة اننا سوق "وليد" مازال يخطو خطواته الأولي. من ناحية أخراي تري عنايات النجار استشاري الأوراق المالية أن بعض صناديق الاستثمار العربية التي كانت تستثمر أموالها في السوق الأمريكي منيت بخسائر في حين أن الأسواق العربية نفسها سوف تستفيد من هذه الأزمة وذلك لاتجاه تلك الاستثمارات إليها. وعن وجود نظام رهن عقاري قوي في ظل الارتفاع الملحوظ لأسعار العقارات والأراضي أكدت أن الأسعار لن تتراجع بالصورة التي يرجوها الناس في حين أن هناك طلباً عليها بتلك الأسعار من مستثمرين عرب وأجانب وأشارت إلي أن "العقار يمرض ولا يموت" والدليل أن المستثمرين الخليجيين يأتون إلي السوق المصري بفوائض وسيولة ضخمة مشيرة إلي أن نسب المكاسب من وراء الاستثمار العقاري في مصر مرتفعة وموجودة بالفعل علي المدي القريب. من جانبه يؤكد د. أسامة الأنصاري استشاري سوق المال أن مستقبل التمويل العقاري لابد أن يتحقق بعدة عوامل أهمها انخفاض اسعار العقارات بالإضافة إلي مد فترة السداد بما يسمح للمنتفعين من الأستفادة من هذا النظام مع مراعاة دخولهم الشهرية حتي لا تحدث أي مشكلات مستقبلية ناتجة عن التعثر في السداد مثلما حدث في أزمة الرهن العقاري الأمريكي والتي بدأت بعجز المنتفعين عن السداد. أضاف د. أسامة أن أسلوب التمويل العقاري الأمريكي يشبه إلي حد كبير الأسلوب المتبع في جميع أسواق العالم حيث تقوم شركات التمويل العقاري بتوريق الديون العقارية وتطرحها كبضاعة في سوق السندات وفي صورة "صناديق تحوط" مشيراً إلي أن هذه العوامل أدت إلي نقص السيولة العالمية ورفعت أسعار الفائدة علي القروض مما أدي إلي انفجار تلك الأزمة مؤكداً أن كل هذه العوامل بمثابة دروس مستفادة يجب وضعها في الاعتبار. يقول د. محمد الصهرجتي عضو مجلس إدارة شركة الرشاد لإدارة صناديق الاستثمار أن هناك مخاوف من أزمة الرهن العقاري الأمريكي ومدي تأثيرها علي سوق التمويل المصري وما تركته من آثار سلبية علي جميع أسواق العالم إلا أنه يمكن القول إنه من المستبعد أن تطول الأزمة سوق التمويل العقاري المصري لأسباب متعددة أهمها الفرق الواضح بين السوقين سواء من ناحية الأداء أو السيولة فنحن مبتدئون نمتلك سوقاً حجمه 2 مليار جنيه. إلا أنه طالب بضرورة النظر إلي هذه المشكلة العالمية ودراستها جيداً للاستفادة من الأخطاء التي حدثت فيها ومحاولة تلافيها وطالب د. الصهرجتي بضرورة التعرف علي متطلبات هذا السوق وطبيعة العملاء واحتياجاتهم ومدي قدرتهم علي السداد في الوقت المحدد ومراعاة معياري الدخل وأسعار العقارات وذلك إذا ما أردنا أن يكتب لسوق التمويل العقاري المصري النجاح. ومع نهاية عام 2007 الذي ولدت فيه الأزمة وبداية عام جديد يتوقع المحللون بطء النمو الاقتصادي لعام 2008 في ظل استمرار انهيارات القطاع العقاري في انحاء مختلفة من العالم وربما الدخول أيضاً في حالة من الركود التضخمي.