تعد السياسة النقدية وما تمثله من توازنات عديدة فى الاقتصاد المصرى رمانة الميزان بين الوظائف التقليدية التى أنشئت من أجلها البنوك المركزية. وقد اتخذ البنك المركزى المصرى قرارا مفاجئا برفع سعر الفائدة بعد أن ثبتها لأكثر من عامين متتالين، وعلى الرغم من إشارة لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى إلى عدم حدوث أى جديد فى مؤشرى التضخم والنمو، فإنها أكدت أن رفع سعر الفائدة كان ضروريا بسبب زيادة مخاطر التضخم! واختلفت آراء المصرفيين والاقتصاديين حول نسبة الرفع، وكذلك حول تأثيره على السوق المحلى، وحول قدرة البنوك العامة على الاقتراض من الخارج بسبب تخفيض تصنيفها الائتمانى، هذا بخلاف تخوف العديد من الخبراء من عودة ظاهرة «الدولرة». تراوحت الزيادة فى أسعار الفائدة الأساسية التى أقرها البنك المركزى بين نصف نقطة ونقطة كاملة فى المائة، حيث رفعت إلى 1 ٪ على سعر الإيداع فى الكوريدور وسعر الاقراض والخصم، بينما رفعت فائدة سعر الاقراض فى الكوريدور وسعر إعادة الشراء بنصف نقطة مئوية..وبذلك يصل سعر الكوريدور إلى 9.25 ٪ للإيداع و10.25 ٪ للاقتراض، على الرغم من إشارة لجنة السياسة النقدية إلى عدم حدوث جديد فيما يتعلق بمؤشرى التضخم والنمو، وأن اللجنة أكدت أن رفع الفائدة كان ضروريا بسبب زيادة المخاطر التضخمية، على ضوء احتمالات عودة الاختناقات فى قنوات توزيع السلع بالأسواق، بالإضافة إلى عدم مرونة آليات العرض، الأمر الذى يزيد من احتمالات زيادة معدلات التضخم. وعلى الرغم من ذلك فإن بعض البنوك قامت بالفعل برفع أسعار الفائدة على ودائعها فى حين أن البعض الآخر يقم بذلك. وهنا توضح بسنت فهمى الخبيرة المصرفية أن البنك المركزى المصرى اضطر لرفع سعر الفائدة، وذلك لأن البنوك العامة قامت برفع سعر الفائدة لجذب المدخرات المتبقية لدى صغار المودعين، أو حتى لدفعهم لتحويل مدخراتهم الدولارية إلى مدخرات بالجنيه المصرى. فالبنوك العامة المصرية تعانى من نقص فى السيولة على عكس ما تدعى وذلك لسبب بسيط، وهو أنهم قاموا بوضع كل السيولة المتوافرة لديهم فى أذونات الخزانة وفى السندات، مما ضغط على السيولة المتوافرة لديهم، والبنوك العامة أفرطت فى الاستثمار فى أذون الخزانة، ولهذا خفضت المؤسسات العالمية جدارتها الائتمانية. الأمر الثانى المترتب على تخفيض الجدارة الائتمانية يظهر فى التعاملات الدولية فعندما تطالب تلك البنوك الأجنبية فى الخارج بتعزيز فتح الاعتمادات المستندية، سترفع أسعار الفائدة بشكل مبالغ فيه بسبب انخفاض الجدارة الائتمانية لتلك البنوك. وسيترتب على هذا القرار الذى اتخذه البنك المركزى فى ارتفاع تكلفة الاقتراض مما سيؤثر على الاستثمار والنشاط الاقتصادى بشكل عام، هذا بخلاف حالة عدم اليقين التى تواجه المستثمرين منذ بداية الثورة المصرية. أما إسماعيل حسن رئيس البنك المركزى السابق فيوضح أن البنك المركزى المصرى ترك تحديد سعر الفائدة على مختلف المعاملات البنكية للبنوك فيما يتعلق بعلاقة البنك وعملائه منذ عام 1991، وإنما يقوم هو بتحديد سعر الفائدة التى يتعامل بها مع البنوك. والقرار الأخير للبنك المركزى جاء نتيجة لمراجعة أسعار الفائدة وتهذيبها، وجعلها متمشية مع أوضاع السوق المصرفية فى الفترة الأخيرة، وكل بنك يقوم بتحديد سعر الفائدة بناء على أوضاع السيولة فيه، وفى ضوء احتياجاته لها وغيرها من العوامل. أما بالنسبة لتخفيض الجدارة الائتمانية للبنوك العامة فى مصر، فيرى حسن أن انخفاض الجدارة الائتمانية لتلك البنوك جاء نتيجة لانخفاض الجدارة الائتمانية للدولة، فالكيانات المصرفية لا يجب أن يكون أعلى من تقييم الدولة نفسها، ولهذا فإن تخفيض الجدارة الائتمانية للبنوك العامة المصرية نتيجة تابعة لتخفيض الجدارة الائتمانية للدولة نفسها. أما الدكتورة أمينة حلمى أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية فترى أن لهذا القرار أكثر من جانب يجب النظر إليه فهناك تخوف من التناقض السريع للاحتياطيات الدولية، وهو ما يمثل خطورة على الجنيه المصرى، وسيزيد هذا القرار الودائع بالجنيه المصرى، الأمر الذى يدفع المودعين الذين لديهم ودائع دولارية أو بالجنيه الاسترلينى على سحبها وتحويلها إلى الجنيه المصرى للاستفادة من سعر الفائدة المرتفع على الجنيه المصرى، خصوصا أن الفائدة على الودائع الدولارية وبالجنيه الاسترلينى صفر تقريبا..خصوصا فى ظل توقع الخبراء إلى انخفاض الاحتياطى النقدى إلى 15 مليار دولار بنهاية شهر يناير المقبل، وترى حلمى أننا نستورد الآن منتجات استهلاكية ومنتجات وسيطة، الأمر الذى يدفع المركزى إلى السعى لجذب المزيد من الدولارات، خصوصا فى ظل ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه المصرى، حفاظا على سعر صرف الجنيه أمام العملات الدولية. أما بالنسبة لفائض السيولة وكيفية توظيفها، فإن أسهل قرار لأى مدير بنك هو أن يوظف تلك السيولة فى أذون الخزانة، من حيث الربحية البحتة، وسيعمل على سد عجز الموازنة العامة، ولكن أين عجلة الإنتاج؟ وكيف يمكن زيادة الاستثمار فى ظل عدم الاستقرار الأمنى والسياسى والاقتصادى فى مصر، وترى أن تخفيض الجدارة الائتمانية للبنوك العامة، فإنه تخفيض لجدارة الاقتصاد بصفة عامة أكثر منه تخفيض للبنوك..أما الدكتور فؤاد شاكر أمين عام اتحاد البنوك العربية السابق فيرى أن سعر الفائدة أحد أهم أدوات السياسة النقدية لتحقيق الاستقرار النقدى الداخلى والخارجى، فعلى الصعيد الداخلى فإن سعر الفائدة يستخدم للمحافظة على الأسعار فى الداخل أى التأثير على معدل التضخم، وأيضا للمحافظة على سعر صرف العملة المحلية وهى الجنيه المصرى. واليوم نواجه مشكلة تتمثل فى تراجع الاحتياطى النقدى الأجنبى، ولهذا فإن ذلك القرار يسعى إلى زيادة تلك الاحتياطات النقدية ويجب تحريك سعر الفائدة فى الاتجاه الذى يساعد على تحويل الدولار إلى جنيه مصرى. فالأولوية الآن للحد من عودة الدولرة، حيث يعطى ذلك انطباعا خاطئا عن الثقة فى الاقتصاد المصرى، فكل المؤشرات الآن ليست فى صالح الاقتصاد المصرى، وبالتالى لابد من العمل على وجود أداة تعطى الاقتصاد المصرى فرصة يستطيع بها المحافظة على الأرصدة الأجنبية دعما للاقتصاد.