جاء المؤتمر السابع والعشرون الذي عقدته الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع ليطلق رؤية استراتيجية لتحديث مصر وفق منظور اقتصادي وقانوني. حدد المؤتمر سبعة محاور أساسية لبناء استراتيجية التحديث.. أوضح المتحدثون أنها تعتمد علي التدشين المتوازي وليس المتتابع إذ إن كل محمور محفز ومكمل للمحاور الأخري.. كان أهم هذه المحاور والذي لاقي تأكيدات في كلمات المحاضرين محور تحديث العنصر البشري عن طريق الارتفاء بنظام التعليم والتدريب والصحة. واستدلوا علي أهمية هذا الأمر بأن الدول التي لديها تنمية متقدمة استطاعت أن تتعامل مع الازمات المالية بشيء من السرعة المصاحب لتقليل الخسائر. ولإظهار خطورة هذه الامر علي خريطه التنمية المصرية فإن تقرير التنمية البشرية بالأمم المتحدة الذي صدر سنه2010 وضع مصر في المرتبة ال29 علي مستوي العالم, وهي مرتبة متدنية جدا خاصة إذا ما علمنا أن ماليزيا تحتل المرتبةال61 ولبنان ال82 أما إسرائيل فتحتل المرتبة ال23.. وبتفصيل أكثر يفسر هذه المرتبة المتدنية التي احتلتها مصر وفق هذا الترتيب يقول الخبراء إن التعليم في مصر أصابه الوهن في النصف الثاني بسبب المتاهات السياسية والاجتماعية والعسكرية التي مرت بها مصر.. وهذا أدي بدوره إلي ضياع ستة عقود زمنية في مرحلة قفزت فيها المعارف والعلوم بعد الحرب العالمية قفزات غير مسبوقة قدرها علماء بمليار مرة في القرن العشرين عما قبل.. كل هذا تزامن مع ارتفاع نسبة الامية لتصل إلي معدل لايتفق مع مكان ومكانة مصر حيث وصلت إلي34%. وألقي أيضا المؤتمر الضوء علي الصحة باعتبارها استثمارا من أهم سياسات التنمية البشرية مؤكدا ضرورة الاهتمام بخدمات الصحة الوقائية مع الاهتمام بالمحافظات البعيدة والمناطق النائية مع توفير عدالة توزيع الخدمات وتطوير الوحدات الصحية وتوفير التخصصات الطبية اللازمة, علي أن يشمل التأمين أكبر عدد من المواطنين بالإضافة إلي التوسع في توفير المياه الصالحة للشرب وخدمات الصرف الصحي مع عدم إغفال المحافظة علي البيئة والتلوث. قام المشاركون بالانتقال إلي المحور الثاني الذي يتعلق بتحديث قطاع المنشآت الصغيرة والمتناهية الصغر والذي أبرزوا فيه أنه يوجد7.1 مليون منشأة صغيرة يعمل بها4.3 مليون عامل بعيدا عن المهن الزراعية مؤكدين أن هذا القطاع الحيوي مازال بعيدا عن أن يعمل بكامل إمكاناته لأن الاستثمارات المخططة للبنية الأساسية في الخطط الخمسية السابقة لم تؤد إلي تحسن ملموس في الكهرباء والمياه والطرق والتليفونات وهذا بدوره انعكس بتقليل الانتاج المخطط.. وأيضا هناك تحيزات مورست ضد هذا القطاع فلم ينل حظه في الحصول علي الائتمان والأيد العاملة المدربة فضلا عن أشكال التكنولوجيا المتقدمة وفرص التسويق الأوسع وبالتالي فتح آفاق التصدير علاوة علي حرمانه من الإعفاءات الضريبية وحوافز الاستثمار. لذلك جاءت التوصيات بضرورة إعادة النظر في السياسات العامة وأنظمة توفير الخدمات لهذا القطاع.. أما المحور الثالث فكان الإصلاح السياسي والتغيير المنشود لدور الدولة وجاءت نتيجة المناقشات لتوضح اقتران الإصلاح السياسي بفرضيه تعميق الممارسة الديمقراطية لتشمل مختلف جوانب الحياة والمعاملات علي أنه يجب أن يكون واضحا أن هذه المرحلة التي تمربها البلاد لاينبغي فيها الهرولة نحو من سيفوز بالمقعد البرلماني أو بمقعد الرئاسة بل تتطلب السعي نحو مستقبل مصر من خلال رؤية استراتيجية واضحة تتيح استقلال السلطات الثلاث وألا تطغي سلطة علي سلطة.. وحذرت أوراق المؤتمر من4 تحديات قد تكون سببا في إفشال ماقام به الشعب في ثورة25 يناير وهي الفقر وهو المعضلة الكبري والذي بسببه فشلت الثورة الفرنسية سنة1789 ثانيا: التدهور الاقتصادي الذي يحدد هويته عجز الموازنة وعجز ميزان المدفوعات وزيادة البطالة وقصور الاستثمارات. ثالثا: فلول النظام البائد والذي كان سببا في إفشال الثورة البرتغالية بأوكرانيا واخيرا الفساد والذي تلاحقه الثورة والذي يتهاوي ببطء شديد.. وهذه العناصر الأربعة يجب أن تجابه عن طريق خطتين رئيستين الأولي برنامج التثبيت ويهدف لإعادة التوازن الكلي للاقتصاد القومي عن طريق تقليص الاختلالات التي تصيب ميزان المدفوعات والموازنة العامة للدولة مع مراعاة تخفيض معدل التضخم. أما الخطة الثانيه فهي التي تأتي عن طريق برامج التكيف الهيكلي والذي يهدف لإعادة تخصيص الموارد الاقتصادية بين فروع الانتاج المختلفة باتخاذ خطوات نحو تحرير وخصخصة القطاع العام لعلاج الاخلالات الهيكلية مع تحرير التجارة الخارجية وتشجيع القطاع الخاص بالإضافة إلي تطوير سوق الأوراق المالية. أما المواطنة والائتمان وهي القضية التي تناولها المحور الرابع فتركز علي المشاركة في تأسيس المجتمع وتشمل واجبات الوطن تجاه المواطن في تحقيق المساواة والعدالة وكذا واجبات المواطن تجاه الوطن للعمل علي نهضته وأمنه واستقراره. وفي قفزة نحو المحور الخامس والذي يعني بالمصلحة القومية, والدفع نحو مقاومة التهميش بالعمل علي الدخول في شبكة علاقات دولية في مختلف المجالات, فيما يخص العمل السياسي بتفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك, وعلي المستوي الاقتصادي بتفعيل السوق العربية المشتركة والتوجه الافريقي, وعلي المستوي الاجتماعي بعودة هيبة الدولة وإقامة دولة المؤسسات وتفهيم العدالة الاجتماعية بمفهومها الواسع.. أما المحور السادس: العمل علي الاستفادة من استقدام الاستثمار الأجنبي والذي يعمل علي إضافة فرص عمل جديد, مقدرة الشركات الأجنبية علي التصوير وجلب التكنولوجيا الحديثة عن طريق إجراء العديد من الإصلاحات منها: الإصلاح الضريبي( تبسيط النظام تخفيض معدل الضريبة إيجاد آلية سريعة وحاسمة للخلافات الضريبية وتطوير النظام الجمركي( سهولة الإجراءات وضوح نظام مراقبة الجودة, علي الصادرات واختصار الوقت اللازم للعمل بنظام الدروباك) وتسهيل إجراءات تأسيس الشركات والإفصاح والشفافية وتوفير المعلومات في التوقيت المناسب. وكذا تطوير البنية الأساسية التي تزيد من تكاليف التشغيل وتحسين خدمات المواني وإنشاء خطوط بحرية لجذب رأس المال الأجنبي مع مراعاة إصلاح الجهاز الإداري بالدولة وتحديد دور الدولة في ظل الأزمات المالية العالمية مع إعادة النظر في تعبئة وتخصيص الموارد. تحديد نقاط الضعف والقوة وتحديد برامج عمل للنهوض بالقطاعات المختلفة, وتحديد الشروط الموضوعية لتتحول الدولة من دورها الرقابي للدور المحفز. وأخيرا إنشاء جهاز مركزي واحد لإصدار البيانات وليكن جهاز التعبئة العامة والإحصاء. المحور السابع: ضرورة مراعاة عمق الأمن القومي الاستراتيجي المصري.. بالعمل علي مد جسور في هذا العمق وفق فلسفة سياسية متطورة. ولتكن البداية الحقيقية لمراعاة هذا العمق احتواء ازمة سد النهضة الاثيوبي والتقدم الاقتصادي والارتقاء بالإنتاجية وتعظيم التنافسية مقدمات للتحديث والتطوير وضمان جوهر الديمقراطية وسيادة القانون وكفالة حقوق الإنسان وهي من الأمور اللازمة لتدعيم القوة الاقتصادية للدولة والتي تنعكس إيجابيا علي الأمن القومي. وأخيرا خرج المؤتمر بعدة توصيات جاء أهمها ضرورةتبني استراتيجية حقيقية لتحديث مصر وتبني هدف قومي حتي2020 نكون فيه رقم20 علي العالم. ورسم رؤية استثمارية مستقبلية جديدة تستغل إمكانات مصر البشرية والطبيعية لتحقيق نمو مستدام وعدالة اجتماعية حقيقية, مع عمل حملة إعلامية لشرح دور القطاع الخاص خلال السنوات ال40 الماضية من خلال حصر المصانع التي تم إنشاؤها والمدن الجديدة التي يتم تعميرها والعمالة الموجودة حتي لايكون هناك توجه معاد للقطاع الخاص, وعقد مؤتمر دولي عن الاستثمار في مصر يستهدف تسويق مصر الجديدة للعالم بدستورها ومؤسساتها وفرص الاستثمار فيها في مجالات مثل: الطاقة التقليدية والمتجددة, تطوير الساحل الشمالي, الثورة التعدينية, إزالة الألغام واستثمار الأراضي القائمة فيها. وكذا اعمال التنافسية بين المحافظات لاكتشاف واستغلال الإمكانات الكامنة والظاهرة, وبحيث ترسم كل محافظة رؤيتها المستقبلية لجذب الاستثمار واستغلال الإمكانات, وخلق التنافسية بين المحافظات لاختيار أفضل محافظة في تقديم الخدمات وجذب المستثمر ومستوي دخل الفرد وتحقيق أعلي مستوي إنتاجية للفرد, مع ضرورة الإسراع بتعديل قانون الإدارة المحلية, بما يزيد من سلطات المحليات ويزيد في نفس الوقت الرقابة عليها ويعيد النظر في تقييم القيادات المحلية من حيث قدرتها علي إطلاق طاقات التنمية في هذه المحافظات. واخيرا تدعيم القطاع الصناعي من خلال: التزام بالسياسات الداعمة للتشابكات الصناعية, مع توافر جهاز أو مؤسسة داعمة لهذه التشابكات لها ميزانية مستقلة وسلطة مستقلة وطرح الحكومة لبعض المشروعات وفقا لنظام مشاركة الحكومة والقطاع الخاص في مجلات البنية الاساسية وتأكيد الدولة علي تبنيها منهجية توفير الأراضي وترفيقها ثم طرحها وإعادة النظر في برنامج حوافز الاستثمار في الصعيد ومد النقل الجماعي للمناطق الصناعية لتوفير العمالة وإنشاء وتشغيل مواني بضائع نيلية لتوفير وسائل النقل الداخلي وإنشاء مراكز لوجيستيكية في التجمعات الصناعية والسكنية. بناء شبكة أعمال استشارية علي مستوي الدولة لتنشيط عمل المشروعات الصغيرة المحلية المتضررة, هذه الشبكة لديها فروع محلية في كل محافظة, وتكون من المصارف المحلية والمحامين والمحاسبين وخبراء الضرائب مما يعطي المشروعات فرصة الاستشارة فيما يتعلق بخطة إعادة الهيكلة لأعمالها.