عاش الشارع الجزائرى حالة كبيرة من الحراك قبيل بدء الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية أمس الأول وسط توقعات متضاربة حول نتائج هذا الحدث الضخم الذى انتظره الجزائريون طويلا، ولم تحسم التوقعات تماما لمن ستكون الغلبة أيكتسح التيار الإسلامى أم تجد أحزاب المعارضة التأييد أم ينال الحزب الحاكم رضاء الجماهير؟ وقد انتقل الحوار حول الانتخابات البرلمانية التى لم تعد معركة سياسية عادية، بل أصبحت معركة حول مستقبل الجزائر ووجهتها وهويتها من الأحزاب و الساحات السياسية ووسائل الإعلام إلى كل بيت فى الجزائر، الكل يطالب بتغيير الحاضر ويطمح فى غد أفضل، لأنه الخيار الوحيد حتى تتجنب بلد المليون شهيد ثورة فى ظل تجول تشهده منطقة حكمها الاستبداد طوال ثلاثة عقود ماضية وتسعى الآن إلى التحرر و الانعتاق من ميراث يثقل كاهل دولها جميعا. وتدخل الجزائر المعركة الانتخابية بمجموعة من التحديات أبرزها التخوف من عزوف الجماهير عن المشاركة فى الانتخابات، فالمواطن الجزائرى تثقله هموم البطالة وارتفاع الأسعار بشكل ملحوظ منذ فبراير الماضى، بالإضافة إلى ارتفاع أجور السكن، كما أنه لا يرى أملا فى التغيير نظرا لسيطرة حزب (التجمع الوطنى الديمقراطى الحاكم) بزعامة الرئيس الجزائرى عبدالعزيز بوتفليقة على مجريات الأمور وهو ما يرونه سيحسم النتيجة لصالحه، هذا بالإضافة إلى مجموعة من الشباب الجزائرى الذى أ نشأ العديد من الصفحات على موقع التواصل الاجتماعى (فيس بوك) يدعون فيها لضرورة المقاطعة. وفى هذا السياق، قال الباحث السياسى رشيد غريم: إن الجزائريين يتابعون الحملة الانتخابية دون الاهتمام بها، وهذا تصرف ليس بالمفاجئ، لأن خطاب المرشحين لم يأت بجديد، مضيفا، أنها نفس الوعود، والناخبون أصبحوا لا يصدقونها، وأكد غريم أن الإصلاحات السياسية التى أدت إلى هذه الانتخابات لم تغير شيئا فى الحياة اليومية للجزائريين المنشغلين أكثر بالمشاكل الاجتماعية التى ألقت بثقلها على الحملة الانتخابية. التحدى الآخر يكمن فى دعوة بعض الإسلاميين لمقاطعة الانتخابات بينما اختار آخرون من بينهم خوض المعركة ، فقبل أيام قليلة من بداية السباق الانتخابى دعا أبو مصعب عبد الودود، زعيم تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الجزائريين لمقاطعة الانتخابات التى وصفها بعملية تجميلية تهدف لإضفاء شرعية زائفة على حكم فاسد. هذا فيما هدد التحالف الانتخابى الإسلامى الذى يدعى "تكتل الجزائر الخضراء" بالانسحاب من الانتخابات التشريعية فى حال ظهور بوادر تزوير من قبل الحزب الحاكم .كذلك حزب (الجبهة الإسلامية للإنقاذ) بقيادة عباسى مدنى المقيم فى قطر منذ سنوات، والذى أعلن رفضه الواضح والصريح للمشاركة فى هذه الانتخابات ودعا إلى مقاطعتها، مؤكدا أن المشاركة هى بمثابة (تزكية للباطل) وأن الضمانات التى يدّعى النظام توفيرها إنما هى ضمانات زائفة مخادعة، وهى آخذة فى التآكل ميدانيًا يومًا بعد يوم. وما زاد من تخوف الإسلاميين تصريحات رئيس الوزراء الجزائرى أحمد أويحيى أخيرا حيث أكد أن فوز الإسلاميين فى الانتخابات المقبلة يحتاج إلى معجزة، وأنه سيتصدى لكل من تسول له نفسه المساس باستقرار الجزائر أو العودة بها إلى الوراء وهو ما أدى إلى انتقادات واسعة تعرض لها أويحيى من جانب الأحزاب الإسلامية الجزائرية، معتبرين تصريحاته مقلقة ومخيفة وتنم عن عقلية وثقافة التزوير الذى حدث فى رأيها فى الانتخابات النيابية السابقة فى الجزائر. ويرجح بعض المراقبين ألا تبتسم انتخابات البرلمان الجزائرى للإسلاميين هذه المرة كما هى الحال فى مصر وليبيا و تونس، فإسلاميو الجزائر لهم ماضى دموى كلف البلاد حوالى 100ألف قتيل منذ حقبة التسعينيات بعدما ألغت السلطات الجزائرية الانتخابات عام 1992 بسبب اكتساح حزب(الجبهة الإسلامىة للإنقاذ) مما أدى إلى تدخل الجيش وتفجر أعمال العنف فى البلاد حتى الآن، ويستبعد أبو جرة سلطانى رئيس حركة السلم الجزائرى أن تقوم السلطات بإلغاء الانتخابات إذا فاز الإسلاميون هذه المرة نظرا لما عانته الجزائر من انتشار الحركات الإرهابية وتردى الوضع الاقتصادى للبلاد بعد ألغاء الانتخابات، مؤكدا أنه لابد من احترام إرادة الشعب فى أن يحيا حرية كريمة. وفى الوقت نفسه يرى آخرون أنها فرصة للسلطات الجزائرية أن تظهر للعالم أن البلاد تشهد حالة ديمقراطية فريدة وتسمح لكل فئات المجتمع بالمشاركة، ولا تمانع أبدا أن تكون الأغلبية فى البرلمان للإسلاميين ، كذلك هى فرصة للرئيس الجزائرى ليتجنب بركان العنف الإسلامى الذى بالتأكيد سيخمد ما إن وجد شكلا شرعيا يعبر فيه عن أفكارة وآرائه. وحول فرص الإسلامىين فى الفوز يقول مصطفى دالع الكاتب والمحلل الجزائرى إن البرلمان سيضم ممثلين عن كل الأحزاب . فعلى الرغم من تعاظم فرصة الإسلامىين مقارنة بالانتخابات الماضية فى ظل مناخ الربيع العربى، فإن هناك تشتتا سيوزع أصوات الناخبين بين الحزب الحاكم والمعارضة والأحزاب الإسلامىة التى لم يكن أداؤها مشرفا فى الانتخابات الماضية، وهو ما سيجعل برلمان اليوم مختلفا عن سابقه .ويرى دالع أن تجربة التسعينيات مازالت تلقى بظلالها على المشهد الجزائرى، فالكل يسعى إلى تدارك أخطاء الماضى بداية من الإسلامىين الذين بدأوا فى اعتناق تيار وسطى معتدل بعيد عن تشدد السلفيين ونهاية بظاهرة التحالفات التى انتهجتها الحكومة والمعارضة كنوع من التصدى الجماعى للتيارات الإسلامىة. وفى ظل عجز السلطة والأحزاب عن إقناع الناخب الجزائري، أو ما تسمى الأغلبية الصامتة تحديدا، للتصويت لصالحها ظهرت ورقة رابحة قد تستغلها السلطه الحاكمة لإقناع الناخب بالتصويت لها وهى الانقلاب العسكرى الذى تشهده (مالى )الجارة الجنوبية للجزائر ، والتهديدات التى تواجه وحدة التراب الجزائرى وتماسك المجتمع بسبب مخاطر التمرد والانفصال وإقامة كيان جديد لسكان الطوارق فى "أزواد" قريبا من الحدود الجنوبية للجزائر، وما زاد الوضع غموضا التركيبة المعقدة والمتضاربة للأطراف المشكلة للتمرد من مجموعات منتسبة للقاعدة إلى بقايا الحركة الشعبية لتحرير أزواد. صحيح أن تسارع الأحداث وتطوراتها فى المقاطعات الشمالية لمالى صدم الدبلوماسية الجزائرية وفاجأ مراكزها الأمنية والاستخبارية، حيث لم تتوقع هذا الانهيار السريع للقوات الحكومية فى مالى وانسحابها من المناطق التى تم الاستيلاء عليها، وتقسيم الجارة الجنوبية إلى قسمين، وهو ما يعنى وجود ثغرة كبيرة فى حدودها الجنوبية ومصدر قلق بالغ واستنزافا للمخزون العسكرى، إلا أن الحزب الحاكم لن يجد فرصة أكبر من ذلك للتأكيد على أن الأمل الوحيد للاستقرار فى الجزائر فى ظل هذه الظروف لن يأتى ألا بالإبقاء على الحكومة الحالية. وفى الوقت نفسه عبرت عدة أحزاب جزائرية عن تخوفها من تحالف المال الفاسد مع السلطة للاستيلاء على إرادة الجزائريين عبر شراء أصوات الناخبين بمختلف الإغراءات، ورأت فى لجوء بعض الأحزاب إلى بيع قوائم الترشح لرجال المال والأعمال فى الولايات مؤشرا واضحا على فساد العملية الانتخابية منذ البداية، كذلك مشكلة القوائم الفارغة حيث تخوف كثيرون من اقتصار القوائم على إعلان أسماء شخصيتين فقط، فى حين أن القائمة تضم 14 أسم وهوما يزيد تخوف البعض تجاه محاولة إخفاء باقى الأسماء التى قد تكون وجوها غير محبوبة أو نوابا قدامى أو أعوانا للنظام. والآن وبعد اكتساح التيار الإسلامى لانتخابات الربيع العربى هل ستكسر الجزائر القاعدة وتتفرد ببرلمان متنوع الاتجاهات والانتماءات ؟هل تعلم الجزائريون درس تسعينيات القرن الماضى وما نتج عنه من عنف أستنزف البلاد لأكثر من عشرين عاما ؟ هل ترضخ السلطات الجزائرية لرغبة الشعب حتى وإن أدى ذلك لاغلبية إسلامية فى البرلمان ؟ وكيف سيكون تأثير العامل الخارجى خصوصا موقف الولايات المحدة وفرنسا على صياغة المشهد الجزائرى ؟.. كلها أسئلة يستطيع الناخب الجزائرى وحده الإجابة عنها.