حوار: مصطفى عبادة فى روايتها «تدريبات على القسوة» تدخل عزة سلطان عالم المرأة السرى، ليس بغرض الفضح، أو التعرية، بل لتكشف عن هشاشة السياق العام الذى يحول المرأة إلى ضحية بامتياز، ويحولها أيضا إلى جلاد بامتياز، الهشاشة والعذوبة سر نجاح كتابة عزة بشكل عام، لكن هذه الرواية، وضعت عزة سلطان ضمن مجرى كاتبات الرواية الأكثر جرأة، وهى إلى جانب كتابة الرواية تمارس كتابة السيناريو، والقصة القصيرة، وتكتب للأطفال ولها فى كل ذلك إنتاج مميز، فى هذا الحوار ترى عزة سلطان أنه لا فرق بين نوع أدبى وآخر، فالرواية ليست أعلى مرتبة من القصة القصيرة، والقصة القصيرة ليست أفضل من الشعر، كما ترى أن الحياة قائمة على ثنائية المرأة والرجل، وأن العلاقة بينهما تحكمها طبيعة الفريسة والصياد، وتفاصيل أخرى فى هذه السطور المقبلة. تنبنى رواية « تدريبات على القسوة» على ثلاثة مستويات: فنية السرد المستقيم والأحلام والرسائل لكنها لا تلتقى معا فى النهاية، بل سارت فى خط متواز مما جعلها أقرب إلى النصوص المنفصلة. العمل الروائى مثل الأرض البكر الخصبة التى تحتمل كل أنواع الغرس، الثقافة الزراعية تعنى بنوع الغرس لأن لكل بذور دورها فى خصوبة الأرض واستمرار عطائها، وقد تعاملت مع الرواية بنفس الروح، ولا أرى أن اختلاف بنية السرد جعل النصوص متباعدة بل كلها كانت تخدم العمل، وجاء توظيفها فى التوقيت المناسب حسب إحساسى بالكتابة وروح العمل، فالرسائل جاءت لتتهادى عليها روح القارئ، حيث الجمل تميل إلى الشاعرية، والحكى يجمع بين العتاب المحبب والنميمة التى تستهوى القارئ فى الغالب، ولذا فأنا لا أتفق مع كون اختلاف بنى السرد فى تدريبات على القسوة يهدف إلى انشطار النصوص وتحويلها من رواية إلى ثلاثة نصوص مختلفة. ما المواقف الأساسية التى ظللت تحتفظين بها من خارج الرواية وحضرت فيها، أقصد السلوك الاجتماعى الذى قمت برصده ؟ فى الأصل أنا باحثة تربى وعيى على المنهج العلمى فى رصد الظواهر وطرح فرضيات للمشكلة والحل، عين الباحثة دوما ترصد، وتأخذ الكاتبة فى تخيل ما ستؤل إليه حال الظاهرة، وعبر سنوات أتابع فيه المشهد النسائى فى مصر، وأرى ما يطرأ على زى المرأة من تغيرات، وكيف أصبح الزى ينوء بالإغواء، إلى أن أصبحت الغالبية من النساء فى الشارع ملبسهن مضمونه الإغواء، وكذلك حركتهن وطريقة المكياج والكلام والمشى، هذا التغير الواضح بالنسبة لى لا تراه النساء كذلك لأنه تغير حدث بداخلهن فى اللاوعى، وهو الأمر الأكثر صعوبة، فباتت كثير من النساء يسلعن جسدهن، ساعيات للاستفادة من أجسادهن وكونهن أنثي، هذه الظاهرة، وهذا الرصد هو ما دفعنى لكتابة هذه الرواية، لكن الفارق بين البطلة والنساء اللواتى أرى فيهن هذه التغيرات، أن بطلة الرواية فعلت ذلك عن وعي، بينما من تستغل كونها أنثى فى تحقيق مكاسب ومنافع هى لا تدرك الدافع الحقيقى لذلك. بدا الجزء الثقافى فى الرواية كأنه محاولة لتبرير اندفاع البطلة نحو السقوط ، هل كنت تشعرين بذلك أثناء الكتابة؟ الخبرات الحياتية هى حالة من التراكم، ومن ثم فبطلة الرواية لديها خبرات متراكمة، وهى فى حالة بوح، تتحدث عن حياتها، وهى لا تقدم مبررات، ثم إننى لا أرى بطلة الرواية قد اندفعت نحو السقوط، بمتابعة تطور الحكاية نجد أنها وصلت لدرجة رفيعة فى المشهد الثقافى والإعلامي، وحتى فى عملها كعاهرة استطاعت أن تحقق ما أرادت، فكونت مداخرات، ولم يتم وسمها بالدعارة، بل ظلت طيلة الوقت تُعامل كسيدة مجتمع. إذا حاولنا قراءة الرواية ضمن سياقها الثقافى هل تعتبر دليلا على تغيير فى مفهوم المرأة للكتابة ؟ الكتابة فى حالة تغير دائم، حيث الخبرات الثقافية، وكذلك التغيرات العالمية والتكنولوجية تسهم فى تغيير مخيلة الكاتب والقارئ كذلك، فلا شيء ثابت، الكل متغير، فلماذا ننكر على الكتابة تغيرها، وعلى الكُتاب أن يغيروا من طريقتهم وتقنياتهم السردية. منذ مدة شاع مصطلح «كتابة البنات» فيما تختلف كتابتك عنه فى بداية الألفية؟ لست مخولة للبحث عن أوجه الاختلاف بين ما أكتب وما كانت تكتبه أخريات، مهمتى أن أكتب وأترك للنقاد أن يجدوا أوجه الاختلاف، لأننى أرى أن المشكلة الحقيقة تكمن حين لا يقوم كل منا بدوره، فالمؤلف يقوم بالتنظير وشرح مبررات كتابته، ويصنفها، فإذا فعل الكاتب ذلك ماذا يفعل الناقد؟ وصفت روايتك بالجريئة جدا ، كيف ترين الحرية الممنوحة لك ككاتبة ؟ الحرية ممتدة حتى الحد الذى يتماس مع أذى الآخرين، ولا أجدنى قد آذيت أحدا بكتابتي، ومن ثم فأنا أكتب كل ما أريد قوله، وبالطريقة التى أراها مناسبة، مادمت لا أعتدى على حريات الآخرين أو أتسبب فى أذى لأحد، حتى العاهرات التى تحدثت عنهن فى روايتى لا أظن أن ما أتيت به يصيب إحداهن بأذي. هل خشيت أن يربط البعض بين روايتك «كفن متخيل» وبين ذاتك كامرأة؟ بالتأكيد روادنى هذا الهاجس وأرعبنى كثيرًا حتى إننى كتبت الرواية، وتركتها عامين لا أفكر بالنشر مطلقًا، وكانت فكرة النشر، بدافع من أصدقاء عدة قرأوا المخطوط ودفعونى بقوة لنشرها، وبرغم ذلك فهناك من يشير فى الخفاء لمثل هذا الأمر، لكننى لا أعتنى به، ولا أكترث بأحاديث النميمة، فالعمل هو الذى يقدم نفسه، ولولا حالة الصدق فى الكتابة، لما شعر البعض بهذا التماهى غير المقصود، لكننا نسمح للممثل أن يؤدى دوره ببراعة، ونفصل بين شخصية الممثل فى الواقع وما بين ما يؤديه على الشاشة لكننا لا نتعامل بالمثل مع الكاتب، أظن أن أمراض المجتمع وحالة التشوه فى الوعى وراء هذا الربط الذى تتحدث عنه. يبدو لى أنك عمدت إلى تصوير الرجل ككائن جنسى دون روح مما أسقطك فى فخ النسوية، هل اعتقادى هذا صحيح ؟ أختلف فى كثير من الموضوعات المثارة تحت هذا العنوان، فالرجل وإن جاء ككائن جنسى فى كثير من المواضع، إلا أنه ظهر فى مواضع أخرى كصديق وكداعم وكروح مخلصة من الدنس، حتى وإن كانت مشاهد محدودة، لكن سياق الحديث عن العُهر هو الذى فرض أن تكون الرؤية منطلقة من أتون الجنس وتدور فى مداراته. ألا ترين أن هناك مبالغة فى رصد الفعل الجنسى بامتداد الرواية ؟ الموضوع هو الذى يفرض سياقاته، وروافده، وبالتالى حين تتحدث عاهرة عن تجربتها، فستكون عن الجنس، وليست عن أطروحة الدكتوراة التى أنهكها البحث حتى مناقشتها، الموضوع والمعالجة، العهر هنا فعل رمزى بامتياز، والجنس أداته، فأنا بشكل شخصى لا يشغلنى العُهر، ولا الفعل الجنسى، لأنها سمات ملاصقة لبقاء الإنسان على الأرض، وإنما منشغلة بفعل التواطؤ، الذى يجعل من العاهرة سيدة مجتمع، فى حين أنه يدهس فى طريقه عشرات من غير العاهرات. الكثير من المواقف فى الرواية عمد إلى خلق ثنائية الفريسة والصياد هل قصدت ذلك ؟ الحياة قائمة على الثنائية، رجل وامراة، خير وشر، صح وخطأ، وأنا حاولت أن تكون روايتى من روح الحياة، فاعتمدت الثنائية فى الطرح، أما فكرة الصياد والفريسة فلها علاقة بطبيعة علاقة الرجل بالمرأة، فهذه العلاقة دومًأ وأبدًا تخضع لثنائية الصياد والفريسة مهما اختلفت المواضع، فهناك دائما حالة تباديل وتوافيق بين المواقع، فى هذه العلاقة. هل تعامل النقد مع الرواية كما كنت تتمنين ؟ صدرت الرواية فى يناير 2014، وهى فترة قصيرة حتى الآن، ولا يمكن الحكم على موقف النقد منها، لكن يمكن أن نسأل هذا السؤال بعد عام من صدورها، لكن دعنى أُشد بموقف القراء، فقد نفدت الطبعة الأولى ونحن بصدد إصدار الطبعة الثانية وهم أمر يسعدنى جدا، ويحدث بهجة فى روحى. هل نجاح هذه الرواية سيجعلك تتخلين عن القصة القصيرة ؟ لدينا مشكلة فى التعامل مع الأجناس الأدبية، فثمة خلط واضح وغير مبرر، حيث يعتبر البعض كتابة الرواية نوعا من الترقى لمرتبة أعلي، وهو أمر غير صحيح على الإطلاق، أنا لم أترق فى كتابتى لأننى كتبت الرواية، جميع الأجناس الأدبية فى ذات المرتبة، ما يفرض الجنس الأدبى هو الموضوع والمعالجة، حين تأتينى فكرة، أبدأ فى الكتابة ولا أحدد جنسا ولا شكلا، أحيانا تخرج الفكرة قصة أطفال، وأحيانا مقالا، ومرات قصة قصيرة، وأحيانا رواية، لو أن نجاحى فى جنس معين جعلنى أتخلى عن آخر، لما كنت الآن أكتب السيناريو والقصة القصيرة وقصص الأطفال وجميعها لى إنتاج فيها حتى وقت قريب. أنتظر من يسألنى عن روايتى المقبلة أو مشروعى المقبل وهل سيكون ملائما لرواية أم لقصص قصيرة؟ وربما أيضا لا أستطيع الإجابة، فأنا لا أحدد شكلا مسبقا لما أريد كتابته، بل أكتب ويتضح الشكل فى النهاية.