تحمل فكرة اتجاه الدولة نحو التمويل المحلى جمع أبناء الأمة على مشروع قومى واحد يستهدفونه ويكون بارقة أمل للمستقبل وجاءت أولى خطوات الفكرة من خلال مشروع تنمية إقليم قناة السويس بهدف تحويل الاقليم ليكون العاصمة الاقتصادية لمصر ومن المقرر إنهاء الركائز الأساسية له قبل نهاية عام 2015، بحيث ينتهى العمل فى المشروع بالكامل عام 2022، وتعتمد اهمية هذا المشروع على اهمية قناة السويس ووجود مصر فى قلب سوق التجارة العالمية، وكانت تصريحات الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء محددة بشأن تمويل المشروع إذ فضلت الحكومة أن تمتد يد أبناء الوطن لتمويل المشروع مع تحديد نسبة مساهمة رأس المال الأجنبى فى المشروع الذى يوجه للخدمات اللوجستية. من هنا جاءت فكرة السندات الشعبية لتمويل مشروع تنمية اقليم قناة السويس، السندات وهى لمن لا يعرف وسيلة دين على الحكومة أو الجهة التى تصدرها، ولها نوعان من العائد إما ثابت وإما متغير ولها عمر محدد بعدد من السنوات يأخذ بعدها حامل السند قيمة السند كاملة إضافة إلى العوائد، وقد فضلت الحكومة الاتجاه نحو استخدامها أملا فى جمع مبالغ مالية لتمويل المشروع بعيدا عن البنوك التى قد تبالغ فى فوائدها ولها ايضا هدف قومى باستعادة روح المشروعات القومية الكبرى والطرق على أبواب الوطنية والانتماء لدى المواطن المصرى كل هذه الاهداف لا يختلف عليها احد ولكن الاسئلة التى قد تقفز إلى ذهن القارئ عندما يتصفح تصريحات الحكومة فى هذا الشأن كثيرة منها هل تكفى سندات الشعب لتمويل مشروع ضخم يحتاج إلى 120 مليار جنيه تقريبا لإتمامه؟ وما هى ضمانات هذه السندات؟ وكيف تدار وتحدد مسألة الفائدة هل تكون ثابتة فيخرج البعض الى منطقة الربا ويرفضون هذا التمويل أم ذات عائد متغير؟ وهل يتم طرح السندات فى البورصة؟ تلك الاسئلة وغيرها حاولنا من خلال التحقيق التالى الاجابة عنها: بداية اتخذت الحكومة بالفعل الاجراءات التنفيذية لطرح هذه السندات من خلال تشكيل فريق استشارى برئاسة الدكتور عصام شرف يقوم باعداد الاطار القانونى اللازم للمشروع والعمل على تحديد اسس اختيار الشركات المشاركة فى المشروع مع تقدم 11 شركة من الشركات الكبرى لانشاء مصانع فى وادى التكنولوجيا، وهنا يقول الدكتور حسن عودة الاستاذ بالجامعة الالمانية بالقاهرة وخبير الموازنات ان نجاح مشروع السندات الشعبية يتوقف على عدة عوامل منها مدى مصداقية الحكومة عند الشعب فهل هناك ثقة متبادلة بين الحكومة الحالية والشعب تتمكن من تغطية طرح السندات الشعبية التى من المقرر ان تصدرها؟ موضحا ان هذه الثقة تتحدد بأمر هام وهو مدى اهمية المشروع القومية ومشاركة الناس فى هذه الاهمية وبالتالى اقتناع المواطن أمر هام. الامر الثانى لو فرضنا ان الثقة موجودة بالفعل والمواطنون يشعرون بالمسئولية تجاه بلدهم فان العائد على السند يجب ان يكون اعلى من سعر الفائدة فى البنوك حتى يجذب الناس لتفضيل السند على الاوعية الادخارية المختلفة بالبنوك لان دافع المكسب والاستثمار يجب ان يتوازى مع الدوافع القومية الاخرى، الأمر الثالث ان الحكومة عليها ان تقوم بالتوعية اللازمة لاهمية مشاركة الشعب فى تطوير البلد وان مشروعاتنا لن يبنيها غيرنا وذلك من خلال حملة توعية كبيرة. وأشار د. حسن عودة الى ان الحكومة استنفدت كل طرق الاستدانة المحلية والخارجية وليس امامها الا طريق المشاركة الشعبية الذى يحتاج الى شفافية كاملة وعلينا ان نعلم ان الدين المحلى الداخلى الذى بلغ تريليونا ونصف بالاضافة الى استخدام اموال التأمينات واستثمارها وهى حوالى 500 مليار جنيه يجعلنا نعلم ان الموارد لا تكفى وان خدمة هذه الديون وعبئها يتفاقم يوما بعد يوم، لابد من ايجاد حلول جذرية، واضاف د. عود ان هناك مشكلتين سوف يتعرض لهما هذا المشروع أولاهما انعدام الثقة فيما تقوله الحكومة وما تنفذه لان الناس تشعر انه لا يوجد تغيير فى سياسة الدولة، والثانية طريقة احتساب الفائدة على السندات وكيف يصرف حامل السند فوائده عنه، هل بطريقة شهرية أو ربع سنوية أو سنوية وطريقة تداول السند هل هو عن طريق البورصة أم عن طريق البنوك وبشكل اسمى مثلا كلها امور يجب ان تذكرها الحكومة وبشفافية حتى يكون لدى المواطن إرادة فى تنفيذ واتمام هذا المشروع وبسرعة بالاضافة الى وضع رؤية اقتصادية عامة للبلد ووضع جدول زمنى لتنفيذها. تتفق الدكتورة أمنية حلمى رئيس المركزى المصرى للدراسات الاقتصادية مع هذا الرأى موضحة ان المشاركة الشعبية وحدها غير كافية لاتمام المشروعات الكبرى خاصة اذا كان مشروع بحجم اقليم قناة السويس وما يحتاجه من تمويل ضخم، واضافت د. أمنية أن السند نفسه يحتاج الى ضمانات حتى لا يتملكه من لا نرغب، موضحة ان الثقة فيما تفعله الحكومة اهم اسس المشاركة فى هذا المشروع الضخم، وهذه الثقة لن تأتى الا بوجود رؤية اقتصادية شاملة وشفافية ومحاسبة فعلى سبيل المثال تم جمع العديد من التبرعات بعد ثورة يناير لم يفصح عن مكانها وكيف أنفقت أين ذهبت فالثقة والمساءلة والشفافية اهم عناصر نجاح اى مشروع قومى فمثلا فى الستينيات كنا نقوم بجمع تبرعات للمجهود الحربى وكان الشعب المصرى كله يشارك فى حملات التبرع إيمانا منه بدور القوات المسلحة من جهة، ولاننا كنا نعلم ان هذه التبرعات سوف تذهب فى مكانها بلا شك، واشارت الى ان قضية السندات تحتاج الى توعية لان السند غالبا ما يكون طويل الاجل خاصة فى المشروعات الكبرى التى تحتاج لسنوات حتى تتم فهى ليست مدخرات قصيرة الاجل فالتوعية هى اساس نجاح خطة الدولة بشأن هذا المشروع. يخالف الدكتور سعيد عبدالمنعم أستاذ المحاسبة بجامعة عين شمس هذا الرأى لانه يرى ان السندات لا يمكنها ان تغطى تكلفة مشروعات ضخمة والتمويل الخارجى له اعباء وفوائد ديون كبيرة مصر فى غنى عنها الان وكان علينا ان نتجه أولا إلى رجال الاعمال المصريين للمشاركة فى المشروع بحثا عن التمويل من خلال الاقتراض منهم او مساهمتهم فى المشروع جنبا الى جنب مع السندات الشعبية، واذا كان رجال الاخوان يبحثون عن مكان لهم فى الشارع المصرى فعليهم ان يبدأوا بأنفسهم ويقوموا بالتبرع للاقتصاد والمشاركة فى مشروعاته فهذه هى الوطنية وابسط قواعد الانتماء، مشيرا الى ان الوضع الاقتصادى اصبح خطيرا بالفعل فى ظل عجز موازنة مرشح لان يكون 200 مليار جنيه وتعطل للانتاج وثقة مفقودة من قبل المواطن فى الحكومة فالامر شديد الصعوبة والتعقيد. والشق الآخر فى قضية طرح السندات الشعبية كما يقول الدكتور عبدالمنعم التهامى استاذ الاستثمار والتمويل بجامعة القاهرة خاص بتداول هذه السندات حال تغطيتها فى سوق الاوراق المالية حيث يرى ان دخول ادوات مختلفة فى سوق الاوراق المالية واعادة تنشيطها مثل السندات من المؤكد انه سوف يساهم فى انتعاش البورصة والتداول بها، موضحا ان الاساس فى قضية السند الشعبى هو نجاح الطرح لان فشل الطرح سوف يؤدى الى انهيار الفكرة من الاساس والبعد عنها فى المستقبل نظرا لفقدان المواطن الثقة فى كثير من تصريحات الحكومة ووعودها، موضحا ان الدور الاكبر فى نجاح السندات الشعبية يرجع الى الحكومة وحزب الحرية والعدالة فى التمهيد والاعلان عنه بالشكل اللائق والمناسب بحيث يفهم المواطن اهمية شراء السند وماذا يعنى وما هو العائد المعنوى والمادى الذى سوف يحصله من الدخول فى السندات الشعبية. واذا كانت السندات الشعبية المزمع التعامل بها من اجل مشروع اقليم قناة السويس تمثل آلية للتمويل فان السندات بصفة عامة فرضت نفسها على الساحة مؤخرا كوسيلة هامة لسد عجز الموازنة وكانت السندات فى ظل النظام السابق وقبل ان يصل حجم الدين المحلى الى هذا الحد من التضخم مرشحة لان تكون سوقا منظما من خلال ادخال تعديلات تمكن الشخصيات الاعتبارية العامة والخاصة بإصدار سندات لتمويل توسعات فى النشاط الاقتصادى. وأبرز ما يقدمه التوسع فى اصدار السندات بصفة عامة هو القدرة على عبور التقلبات القصيرة الاجل ارتفاعا وهبوطا فيتم طرح السند بسعر عائد ملائم كما يقول نشأت عبدالعزيز الخبير المصرف، موضحا ان مشروعات البنية الاساسية العملاقة عادة لا يصح تمويلها بأدوات دين قصيرة الاجل وبالتالى فان تعدد الآجال يوفر وسائل مناسبة للتمويل فكل عام تحتاج الحكومة الى ما بين 20 إلى 30 مليار جنيه لتمويل مشروعات ولا يجوز فى هذه الحالة الاعتماد على السندات القصيرة الاجل. أضاف أن فكرة الاعتماد على السندات فى تمويل المشروعات فكرة جيدة تحتاج إلى تنفيذ جيد وخبرة فى الأداء وإعلان مسبق من قبل الحكومة للأفراد .