فى علاقات الدول، تبقى المصالح هى العنوان الأبرز الذى يحكم تلك العلاقات، مشفوعة أحياناً بتحالفات مؤقتة بحكم المصالح أيضاً، لكن من بين تلك العلاقات تتجلى بوضوح علاقة نادرة، تجاوزت العلاقات المعتادة والتحالفات المتغيرة وحتى العلاقات الإستراتيجية، إلى ما هو أبعد وأعمق وأكثر تجذيراً، إنها علاقة عضوية لا تنفك، تشكلت فى وجدان شعبين وأدبيات السياسة والدبلوماسية لدى الطرفين، على مدى العقود الأربعة الماضية، مشكلة خطاً بيانياً تصاعدياً فى سماء المنطقة لا تؤثر فيها صواعق الإقليم وأزماته، إلا ارتفاعاً. ففى أدبيات السياسة التى علمنا إياها الراحل الكبير زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، أن نهضة مصر هى نهضة للعرب جميعاً، فهى قلب الأمة، لا عزة لها ولا حول ولا قوة إلا بمصر العزيزة القوية الآمنة المستقرة، فكانت تلك مضمون وصية زايد لشعبه، لذلك استمرت قيادة الإمارات وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله»، وأخواه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبى «رعاه الله»، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولى عهد أبوظبى نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، على ذات النهج، لأن التاريخ، كما تؤكد قيادة الإمارات، علمنا أن مصر القوية قادرة على بث الحياة فى الأمة، وتجديد نهضتها.
مع تلك الوصية نشأ شعب الإمارات وتشكل وجدانه على حب مصر، وهو ما عبر عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد غير مرة، من هنا فإن وقفة الإمارات مع مصر ومساندتها لها، ومنذ الموقف الشهير للشيخ زايد فى حرب العام 1973، نابعة من حالة حب قومي، ومن تلك العلاقة العضوية والتناغم الرسمى والشعبى باعتبار ذلك واجباً قومياً ووقوفاً مع النفس، وليس منة أو مصلحة آنية، بل هو استثمار فى مستقبل أمتنا واستقرار المنطقة التى لا يريد لها كثيرون الخير والسلام. لذلك ليس غريباً أن تكون الاستثمارات الإماراتية فى مصر هى الثانية عربياً بعد السعودية برقم يتجاوز 20 مليار درهم، وفق أحدث التقديرات، وتبادل تجارى سنوى ربما هو الأعلى بين بلدين عربيين يلامس 20 مليار درهم، وهى أرقام كان لها تأثير فاعل فى الاقتصاد الكلى لمصر، ولامست بشكل مباشر الواقع المعيشى لثمانية ملايين مصري.
ولكن الرسالة فى تلك الأرقام ليست للشعب المصري، بل للعالم الخارجى وهى، أن مصر مستقرة وموطن آمن للاستثمار مثلما كانت دوماً، لذلك فإن الاستثمار الإماراتى الذى تقوده أكثر من 500 شركة هو عمل مبدئى يبتعد فى أهدافه عن الاستثمار التقليدي، فهو استثمار فى نهضة الأمة لنربح المستقبل بعد أن خسرنا الحاضر، وهو واجب قومى على كل العرب المساهمة فيه، لأن أمن واستقرار مصر هما العمود الفقرى لأمن واستقرار المنطقة، كما فى العقيدة السياسية للإمارات.
لقد قدمت مصر للعرب الكثير، فعدا مساهمتها فى تخريج مئات الآلاف من الجامعيين العرب وربما الملايين، إضافة إلى ملايين المصريين ليكونوا بناة فى كل الوطن العربي، فقد أسهمت فى التحرر العربى من الاستعمار، وخاضت الحروب وقدمت الآلاف من أبنائها شهداء دفاعاً عن العرب ووجودهم، وما زالت تؤدى دورها فى صيانة الأمن العربي، لذلك فإن الوقوف إلى جانب مصر فى هذه الظروف الدقيقة والحساسة التى تمر بها المنطقة، هو حق طبيعى وتعبير مبدئى وقومى عن المساهمة فى خدمة الأهداف المشتركة، وفى مقدمتها مواجهة أزمات المنطقة، السياسية والأمنية.
ندرك مدى الصعوبات من أجل تحقيق ذلك، ولكن الأمل المقرون بالعمل يجب أن يبقى حاضراً، ولعل فى نموذج العلاقة الإماراتية المصرية التى تشكل مع المملكة العربية نواة صلبة فى المنطقة لأى مشروع قومي، تصويرا لمدى النجاح المتجسد عندما تتوحد الرؤى وتلتقى الأهداف، ويصبح شعار المصير الواحد قاعدة تتأسس عليها العلاقات، هنا فقط ترتسم فى الأفق ملامح العبور من واقع أرهقنا وصادر مستقبل أجيالنا، إلى بر الأمان ليعم الخير على كل العرب، ونلحق بركب التقدم وننعم بالسلام بما يحقق تطلعات وأمانى وآمال الشعوب العربية، بشرط أن يعم الخير على مصر أولاً بدافع الحب والولاء والواجب القومي. واسألوا الإمارات.