مشروع قانون الصكوك الإسلامية السيادية الذي وافقت عليه الحكومة المصرية وقدمته لمجلس الشوري لمناقشته أثار جدلا واسعا بين خبراء الاقتصاد والمتخصصين، لأنه سيفتح الباب الخلفي لخصخصة الأصول المملوكة للدولة وشركات القطاع العام ورهنها كضمان للصكوك الإسلامية السيادية، حسبما تنص المادتان السابعة والثامنة من مشروع القانون، كما أن هذا القانون يعيد إلى الذاكرة الصكوك الشعبية التي أعلنها الدكتور محمود محيى الدين، وزير الاستثمار الأسبق برغم الاختلاف بينهما فى الشكل وليس الجوهر. وانتقد الخبراء إدارة الحكومة للملف الاقتصادي واصفينها بأنها مرتعشة في اتخاذ القرارات الكفيلة للحفاظ علي الاقتصاد المصري والنهوض به مشككين في إدارتها مشروع الصكوك بطريقة مبتكرة وجديدة، ومؤكدين أنها لا تختلف كثيرا عن السندات وأذون الخزانة التي تطرحها الحكومة، لكن بفترة طويلة الأجل وبدون تحديد سعر فائدة مسبقا. الدكتور عبدالخالق فاروق، مدير مركز النيل للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية، يؤكد أن صيغة الصكوك الإسلامية موجودة من قبل في الأطر المالية والرأسمالية ولم تأت بجديد، ولكن بمسمي فقط إسلامي وأنها طويلة الأجل وبدون تحديد سعر فائدة مسبقا وهي معرضة للربح والخسارة، مشيرا إلي أن الصك معرض للبيع والتنازل خصوصاً في حالة خسارته..وأشار إلي أن إدارة الحكومة لهذه الصكوك فاشلة، وذلك لأنها ضعيفة ومرتعشة ولا توجد لديها خبرات اقتصادية في إدارة أموال الدولة، خصوصاً أن الصكوك وسيلة من وسائل جمع الفوائض المالية وضخ الاستثمارات الجديدة، وخلق فرص العمل وهى مرهونة بكفاءة الحكومة التي حتي الآن لم تقدم شهادة اعتمادها في إدارة الملف الاقتصادي ومن المتوقع فشلها في هذه الصكوك لارتباكها وعدم اعتمادها علي الخبرات الاقتصادية في هذه الملفات..وأوضح الدكتور فاروق، أن هذه الصكوك تختلف عن الصكوك التي كان سيطرحها الدكتور محمود محيي الدين، في عام 2008، والمسماه بالصكوك الشعبية التي كانت تسمح ببيع أصول الشركات المملوكة للدولة للمستثمرين والأفراد في شكل صكوك من خلال سماسرة تستفيد من هذه العمليات بخلاف الصكوك الإسلامية التي تسمح بالمشاركة في المشروعات التنموية طويلة الأجل دون تحديد فائدة مسبقا لكن لا توجد صيغ مبتكرة للحكومة الحالية ولا تختلف عن السندات وأذون الخزانة التي تطرحها الدولة. كما يؤكد الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصرى للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية، أن مشروع قانون الصكوك الإسلامية السيادية الذى وافق عليه مجلس الوزراء، سيفتح الباب لخصخصة أصول الدولة برغم إعلان الحكومة عكس ذلك، لأن الحكومة أعطت مميزات لمالك هذه الصكوك ولم تعطها لمالكي السندات الحكومية، مشيرا إلي أن مشروع الصكوك الذى تقدم به الإخوان المسلمون وهو عبارة عن جزءين، صكوك إسلامية سيادية وهو التي وافق عليه مبدئيا مجلس الوزراء، وجزء آخر وهو صكوك الشركات وهو الذي يريد الإخوان دمجه في الصكوك السيادية ليصبح مشروعاً واحداً، ولكن مجلس الوزراء مرر السيادية فقط، وهذا المشروع هو عبارة عن بيع عدد من أصول الدولة للمواطنين في شكل أسهم وسندات وهو دليل علي إفلاس الحكومة والوضع الاقتصادي السيئ الذي نمر به. ولفت النظر إلي أن الحكومة حاليا مضطرة لركوب الصعب لأنها تحتاج وسيلة لتحسين عجز الموازنة ولذلك طرحت الصكوك الإسلامية للحصول علي أموال من المواطنين في شكل ضريبة أو في شكل صكوك تبيعها لتحصيل الأموال. وقال الدكتور عبده، إن هذه الصكوك السيادية التى تسعى الحكومة لإصدارها ستكون بضمان أحد أملاك الدولة، وتكتتب فى أذون الخزانة، وهو ما يعنى أن الدولة ستقترض من خلالها للإنفاق الاستهلاكى وليس المشروعات الاستثمارية كما يجب.. موضحا أن مشروع القانون يتيح فى المادة السابعة منه أن يحدد رئيس الجمهورية ماهية أملاك الدولة التى ستصدر بضمانها الصكوك، وتكون لمدة 50 عاما طبقا للمادة الثامنة، لافتا النظر إلى أن هذا يعنى إمكانية الاقتراض بضمان أملاك عامة يحددها الرئيس..أوضح الدكتور عبد المنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية أنه إذا كانت حصيلة الصكوك الإسلامية ستستخدم فى ضخ أموال جديدة لشرايين الاقتصاد المصرى من خلال تمويل مشروعات تنموية تدر عائداً وتقلل من أعداد البطالة فستكون فى هذه الحالة الاستفادة من هذه الصكوك بالغة الأهمية مشيرا إلي أن الصكوك أداة جيدة للتمويل في ظل فوائد الاقتراض الخارجي نظرا لانخفاض التصنيف الإئتماني المصري ليستقر عند (-B ) مع نظرة مستقبلية سلبية نظرا لسوء الحالة الاقتصادية المصرية وأيضا تردي الأوضاع السياسية في مصر حاليا..وأضاف أن هناك مشاكل قد تواجه الصكوك منها: قلة الصكوك المصدرة فى الوقت الحالى نظراً لعدم وجود سوق ثانوى متكامل لهذا النوع من الإصدارات ونحتاج إلي تشريعات توضح كيفية الإصدار وتحديد المشروعات التي يتم فيها توجيه حصيلة الإصدار للصكوك الإسلامية، كما أن السيولة منخفضة حاليا في البلاد وهو ما سيفتح التمويل لصكوك العرب والأجانب للمشروعات التنموية المصرية ما يتطلب ضرورة وضع ضوابط تمنع تملك الأجانب وغير المصريين للمشروعات التي يتم تمويلها بالصكوك وتقتصر فقط ملكيتهم للصكوك علي حق الانتفاع والاستغلال دون التملك، كما أن هناك إشكالية في صيغ هذه الصكوك وحقوق المستثمرين والشفافية والسيولة بالسوق القانوني نتيجة نقص عدد صناع السوق الجادين وعدم وجود بنك إسلامي كبير ولابد من توحيد التشريعات الصادرة لإصدار الصكوك.. فليس من المقبول أن يكون هناك تشريع وقانون خاص بالصكوك السيادية التي تصدرها الحكومة وتشريع وقانون للصكوك التي تصدرها الشركات الخاصة (القطاع الخاص) وتشريع ثالث لصكوك مختلطة.. فهذا غير معمول به في العالم، فضلا عن أن هذا النوع من الصكوك الإسلامية في مصر يواجه مخاطر نتيجة لترقب السوق المصري تقلبات حادة في سعر الصرف للعملة الأجنبية وانخفاض العملة المحلية، ففي حالة إصدار صكوك بعملة معينة واستثمار حصيلتها بعملات أخري فقد يؤدي إلي انخفاض ربحية الصكوك أو خسارتها..وكشف الدكتور محمد الفقي، رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الشوري أنه بعد أن يصل مشروع قانون الصكوك الإسلامية إلي البرلمان ستتم مناقشة المشروع من خلال اللجان الاقتصادية المتخصصة، وسيتم عرض المشروع علي خبراء الاقتصاد ليتم اتخاذ قرار بتشريعه أو عدم تشريعه في أسرع وقت ليكون نافذا ويتم العمل به، مشيرا إلي أن الصكوك الإسلامية وسيلة من وسائل تمويل عجز الموازنة العامة للدولة وتتيح تمويلا لمشروعات ذات جدوى اقتصادية، وتعمل علي عدم احتياج مصر لأية قروض من الخارج أو الداخل.