في مشهدٍ يعيد إلى الأذهان مكانة مصر الريادية على الساحة الدولية، ويعكس عمق ثقة العالم في كفاءات أبنائها، جاء فوز الدكتور خالد العناني بمنصب المدير العام لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) تتويجًا لمسيرة علمية ودبلوماسية حافلة امتدت لعقود. فقد حصد الدكتور العناني 55 صوتًا من أصل 57 في انتخابات المجلس التنفيذي للمنظمة، في انتصار تاريخي غير مسبوق يجسد تقدير المجتمع الدولي للدور المصري في دعم الثقافة والتعليم وحماية التراث الإنساني، ويُعد إنجازًا جديدًا يُضاف إلى سجل الدبلوماسية المصرية والمكانة العربية والأفريقية في المنظمات الدولية. جاء فوز الدكتور خالد العناني ليُعلن عن مرحلة جديدة في مسيرة التعاون الدولي الثقافي والعلمي، وليُبرهن أن مصر ما زالت منارة للحضارة ومركزًا لصون التراث الإنساني عبر العصور. وقد أثبتت نتائج الانتخابات، التي جرت في مقر المنظمة بباريس، التفاف الدول الأعضاء حول المرشح المصري الذي مثّل صوت الاعتدال، والعلم، والتعاون الثقافي، في وقتٍ يشهد فيه العالم تحديات كبرى في مجالات التعليم، والتراث، والهوية الإنسانية المشتركة. ويمثل هذا الفوز أول مرة يتولى فيها عربي ومصري هذا المنصب منذ تأسيس اليونسكو قبل 80 عامًا، كما يُعد الدكتور العناني ثاني مدير عام من القارة الإفريقية، الأمر الذي يمنح فوزه بعدًا رمزيًا يعزز من حضور الجنوب العالمي في مؤسسات الأممالمتحدة. وخلال حملته الانتخابية التي امتدت لعامين ونصف، قدّم الدكتور العناني رؤية شاملة لتطوير عمل المنظمة، ترتكز على العدالة الثقافية وتكافؤ الفرص التعليمية وحماية التراث العالمي، مع إعلاء قيم الحوار بين الشعوب وتفعيل الدور الإنساني لليونسكو في مواجهة الأزمات العالمية. دعم عربي وإفريقي شامل حظي ترشيح الدكتور خالد العناني بدعمٍ واسع من جامعة الدول العربية التي أقرّت في قمة مايو 2024 قرارًا بالإجماع لدعمه باعتباره المرشح العربي الوحيد للمنصب، إلى جانب تأييد الاتحاد الإفريقي الذي أكد أهمية تولي شخصية من القارة قيادة منظمة تُعنى بالتنوع الثقافي. وقد أثمر هذا الدعم تنسيقًا دبلوماسيًا مصريًا رفيع المستوى شاركت فيه وزارة الخارجية والسفارات المصرية في مختلف العواصم، ما أسهم في تأمين تحالفٍ قوي من الدول الأعضاء، وأفضى إلى هذا الفوز الكاسح الذي فاق كل التوقعات. - سيرة ومسيرة علمية مشرفة وُلد الدكتور خالد أحمد العناني عام 1971، وتخرّج في كلية السياحة والفنادق بجامعة حلوان، حيث واصل مسيرته الأكاديمية حتى حصل على الدكتوراه في علم المصريات من جامعة بول فاليري مونبلييه الفرنسية. عمل أستاذًا للحضارة واللغة المصرية القديمة بجامعة حلوان، وشارك في تدريس علم المصريات بعدة جامعات مصرية ودولية. كما تعاون مع المعهد الفرنسي للآثار الشرقيةبالقاهرة لأكثر من 15 عامًا، وأسهم في العديد من الأبحاث والاكتشافات الأثرية. شغل العناني عدة مناصب أكاديمية وإدارية، منها مدير مركز التعليم المفتوح ورئيس قسم الإرشاد السياحي ووكيل الكلية لشؤون الطلاب، ثم تولى رئاسة المتحف القومي للحضارة المصرية والمتحف المصري بالتحرير قبل أن يُعيّن وزيرًا للآثار عام 2016، ثم وزيرًا للسياحة والآثار عام 2019 بعد دمج الوزارتين في إطار خطة تطوير قطاعي السياحة والتراث. - إنجازات عالمية ومشروعات قومية خلال فترة توليه الوزارة، قاد الدكتور العناني مشروعات كبرى في مجال حماية التراث وإحياء السياحة الثقافية، من أبرزها: افتتاح المتحف القومي للحضارة المصرية واستقبال موكب المومياوات الملكية في حدث عالمي. تنظيم احتفالية طريق الكباش بالأقصر، التي جذبت أنظار العالم لجمال الحضارة المصرية. الإشراف على مشروع المتحف المصري الكبير الذي يُعد أكبر متحف للآثار في العالم، والمقرر افتتاحه قريبًا. استرداد آلاف القطع الأثرية المهربة إلى الخارج بالتعاون مع الإنتربول والمنظمات الدولية. تطوير التشريعات الأثرية والسياحية، وإنشاء صندوق دعم السياحة والآثار لضمان استدامة الموارد المالية للقطاع. وقد عُرف العناني بقدرته على الدمج بين العلم والإدارة الميدانية، حيث اعتاد زيارة المواقع الأثرية بنفسه، ودعم مشاركة الشباب والنساء في مشروعات الترميم والبحوث الميدانية، إلى جانب تعزيز التواصل مع المجتمعات المحلية حول المواقع التراثية. - تكريمات دولية وشهادات تقدير نال الدكتور العناني وسام الفنون والآداب الفرنسي عام 2015، ووسام الاستحقاق البولندي عام 2020، ووسام الشمس المشرقة الياباني عام 2021، كما منحته جامعة بول فاليري الفرنسية الدكتوراه الفخرية في سبتمبر 2024، تقديرًا لإسهاماته في صون التراث الإنساني والتعاون الأكاديمي الدولي. كما اختارته منظمة الأممالمتحدة للسياحة سفيرًا للسياحة الثقافية، وأشادت به كأحد أبرز القيادات التي جمعت بين الفكر الأكاديمي والخبرة التنفيذية في إدارة التراث العالمي. - مصر واليونسكو.. شراكة تمتد لعقود ترتبط مصر بعلاقات تاريخية مع منظمة اليونسكو منذ تأسيسها عام 1945، إذ كانت من أوائل الدول الموقعة على ميثاقها، واحتفظت بعضويتها الدائمة في المجلس التنفيذي لعقود طويلة. وساهمت مصر في إنقاذ آثار النوبة ومعابد أبو سمبل في ستينيات القرن الماضي، وهو المشروع الذي شكّل الأساس لاعتماد اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي عام 1972. كما شاركت مصر في إعداد اتفاقية صون التراث غير المادي، وأنشأت بالتعاون مع المنظمة المتحف القومي للحضارة المصرية ومكتبة الإسكندرية الحديثة، إلى جانب مشروعات حماية القاهرة التاريخية وآثار الإسكندرية المغمورة بالمياه. - رسالة للعالم يؤكد فوز الدكتور خالد العناني أن مصر لا تزال قلب الحضارة الإنسانية النابض، وأن أبناءها قادرون على تمثيلها في أعلى المواقع الدولية بعلمهم وخلقهم وإخلاصهم. إنها لحظة فخر لكل مصري وعربي وإفريقي، تعكس إيمان العالم برسالة مصر الحضارية وقدرتها على قيادة الحوار الثقافي الإنساني في زمن يموج بالتحديات.