منذ سنوات والقوى السياسية المختلفة فى مصر، خصوصاً الإسلامية، تنادي بإلغاء اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل وما إن وصل الإخوان إلى الحكم تغيرت الأوضاع وأصبحوا لا يجدون ضررًا من استمرارها.. حتى جاءت أحداث رفح الأخيرة، فتعالت في الشارع السياسي المصري بعض الأصوات تطالب بتعديل الملف الأمني للاتفاقية، رغمًا عن إسرائيل.. فما مدى إمكانية تعديل الاتفاقية؟ وما موقف الطرف الآخر؟ الدكتور أحمد رفعت -أستاذ القانون الدولي بجامعة عين شمس- يقول: لابد أن يعرف الرأى العام أن هناك فرقاً بين اتفاقية «كامب ديفيد» التي أُبرمت عام 1978، المتضمنة نصوصاً خاصة بإسرائيل وفلسطين، وبين اتفاقية السلام التي أبرمتها مصر عام 1979 بينها وبين إسرائيل برعاية الولاياتالمتحدةالأمريكية، وفقًا للأمم المتحدة وتقر الانسحاب من سيناء. لافتًا النظر إلى أن الاتفاقية تسمى باتفاقية «سلام»، وبالتالي فلا يمكن إلغاؤها، لأن المطالبة بإلغائها يعني إعلان الحرب، وإنما يمكن أن نتحدث عن تعديل «الملاحق» الأمنية الخاصة بالمناطق: «أ» و«ب» و«ج»، والمنطقة «ب» بها بعض القيود، أما المنطقتان: «أ» و «ج» هي التي تضم حدودنا مع غزة، منوهًا إلى أنه كان من المفترض نشر قوات حرس الحدود، مع تحديد الأعداد، ليس بأسلحة ثقيلة. وعلى الجانب الآخر من الحدود تقع المنطقة «د» التي فيها إسرائيل، ولأن إسرائيل حجمها أقل من سيناء، لا تقدر على نشر آليات ثقيلة ودبابات -كما في الاتفاقية-، ومن وقت لآخر تحدث بعض الانتهاكات، وأن هذا الملحق الأمني الخاص–على حسب قول د.أحمد رفعت- بمنطقة “ج" تم تعديله بالاتفاق أكثر من مرة.. لذا من الضروري تعديل هذا الملحق وتعزيز القوات المصرية. ويرى د.رفعت ليس من حق أى طرف التعديل بمفرده، والولاياتالمتحدةالأمريكية تضمن التنفيذ من الجانبين المصري والإسرائيلي، ومن المفروض أن يتم التفاوض، وأن تكون لمصر قوات بما يتناسب مع حماية أراضيها، ومنع أية انتهاكات قد تحدث، بما لا يسمح بتهريب أي فرد إلى غزة أو إلى مصر. ويؤكد أن الأحداث الأخيرة تحتم تعديل هذه الملاحق الأمنية، لافتًا النظر إلى وجود مشكلة بعد سيطرة الإخوان وارتباطهم مع حركة حماس، ويجب تأمين قواتنا على الحدود، ومنع أي هجوم من سيناء على إسرائيل، وإلا ستصبح مصر مسئولة عنه، حتى لو كان الفعل من “متطرفين"، لأنها قد تتورط مع إسرائيل ويتحول هذا الفعل إلى حرب لسنا على استعداد لها الآن –من وجهة نظر د.رفعت - والوقت غير مناسب لحدوث تغيير كبير، لكنه سيتم لأن الجانب الإسرائيلي لا يريد أن يحارب مصر. وينوه إلى أن هناك مبدأ في القانون الدولي والمعاهدات اسمه “تغير الظروف"، اتفاقية تحدث في ظروف معينة، لكن إذا تغيرت يمكن التعديل، وعلى إسرائيل أن تدرك ما طرأ من تغير الظروف، وأمريكا سيكون لها دور في إقناع إسرائيل بالتفاوض. اللواء د.طلعت موسى -أستاذ كرسى الأمن القومى بكلية الدفاع الوطنى..أكاديمية ناصر العسكرية، يرى أن الوضع الجديد في سيناء والناشئ عن خروج السجناء وتهريب الأسلحة من ليبيا وغزة، وتهريب الأفارقة من السودان، جعل من سيناء تجمعاً للبؤر الإجرامية ومرتعاً لتجار المخدرات والسلاح والبشر، مستغلة الأوضاع الأمنية الضعيفة ولابد من ضرورة سرعة التحرك لحماية مصر، وإعادة النظر في ترتيبات الأمن المنصوص عليها في الفقرتين 1 و2 من هذه المادة السابقة في الاتفاقية التي تقول إن الخلافات تحل بناء على تفسير المعاهدة عن طريق التفاوض والتحكيم، وإذا طلب طرف من الطرفين التعديل. ويقترح اللواء د.طلعت موسى أن يتم تعديل الوضع على حدود المناطق «أ» و«ب» و«ج» بما يتناسب مع طبيعة الأرض والظروف الحالية الديموغرافية، التي تشمل السكان ووجود العناصر الأخرى في المناطق المختلفة على أرض سيناء جغرافيًا وسياسيًا، فضلاً عن فرضية إعادة ترسيخ الحدود وتهيئة المناطق بما يتماشى مع الوضع الجديد والتطور الشامل والخطط التنموية التي تشهدها سيناء الآن ومستقبلاً، وطبقًا لرؤية القيادة العامة للقوات المسلحة، ولا يدعو ذلك إلى قلق الجانب الإسرائيلي، حيث إن التطور التكنولوجي لوسائل الاستطلاع والإنذار ووسائل القيادة والسيطرة، يوفر لها الأمن الذي تضعه دائمًا في أسبقية وأولويات سياستها الخارجية. وفيما يخص المحور الثاني يرى لواء د.موسى ضرورة تعديل حجم ونوعية عناصر الاستطلاع والشرطة المدنية وقوات حرس الحدود في كل منطقة، ودعمها بقوات من المشاة الميكانيكية والقوات خفيفة الحركة، مثل قوات الصاعقة القادرة على تتبع ومطاردة المعتدين في المناطق الجبلية والصحراوية، وتوافر المعدات بما يحقق مقاومة عمليات التسلل والتهريب على طول الحدود من رفح شمالاً حتى طابا جنوبًا. أما المحور الثالث الذي يقترحه لواء موسى هو تعزيز إجراءات بناء الثقة بين الطرفين، وزيادة وتكثيف عدد نقاط المراقبة على الحدود المصرية – الإسرائيلية، وإنشاء مطارات جديدة في المناطق “ب" و"ج" بما يلبي سرعة التدخل في المواقف الحرجة وتمركز وحدات من القوات الجوية بتلك المطارات. وأن تسلح الطائرات الهيلوكوبتر التي تعمل في تلك المناطق بالتسليح المناسب لتنفيذ مهامها بما يمكنها من إجراء عملية الاستطلاع والإنذار والتتبع للعناصر الإجرامية التي تنتشر في جبال سيناء ومطاردتها. ويرى أن إجراءات بناء الثقة الموجودة بين الطرفين تتحقق بتشغيل نقاط مراجعة ودوريات استطلاع ونقاط مراقبة على امتداد الحدود الدولية، وأن تتم إجراءات التحقق الدوري من التنفيذ مرتين في الشهر على الأقل، تقوم بها القوة متعددة الجنسيات، إلى جانب تحقيق إضافي بناء على تقدم طلب أحد الطرفين يتم خلال 48 ساعة، وضمان حرية الملاحة في مضيق “ثيران" وفقًا للمادة الخامسة من معاهدة السلام، ويرافق أطقم للقوة المتعددة الجنسيات، ضباط اتصال من الطرف المختص، وأن تخطر قوات الأممالمتحدة ويراقبوا كلا الطرفين بالنتائج التي يتوصلون إليها. فيما يقوم نظام الاتصال –كما تنص المادة السابعة من الاتفاقية- بإحالة أي مشكلة لم يبت فيها إلى السلطات العسكرية الأعلى للبلدين، كلٍ فيما يخصه، كما يهدف إلى منع أي سوء فهم من قبل أي من الطرفين. ويؤكد الدكتور أيمن سلامة -أستاذ القانون العام- أن الترتيبات الأمنية الواردة في الملحق الأمني بمعاهدة السلام 1979 ليست سابقة أو بدعة، لكنها في كل معاهدات السلام تنص على هذه الترتيبات الأمنية، مثل: اتفاقية “الهدنة" التي أنهت الحرب الكورية عام 1953، واتفاقية “نيفاشا" بين الجنوب السوداني والشمال السوداني عام 2005، بيد أن التغيرات والظروف الجوهرية الأمنية الحاصلة في سيناء، أسسها القانون الدولي لكي تكون سندًا قانونيًا تستند عليها الدول الأطراف السامية في معاهدات السلام، كي تقوم بتعديل نصوص الاتفاقية بشرط موافقة الأطراف الأخرى في المعاهدة، كالترتيبات الأمنية وانتشار القوات بعد النزاع الحربي. وينوه إلى أن منطقة “ج" مخفضة وليست منزوعة السلاح، وأصبح يتواجد فيها منذ 2007 كتائب حرس حدود مجهزة، قوامها 750 جندياً، وذلك بناء على الجانب الإسرائيلي بعد الانسحاب من قطاع غزة. وفي حال ما إذا رفضت إسرائيل طلب مصر تعديل بنود الملحق الأمني، يؤكد د.سلامة أن القانون الدولي حدد الوسائل الدبلوماسية لتسوية هذا النزاع، وهي المفاوضات المباشرة، أو الوساطة بين الطرفين، والتوثيق والتحقيق، كما حدد القانون الدولي وسيلتين قضائيتين لتسوية هذا النزاع، هي اللجوء للتحكيم الدولي، كما حدث في نزاع طابا 1982. فيما يلفت الدكتور سمير غطاس -مدير منتدى الشرق الأوسط ومسئول الملف العربي الإسرائيلي، إلى موقف الإخوان أثناء وجودهم في المعارضة،، حيث كانوا ينادون بإلغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل، أما بعد نجاحهم في الانتخابات كان شرط أمريكا التزامهم باتفاقية السلام، وكان الجميع قبل الثورة يطالبون بتعديل الملحق الأمني، خصوصًا المنطقة “ج"، وقد طلب المجلس الأعلى للقوات المسلحة من إسرائيل دخول 7 كتائب و6 سرايا مدرعات، ووافقت إسرائيل، وإن كانت مصر لم ترسل سوى 3 كتائب فقط، إلى سيناء الجنوبية وليست الشمالية(!!)، وافقت إسرائيل ثم تراجعت، وأعلن الجيش أنه سحب الدبابات واستبدلها بمدرعات، لافتًا النظر إلى أن مصر لم تطلب رسميًا أية تعديلات، كما هناك طرف ثالث هو أمريكا لابد من موافقته. ويحدد “غطاس" أن التعديل يتم بالاتفاق بين جميع الأطراف، أو من طرف واحد، مثلما فعلت الولاياتالمتحدةالأمريكية مع الاتحاد السوفيتي، وهذا يعد خرقاً للقانون، وبما أن مصر لم تصل للتطور الإستراتيجي، ولم تطلب التعديل على أي مستوى حتى الآن، وأن كل ما يدور مجرد كلام سياسي في الشارع المصري ووسائل الإعلام فقط، فلم يحدث شيء على أرض الواقع. وينوه الدكتور كمال المنوفي –العميد الأسبق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية- إلى أن الاتفاقيات مسئولية الدولة، والرئيس د.محمد مرسي أعلن التزامه بالاتفاقيات الدولية المبرمة، ومنها اتفاقية السلام مع إسرائيل، وهو يملك تعديل الملف الأمني، ووفقًا للظروف، ولضمان الأمن في سيناء، وأيضًا لإسرائيل، وهذا يتطلب التفاوض على تعديل الاتفاقية بما يخص الأمن، مؤكدًا أنه إذا حدث ذلك سيفتح الباب إلى التنمية والنهضة بسيناء. وفي هذا السياق يطلب من إسرائيل كشريك في الاتفاقية والولاياتالمتحدةالأمريكية الراعي للاتفاقية، أن تتم زيادة أعداد القوات المسلحة على الحدود. ويتذكر د.علي السمان -رئيس الاتحاد الدولى لحوار الثقافات والأديان وتعليم السلام- أن مفاوضات «كامب ديفيد» كادت أن تفشل بسبب الجلاء عن (منطقة أمتار) هي مستعمرة اسمها «ياميت» حيث إن «ديان» أصر أن تبقى «ياميت» في أيديهم، حتى لا نعود إلى حرب جديدة، وهنا أعطى الرئيس السادات تعليمات للوفد أن يجهز حقائبه، فجاء الرئيس كارتر إليه قلقًا، وقال إن معنى هذا أن كل ما عملناه سيسقط، ماذا أقول لشعبي الأمريكي؟ قال له هذه مسئوليتك أن تبذل الجهد أولاً مع الجانب الإسرائيلي، وأن يقتنع بنقطة المبدأ التي وضعتها لكم منذ يوم وصولي إلى هنا، «لا تفريط فى شبر من الأرض»، إما ولم ننجح فسنرجع، عندئذ ذهب كارتر إلى «وايزمان» -الرئيس الإسرائيلي بعد ذلك- الذي استطاع أن يؤثر في «ديان»، وقال له لو تركنا «بيجين» يتحكم في موضوع المستعمرة سنفشل في المباحثات، خصوصاً أن كارتر قال لهم لو فشلت سأذهب في نفس اليوم للتليفزيون الأمريكي لأحدد المسئولية الإسرائيلية في فشل المفاوضات. ونفى د.السمان إعادة احتلال إسرائيل لسيناء مرة أخرى، مؤكدًا أن الأحداث أثبتت وبالذات عند قتل الجنود المصريين أن الذين قاموا بالتدريب والإعداد وجمع السلاح في وسط سيناء بإقليم شمال سيناء نجحوا في أن يخلقوا أجواء لا علاقة لها بأي مصالح مصرية وكذلك من يضرب صواريخ في اتجاه الجانب الإسرائيلي، ومنطق الفكر العسكري يقول -بدون تآمر- إن إسرائيل سيأتي عليها يوم تقول فيه: حدودي أصبحت غير آمنة، هنا حتماً ستنتصر وجهة نظر المتشددين في إسرائيل، وسيقولون «لو سمحت خذ شريط حدودي 5 كيلومترات إلى 10 كيلومترات كي أحمي حدودي»، وتبقى مأساة وهنا سيتفهم العالم موقف إسرائيل!! ويقول د. السمان: بلغة العقل ومعاونة جهاز الأمن القومي، الذي يعرف كيف يتعامل مع الجانب الإسرائيلي، لابد أن نذهب إلى هدف محدد وهو ضرورة «تعديل» اتفاقية كامب ديفيد، فالتفاوض بين ثلاثة أطراف هي مصر وإسرائيل وأمريكا وليس اثنين فقط. فإذا استمر تهديد المتطرف الجهادي وغيره، بما يفعله ويردده ب«انفصال» سيناء عن مصر، وتحويلها إلى «خلافة إسلامية»، فإنه يُحتمل أن تصبح إسرائيل في حالة استفزاز وتذهب إلى احتلال شريط على الحدود، ولابد الآن من بدء التفاوض بين الأطراف الثلاثة لتعديل الاتفاقية بشكل يسمح بزيادة القوات وحماية الطرفين.