بيروت على رزق وصف وزير العدل الأمريكي «Eric Holder» الشهر الفائت، التهديد الذي يشكله تنظيم داعش "بأنه أكثر إثارة للخوف من أي شيء رأيته كوزير للعدل"، مضيفاً أن ذلك "يسبب لنا قلقا شديدا جداً"، وفي نفس الوقت أعلن وزير الأمن الداخلي الأمريكي Jeh Johnson إجراءات جديدة ومشددة في مطارات خارجية محددة التي تنطلق منها رحلات جوية مباشرة إلى الولاياتالمتحدة، حتى إن الرئيس أوباما نفسه قال آنذاك إن المواطنين الأوروبيين الذين التحقوا بداعش يشكلون "تهديدا حقيقيا" للولايات المتحدة حيث يملكون "جوازات سفر أوروبية" و "لا يحتاجون تأشيرات للدخول إلى الولاياتالمتحدة". كل ذلك يشير بما لا يدع مجالاً للشك إلى إدراك أمريكي بأن داعش يشكل تهديداً للأمن الداخلي. وصحيح أن الرأي العام الأمريكي يعارض بشدة أي حروب أمريكية جديدة، لكن صحيح أيضا أن وقوع هجوم إرهابي في الداخل الأمريكي، أو حتى استهداف أو قتل دبلوماسيين أمريكيين في الخارج كما حصل مع السفير الأمريكي السابق في ليبيا Christopher Stevens، قبل حوالي عامين، سيشكل كارثة سياسية كبرى لإرث أوباما الرئاسي، وهو على بعد أقل من عامين ونصف العام لاستكمال ولايته الرئاسية الثانية والأخيرة..بالتالي لماذا لم تتحرك واشنطن عسكرياً ضد داعش إلا بعد أن أصبح الأخير على أبواب العاصمة الكردية أربيل؟ صحيح أن أربيل هي مقر لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، و صحيح كذلك أن هناك مشاريع نفطية كبيرة لأهم الشركات النفطية العالمية في هذه المدينة، لكن بضوء الخطر الذي يشكله داعش للأمن الداخلي الأمريكي والذي حذر منه كبار المسئولين الأمريكيين قبل أكثر من شهر، ألم يكن يفترض أن تتحرك واشنطن بشكل فوري ومن دون وضع شروط مسبقة (كتنحي رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي) لدحر داعش من جميع الساحات التي ينشط فيها؟ لو تعمقنا في كيفية تعاطي واشنطن مع داعش في الساحات الأخرى قد نجد الإجابة عن هذه التساؤلات..فى الساحة السورية على سبيل المثال، هناك سيناريوهان للتدخل الأمريكي، السيناريو الأول هو أن تباشر واشنطن بتدخل عسكري ضد داعش لكن في نفس الوقت أن توسع دورها العسكري المباشر و المساعد كذلك للإطاحة بحكومة الرئيس السوري بشار الأسد، و هو مطلب لا نزال نسمعه من الصقور في واشنطن، سواء أعضاء في الكونجرس أو الباحثين في مراكز الدراسات. هذا السيناريو يعني دخول أمريكا في حرب جديدة ضد نظام حاكم (و ليس لعب دور مساعد للنظام ضد الإرهاب) واحتمال كبير لدخول أمريكا في حرب أكبر ضد أصدقاء القيادة السورية مثل إيران وحزب الله، وذلك سيناريو من مستحيل أن يدخل فيه أوباما، حيث يتناقض بشكل تام مع مقاربته في السياسة الخارجية و التي إحدى أهم خصائصها هي عدم الدخول في هذا النوع من المغامرات العسكرية، السيناريو الثاني هو أن تتحرك واشنطن عسكرياً ضد داعش داخل الأراضي السورية بالتنسيق مع الحكومة السورية، بحيث يصبح الرئيس السوري بشار الأسد شريك علني في مكافحة الإرهاب. ما منع هذا السيناريو هي الضغوط التي كان سيتعرض لها أوباما (وهو من الأساس متهم من قبل خصومه بالضعف أمام "أعداء أمريكا التقليديين")، من قبل صقور واشنطن، وإسرائيل، و دول الخليج، خصوصا المملكة العربية السعودية، وهؤلاء جميعاً ينظرون إلى الملف السوري من زاوية الفرصة لإضعاف الخصم اللدود، و هي الجمهورية الإسلامية الإيرانية. إذا رفض أوباما الدخول في حروب كتلك التي شنها سلفه، و في نفس الوقت عدم استعداده للدخول في مواجهة مع صقور الداخل وحلفاء أمريكا التقليديين، أدت به إلى اتباع إستراتيجية مساعدة ما يسمى "المعتدلين في المعارضة السورية"، و هي أشبه باللا إستراتيجية الهادفة أكثر إلى إسكات المنتقدين..وفي العراق، لو تحرك أوباما عسكرياً و بشكل فوري عندما تقدم داعش وسيطر على مدينة الموصل، لكان أيضا تعرض لانتقادات لاذعة من قبل الصقور في واشنطن، لكن بشكل خاص من المملكة العربية السعودية، المعروفة بعدائها للمالكي والتي تخوض ما يشبه الحرب الباردة حالياً مع طهران. (بات مجرد اسم المالكي في الفترة الأخيرة يرمز إلى نفوذ طهران المتوسعة بالنسبة للسعودية). بالتالي يبدو أن لموقف الرياض دورا كبيرا في حسابات أوباما حول مكافحة الإرهاب ومحاربة داعش. فبعد رحيل المالكي (وهو مطلب سعودي قديم) واختيار حيدر العبادي رئيس وزراء مكلف، وجه العاهل السعودي عبدا لله بن عبد العزيز رسالة تهنئة إلى العبادي. عقب ذلك توسع الدور العسكري الأمريكي ضد داعش ليتخطى أربيل ومحيطها، حيث كثفت الطائرات الحربية الأمريكية ضرباتها ضد مواقع داعش في دورها المساند للقوات العراقية وقوات البشمرجة الكردية من أجل استعادة سد الموصل. تشير جميع هذه المعطيات إلى أن أوباما لم يكن يريد التحرك العسكري ضد داعش دون أن يحظى بتأييد ودعم سعودي، بحيث تنضم السعودية إلى هذه الحرب وتصبح شريكة لأمريكا في مكافحة الإرهاب، وبالفعل بدأت تتكون هذه الصورة، حيث قدمت الرياض هبة بقيمة مليار دولار لدعم الجيش اللبناني من أجل محاربة الإرهاب.كما تبرعت بمبلغ مائة مليار دولار لمركز مكافحة الإرهاب التابع للأمم المتحدة في نيويورك. سبق ذلك حديث للعاهل السعودي طالب فيه قادة وعلماء العالم الإسلامي بمواجهة الذين يحاولون خطف الإسلام وتقديمه للعالم على أنه "دين التطرف، والكراهية و الإرهاب"..فإن مقاربة أوباما هذه التي تحرص على تأمين دعم ودور سعودي تعني على الأرجح إطالة أمد الصراع في سوريا. فهناك، لا يبدو حتى اللحظة أن الرياض مستعدة لأن يكون الرئيس السوري بشار الأسد شريكاً دولياً في الحرب ضد داعش، بل قد يكون أحد دوافعها لتعزيز دورها ضد الإرهاب هي توجيه رسالة إلى واشنطن والغرب عموماً، مفادها أنها هي الشريك الفاعل في محاربة داعش وأنه لا يمكن لإيران وحلفائها (المالكي و الأسد) لعب هذا الدور. وبالتالي ليس من المستبعد أن تجدد الرياض (بالتنسيق مع حلفائها في واشنطن من الحزب الجمهوري) حملتها المطالبة بتوسيع الدور الأمريكي من أجل إسقاط الأسد، من منطلق أنه كما كان المالكي السبب الرئيس للإرهاب في العراق، فالشيء نفسه ينطبق على الأسد. بالتأكيد أوباما لن ينطلق بهذا الاتجاه لأسباب سبق وذكرت، لكنه كذلك لن يدخل في شراكة علنية فعالة ضد داعش في الساحة السورية أقله في الوقت الراهن، مما لا يعني فقط إطالة الصراع في سوريا، وإنما كذلك استمرار خطر داعش للمصالح الأمريكية وللأمن الداخلي الأمريكي