بمناسبة مرور ذكرى الأربعين لقداسة البابا شنودة الثالث البطريرك والذى أصابنا جميعا مسلمين ومسيحيين بصدمة انتقاله من هذا العالم، فنرجو أن يكون البطريرك القادم على ذات مستوى محبته لمصر. وهنا أود أن أذكر أمثلة من البطاركة السابقين والذى كانت لهم أياد بيضاء على مصر سواء كانوا مسلمين أم مسيحيين، مما يؤكد مواقفهم الوطنية للتصدى للقوة الخارجية. البابا شنودة الثالث (البابا 117) من 1971- 2012: لعب البابا شنودة الثالث دورا وطنيا مهما منذ أن كان قداسته أسقفا للتعليم ويسجل له التاريخ الحديث أنه وقف موقفا مشرفا وحازما فى موضوع وثيقة محاولة تبرئة اليهود من دمس السيد المسيح، وأن اليهود لم يكتفوا بصلب السيد المسيح، وإنما هاجموا المسيحية فى مبدأ قيامها، فاليهود كما هاجموا اليسد المسيح هاجموا الكنيسة الأولى. والبابا شنودة الثالث فخرا للكنيسة والوطن، أول بابا يحاضر فىنقابة الصحفيين عن الصهيونية العاملة وكان على علاقة طيبة بالإمام محمد سيد طنطاوى، شيخ الأزهر، وحاليا الإمام أحمد الطيب، الذى اعتبر مشيخة الأزهر بمثابة بيت العائلة المصرية ويتناوب مع البابا شنودة الثالث رئاسة اجتماعاته لمناقشة قضايا الوطن وقضايا شريانى قلب الأمة من المسلمين والأقباط ليعيش الجميع معا فى سلام فى خدمة الوطن والذود عنه ضد أى اعتداء وتطهير تراب الوطن كما حدث فى حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، حيث امتزجت دماء المسلم والمسيحى وروت أرض سيناء الحبيبة، وها هو البابا شنودة الثالث أكمل المسيرة ويؤكد حب أقباط مصر لتراب الوطن وحبهم لإخوتهم المسلمين، فيقول قولته الشهيرة: «مصر بالنسبة لنا ليست وطنا نعيش فيه وإنما وطن يعيش فينا»، هذا بالإضافة إلى مواقفه الوطنية التى يسجلها التاريخ باتجاه الكثير من القضايا الوطنية. وكما قال وقرر البابا شنودة الثالث (منع أقباط مصر من التوجه إلى القدس إلا فى حالة أنها تكون تحت قيادة فلسطينية حرة وتحقيق السلام فى الشرق الأوسط). البابا كيرلس السادس (البابا 116) من 1959 - 1971 : كان عصره عصرا ذهبيا للكنيسة والوطن كان رجل صلاة ومعجزاته يهرع إليها الآلاف من الشعب المصرى مسلميه وأقباطه يتبركون بدعواته ومواهبه العديدة فى الشفاء من الأمراض، كما كانت لقاءاته كثيرة لفضيلة الإمام حسن مأمون شيخ الأزهر. لتأكيد روح المحبة والتجانس بين شريانى قلب الأمة من الأقباط والمسلمين وتعاونهم من أجل خير الوطن وسلامة، وفى برقية أرسلها البابا كيرلس السادس إلى بابا روما جاء فيها (سنموت مسلمين ومسيحين شهداء ذودا عن القدس والأماكن المقدسة فى فلسطين)، ومن أروع مشاهد الوحدة الوطنية ما اتفق عليه الإمام حسن مأمون والبابا كيرلس السادس من تنظيم مسيرة دينية شعبية يتقدمها العملاقان الدينيان الكبيران للتعبير عن شخصهما على ما ارتكبته إسرائيل حيال عرب فلسطين وعدوانها علىبيت المقدس وما به من مقدسات مسيحية وإسلامية على حد سواء. البابا كيرلس الخامس (الباب 112) من 1874 - 1927: جاءت فترة رئاسته للكنيسة القبطية (1874 - 1927) مواكبة لفترة الاحتلال البريطانى لمصر، وكانت زاخرة بالموافق الوطنية الخالدة التى كان لها دورها الواضح فى الحفاظ على وحدة الشعب المصرى، وقفت أمامها سلطات الاحتلال عاجزة عن النفاذ إليها فقد ساند البابا الثورة العرابية وقائدها أحمد عرابى من منطلق وطنيته إلى حد أن أعلن: أن الإنجليز ليسوا مجرد معتدين، بل إنهم مكمن للخطر حيث أقباط مصر نظرا لأطماع الكنيسة الأسقفية الإنجليزية ونشاطها التبشيرى فى مصر كما عارض البابا كيرلس الخامس مساعى كل من اللورد كرومر واللورد كتشينر الذى كان كل منهما يمثل بلاده فى وظيفة المندوب السامى البريطانى فى مصر فى وضع الكنيسة القبطية تحت الحماية البريطانية، كما سبق أن رفض البابا بطرس الجاولى فى عهد محمد على حماية قيصر روسيا للكنيسة القبطية فى مصر، وكان نتيجة هذا الموقف الرافض من البابا كيرلس الخامس وعدم تجاوبه مع اللورد كرومر فى سياسته ومطالبه أن دبر له أمرا بإبعاده وصدر أمر نفيه، وقد سجل المؤرخ البريطانى ليدر عن البابا كيرلس الخامس قائلا: (من الواضح أن البطريرك الذى استبعد بأمر المندوب السامى البريطانى قد أثبت فى النهاية أنه سيد الموقف، ثم استطرد قائلا: لقد عاد البطريرك من منفاه كعملاق تجدد نشاطه وعملاق أيضا استخدم نفوذه وسلطانه، وهكذا وقف البابا كيرلس فى وجه أطماع اللورد كرومر فى الكثير من المواقف محتفظا بوطنيته وقومية كنيسته، وقد سجل اللورد كرومر فى مؤلفه modern egypt شهادة تاريخية مشرفة لأقباط مصر ومسلميها إذ قال إن الفرق الوحيد بين القبطى والمسلم هو أن الأول يعبد الله فى كنيسته والثانى فى مسجده ولا نستطيع أن نفرق بينهما ومن منطلق وطنية البابا كيرلس الخامس آزر زعماء ثورة 1919، وبارك تآلف أبناء الشعب المصرى من المسلمين والأقباط من أجل تحقيق مطالب الشعب المصرى فى الاستقلال والحرية ويقول سعد زغلول زعيم الأمة عن وطنية الأقباط والمواقف الوطنية لبطريركهم فى الخطبة التى ألقاها يوم 1923/9/19 لولا وطنية الأقباط وبطريركهم كيرلس الخامس وإخلاصهم الشديد و حبهم لوطنهم لتقبلوا دعوة الأجنبى بجانبهم ولفازوا بالجاه والسلطان والمناصب الكبيرة بدلا من النفى والسجن و الاعتقال، لكنه فضلوا أن يكونوا مصريين معزبين محرومين من المناصب و الجاه ويذوقون الموت والظلم على أن يكونوا محميين بأعدائهم وأعدائكم. البابا كيرلس الرابع (البابا 110) من 1853- 1862: سبق هذا البابا عصره فى وطنيته و حبه لمصر ولأبنائها على حد سواء حتى لقبه المسلمون والأقباط بأبى الإصلاح لنشره التعليم و الثقافة فى مصر، وقد سبق عصره فى اهتمامه بتعليم البنت بصفتها أم المستقبل وعلى مسئولية تربية النشء كما كان أول من أحضر مطبعة كبيرة من النمسا وكانت ثانية المطابع الحديثة التى تدخل أرض مصر بعد المطبعة الأميرية التى أحضرها محمد على وقد استقبلت المطبعة من الكنيسة فى احتفال كبير تقديرا للثقافة والتنوير التى تنشره بواسطتها، كما كان لمدارسه دور كبير فى نشر الثقافة وإعداد جيل من المثقفين والعلماء الوطنيين، فقد تخرج فى مدارسه أربعة من رؤساء الوزارات فى مصر هم: بطرس غالى باشا، يوسف وهبه باشا، عبدالخالق ثروت باشا وحسين رشدى باشا، فضلا عن المئات من قادة الفكر والسياسية والوزراء وغيرهم من أبناء مصر من المسلمين والأقباط على حد سواء، كما كان للمواقف الدبلوماسية الوطنية التاريخية التى قام بها شأن عظيم إذ لعب دورا خطيرا فى الدفاع عن إقليمى هرر وزيلح اللذين كانا تابعين لمصر آنذاك فتوجه إلى إمبراطور الحبشة موفدا رسميا من الوالى سعيد باشا، وقد نجح البابا فى مهمته الوطنية ورحب به سعيد باشا عند عودته إلى أرض الوطن فى 13 فبراير 1858 ميلادى بعد غيبة سنة ونصف السنة. البابا بطرس الجابولى (البابا 109) من 1809- 1825: برز فى عهده الدور القومى للكنيسة القبطية، ويقصد به موقف الكنيسة فى الذود عن شخصية مصر والدفاع عن استقلالها الدينى والفكرى، ففى عهد محمد على برز دور البابا بطرس السابع المعروف بالجاولى - وهو أول البطاركة الذين رسموا فى الكنيسة المقرسية بالأزبكية فى قمة الوطنية وصدق الحب لمصر حين رفض عرض القنصل الروسى حماية قيصر روسيا لأقباط مصر وتبعيتهم لكنيستها ولما بلغ رفض البابا لوالى مصر محمد على توجه بنفسه إلى الدار البطريركية ليقدم شكره وتقديره للبابا ويذكر الدكتور محمد فؤاد شكرى فى كتابه (بناء دولة مصر محمد على): لقد رفعت اليوم شأنك وشأن أقباط مصر وشأن بلادك. فليكن لك مقام محمد على، على مصر ولتكن لك مركبة معدة كمركبته ولتبنى ما شئت من الكنائس لأبناء مصر الأقباط. البابا يؤانس الرابع (البابا 48) من 777 - 799 : حدث فى عهده انخفاض مستوى مياه النيل مما أدى إلى نقص كبير فى المحاصيل الزراعية وضعف المساعدات من الخارج. فأخذ البابا يتجول فى جميع أنحاء مصر بين الأغنياء من الأقباط والمسلمين لسد حاجة المعوزين من أبناء مصر، وبهذا الجهد الوطنى والإنسانى نجح البابا فى تلافى خطر المجاعة وما يترتب عليه من ضحايا.