قررت الحكومة اليابانية وضع برنامج مساعدات لمصر يهدف الى نقل المجتمع المصرى الى مجتمع تنافسى ومستقر اقتصاديا خلال خمس سنوات، كما أن هيئة التعاون الدولى اليابانية (الجايكا) لها برنامج يتعلق بالمعونة المالية والتعاون الفنى بين مصر واليابان لنقل التكنولوجيا اليابانية لمصر، اضافة الى القروض الميسرة، حيث قدمت اليابان لمصر قروضا بقيمة 5.5 مليار دولار لمساعدة مصر على تنفيذ مشروعات كبيرة لتطوير البنية التحتية الاقتصادية مثل محطة الزعفرانة لتوليد الطاقة من الرياح وتوسيع قناة السويس. --------- هذا ما صرح به ل «الاقتصادى» الدكتور أهايكو تناكا رئيس هيئة التعاون الدولى اليابانية «الجايكا» على هامش زيارته لمصر الأسبوع الماضى التى تعكس التغيير الواضح لنظرة العالم الى مصر بعد استقرار الاوضاع السياسية والاقتصادية، والاعلان عن عدد كبير من المشروعات العملاقة التى ستخدم العالم كله وليس مصر فقط ومن أهمها قناة السويس والمركز اللوجستى العالمى. وقال تناكا: إن رسالته الى مصر تؤكد أن اليابان - حكومة وشعبا - تتفهم التحدى الكبير الذى تواجهه مصر بعد الثورة وتتمنى بشدة أن تنجح فى تحقيق التنمية الشاملة التى تتوافق مع تطلعات شعبها خلال الخمس سنوات القادمة. وأضاف أن مصر واليابان لديهما تاريخ طويل من التعاون والاحترام والثقة المتبادلة فيما بينهما وتتمنى اليابان ان تكتمل هذه المسيرة من الصداقة بين البلدين، لذلك فان اليابان تبدى استعدادها الكامل لدعم الشعب المصرى لبناء بلده ونتوقع من مصر استكمال دورها القيادى فى منطقة الشرق الأوسط . وأعلن تناكا فى أول زيارة له الى مصر أن الحكومة اليابانية بصدد تصميم برنامج جديد للقروض الميسرة وزيادته بهدف خدمة الخطة التنموية للحكومة المصرية وأكد أن اليابان ترى أنه آن الآوان لرفع مستوى التعاون بين البلدين الذى كان قد تم تجميده بسبب اضطرابات الثورة فى مصر . وفى بداية حديثنا معه سألناه عن مشاركة ودعم اليابان للمؤتمر الاقتصادى المصرى المزمع عقده فى مارس المقبل فقال: إنهم سمعوا بهذا المؤتمر ويهتمون بالمشاركة الجدية ولكن المشاركة اليابانية ستعتمد على جدول أعمال المؤتمر لأنه سيتعارض مع مؤتمر كبير سيعقد فى اليابان «للحد من الكوارث» وذلك بحضور عدد من رؤساء الدول الكبرى وبرعاية الأممالمتحدة، لذلك لم يتقرر بعد شكل المشاركة اليابانية ولكننا نؤكد دعمنا الكامل للحكومة المصرية . وفيما يتعلق بالمشروعات العملاقة الجديدة التى أعلن عنها رئيس الجمهورية أكد الدكتور تناكا أن اليابان قدمت دعما كبيرا لقناة السويس بعد حرب 1973 و 800 مليون دولار كقروض ميسرة لتحسين كفاءة قناة السويس على مدار الثلاثين عاما الماضية. أما الحديث عن المشروعات المستقبلية لقناة السويس الجديدة فهى مازالت تحت الدراسة لأننا مازلنا فى مرحلة الاستماع لمقترحات الحكومة المصرية وأفكارها لرسم الصورة الكلية لمستقبل القناة الجديدة والمنطقة المحيطة بها ونوعية المشاركة فى دعم هذا المشروع. أما بخصوص المشروعات العملاقة الأخرى مثل المركز اللوجستى وتنمية الساحل الشمالى الغربى واستصلاح الأراضى فقال: إنه ليس لديه أى خطط ملموسة فى هذا الشأن حتى الآن ولكن الأولوية الكبرى للجايكا فى الوقت الحالى هى الانتهاء من خلق نظام جديد فى مصر لإعادة توزيع الطاقة بكفاءة للحد من إهدارها واستخدامها الاستخدام الأمثل وفى الوقت نفسه العمل على توسيع قاعدة العمل بنظام الطاقة الشمسية وتحسين النقل والمواصلات والمطارات وعندما تنتهى هذه البرامج التمويلية اليابانية فى مصر سنبدأ فى صياغة برامج جديدة لدعم خطط الحكومة التنموية الأخرى فى قناة السويس . وحول انطباعاته عن الحكومة المصرية الجديدة قال رئيس هيئة التعاون الدولى اليابانية: إنه رغم مرور 48 ساعة فقط على حضوره الى مصر ومقابلته رئيس مجلس الوزراء ووزراء التعاون الدولى والآثار والمالية فإنه لمس بنفسه طموح الحكومة المصرية الجديدة وجديتها فى العمل والتزامها بجميع الاتفاقيات الدولية وهذه عوامل مهمة جدا للنجاح والاحترافية . أما مقترحاته لمصر فقال: إن الحكومة لابد ان تدرس جميع المشروعات التنموية الجديدة بشكل شامل بحيث تختار كل منطقة تهدف الى تنميتها اقتصاديا ومدى ارتباطها بالاقتصاد العالمى: فمثلا قناة السويس الجديدة لها عائد اقتصادى كبير ولكن فى الوقت نفسه يجب ان تضع مصر فى اعتبارها ان هناك انكماشا فى منطقة الاتحاد الأوروبى وبالتالى هذا قد يؤثر على الطلب فى اوروبا الذى قد يشهد تراجعا على المدى الطويل مما سيؤثر على الحركة التجارية عبر قناة السويس، ولكن من ناحية أخرى هناك سوق واعدة فى إفريقيا جنوب الصحراء ولديها امكانيات هائلة لذلك يمكن للحكومة ان تفكر فى جلب عائد من أكثر مشروع تنموى، وأضاف ان الجايكا أمدت الحكومة بعدد من المشروعات التنموية المتوسطة الأجل منذ بداية المعونة اليابانية لمصر . واستطرد قائلا: إن الجايكا تحترم وتقدر خطط التنمية فى مصر وتقدر القضايا الهامة فى المجتمع لذلك قررت الحكومة اليابانية وضع برنامج مساعدات لمصر يعمل على ثلاثة محاور رئيسية ويتضمن الأول تحقيق التنمية المستدامة وخلق فرص العمل من خلال تحسين مناخ الاقتصاد والاستثمار ونشر ثقافة التصدير والتنمية الصناعية وتطبيق المعايير البيئية المطلوبة، أما المحور الثانى فهو محاربة الفقر وتحسين مستوى المعيشة وذلك من خلال تحسين مستوى الخدمات العامة فى المجتمع وتوزيعها على مستوى الجمهورية وتنمية الزراعة والمجتمع الريفى بالاضافة الى تحقيق العدالة الاجتماعية . أما المحور الثالث فهو سياسى أكثر منه اقتصادى، لأنه يتعلق بنشر الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط نظرا لما تمتاز به مصر من دور قيادى فى المنطقة . وأشار تناكا الى أن برنامج الجايكا فى مصر ينقسم الى ثلاثة أجزاء الأول يتعلق بالمعونة المالية موضحا أنها ليست قيمة ثابتة سنويا، ولكنها تتغير حسب المشروع المطروح فالجايكا قدمت لمصر معونة لتطوير مستشفى الكبد بجامعة القاهرة والأوبرا المصرية ونظاما لتوصيل المياه وتطوير الصرف الحى بمحافظة الجيزة وكوبرى قناة السويس ووضع نظام للتخلص من النفايات بمحافظة الاسكندرية ليصل إجمالى المعونة فى العام المالى اليابانى 2013 الى 1.6 مليار دولار . أما الجزء الثانى من البرنامج فيتعلق بالتعاون الفنى بين البلدين لنقل التكنولوجيا اليابانية الى مصر ومن أهم مشروعات الجانب الفنى إنشاء الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا وهو المشروع الذى تهدف منه الجايكا إلى خدمة إفريقيا بالكامل وألا يقتصر الأمر على المصريين فقط بالاضافة الى إنشاء المتحف المصرى الكبير وهو مشروع تفتخر اليابان بتمويله ليس فقط كهدية لمصر ولكن لتسهم فى حفظ التراث الانسانى للعالم وبلغت قيمة المساعدات اليابانية فى القطاع الفنى ونقل الخبرات 730 مليون دولار أمريكى، مشيرا الى أنه سيبحث زيادة المنح المقدمة للمتحف بسبب ارتفاع التكلفة. وقال رئيس هيئة التعاون الدولى اليابانية: ان مصر هى اكبر مستفيد من برنامج المساعدات اليابانية فى الشرق الأوسط، مؤكدا ان جميع المشروعات التى تمولها اليابان تتفق مع رؤية الحكومة المصرية. وردا على سؤال حول أهداف اليابان من مساعدة الاقتصاد المصرى قال: إن الجايكا لها مكاتب فى 90 دولة أخرى حول العالم ولكن اليابان تعتز بصداقتها لمصر ولتاريخها الثقافى والانسانى وفى الوقت نفسه مصر لديها قدرات هائلة للتطور، لذلك فهى سوق واعدة بالاضافة الى انها جزء لا يتجزأ من الشرق الأوسط الذى يمد اليابان والعالم بالبترول وبالتالى فان استقرار مصر سياسيا واقتصاديا يهم العالم كله . وحول ما أُثير من أقاويل حول وجود شبهة فساد فى استخدامات برنامج مساعدات الجايكا فى مصر أكد بشكل صارم أنه لا يمكن أن يحدث مثل هذا الأمر لأن الجايكا تقوم بدورها فى مراقبة تحقيق الاهداف المطلوبة من برنامج المساعادات ولا تسمح بوجود مثل هذه التجاوزات ابدا . وعن دعم الجايكا لشركات القطاع الخاص المصرية أكد الدكتور تناكا أن الجايكا لديها برنامج لتمويل القطاع الخاص فى كل الدول الأخرى ولكن فى مصر لا نتعامل مع القطاع الخاص الا عن طريق الحكومة وندعم الشركات التى تنفذ مشروعات الجايكا فى مصر ولا ننفذ الا المشروعات التى توافق عليها الحكومة المصرية. وفيما يتعلق بتحفظاتهم على مشروع المرحلة الرابعة لخط مترو الأنفاق قال: إن مشروع مترو الأنفاق الجديد قد يكون غير مربح وليس لديه عوائد سريعة ولكنه هام جدا فى دولة مزدحمة مثل مصر وله تأثير إيجابى على الاقتصاد، مؤكدا أن الجايكا تفخر دائما بمساهمتها فى مشروعات النقل الجماعى فى المدن مثل القاهرة ونيودلهى فى الهند . وفى ختام حديثنا معه شرحنا له غيرة مصر من الدول الأخرى التى توجهت اليها اليابان باستثمارات ضخمة خاصة دول جنوب إفريقيا فقال لنا: إن مصر استطاعت أيضا جذب استثمارات يابانية كثيرة لا يستهان بها ولكن فى الوقت نفسه هناك بعض التحفظات على بيئة الاستثمار فى مصر، فهى تحتاج الى تحسين ويجب تهيئتها بشكل أفضل للعمل خاصة ان الشركات اليابانية مدققة جدا فى التحضير لعمل الاستثمارات ودراسة البيئة التى ستعمل فيها الشركات وفى الجدوى الاقتصادية كما أنهم يهتمون بشكل اساسى بالكهرباء والطاقة وكفاءة المواصلات والتشريعات الحكومية المحفزة لذلك نأمل فى مساعدة الحكومة المصرية على تحقيق كل هذه العوامل للنهوض اقتصاديا خلال خمس سنوات.