في غمار التحول السياسي في دول الربيع العربي حدثت بعض التغيرات الاقتصادية, وعلي الرغم من التفاوت في التقدم الذي شهدته تلك الدول هناك مؤشرات اولية رصدها صندوق النقد الدولي دليلا علي التحسن واستقرار اوضاع الاقتصاد الكلي في بعض من دول التحول العربي. صندوق النقد الدولي في تقريره بلدان التحول العربي: مستجدات الآفاق الاقتصادية والتحديات الرئيسية ان الدعم المالي الذي حصلت عليه مصر من دول الخليج قد ساعدها علي الصمود, مضيفا ان مصر لاتزال تواجه اشكالية ضعف النمو وارتفاع عجز الموازنة اضافة الي هشاشة علاقاتها بالدول الغربية ولايزال النشاط الاقتصادي يعاني من الآثار السلبية للتوتر السياسي والاجتماعي فيها كما لم تجد تأثيرات التحفيز النقدي والثقة التي اكتسبها الاقتصاد بفضل التقدم في خارطة الطريق امام تصاعد وتيرة العنف وما ترتب عليه من انخفاض حاد في السياحة والاستثمارات الاجنبية المباشرة. ومن ثم اوصي التقرير بضرورة التعامل مع الاختلالات التقليدية والمشكلات الناجمة عن ارتفاع عجز الموازنة والتضخم وتراجع الاحتياطي النقدي وضرورة خلق مناخ موات للنمو وتوافر فرص العمل. التقرير اشار علي الصعيد السياسي الي التقدم في خارطة الطريق السياسية مع اقرار الدستور في شهر يناير والاعلان عن اجراء الانتخابات الرئاسية قريبا, وقال ان تلك الاجراءات تمهد الطريق لانتخابات رئاسية وبرلمانية في غضون الشهور المقبلة غير انه تظل حالة الاستقطاب السياسي والحوادث الارهابية التي تقع من حين الي آخر, تخيم بظلالها علي المشهد السياسي المصري. وعن التطورات الاخيرة التي شهدتها مصر علي الصعيد الاقتصادي ذكر التقريران هناك تحسنا في الثقة في الاعمال وان كان الوضع الاقتصادي لايزال مضطربا, في الوقت نفسه تراجعت الضغوط المالية مع صعود مؤشر البورصة بأكثر من70% منذ شهر يوليو عام2013 وانخفاض فائدة اذون الخزانة. ومع ذلك وبالرغم من حزمتين للتحفيز النقدي بما يساوي3% من الناتج المحلي الاجمالي فان كلا من معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي والاستثمار الخاص كان ضعيفا نتيجة لاستمرار التراجع في السياحة وانخفاض انتاج الطاقة وتكرار انقطاع الكهرباء ومرة اخري ارتفع معدل البطالة ليصل الي13.4% في الربع الاخير العام الماضي. وذلك في الوقت الذي استمر معدل التضخم كبيرا وارتفاع نسبة الفقر الي26.3%. وقد ارجع التقرير انخفاض عجز الموازنة الي المساعدات الرسمية التي حصلت عليها مصر مع الاشارة الي احتفاظه باتجاهه الصعودي. لم ينس تقرير صندوق النقد الدولي ذكر الاتفاقية التي تم التوصل اليها لالغاء المتأخرات علي شركة البترول الوطنية ايجبك لصالح شركائها الاجانب بما يقرب من6.3 مليار دولار امريكي والدفعة الاولي التي تم سدادها في ديسمبر2013 بنحو1.5 مليار دولار امريكي, وان الحكومة مستمرة في الاعتماد بقوة علي تمويل البنوك مما يزيد انكشاف البنوك علي الديون السيادية وازاحة القطاع الخاص. لفت التقرير إلي انه باستثناء المساعدات الخارجية فان وضع الاحتياطي النقدي ضعيف مع تراجع مصادر الدخل التقليدية: السياحة, الاستثمار الاجنبي المباشر, وان شحنات البترول والغاز الطبيعي المسال من دول: الكويت, السعودية, الامارات حالت دون انهيار الاحتياطي الاجنبي الذي يقدر بأقل من ثلاثة شهور من الواردات. عن آفاق الاقتصاد المصري قصيرة الاجل ذكر التقرير ان الحكومة قد اعلنت مؤخرا عن الحزمة الثانية من التحفيز النقدي وبنسبة1.5% من الناتج المحلي الاجمالي التي تتضمن بشكل اساسي من الانفاق الاجتماعي والاستثماري الاضافي ولكن تظل مشاكل انقطاع الكهرباء وتراجع السياحة عوائق رئيسية امام نمو النشاط الاقتصادي. ويتوقع خبراء صندوق النقد الدولي بقاء معدل النمو في العام المالي2013/2014 كما كان في2012/2013 وقالوا في تقريرهم ان مصر ستحتاج الي دعم مالي اضافي للوفاء بالتزاماتها في2014/2015 وعلي المدي المتوسط. كما توقعوا ايضا ان يظل عجز الموازنة مرتفعا ما لم تتخذ الحكومة اجراءات سريعة لاصلاح الدعم وتنفيذ خطط مالية اخري, وفي رأيهم ان التضخم سيظل ما بين10 12% بما يعكس زيادات الاجور واستمرار التوسع النقدي. المخاطر الرئيسية التي تواجه مصر استنادا الي التقرير تتعلق بأي تأخر في تنفيذ خارطة الطريق السياسية للبلاد واستمرار العنف والاحداث الاخيرة في اوكرانيا احد المصدرين الرئيسيين للقمح الي مصر وتداعيات التوتر السياسي علي الصعيد الدولي علي اسعار البترول والغاز قد يؤدي الي ارتفاع اسعار السلع بما قد يزيد الضغوط المالية والخارجية علي مصر. علي المدي القصير وفي ظل السياسات الحالية ستظل مصر في حاجة الي حل لمشكلة تمويل احتياجاتها, ومن ثم اوصي التقرير بضرورة اجراء اصلاحات هيكلية علي صعيد الاقتصاد الكلي من اجل وضع الدين العام علي طريق مستدام وتهيئة الظروف اللازمة للنمو القومي وقد اعطي اولوية الي اصلاح الوضع المالي الحالي دون النظر الي المساعدات الخارجية رفع الاحتياطي النقدي والسيطرة علي التضخم وكذلك توجيه الموارد المتاحة الي قطاعات البنية التحتية والتعليم والصحة وتعزيز امكانيات القطاع العام سيكون لازما لتحسين آفاق النمو. اكد التقرير اهمية اصلاح الدعم من اجل اصلاح الوضع المالي علي المدي المتوسط واستعادة الثقة في الملاءمة المالية للدولة. تحسين شفافية شركات القطاعين العام والخاص ووضع خطط افضل للاستثمارات الحكومية سيسهم في إنعاش الاستثمار الخاص وتقليل المخاطر المالية المتعلقة. علي صعيد التحديات التي تواجه مصر علي المدي المتوسط فقد اوصي التقرير بان تكون الاولوية لتحقيق معدلات نمو اعلي وإعادة بناء الاحتياطي النقدي. وحل مشكلات الكهرباء والمرور ايضا سيحفز النشاط الاقتصادي ويوفر فرص عمل في جميع القطاعات.