الخشت يستعرض توسيع آفاق التعاون بين جامعتي القاهرة والشارقة.. صور    9 مايو 2024 .. نشرة أسعار الخضراوات والفاكهة في سوق الجملة    «الإحصاء»: تراجع معدل التضخم السنوي إلى 31.8% خلال أبريل الماضي    سكرتير مساعد البحيرة يتابع تلقى ملفات التصالح بالمركز التكنولوجى بحوش عيسى.. صور    مصر والأردن تبحثان تدعيم التعاون المشترك بمختلف مجالات النقل    «التخطيط»: 3.9 مليار جنيه استثمارات 274 مشروعًا بمحافظة بني سويف خلال 2023-2024    تقرير: 5 دول أوروبية تتجه للاعتراف بدولة فلسطين    إيران: عواقب وخيمة على داعمي حرب غزة إذا لم تضغط واشنطن على نتنياهو لقبول وقف إطلاق النار    تغيب حسين الشحات عن ثاني جلسات محاكمته في اتهامه بالتعدي على لاعب بيراميدز    أيمن يونس: واثق في لاعبي الزمالك للتتويج بالكونفدرالية.. وزيزو «قائد الأحلام»    ضبط 2035 كجم لحوم وأسماك غير صالحة للاستهلاك الآدمي بكفرالشيخ    محافظ بورسعيد يوجه بتوفير سبل الراحة للطلاب خلال الامتحانات    بعد قليل.. صلاة الجنازة على جثمان والدة كريم عبد العزيز    كوميديا أقل، ورعب أكثر...البيت بيتي 2 يحقق ردود أفعال واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي    السعودية: مهرجان البحر الأحمر السينمائي يفتح باب التقديم أمام الأفلام السينمائية لدورته الرابعة    9 مايو 2024.. نشرة أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية    ضبط 104 كيانات غير شرعية تبيع برامج العمرة والحج.. والسياحة تتخذ الاجراءات القانونية    وزير الإسكان يلتقى نظيره العماني لبحث سبل تعزيز التعاون المشترك بين البلدين في مجال التنمية العمرانية    بدء فعاليات دوري كأس الدكتور منصور حسن لكرة القدم بعلوم ذوي الاحتياجات الخاصة بني سويف    اليوم.. محاكمة المتهم بقتل «طفلة مدينة نصر» بعد التعدي عليها جنسيًا    وكيل "تعليم مطروح" يتابع امتحانات النقل في يومها الثاني    الدفاع المدني اللبناني: 4 قتلى في غارة إسرائيلية على سيارة جنوب البلاد    في يوم النصر.. بوتين يكشف موقف روسيا من "مواجهة عالمية" جديدة    رئيس مهرجان المركز الكاثوليكي للسينما عن رفض عرض فيلم الشيخ جاكسون: الفيشاوي رقص في المسجد    السكة الحديد: تشغيل قطارات نوم وأخرى مكيفة لمحافظتي الإسكندرية ومرسى مطروح    نشرة مرور "الفجر".. انتظام حركة شوارع القاهرة والجيزة    24 عرضا مسرحيا بالمهرجان الختامي لنوادي المسرح    طرح فيلم السرب بالسينمات السعودية .. اليوم    ظهور سلالة جديدة من فيروس كورونا.. "FLiRT" تشكل 25% من حالات الإصابة    تعرف علي الفئات الأكثر عرضة للإصابة بالرمد الربيعي    «التعليم» توفر فرص عمل في المدارس الدولية للتكنولوجيا التطبيقية.. اعرف الشروط    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 9-5-2024    طلب برلماني بوقف "تكوين".. تحذير من خطر الإلحاد والتطرف    مفاوضات القاهرة وثقافة الآباء والأبناء.. مقتطفات من مقالات كتاب الصحف المصرية    ميليشيات الحوثي تعلن استهداف ثلاثة سفن إسرائيلية في خليج عدن والمحيط الهندي    مصدر مطلع: حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية منفتحون نحو إنجاح الجهد المصري وصولا للاتفاق    موعد مباراة الإسماعيلي والداخلية اليوم الخميس بالدوري    علي جمعة: القلب له بابان.. وعلى كل مسلم بدء صفحة جديدة مع الله    91282 بالصف الثاني الثانوي بالقاهرة يؤدون امتحان نهاية العام    قراراتها محسوبة وطموحها عالٍ.. 7 صفات لامرأة برج الجدي تعكسها ياسمين عبدالعزيز    الأهلي يخطف صفقة الزمالك.. والحسم بعد موقعة الترجي (تفاصيل)    محمد فضل يفجر مفاجأة: إمام عاشور وقع للأهلي قبل انتقاله للزمالك    حكم الحج لمن يسافر إلى السعودية بعقد عمل.. الإفتاء تجيب    طقس اليوم: شديد الحرارة على القاهرة الكبرى نهارا مائل للبرودة ليلا.. والعظمى بالعاصمة 36    أحمد عيد عبدالملك: تكاتف ودعم الإدارة والجماهير وراء صعود غزل المحلة للممتاز    تامر حسني يقدم العزاء ل كريم عبدالعزيز في وفاة والدته    قائد المنطقة الجنوبية العسكرية يلتقي شيوخ وعواقل «حلايب وشلاتين»    إبراهيم عيسى: السلفيين عكروا العقل المصري لدرجة منع تهنئة المسيحيين في أعيادهم    بعد غياب 10 سنوات.. رئيس «المحاسبات» يشارك فى الجلسة العامة ل«النواب»    ناقد رياضي يصدم الزمالك حول قرار اعتراضه على حكام نهائي الكونفدرالية    «أسترازينيكا» تبدأ سحب لقاح كورونا عالميًا    الزمالك يشكر وزيرا الطيران المدني و الشباب والرياضة لدعم رحلة الفريق إلى المغرب    زعيمان بالكونجرس ينتقدان تعليق شحنات مساعدات عسكرية لإسرائيل    أحمد موسى: محدش يقدر يعتدي على أمننا.. ومصر لن تفرط في أي منطقة    استشاري مناعة يقدم نصيحة للوقاية من الأعراض الجانبية للقاح استرازينكا    وزير الصحة التونسي يثمن الجهود الإفريقية لمكافحة الأمراض المعدية    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لنا في كل أمر يسراً وفي كل رزق بركة    محافظ الإسكندرية يشيد بدور الصحافة القومية في التصدي للشائعات المغرضة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الممولون لتنظيم الدولة الإسلامية «داعش»
نشر في الدستور الأصلي يوم 03 - 09 - 2014

لطالما تواجد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» وأسلافه سرًا في مدينة الموصل العراقية قبل أن يشنّ هجماته وعملياته الشرسة عليها في السادس من يونيو الماضي بوقت طويل، وقاموا بعمليات مختلفة؛ شملت جمع التبرعات عبر شبكات الجريمة المنظمة، كما باشروا هجماتهم بعمليات «تقصّي» مُعمقة أجرتها فصائل المقاتلين السُنّة عند الأطراف الشمالية والغربية للمدينة، وسرعان ما تعاظم هذا الهجوم شأنًا وحجمًا؛ حتى تمكنوا من السيطرة العلانية على شوارع المدينة، ودخلوا في نزاعات مع القوات الحكومية في الأحياء ذات الأغلبية العربية إلى الغرب من نهر دجلة، وتمكنوا من احتلالها بالكامل في التاسع من الشهر ذاته، ووقع سكان ثاني أكبر مدينة في العراق، البالغ عددهم 1.8 مليون نسمة تحت سيطرته.

الداعمون لتنظيم الدولة الإسلامية
كانت قد وجهت اتهامات للعديد من دول الخليج بأنها تمول متشددي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، لكن الصورة غير واضحة تمامًا في الحرب.
يذكر أن تنظيم «داعش» الذي كان يُعرف فيما مضى بتنظيم «القاعدة في العراق»، هو جماعة قتالية بقيادة عراقية تُجنّد انتحارييها بشكل رئيسي من المتطوعين الدوليين، أما جنودها المُشاة فتجمعهم من العراق وسوريا، في حين تأتي أموالها بالدرجة الأولى من مجموعة محلية من جماعات الجريمة المنظمة، وكان تنظيم «داعش» قد استغل الأزمة السورية الطاحنة ليعزز قوته، ويؤكد استقلاليته عن القيادة العليا ل«تنظيم القاعدة» في باكستان، التي تنصلت منها في أبريل 2013.

وهناك ثمة كتابات كثيرة عن حصول تنظيم الدولة الإسلامية، على دعم من جهات مانحة ومتعاطفين معه، لاسيما من دول الخليج الثرية، وكان بالطبع من بين أكثر الاتهامات، أن قطر وتركيا والسعودية هي الدول الوحيدة المسؤولة عن وجود هذا التنظيم.
لكن الحقيقة أكثر تعقيدًا من ذلك وتحتاج إلى بعض التحقيق؛ فهناك بالفعل بعض الأفراد الأثرياء من دول الخليج الذين مولوا الجماعات المتطرفة في سوريا، إذ ينقل الكثير منهم حقائب الأموال إلى تركيا ويسلمون ملايين الدولارات في الوقت المناسب.
كان هذا الأسلوب هو الأكثر اتباعًا في عامي 2012 و2013، لكنه تراجع وأصبح يمثل نسبة ضئيلة للغاية من إجمالي الدخل المتدفق على خزائن تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2014.
كما أن السعودية وقطر، باعتقادهما أن الرئيس السوري بشار الأسد، آيل للسقوط فضلاً عن كون الإسلام السياسي السُنّي هو المحرك الرئيسي لأهدافهما السياسية، قدموا دعمًا للجماعات التي تتسم بالإسلامية المتشددة، وكان من أمثال تلك الجماعات "لواء التوحيد" و"أحرار الشام" و"جيش الإسلام"، وجميعها على صلات قوية بجبهة النصرة، جناح تنظيم القاعدة في سوريا، كما وجهت انتقادات لقطر، على وجه التحديد، لعلاقاتها الغامضة بالتنظيم.
من جانبها، انتهجت تركيا سياسة أثارت تساؤلات كبيرة بشأن الحدود التي تدفقت عبرها الأسلحة والأموال إلى سوريا، بدعم قطري وسعودي، وكان الجميع يعتقد أن ذلك سيسهل نهاية نظام حكم بشار الأسد، وإعادة سوريا إلى سلطة سُنّية، وقطع الطريق على إيران الشيعية إلى البحر المتوسط.
التمويل السعودي لتنظيم الدولة الإسلامية
لا تزال تُطرح التساؤلات حول الدعم المالي السعودي لهذه الجماعة؛ وتستوجب معالجة هذه التساؤلات تكوين فهمٍ أفضل لثلاثة مسائل هي: نطاق الدعم الرسمي - إن وُجد - الذي تقدمه الحكومة السعودية ل«داعش»؛ وسماح الحكومة بتقديم التبرعات الخاصة للتنظيم؛ والأهمية النسبية للهبات السعودية بالمقارنة مع مصادر الدخل الأخرى التي تتوفر للجماعة.
ولم تظهر في الوقت الراهن أي أدلة موثوقة على تقديم الحكومة السعودية الدعم المالي لتنظيم الدولة الإسلامية؛ فالرياض تعتبر هذه الجماعة منظمة إرهابية تشكل تهديدًا مباشرًا للأمن في المملكة، وقد جاء هذا التصنيف ليحظّر على سكان السعودية مدّ الجماعة بالدعم بشتّى أشكاله.
ويقيناً، كثيرةٌ هي الحكومات في المنطقة وخارجها التي تموّل في بعض الأحيان الأحزاب المعادية من أجل الإسهام في بلوغ أهداف معينة في سياساتها، ولا ريب أن الرياض استلذّت بالزحف السُنّي الأخير الذي قادته «الدولة الإسلامية» ضد الحكومة الشيعية في العراق، وكذلك بالمكاسب التي حققها الجهاديون في سوريا على حساب الرئيس بشار الأسد، ومع ذلك، فإن اعتبار الرياض بأن خطر «داعش» الإرهابي وشيك قد يحول دون تمويل الجماعة بشكل رسمي (مع أننا لن نفاجأ إذا علمنا بحدوث تعاون لوجستي محدود - وربما اتصال غير مباشر- هدفه تعزيز المواقع السُنّية في سوريا وما يتعداها، أو بتسريب الأموال والمواد من الثوار المدعومين من السعودية إلى داعش.
التبرعات الخاصة
هناك اعتقاد خاطئ بأن المملكة العربية السعودية لا تعترض سبيل تمويل الجهات السعودية الخاصة للتنظيمات الإرهابية العاملة في سوريا، بما فيها تنظيم «داعش»، لكن أحد أبرز أنشطة مكافحة التمويل الإرهابي الملحوظة التي تمارسها الرياض هو مراقبتها للقطاع المالي الرسمي في البلاد من أجل ردع التبرعات المشبوهة؛ وبالفعل فإن حملات جمع الأموال التي تقام على مواقع التواصل الاجتماعي تسلط الضوء على التحديات التي تواجهها عملية إرسال هذه الأموال من السعودية إلى سوريا، ومن أجل الحرص على وصول المساهمات إلى سوريا، تُنصح الأطراف المانحة السعودية بإرسال الأموال إلى الكويت، التي طالما اعتُبرت واحدة من أكثر البيئات تسهيلاً للتمويل الإرهابي في الخليج العربي.
وفي السياق نفسه، إن تخوّف الرياض من الارتداد - أي اعتقادها بأن السماح لمواطنيها بدعم التنظيمات الإرهابية المعادية للعائلة المالكة آل سعود سيؤدي في نهاية المطاف إلى نشوب الاعتداءات على الأراضي السعودية - يسهم في تحفيز نهج المملكة العربية السعودية في مكافحة الإرهاب.
واليوم لا يزال المواطنون السعوديون يشكلون مصدر تمويل ملحوظ للحركات السُنّية العاملة في سوريا، وفي الواقع إن الأطراف المانحة في الخليج العربي ككل - ويُعتقد أن السعوديين أكثرها إحساناً - أرسلت مئات الملايين من الدولارات إلى سوريا في السنوات الأخيرة، بما في ذلك إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» وجماعات أخرى. وهناك دعم سعودي ل«داعش» في المملكة العربية السعودية، وهذه الجماعة تستهدف السعوديين مباشرةً في حملاتها لجمع الأموال، لذلك تستطيع الرياض أن تقوم بما هو أكثر من مجرد الحد من التمويل الخاص.
تطلعات الدولة الإسلامية في العراق
يشار إلى أن أهم التطلعات التي يسعى إليها تنظيم الدولة الإسلامية، يكمن في العراق، حيث إن الغالبية العظمى من قيادات وعناصر هذا التنظيم تحمل الجنسية العراقية، بمن فيهم أمير الجماعة أبو بكر البغدادي.
وسيطرة «داعش» على مدينة الموصل؛ يجعله مسؤولاً عن العاصمة السياسية والاقتصادية المزدهرة للمجتمع العراقي العربي السُنّي، وهذه غنيمة ذات قيمة هائلة بالنسبة له، كما أن «داعش» يخوض هذه الحرب حتى يتمكن من تحقيق حلمه، الذي أوشك بالفعل وبشكل خطير من تحقيقه، بإعادة الخلافة الإسلامية الممتدة من الساحل اللبناني المُطل على البحر المتوسط حتى جبال زاغروس في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

ويستعين «داعش» في حربه لاحتلال العراق بمقاتلين تدربوا في ساحات المعارك السورية المحتدمة حاليًا، وفي الساحات العراقية وقتما كانوا يقاومون الغزو الأمريكي للعراق سابقًا؛ ما مكنّه من شق طريقه بسهولة نحو الأحياء الغربية في مدينة الموصل، منطلقًا من الصحراء السورية-العراقية المعروفة باسم «بادية الجزيرة»، والتي تقع بين دجلة والفرات، كما استغل تنظيم الدولة الإسلامية ضعف سيطرة الحكومة العراقية على «البادية» في إدخال مئات المقاتلين من العراق وسوريا إلى معركة الموصل.
ومنذ أن بدأ صعود نجم تنظيم الدولة الإسلامية المستمر في عام 2013، واجهت هذه الجماعات طريقين، إما مواجهة تنتهي بسحق التنظيم لها، أو اتخاذ قرار يرى أنه من الأفضل الانضمام إلى الفريق المنتصر، والانشقاق بأسلحتهم وأموالهم والانضمام لصفوف التنظيم.
وبقت جماعة النصرة وحدها صامدة على موقفها، وشكلت تحالفًا قويًا مع نظراء أكثر تشددًا، وأعلن نحو 3 الآف مقاتل من جماعة النصرة الولاء خلال هذه الفترة.
هل مولت قطر تنظيم الدولة الإسلامية؟
الإجابة المباشرة هي "لا"، لكن بشكل غير مباشر أدت سياسة بليدة وسلوك ساذج إلى وصول أسلحة وأموال بدعم قطر إلى أيدي تنظيم الدولة الإسلامية، وبالمثل فإن السعودية بريئة من سياسة الدولة المباشرة لدعم التنظيم، لكن كما حدث مع قطر، فقد دفع الإصرار على إسقاط "الأسد" إلى حدوث أخطاء فادحة في اختيارها للحلفاء، ولكن تبرز قضايا أكثر عمقًا هنا، فالروابط الدينية والتعاطف مع جماعة تعمل على نحو صريح ضد مصالح إيران الشيعية في المنطقة، ووجود دعم ضمني من أناس عديدين بمنطقة الخليج أكثر مما قد يعترف به كثيرون؛ فالفظائع التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية يصعب على أي شخص أن يدعمه، غير أن هدف التنظيم الساعي لإقامة خلافة (إسلامية) فكرة تحظى بجاذبية عند بعض العقول الإسلامية.

وكثير من الذين دعموا الهدف قادهم الطريق بالفعل إلى سوريا، حيث قاتلوا وقتلوا من أجل تنظيم الدولة الإسلامية وجماعات أخرى، كما أعرب آخرون عن دعم سلبي وسيواصلون ذلك لسنوات.
كما حقق تنظيم الدولة الإسلامية قدرًا كبيرًا من النجاح، بعد أن استطاع التغلب على الآخرين من حيث القتال وإطلاق حملة إعلامية ناعمة تنطق بعشرات اللغات من أجل اجتذاب الشباب والشابات إلى قضيته، وأثبت التنظيم في كل أنشطته، من القتال إلى التنظيم والهيكل التراتبي ورسائل الإعلام، أنه أبعد بكثير من أن يصبح من الفصائل المعارضة التي تعمل في المنطقة.
اقتصاد الحرب
لقد أسس تنظيم الدولة الإسلامية ما قد يبدو بداية لنظام شبيه بالدولة؛ يتألف من وزراء ومحاكم وحتى نظام ضريبي بدائي يفرض أقل بكثير ما يدفعه المواطنون في سوريا في ظل حكم الأسد.

ولقد أظهر التنظيم نمطية منذ أن بدأ الاستيلاء على الأراضي مطلع عام 2013؛ فبمجرد سيطرته على بلدة ما، سرعان ما يعمد إلى تأمين المياه والدقيق والموارد الهيدروكربونية بالمنطقة، وبناء على ذلك يدفع السكان المحليين إلى الاعتماد عليه من أجل البقاء، حيث إن الاعتمادية والدعم ليسا شيئًا واحدًا، ومن المستحيل تحديد كم من "مواطني" تنظيم الدولة الإسلامية شركاء يرغبون في مشروعه أو حتى يطيعونه من منطلق الحاجة للاستقرار أو الخوف من العقاب.
إن فهم كيفية عمل اقتصاد التنظيم أشبه بالخوض في عالم مظلم من الوسطاء وصفقات مشبوهة من الأعمال، فهو يصدر نحو 9 الآف برميل من النفط يوميًا بأسعار تترواح من 25 و45 دولارًا للبرميل، يذهب بعضها إلى وسطاء أكراد في تركيا، وبعضها يذهب للاستهلاك المحلي للتنظيم، في حين يذهب البعض الآخر إلى نظام الأسد الذي بدوره يبيع الأسلحة مرة أخرى إلى التنظيم.
والقضية هي أن تنظيم الدولة الإسلامية يمول أنشطته ذاتيًا، وبالتالي لا يمكن عزله أو استئصاله عن العالم؛ لأنه وثيق الارتباط بالاستقرار الإقليمي على نحو لا يحقق له الاستفادة لنفسه فحسب، بل لأولئك الذين يحاربهم.

والسؤال الأكبر بالطبع هو ما إذا كان هذا الجزء الذي لا يتجزأ عن المنطقة يمكن هزيمته، فمن غير المرجح أن يحدث ذلك بدون تدخل من الدول الغربية، وبالرغم من أن القبائل السُنيّة في العراق تفكر في إعلان ولاءها للتنظيم، فهي لا تملك الأسلحة أو الأموال اللازمة لسحق تنظيم الدولة الإسلامية، كما لا يملك الجيش العراقي ولا نظيره السوري ذلك.
ارتباك المشهد داخليًا وخارجيًا
وعلى وقع المفاجأة، أدركت الحكومة العراقية متأخرة، أن تراجع القوات الأمنية يرجع بالأساس إلى انخفاض الروح المعنوية للجيش العراقي، والذي ظهر في سرعة سيطرة داعش على المحافظات، علاوة على سبب آخر يتعلق بعدم وجود عقيدة عسكرية وطنية، خاصة بعد أن أدخلت الصبغة الطائفية على الجيش العراقي مع إبعاد العديد من القيادات والكفاءات السُنّية، واستحواذ نوري المالكي على كافة مقاليد السلطة في البلاد.

وعززت الأحداث في العراق في زيادة ارتباك المشهد الدولي بصورة ملحوظة، ورغم الإدانات الدولية الواسعة لتوغل وسيطرة داعش في العراق، إلا أنه لم تتحول هذه الإدانات والتصريحات الرافضة للواقع إلى أفعال ملموسة لمجابهة هذا الخطر الذي لن يقف عند حد الدولة العراقية بل من شأنه أن يلقي بظلاله على الأمن الإقليمي بصورة أكثر شمولاً.
ونجد أن إيران، الداعم الرئيسي للعراق، أكدت اعتزامها مكافحة العنف والإرهاب، حيث أدان الرئيس الإيراني حسن روحاني، في خطاب بثه التليفزيون الحكومي الإيراني، الأعمال الوحشية التي ارتكبها داعش ضد المدنيين، وأكد من جانب آخر أنه سيقدم المساعدة اللازمة في حال طلب العراق لذلك الأمر؛ ما قد يفرض عددًا من الإجراءات على الحكومة الإيرانية للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في منطقة نفوذها في العراق، وزعمها بأنها تعتزم إرسال عدد من فرق الحرس الثوري الإيراني للقتال في العراق والوقوف إلى جانب القوات العراقية لمنع مواصلة تقدم داعش نحو العاصمة العراقية بغداد.

ودخلت تركيا كذلك على خط الأزمة، حيث دعت حلف الشمال الأطلنطي إلى عقد اجتماع طارئ لبحث التدهور الأمني على حدودها، كما دعت دول الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية والقوى الوطنية العراقية إلى توحيد قواها لاستعادة الأمن في الموصل وغيرها من المحافظات التي سيطرت عليها داعش.
كما عبّرت المملكة العربية السعودية عن أسفها البالغ للأحداث الجارية في العراق، ودعت إلى تنسيق دولي لمواجهة ظاهرة الإرهاب، باعتباره من أخطر التحديات التي تواجه المجتمع الدولي، وطالبت في نفس السياق، المجتمع الدولي بسرعه اتخاذ الإجراءات المناسبة لإنهاء الأزمة السورية، باعتبارها السبب الرئيسي في خلق العديد من البؤر الإجرامية.

تحليل المشهد وسيناريوهاته المستقبلية
إن ما يشهده العراق مجرد حصاد مؤلم لسياسات نوري المالكي الخاطئة طوال الفترة الماضية، ولتشرذم واختلاف القوى السياسية العراقية على مختلف أطيافها، وانشغال الجميع بإدارة حساباته الداخلية دون النظر لمصالح الدولة العراقية بشكل أشمل وأعمق؛ فمن خلال سياسات "المالكي" الإقصائية، والتي اعتمدت على التهميش مما غزى الروح الطائفية، وكذلك تأخر القوات العراقية في إعادة السيطرة على العديد من المناطق التي شهدت حراكًا ثوريًا منذ أكثر من عام، مما أتاح المجال بصورة واضحة أمام تنظيم داعش لفرض سيطرته وساعده على التواصل مع أبناء العشائر والقبائل في تلك المناطق مما أسهم بصورة أو بأخرى في سهولة سيطرته وإحكامه على تلك المناطق، وهو ما حدث بالفعل مع مواجهات داعش ووقوف بعض أبناء العشائر معها.
كما أن سقوط محافظة نينوى يعد حدثًا بالغ الأهمية، سواء من الناحية الاستراتيجية أو من الناحية السياسية؛ نظرًا لمساحة المحافظة الجغرافيا ولموقعها القريب من كردستان، كما أنها تساعد على خلق ممرٍ يربط بين الموصل والأنبار والحدود السورية مما يسهل تسلل المقاتلين والسلاح والأموال، كما أنها تلقي الضوء على عجز القوات الأمنية في وقف هذا التدهور والذي ساعد عليه الوضع الداخلي من استياء سُنّي ووضع إقليمي نظرًا للأزمة السورية.
وفي أغسطس 2014، قررت الولايات المتحدة العودة للحرب على الإرهاب من جديد واستهداف معاقل داعش بعد تقدمها الساحق أمام قوات نوري المالكي في يونيو الماضي، وتهديدها العاصمة بغداد وأربيل، والمآسي الإنسانية العميقة التي واجهتها الطائفتان المسيحية في الموصل، والأيزيدية في جبل سنجار.
امتداد الحرب لدولة داعش في سوريا
إن امتداد المعركة إلى «داعش» في سوريا تبدو منطقية ولا مناص عنها، رغم إعلان بشار الأسد، أنه لن يسمح بهجمات ضد داعش إلا بالتنسيق معه، وهو ما تجاهلته الإدارة الأمريكية كلية في تصريحاتها، وتحركت طائرات الاستطلاع الأمريكية في مواقع قريبة من داعش في سوريا أكثر من مرة في أغسطس الماضي.

تجدر الإشارة إلى أن بشار الأسد، قرر في بداية الانتفاضة السورية قبل أكثر من ثلاثة أعوام ضد حكمه، تجنب مواجهة تنظيم «داعش»، في محاولة منه لتسليطه على الجماعات السورية المقاتلة من ذات التوجه العلماني، وكان الهدف من وراء هذه السياسة هو إجبار العالم للاختيار بين نظامه أو المتطرفين.
من يقاتل من في العراق؟
لقد اتضح مع الوقت، أن أطراف الصراع في الأزمة العراقية الراهنة ليس تنظيم «داعش» في طرف وقوات "المالكي" في طرف آخر، بل تتسع الصورة لتشمل أطرافًا أخرى تقترب أو تبتعد جزئيًا أو كليًا من الطرفين الرئيسين؛ قوات تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» المتمددة وقوات "المالكي" المنسحبة دواليك من عدد من المدن في غرب العراق، كما نجح «داعش» في استثمار المظلومية السُنّية الصاعدة من سياسات وممارسات نظام "المالكي" في ولايته الثانية، منذ فضه اعتصام الأنبار بالقوة في يناير الماضي، وفاجأت الجميع بتحركاتها الأخيرة لتكون رأس حراك سُنّي متعدد الأطياف يعبر عن هذه المظلومية في وجه "المالكي" الذي خسر حلفاءه في البيت الوطني والطائفي من الشيعة والأكراد وتحالفه القديم وغيرهم، على السواء، حيث لم يستهدف سوى بقائه المهدد الآن، ومعه بقاء العراق الحديث، بسيناريو التقسيم المحتمل، أو الحرب الطائفية طويلة المدى، أو دويلات افتراضية صارت تبدو ملامحها في الأفق تعبر عن تنوعاته الكبرى (الأكراد- الإقليم السُنّي- الإقليم الشيعي)، وما أكثر تنوعاته وتكويناته الصغرى المظلومة أيضًا من (أيزيديين، ومسيحيين، وصابئة مندائية، وكاكائية، وسودان)، وغيرها كثير لم يتم الانتباه لكثير منها داخليًا أو دوليًا بعد.

فضلاً عن تنوع الخطاب واختلافه بين الفاعلين في المشهد السُنّي وداعش من جهة أخرى، ثمة دلالتان عمليتان وواقعيتان تؤكدان على عدم صحة اختزال المشهد في «داعش».
صراع على الموارد النفطية
وهناك أيضًا توجهات للسيطرة على الموارد النفطية في العراق، فبينما يسعى «داعش» بإصرار على مصفاة بيجي النفطية (تنتج 175 ألف برميل يوميًا) وهي الأكبر من حيث الإنتاجية في العراق، وقعت المنشآت النفطية الأخرى في محافظات نينوي وصلاح الدين تحت سيطرة الفصائل السُنّية الأخرى التي سنعرض لها.
خارطة المشهد السُنّي المسلح في العراق
يمكننا تحديد القوى السنية الفاعلة مع «داعش» في القوى الآتية: قوى ذات طابع سياسي ووطني ضد تقسيم العراق، ويمثل هذا الاتجاه المجلس الأعلى لثوار العشائر في العراق الذي يجمع العشائر السُنّية، والمجلس العام لثوار العراق، وجيش الطريقة النقشبندية بقيادة عزة الدوري نائب الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، وكتائب ثورة العشرين بقيادة الشيخ حارث الضاري، وجيش نظام صدام، وبعض رموز الطائفة السُنّية المؤيدة لهذا الحراك كمفتي الديار العراقية رافع الرفاعي، والشيخ أبو منار العلمي، وغيرهم.
_ جماعات جهادية قريبة من داعش؛ وهي قوى تتوافق مع داعش أيدولوجيًا ترى ضرورة إقامة دولة إسلامية جهادية، وتنحو بالصراع طائفيًا، ويعبر عن هذه الاتجاه مجموعات الجيش الإسلامي بقيادة الشيخ حمد العيسى، وجيش أنصار السنة، وجيش المجاهدين وهي مجموعات تكونت عقب الغزو الأمريكي للعراق من عناصر من جيش صدام حسين.
_ أطياف سُنيّة مختلفة، تعبر عنها مجموعات سُنيّة وعشائرية مختلفة، ولا تنتمي لهذه التنظيمات السابقة، يمكن الإشارة في التمثيل عليها بالشيخ علي الحاتم أمير عشائر الدليم، والذي دعى الرئيس الأمريكي أوباما في 20 يونيو الماضي لمعرفة أصل المشكلة، وعدم تقديم الدعم لحكومة المالكي الطائفية دون معالجته.
انتصار الأكراد
أعطى الصراع الجديد لقوات "المالكي" مع «داعش» والمسلحين السُنّة فرصة ذهبية لفرض سيطرتهم العسكرية على المناطق المتنازع عليها، ويرى البعض أن كُرد العراق، لن يكتفوا باستثمار أزمة الموصل، وتحريرها من «داعش» وحماية الإقليم الكردي وحسب، بل سيتجاوزون ذلك إلى كسب سُنّة العراق، إلى جانب زيادة الضغوط المحليّة والإقليميّة والدوليّة على بغداد والحكومة.

وهذا ما حدث؛ حيث نجحت البيشمركة في السيطرة على المواقع المتنازع عليها مع حكومة المالكي، خاصة كركوك الغنية بالنفط، ومناطق (خانقاء وجلولاء والسعدية)، مما يرجح حدوث صراع بعد فترة على حدود الأقاليم العراقية حال التقسيم، وفي وقت سابق، أعلنت البيشمركة أنها لن تتجاوز حدود إقليم كردستان ولم يكن تمددها إلا تحصينًا لحدودها، ورغم استنجاز الساسة في العراق بها بعد انهيار الجيش العراقي أمام داعش والمسلحين، إلا أنها اعتذرت بعدم تعاون قوات المالكي معها، ويبدو أنها آثرت التحصن بحدودها وتحقيق أهدافها وحسم النزاع مع المناطق المتنازع عليها مع المالكي من جانب واحد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.