على مدى العدديين الماضيين تناولنا مؤشرات الموازنة العامة الجديدة للعام المالى 2018/2019، وإذا كانت هى الموازنة الأكبر، وتمثل بداية مرحلة النمو والانتعاش الاقتصادى، بفضل التحسن فى مؤشرات الاقتصاد الكلى، ولا سيما مع نجاح السياسة النقدية فى كبح التضخم، وبداية تراجع الفائدة، ما يشجع على الاستثمار وانتعاش الأسواق، إضافة إلى التحسن فى مصادر النقد الأجنبى وفى مقدمتها قطاع السياحة الذى يكتسب أهمية ليس فقط لكونه مصدرا أساسيا للنقد الأجنبى ولكن كمحرك للنمو الاقتصادى لارتباط نحو 65 نشاطا اقتصاديا به، فى المقابل ثمة ملاحظات مهمة يمكن رصدها فيما يلى: أولا: ارتفاع فوائد خدمة الدين حيث تسجل 38% من إجمالى المصروفات بعد أن ارتفعت إلى 541.3مليار جنيه تمثل 10.3% من الناتج المحلي الاجمالي مقارنة بنحو 381 مليار فى موازنة العام الحالى، بزيادة 160.3 مليار جنيه وبنسبة 42% عن العام الحالي ، وهو بلا شك أمر يستوجب اتخاذ الإجراءات المناسبة والرشيدة لمواجهة تفاقم هذا البند، ولا سيما أنه بإضافة أقساط الدين العام فإن المبلغ يقفز إلى نحو 760 مليار جنيه، أى 75% من إجمالى الإيرادات المتوقعة. ثانيا: ارتفاع الدين الخارجى ليصل إلى نحو 86 مليار دولار، بما يتجاوز 40% من الناتج المحلى الإجمالى، بما يلفت الانتباه حيث ستتحمل الموازنة العامة الجديدة نحو 31.1 مليار جنيه فوائد، ولعل ما يطمئن -نسبيا- فى هذا الأمر هو وجود إدارة متخصصة بالبنك المركزى مسئولة عن إدارة هذا الملف، حيث تعمل على استبدال الديون قصيرة الأجل ذات العائد المرتفع بطويلة الأجل بعائد أفضل بالاستفادة من التطورات الإيجابية فى الأداء الاقتصادى. ثالثا: الإيرادات المستهدفة رغم ان الموازنة العامة تستهدف زيادتها الي 989 مليار جنيه تضم الايرادات الضريبية والمنح بنحو 22%، فإن المنظومة الضريبية فى حاجة إلى تطوير شامل بما يرفع كفاءتها، وتوسيع قاعدة الممولين، وتحصيل الضريبة من أصحاب المهن الحرة، وابتكار الإجراءات الكفيلة بدمج القطاع غير الرسمى، وهو ما يمكن أن يضيف نحو 400 مليار جنيه إلى الإيرادات السيادية، بما يسهم بشكل كبير فى القضاء على عجز الموازنة، ويؤخذ فى الاعتبار أن الموازنة العامة الجديدة تستهدف رفع نسبة الحصيلة الضريبية لتصل إلى 14.5% من الناتج المحلى مقارنة ب14.2% فى العام الحالى، وهى نسبة نمو ضئيلة جدا، خاصة أن النمو خلال العامين الماضيين مصدره الأساسى يرجع إلى ضريبة القيمة المضافة. رابعا: رغم ارتفاع الاستثمارات الحكومية المستهدفة فى الموازنة العامة إلى 149 مليار جنيه مقابل 70 مليار هذا العام، 100 مليار جنيه منها سيتم تمويله من الموازنة العامة، فإن هذه الاستثمارات لا تزال ضئيلة، مقارنة بشبه توقف الاستثمار فى صيانة وتطوير كثير من البنية التحتية بمعظم المدن بما فيها القاهرة الكبرى، خاصة أعمال رصف الطرق وصيانتها. خامسا: ثبات المخصصات المالية للدعم وبرامج الحماية الاجتماعية عند 332.3 مليار جنيه تمثل 6.3 % من الناتج المحلي الاجمالي مقارنة بنحو 332.7 مليار جنيه بالعام الحالي تمثل 8.1% من الناتج المحلي الاجمالي بخفض 436 مليون جنيه منها 194 مليار جنيه للدعم السلعي، وهو مهم وجيد، حيث يأتى ضمن إعادة هيكلة الدعم، فرغم استهداف خفض الدعم على الوقود بنحو 21 مليار جنيه من 110 مليارات جنيه العام المالى الحالى إلى 89 مليار جنيه فى الموازنة الجديدة، وكذلك بالنسبة للدعم الموجه للكهرباء بخفضه بنحو 16 مليار جنيه، فإنه فى المقابل تستهدف الموازنة زيادة الدعم التموينى والنقدى لبرنامجى تكافل وكرامة، وهو أمر محمود لوصول الدعم إلى مستحقيه، وإن كان من الضرورى العمل لتخفيف حدة أعباء الإصلاح الاقتصادى على الطبقة متوسطة الدخل، التى ستزيد عليها التكلفة بشكل كبير خلال الفترة المقبلة، ولا سيما أنها الفئة الأكثر تضررا من رفع أسعار الوقود والكهرباء وما يستتبعه من ارتفاع فى أسعار السلع والخدمات، وفى مقدمتها المواصلات الخاصة ومصاريف المدارس والدروس الخصوصية التى تستنزف الجانب الأكبر من دخل تلك الفئة، خاصة أن رفع بند الأجور فى الموازنة العامة يدور حول 20 مليار جنيه ليصل بند الأجور إلى 266 مليار جنيه، وهى زيادة محدودة يستفيد منها الموظفون فى الجهاز الإدارى للدولة 5.4 مليون موظف، بما ينعكس سلبيا على أدائه.