مصر تعرضت لمؤامرات دولية لإسقاطها وكنا على وشك الإفلاس يكتسب الحوار مع محمد يونس رئيس مجموعة "كونكورد" الدولية للاستثمارات أهمية خاصة باعتباره رئيسا لأول شركة فى مصر لإدارة صناديق الاستثمار عام 1994 بعد إعادة افتتاح البورصة المصرية، وهو ما منحه خبرات نتجت عن تجارب امتدت لعقود من السنوات. وفى الحوار الذى ينشره "الاقتصادى" على جزءين تحدث يونس فى الجزء الأول عن أبرز التطورات التى شهدها الاقتصاد منذ البدء فى تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى وكيفية تخطى مصر للمؤامرات التى أحيكت لإسقاطها وكيف أفلتت من براثن الإفلاس وبدأت فى السير بخطوات ثابتة نحو المستقبل. ويؤكد يونس أن حجم الإنجازات المحقق خلال السنوات الأربع الماضية على جميع الأصعدة يعتبر معجزة بما تحمله الكلمة من معان، وهو ما ظهر جليا فى القضاء على مشكلات النقد الأجنبى بعد تحرير سعر الصرف وزيادة الاحتياطى النقدى من العملات الاجنبية لمعدلات فاقت ما قبل ثورة يناير وتراجع العجز فى الميزان التجارى وتحسن مؤشرات الأداء الاقتصادى بشكل عام. ويشدد رئيس «كونكورد» على أن قرار تحرير سعر الصرف كان تاريخيا وطال انتظاره، ويحسب للمحافظ اتخاذ هذا القرار حيث لم يكن سهلا على اى شخص آخر اتخاذه بعد ان عشنا لعقود طويلة دافعت خلالها قيادات "المركزى" عن سعر الصرف وحددته بقيم غير حقيقية، وهو ما دفعنا ثمنه باهظا من خلال استنزاف احتياطيات النقد الاجنبى وموارد العملة الصعبة. وفى الحلقة الثانية يكشف يونس خطط المجموعة المستقبلية ورؤية دوائر المال والأعمال الأجنبية لمناخ الاستثمار فى مصر وأبرز القطاعات الجاذبة لرءوس الأموال محليا وأجنبيا إلى جانب تسليط الضوء على الطروحات الحكومية المرتقبة بالبورصة كما يتحدث عن كواليس صفقة بيع شركة بسكو مصر وتوقعاته لعدد من المؤشرات الاقتصادية المهمة كالتضخم وسعر الصرف ومعدلات الفائدة.
تحرير سعر الصرف قرار جرىء حطم تابوهات خاطئة سيطرت على الاقتصاد خلال 30 عاما طارق عامر شخصية قوية ويمتلك رؤية ولم يكن سهلا على أى شخص آخر اتخاذ قرار «التعويم » تعرضنا لأفكار مسمومة خلال 50 سنة بأن مصر بلد زراعى وأن المصريين يختلفون عن جميع سكان العالم • بداية كيف تقرأ التطورات الأخيرة فى ضوء التقارير الدولية عن الاقتصاد ومؤشرات الأداء خلال الفترة الماضية؟ التقارير المحلية والدولية ترصد تطورا إيجابيا فى الأداء الاقتصادى منذ البدء فى تنفيذ برنامج الإصلاح الطموح، فما يحدث حاليا من إصلاح يعد بمثابة تصحيح لأخطاء 50 عاما دفعت البلاد ثمنه غاليا من تخلف عن ركب التقدم والتطور نتيجة لتراكمات وعقائد فلسفية خاطئة فى النظام الاقتصادى سواء فى النظام الاشتراكى وهو ما نتجت عنه أفكار مغلوطة قد نسميها مجازا بالأفكار "المسمومة " ظهرت بشكل واضح فى مفارقتين غريبتين، وهما أن مصر بلد زراعى لزراعة المحاصيل وليست بلدا صناعيا أو تجاريا وهو أمر تسبب فى خراب مصر لعقود طويلة، فرغم النمو المتزايد فى عدد السكان الذى تخطى ال100 مليون فإن حجم الرقعة الزراعية لم يتجاوز المساحة التى كانت تخدم 4 ملايين مصرى فى 1854 بل إنها فى تناقص مستمر نتيجة الزحف العمرانى على هذه الرقعة، إلى جانب المفارقة الغريبة التى تم إرساؤها فى أذهان المصريين وهى أنهم يختلفون عن باقى سكان العالم لا لشىء سوى أنهم مصريون فقط، وأن أى تجارب للتغيير أو الإصلاح أو النقل عن دول العالم لن تنجح فى مصر لأننا وببساطة نختلف عن الآخرين وهو أمر غير منطقى ولا يمت للواقع بصلة، ولذلك تخلفنا لعقود طويلة عن ركب التقدم والتطور، إلا أننا ومنذ أربع سنوات فقط حدثت فى مصر معجزة بما تحمله الكلمة من معان فقد كنا على وشك الإفلاس نتيجة وجود مخططات دولية لتدمير مصر ومنعها من الوقوف مرة أخرى على أقدامها لصالح دول عظمى وقوى إقليمية ترى فى قوة مصر تهديدا مباشرا لمصالحها ومستقبلها. • ولماذا اخترت مصطلح "معجزة" لوصف ما تم تحقيقه من إنجازات مؤخرا؟ لفظ معجزة هو أقل ما يوصف به ما تم تحقيقه من تطورات وإنجازات فى وسط محاولات مستميتة من أنظمة ودول كبرى لخنق مصر وتركيعها بل كان هناك إجماع على عدم خروج مصر من أزمتها الاقتصادية بقيادة دول وتحالفات كبيرة، لأن مصر الضعيفة كانت هدفهم الرئيسى وكانت هناك رغبة قوية فى التمكين لحكم الإخوان بهدف تطبيق نظريات تقسيم الدول العربية والشرق الأوسط الجديد، ولكن القيادة الواعية تصدت لهذه المؤامرات بل استطاعت أن تخرج من هذه المؤامرات أقوى من ذى قبل بعد أن كنا على وشك إعلان إفلاس مصر ليصبح هناك عدد من المؤشرات الإيجابية أهمها تحقيق فائض أولى فى الموازنة وتراجع التضخم والبطالة وارتفاع حجم الاحتياطى من النقد الأجنبى وتراجع العجز فى الموازنة العامة للدولة. • البعض يرى أن الوقت الحالى ليس مناسبا لتنفيذ المشروعات العملاقة والخاصة بالبنية التحتية، فما رأيكم فى ذلك؟ أنا لا أوافقهم الرأى، فأمريكا عندما تعرضت للأزمة الاقتصادية العالمية الطاحنة فى 1928 أو ما اصطلح على تسميته أزمة الكساد الكبير اتجهت نحو مشروعات البنية التحتية العملاقة، وأنشأت شبكات من الطرق حتى إن الدولة وفرت للموظفين من المحامين والمحاسبين وغيرهم وظائف فى هذه المشروعات كعمال وفنيين حتى استطاعت أن تخرج من كبوتها، ولذلك فنحن فى مصر كان لابد من الاتجاه نحو تنفيذ هذه المشروعات التى تستوعب العاطلين عن العمل، كما أنها تسهم فى توفير البنية التحتية للمشروعات التى بدونها لن يكون هناك استثمار محلى أو أجنبى، وفى اعتقادى أننا أمامنا 3 أو 4 سنوات حتى يتمكن الاقتصاد خلالها من الانطلاق وتحقيق طموحات المواطن. • وهل نحن بحاجة إلى استصدار تشريعات جديدة أو استكمال تطوير القائم منها لتهيئة الاقتصاد للانطلاق بالتزامن مع تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى؟ لدينا غابة من القوانين فى مصر ولا نحتاج إلى المزيد منها بل كل ما نحتاج إليه هو إعادة بناء الإنسان، فهناك تشريعات كثيرة غير مفعلة بل إنها تعرقل تنفيذ الأعمال وتعطل تنفيذ غيرها من القوانين، فالقوانين سنت للتسهيل وليس للمنع وبالنظر إلى قضية مثل التعليم على سبيل المثال فلابد هنا من التأكيد على أن فتح المجال أمام القطاع الخاص مع وضع ضوابط وتشريعات صارمة لذلك قد يكون أحد الحلول لمواجهة مشكلات التعليم، كما أن التجاوزات التى قد تحدث يمكن مواجهتها والتصدى لها، ولاحظنا جميعا التطورات الأخيرة التى شهدها هذا الملف وفتح المجال أمام الجامعات الأجنبية للدخول للسوق المصرى وتشجيع الطلاب على الالتحاق بها، ويكفينا أن نعلم أن روسيا منشأ الاشتراكية لا يوجد بها تعليم مجانى بعكس الحال فى مصر التى تنتهج هذه السياسة الخاطئة، فمجانية التعليم تقضى عليه بل يتضرر منها بشكل أساسى المواطن الفقير الذى يجد أبناءه أمام نظام تعليمى قائم على الحشو والتلقين دون إبداع أو تطوير أو اهتمام بالنواحى الفكرية والإبداعية لدى الطلاب، كما أن الاهتمام بالتعليم الفنى يعد أحد أهم آليات إصلاح المنظومة التعليمية فى مصر، ويمكننا الاستفادة من التجارب العالمية والمؤسسات ذات الخبرة فى هذا المجال باعتباره أحد دعائم نهضة وقوة الصناعة. • وكيف تقيم الاعتماد على الاقتراض الخارجى لمواجهة عجز الموازنة فى ظل وجود تقارير دولية تؤكد حتمية اعتمادنا على الأسواق الخارجية لتدبير احتياجاتنا لسد العجز بالنظر إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض المحلى؟ لا يوجد مفر من الاقتراض الخارجى حاليا، فنحن بحاجة إلى وقت ليس قصيرا لظهور نتائج الإصلاح قد تمتد لفترة 4 سنوات حتى يصل الاقتصاد إلى نقطة التعادل، ومن ثم يمكن الاعتماد على المصادر الذاتية من الدخل ودوران عجلة الإنتاج وتقليص الاعتماد على الاقتراض الخارجى، ولكن ما يمكن تنفيذه حاليا هو الاعتماد على الاقتراض طويل الأجل ومد آجال الاقتراض واستبدال القروض قصيرة الأجل بآجال طويلة تمتد حتى20 سنة أو أكثر، ولابد من النظر إلى عنصر المنافسة مع دول الأسواق الناشئة التى تعرض فائدة مرتفعة كالأرجنتين وتركيا وهو الأمر الذى جعل الأنظار تتجه لهذه الأسواق نسبيا على حساب مصر، فهذا لا يعنى أن وضعنا سيئ أو تأخر ولكن عنصر المنافسة كان فى صالح أسواق مثل تركيا والأرجنتين. • وهل تعتقد أن التغيرات العالمية وارتفاع الفائدة على الدولار والمنافسة مع الأسواق الناشئة ستؤثر فى الطرح المقبل للسندات الخارجية؟ من المتوقع أن يؤثر ذلك فى الإقبال على هذه السندات ويقلص طلبات الاكتتاب وكذلك قد يرفع الفائدة على هذه السندات رغم التحسن الملحوظ فى الأداء الاقتصادى والمؤشرات الإيجابية التى يتميز بها السوق المصرى مقارنة بالأسواق الخارجية. • وهل وصول الدين الخارجى إلى المعدلات الحالية أمر مقلق بالنسبة لك؟ ليس مقلقا بالنسبة لى فلا يزال فى الحدود الآمنة، فنسبة الأقساط الخاصة بالقروض الخارجية قياسا بالصادرات إيجابية، كما أن حجم الأقساط مقارنة بتحويلات المصريين بالخارج يؤكد أن الدين الخارجى فى الحدود الآمنة، كذلك فمن ضمن الإيجابيات التى حدثت مؤخرا هى طريقة اختيارنا للقيادات، وأقصد هنا البنك المركزى الذى أصبح لأول مرة يتولى قيادته شخص ذو رؤية ولديه قدرة على اتخاذ القرارات الحاسمة المتعلقة بمستقبل الاقتصاد، فبعد أن عشنا طوال 30 سنة وضعت فيها قيادات البنك المركزى تحديد سعر الصرف كخط أحمر لا يجوز الاقتراب منه بل إنها قصرت السياسة النقدية على حماية سعر الصرف والدفاع المستميت عن العملة فى وقت تغيرت فيه أسعار صرف العملات عالميا كثيرا وتغيرت فيه مجريات حركة التجارة والاقتصاد والاستثمار حول العالم، ورغم ذلك فقد ظلت القيادات السابقة تضع تحديد سعر للصرف بمثابة هدف لا يمكن أن تحيد عنه ولكن يحسب لمحافظ البنك المركزى طارق عامر صاحب القرار الجرىء بتحرير سعر الصرف تحرير الاقتصاد من جميع السياسات المكبلة للاقتصاد خاصة أننا دفعنا ثمن أخطاء القيادات السابقة وتمسكها بالدفاع عن العملة من احتياطاتنا من العملة الأجنبية، ولم تكن هذه القيادات تعلم أن المشكلة ليست فى سعر الصرف وإنما فى وجود النقد الأجنبى وإتاحته للجميع، فلمَ التمسك بسعر ثابت وغير حقيقى للعملة فى وقت يتغير فيه سعر العملات عالميا وفقا لآليات العرض والطلب حتى أصبحت هذه الرواسب والسياسات العقيمة بمثابة عقيدة عند هؤلاء الأشخاص، ولكن بعد اتخاذ قرار تحرير سعر الصرف حدث تغير جذرى فى الميزان التجارى ومن ثم التحسن فى فوائض النقد الأجنبى. • وكيف تقيم أداء السياسة النقدية؟ وهل يتم حاليا التنسيق بين السياسات المالية والنقدية؟ السياسة النقدية نجحت فى تحقيق أهدافها وحاصرت التضخم، وكذلك أسهمت فى استقرار سعر الصرف، كما أن الغياب فى التنسيق بين السياستين النقدية والمالية انخفض بشكل كبير ولم يعد هناك صراع وتنافر بين السياستين كما كان فى السابق، ولابد من التشديد هنا على قوة الجهاز المصرفى بعد تطبيق برنامج الإصلاح المصرفى، كما أن قرار تحرير سعر الصرف لم يكن يجرؤ أحد على اتخاذه سوى طارق عامر لأنه شخصية جريئة وبدون الجرأة القائمة على الفهم لم يكن بمقدور أحد اتخاذه بعكس القيادات السابقة التى كانت تخشى الإصلاح وفاتورته وكانت تفضل بقاء الوضع على ما هو عليه، وعلينا أن نتخلص من الأخطاء والمشكلات المتراكمة وتضليل القيادة وإيهامها بأن الأمور تسير على ما يرام، وهناك مشكلات خطيرة نعانى منها دون حلول جذرية، مما يتطلب تفعيل مبادئ الشفافية والتدقيق فى المعلومات وعلى سبيل المثال هناك أزمة لا أجد لها تفسيرا مثل نشر الميزانيات ونتائج الأعمال بالجرائد ببنط لا يمكن قراءته ولو بالعدسة المكبرة لتفعيل القانون الذى يقضى بنشر الميزانيات فى الجرائد اليومية واسعة الانتشار وإن كان البنط الذى يتم النشر به غير صالح للقراءة ولا يمكن لمساهمى الشركة أو البنك الذى يفصح عن أعماله قراءة هذه البيانات أو حتى القارئ العادى، وهو أمر يتطلب تدخل الرقابة المالية لإعمال القانون فى النشر دون أن تؤدى الغرض الأساسى منها وهى توضيح المعلومة وهو أمر يجب أن تتم مراعاته حتى لا يكون الغرض فقط هو الإعلان وليس الإعلام وإيصال المعلومة للمساهم أو المهتمين بالإعلان، بالإضافة إلى ذلك توجد مشكلة خطيرة أخرى تتعلق بالتناول الإعلامى لأخبار البورصة، فنجد بشكل دائم خبرا متكررا بعنوان «البورصة تخسر» وهو أمر غير صحيح، فهذه الخسائر بمثابة خسائر ورقية وليست تعبيرا حقيقيا عن خسارة فعلية تقضى بأن المستثمرين خسروا فعليا، كما أن حقيقة الأمر تعنى أن المؤشر يصعد وينخفض على غرار ما يتم تداوله إعلاميا، لذلك فالتناول الإعلامى مع تغيرات مؤشر البورصة يحتاج إلى إعادة نظر. • وكيف تقيم الأداء الاقتصادى؟ وهل ترى أنه يسير على الطريق الصحيح أم لديك ملاحظات حول ذلك؟ نحن نسير على الطريق الصحيح، ومؤشرات الأداء الاقتصادى فى تحسن ملحوظ، والشركات بدأت فعليا فى تحقيق أرباح وارتفعت معدلات أدائها، وتجدر بنا الإشارة إلى أننا قادرون على إنتاج جميع الصناعات المختلفة ولدينا مصانع تشبه المصانع الأوروبية ولكن الإدارة هى التى تحتاج إلى ضبط وتعديل فى كثير من الشركات والمصانع، وهناك شركات ومؤسسات كثيرة تدرس الاستثمار فى السوق المصرى بدليل أننا قمنا ضمن تحالف من مستثمرين أجانب بشراء "آمون للأدوية" مقابل 500 مليون دولار فى 2008 وتم بيع الشركة بمليار دولار منذ عامين لإحدى الشركات الأمريكية وهو ما يعنى أنها تضاعف ثمنها فى 7 سنوات.