وجيهة عبد الرحمن .. شاعرة وقاصة وروائية سورية - كردية تكتب باللغة العربية وتبدع بها كلغتها الأم، اهتمت في كتاباتها بسيكولوجية المرأة، عملت كباحثة اجتماعية في سجن النساء واهتمت بقضايا الطفل والأسرة، صدرت لها في سوريا، ثلاث مجموعات قصصية هي "نداء اللازورد" 2006، و"أيام فيما بعد" 2008، و"أم لوهم البياض" 2010. وفي القاهرة، 2011 أصدرت ديوانها الشعري "كن لأصابعي ندي" عن دار رؤية، ومؤخرا كانت روايتها "الزفير الحار" عن نفس الدار في مارس 2012 . حصلت علي عدة جوائز منها جائزة اتحاد الكتّاب العرب عام 2006، وجائزة عبد السلام العجيلي للقصة القصيرة 2008، وجائزة مجلة العربي الكويتية لخمسة أعداد عام2010- 2011، كما حصلت علي المركز الأول في جائزة نجيب محفوظ علي مستوي الوطن العربي2012 . عملت مراسلة ثقافية لمجلة الجسرة الثقافية بدولة قطر وتشغل الآن منصب نائب مدير تحرير وكالة عرار لشئون سوريا الأدبية، وقد حلت مؤخرا ضيفة علي القاهرة لتوقيع آخر أعمالها "الزفير الحار" في مكتبة بدرخان بالهرم.. وكان ل" القاهرة " معها هذا الحوار.. انتقلت من كتابة الشعر لكتابة القصة القصيرة والرواية.. هل نعتبر ذلك نزوحا لعوالم أدبية جديدة بعيدا عن التحليق في أجواء الشعر؟ لم ولن أتحول عن كتابة الشعر مطلقا، فمازلت شاعرة وقاصة، وكتابتي للرواية كانت استكمالا لكوني أديبة قادرة علي الخوض في كثير من مجالات الإبداع، والرواية استهوتني ووجدت أنني قادرة عليها. روايتك الأخيرة "الزفير الحار" الصادرة في القاهرة يمكن تصنيفها ضمن أدب السجون.. ما الظروف التي جعلتك تخترقين حدود هذه المنطقة من الأدب والتي تحتاج معايشة فعلية؟ اتفق معك إلي حد ما، فروايتي بالفعل قد تندرج تحت أدب السجون ولكن هذا يتوقف علي القارئ، وعند كتابتي للرواية لم أكن أقصد مطلقا أن تنتمي الرواية إلي هذا النوع من الأدب، فكثير من الكتّاب الذين خاضوا هذه التجربة تحدثوا عن معاناة السجين وآلية التعذيب التي تعرض لها واستلاب الإرادة. إلا أنني في روايتي "الزفير الحار" أردت أن أظهر مدي قدرة الإنسان النابعة من إرادته القوية وجدارته بحياة حرة كريمة أن يحول أي مكان مقيت إلي مكان يمكنه أن يعيش فيه، بمعني أن الإنسان بإمكانه - وهذه ميزة تحسب له - قادر علي التكيف مع البيئة، إذا ما أراد، دون أن يستسلم لحيثيات ومعطيات هذه البيئة. هل جاءت معرفتك بما يدور خلف جدران السجون من تجربة ذاتية.. أم من حكايا الآخرين؟ - جاءت خبرتي في هذا المجال من خلال عملي كباحثة اجتماعية في سجن النساء من أجل إعداد كتاب عن سيكولوجية الجريمة عند المرأة، وذلك بلقاء السجينات اللاتي ارتكبن جرائم مختلفة، وقد عشت معهن وحاورتهن لأكثر من شهرين كاملين، الأمر الذي دفعني للخوض في هذه التجربة، واستخدام قصص تلك النسوة المليئة بالمعاناة قبل دخولهن السجن وبعد أن أصبحن رهينات الجدران العالية والعازلة عن جسد الحياة . إذا رجعنا للبدايات الأولي لوجيهة عبد الرحمن.. كيف تكونت الذائقة الأولي تجاه الأدب؟ - في تصوري، بدأت كونها ملكة وموهبة، هذه الملكة والموهبة إذا تجاهلت تغذيتها ستموت، لذلك لابد من القراءة المكثفة لجميع أنواع الثقافات المختلفة والتي يتشكل منها مخزون المفردات والتراكيب، ثم إن الأديب بطبيعة الحال هو إنسان يملك عينا ثاقبة تختزن الزوايا المهملة والمهشة، وقد عملت علي اختراق الأماكن القصية وتواصلت مع المهمشين وعبرت عن معاناتهم بكلماتي. بما أنك اقتحمت كل مجالات الإبداع تقريبا.. هل تختلف طقوس الكتابة في القصة القصيرة والرواية عنها في كتابة الشعر؟ - بدأت بالشعر قبل الرواية والقصة القصيرة، إذن أنا شاعرة وهذا لم يمنعني أن أكون قاصة وروائية، ولكن بلغة شعرية، ومع ذلك أتفق معك أن لكل جنس أدبي خصوصيته. وقد كتبت القصة من الواقع المعاش وعالجتها في عمل أدبي فجاء تخيليا وواقعيا بامتياز، أما روايتي "الزفير الحار" فاختلفت إلي حد ما لأن البطل كان موجودا معي في الحياة، فهو معتقل سياسي تحدثت معه كثيرا، تألم وهو يحكي أكثر مما تكلم، وتألمت معه وظهر ألمي في زفيري الحار، واستطاع الشعر أن يخدمني كثيرا وأضفي روحا علي النص. نشرت في مصر وفي سوريا.. كيف يمكن أن نقارن بين التجربتين؟ - نشرت 3 مجموعات قصصية في دار الزمان بسوريا، لكن النشر في القاهرة ظل يراودني طويلا، لأنني أري أن القاهرة بوابة الثقافة ونبع الحضارات العربية، واخترت دار "رؤية" لأنها مؤسسة تعني بالشأن الثقافي بمختلف مجالاته. ولكن النشر في سوريا يعاني عدة مشاكل أهمها أن الناشر نفسه لا يقوم بواجبه تجاه الكاتب علي أكمل وجه ويبخسه قدره من حيث التوزيع، كما أن الكتاب يكلف ثمنا باهظا يتحمله الكاتب كاملا ونحن شريحة الكتّاب نعاني ماديا أكثر من غيرنا، وكان حريا بالمؤسسات الثقافية أن تضع في حسابها هذا الأمر عوضا عن التخلي عن الكاتب الذي هو بوابة أي بلد في العالم. النقد والإبداع في الوطن العربي.. علاقة ملتبسة.. ما رأيك فيها وكيف يجب أن تكون؟ - للأسف الشديد، النقد حتي هذه اللحظة لم يرتق للمستوي المطلوب بعلاقته مع الأدب، إذ أنه في معظم الأحيان مبني علي وجهة نظر خاصة ومحسوبيات وصداقات، فكم من كاتب في مستوي عالي من الإبداع تعرض لنقد لاذع من قبل نقاد لا يمتلكون آلية النقد الحقيقية، وبذات الوقت، هناك من يعلي من شأن فئة من الكتاب المتسلقين الذين لا يفقهون من الكتابة شيئا، وذلك بموجب علاقات ومحسوبيات خاصة، نحن أحوج ما نكون في هذه المرحلة من عصر الثورات العربية، وحقيقة الأدب والأديب تصل من خلال النقد إلي الناس، لذلك علي الناقد أن يكون منصفا وأن يتناول المادة وفق آليات نقدية جادة حقيقية تقدم لنا هذا النتاج بصورته الناصعة الساعية بصدق نحو التغيير. أنت كاتبة كردية تكتبين باللغة العربية.. ما السر وراء إصرارك علي التعبير بها رغم اعتزاز وتمسك الأكراد بهويتهم ولغتهم الخاصة؟ - نحن في سوريا كأكراد نعتبر القومية الثانية بعد القومية العربية، وهذا يحتم علي السلطة أن تأخذ علي الأقل التعداد السكاني للأكراد بعين الاعتبار بأن تمنحهم حقوقهم الثقافية والسياسية والاجتماعية وما يندرج تحتها، ولكننا للأسف الشديد حرمنا من كل هذه الحقوق لدرجة أن ثقافنا هي ثقافة عربية بامتياز، فرغم أننا أكراد، لم ندخل مدارس كردية لأنها ممنوعة في سوريا، ولا نتداول لغتنا الأم إلا في بيوتنا، الامر الذي أثر علي الهوية الثقافية لنا، وظهر تأثيره علي بشكل واضح عندما كبت كل كتاباتي باللغة العربية، وأنا سعيدة بذلك لأنها لغة فضفاضة وجميلة واستطعت أن أتحكم في آلية الكتابة بها.