يعتبر البعض ان قيام ثورتين في مصر في غضون ثلاث سنوات فقط يعد مؤشرا علي وجود تشوهات في جسد الاقتصاد المصري نتج عنها حالة من عدم رضا عند قطاع واسع من المصريين. وفي محاولة لإيجاد حلول وصياغة مقترحات بناءة قام قسم الاقتصاد بكلية إدارة الأعمال بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة, بعقد مائدة مستديرة بعنوان:' تشكيل الاقتصاد المصري ما بعد الثورة' بحضور نخبة من الاقتصاديين ودار فيها ما يلي: تري د. أمنية حلمي أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة ونائب رئيس المركز المصري للدراسات الاقتصادية ان من الأخطاء التي أدت إلي قيام الثورات في مصر التركيز علي صياغة السياسات الاقتصادية دون الوضع في عين الاعتبار آثارها المجتمعية السلبية, خصوصا في ظل عدم وجود شبكات أمان اجتماعي فعالة وانعدام وجود قواعد واضحة لادوار كل من القطاع الخاص والعام والمجتمع المدني وكذلك تنظيم العلاقة بينهم. اختلالات اقتصادية هيكلية أدت إلي اندلاع الثورة بينما يعتقد د. علاء الشاذلي أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة ان كل ما يهم القطاع المصرفي هو حساب المخاطر والقدرة علي السداد بدقة لحماية أموال المودعين لكن الحكومات المصرية صعبت مهمة البنوك في القيام بهذا العمل, نظرا لتغير سياستها وأولوياتها في ظل ندرة المعلومات, مما أدي إلي إحجام البنوك عن تمويل العديد من المشروعات بالأخص المتوسطة والصغيرة. ويضيف د.علاء ان تدفق رأس المال الأجنبي في الفترة ما بين2010 2014 كان يهدف إلي تحقيق أرباح سريعة ثم الخروج من السوق مما ترتب عليه حدوث ليس فقط هزة في الاقتصاد المصري بل هبوط حاد في احتياطي النقد الأجنبي بعد الثورة بعد خروج الأموال الساخنة منه وكان حريا بالحكومات المصرية العمل علي جذب استثمارات طويلة الأجل تهدف إلي تحقيق تنمية مستدامة. علاوة علي عدم الاستفادة من الموارد المتاحة وتذبذب السياسات الاقتصادية قبل وبعد الثورة. د. عبلة عبد اللطيف أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية تري ان من أسباب قيام الثورة في مصر هو ادعاء الحكومات وتشدقها بحماية حقوق الفقراء بينما في الواقع لم تتوفر الإرادة السياسية لحل مشكلات تمس جوهر العدالة الاجتماعية مثل الصحة والتعليم وإتاحة فرص متساوية للجميع وتم اختزال مفهوم العدالة الاجتماعية في الإبقاء علي منظومة الدعم المشوهة التي يستفيد منها الأغنياء. أيضا تري د. عبلة عدم تحقق العادلة الاجتماعية علي المستوي الجغرافي بين المحافظات حيث توجد العديد من المحافظات التي تفتقر إلي المرافق والخدمات. وتؤكد د. عبلة ان المشكلات الاقتصادية التي أدت إلي الثورة مازالت قائمة نظرا لاستمرار التشوه الهيكلي بالاقتصاد المصري. ويعزو المهندس طارق توفيق نائب رئيس اتحاد الصناعات المصري انخفاض الاستثمارات الأجنبية المباشرة الي السوق الممصري إلي الأيادي المرتعشة للمسئولين في تخصيص الأراضي للأغراض الزراعية والصناعية خشية الاتهام بالفساد. بالإضافة إلي سعي الحكومات المصرية إلي دخول استثمارات جديدة للسوق المصري في ظل انعدام وجود إجراءات تخارج وإفلاس شفافة وواضحة مما يجعل الاستثمارات الأجنبية تحجم عن تكبد مشقة دخول السوق المصري من الأصل. ويضيف مهندس طارق ان الفشل يعطي المستثمرين والدولة معا المعرفة التي يمكن الاستفادة منها لعدم تكرار الأخطاء وان أي مستثمر محلي أو أجنبي يخرج من السوق يحل محله آخرون في معظم دول العالم علي عكس الحال في مجتمعنا الذي يعتبر الفشل مخزيا. وأجمع الحضور علي ان الاقتصاد الموازي من أهم أعراض الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد المصري الا انهم اختلفوا حول كيفية التعاطي معه. الاقتصاد غير الرسمي يصف المهندس طارق مصر ببلد التناقضات حيث يعتقد ان الحكومات المصرية تدفع أصحاب الأعمال دفعا للعمل خارج مظلة الاقتصاد الرسمي نتيجة عدة أسباب منها عدم قدرة الشركات الصغيرة والمتوسطة علي التعامل مع البيروقراطية مثل الشركات الكبيرة مما ترتب عليه ان نسبة المتعاملين مع القطاع المصرفي تصل إلي9.5% فقط بينما بقية رأس المال يدار في السوق بعيدا عن الجهاز المصرفي. ويضيف مهندس طارق أنه بالرغم من اموال التأمينات الاجتماعية في مصر تصل إلي40% من جملة الاموال عامة في مصر لكنه في النهاية لا يتمتع العامل المصري بمعاش لائق علي العكس من أوروبا علي سبيل المثال التي لا تتعدي فيها التأمينات الاجتماعية نسبة15% الا ان الموظف يحصل علي معاش يكفي احتياجاته وهذا ما دفع أصحاب العمل والعمال إلي اللجوء إلي الاقتصاد الموازي. ومن ناحيتها تري د. عبلة ان الاقتصاد غير الرسمي حمي الاقتصاد الرسمي من الانهيار بعد الثورة وانه يتوجب علي متخذي القرار الاستفادة من وجوده ودعمه وخلق بيئة عمل أفضل له حيث انه يقوم بملء فراغ الصناعات الوسيطة الناتج عن وجود عيب هيكلي في الاقتصاد المصري. وتنصح د. عبلة بضرورة إرسال رسائل طمأنة لهذا القطاع ومحاولة جذبه عن طريق إعفائه من عدد من الالتزامات لفترة حتي تجعله هو الذي يسعي إلي الانضمام إلي الاقتصاد الرسمي. وتعتقد د. أمنية ان الاقتصاد غير الرسمي نتج عن جمود الاقتصاد الرسمي وعدم قدرته علي استيعاب العمالة بالإضافة إلي قوانين العمل التي تمنع أصحاب العمل من تسريح العمالة. وتري د. أمنية ان العديد من المحاسبين والأطباء والمحامين لا يقدمون للعملاء فواتير لقاء خدماتهم الباهظة مما يهدر حقوق الدولة لذلك تنادي بتقنين أوضاع هؤلاء. عوامل تجعل مصر دولة واعدة اقتصاديا تقول د. عبلة ان مصر سوف تتمتع باقتصاد قوي عند حل المشكلات السالف ذكرها وعندما يكون لديها حافز ان تصبح جزءا من كيان اقتصادي قوي يعضد بعضه البعض كمجلس التعاون الخليجي. وتعتقد د. عبلة ان ما ساعد تركيا علي النهوض اقتصاديا هو محاولاتها المستميتة للانضمام إلي الاتحاد الأوروبي. يري مهندس طارق انه في ظل المنافسة العالمية الشرسة لا يمكن لدولة ما ان تحتكر صناعة بعينها وانه حتي تنطلق مصر اقتصاديا يجب ألا تبدأ بصناعات معقدة تكنولوجيا حيث ان الخدمات كالسياحة تعد صناعة هامة تتميز مصر بامتلاك مقوماتها كما انها محفزة للعديد من الصناعات المغذية. ويقترح ان نعيد هيكلة قطاع الاتصالات والبترول لان هذا في اعتقاده ما جذب الاستثمارات إلي دولة مثل المكسيك. أيضا التركيز علي الطاقة المتجددة والتعدين والصناعات القائمة عليه. والنهوض بالزراعة لتحقيق قيمة مضافة للاقتصاد المصري. وتصديقا علي ذلك يقول د. علاء ان مصر لا تستطيع ان تدفع فاتورة غذائها المستورد إلي الأبد وينصح بضرورة عمل خريطة للاستثمارات تحسب المخاطر في كل قطاع وتوزع الأنشطة المتنوعة علي جميع المحافظات مما يخلق التوازن وهو ما لم يتم تحقيقه قبل الثورة. يؤكد د. علاء ان الدولة بدأت في الاهتمام بالتمويل العقاري لدعم الفقراء وانه توجد العديد من المبادرات الهيكلية التي سوف يتم الإعلان عنها بعد الانتخابات الرئاسية مما سوف يؤدي إلي زيادة الاستثمارات. روشتة اقتصادية للحكومة المقبلة يشدد المهندس طارق علي ضرورة امتلاك الدولة لرؤية تنموية طويلة الأجل وتحديد القطاعات المستهدف تحقيق طفرة بها وما يستتبع ذلك من وضع إجراءات واتخاذ تدابير محددة ومفصلة لتحقيق تلك الإصلاحات. وأكد انه من دون وجود رؤية سوف تستمر الدولة في حالة التخبط. علاوة علي ضرورة التفكير خارج الصندوق والجرأة في اتخاذ القرارات مثل استخدام الفحم كطاقة بديلة الذي تعتمد عليه ألمانيا وهي من أكثر الدول الصديقة للبيئة بنسبة50%. أيضا الجرأة في إعادة هيكلة الدعم الذي يذهب أغلبه للأغنياء. ومن جانبها تلفت د. عبلة النظر إلي ان مشكلات الاقتصاد المصري واضحة للعيان وكذلك كيفية حلها لكنها لم تحل حتي الآن نظرا لعدم توفر إرادة سياسية تتصدي للإصلاح الاقتصادي كما تنصح د. عبلة الحكومة القادمة بضرورة الاستفادة من الموارد الطبيعية غير المستغلة وكذلك الموارد البشرية المتمثلة في الشباب لان عدم استغلال الشباب يعني قتل المستقبل. أيضا تنادي د. عبلة الحكومة القادمة بضرورة الخروج من مساحة7% التي يتكدس عليها المصريون. وأخيرا تشدد د. عبلة علي الأهمية القصوي للتنسيق بين الوزارات المختلفة لتفادي العديد من الكوارث التي حدثت في الماضي نتيجة انعدام القدرة علي العمل الجماعي. أما د. علاء فيهمس في أذن الحكومة القادمة بضرورة حسن استغلال أصول الدولة لأنه بالرغم من ان مصر قد تبدو للبعض دولة فقيرة فإنها غنية بأصولها. بالإضافة إلي مناشدته للحكومة القادمة بخلق مناخ جاذب للاستثمار. بينما احترام سيادة القانون والشفافية والمساءلة والمحاسبة كانت توصيات د. أمنية للحكومة المقبلة بالإضافة إلي تشجيع المنافسة الحرة بهدف زيادة الإنتاج.