أصوات الناخبات مثلت 60 % من مجموع الأصوات التى رجحت فوز السبسى على المرزوقي قانون المساواة فى الإرث سيتم إقراره تشريعيا لإجماع أغلب التوانسة عليه
رأى بعض المحللين السياسيين أن مقترحات السبسى الأخيرة فيما يخص المرأة، إنما هى لعبة سياسية لتحسين صورته فى الخارج وفى الداخل لكسب مزيد من دعم النساء التونسيات اللائى رجحهن فوزه على منصف المرزوقى، إلا أن الباحث والسياسى التونسى توفيق مدينى، يرى أن قرار الرئيس التونسى الباجى قايد السبسى، إنما يعبر عن رأيه واعتقاده الشخصى الذى ينحاز بشكل قاطع لضرورة المساواة بين الرجل والمرأة فى تونس .وهو حال التوانسة جميعا – فى رأيه – عدا الإسلاميين، لكن مدينى لا ينفى فى الوقت نفسه أن من مصلحة السبسى السياسية الانتصار للمرأة التونسية، التى أضحت من مصادر الشرعية للسلطة السياسية منذ عهد بورقيبة .
كيف تقيم المقترحات التشريعية التى أعلن عنها السبسى فى عيد المرأة أخيرا؟
قضيتا المساواة فى الإرث بين الرجل والمرأة، وزواج التونسية بغير المسلم يصبان فى صميم نهج تحرير المرأة الذى وضع معالمه الأولى الزعيم بورقيبة والشيخ الطاهر الحداد، وهما من أكثر القرارات جرأة ومناصرة للمرأة وحق دستورى لا يمكن لأى كان أن ينزعه عن المرأة. وكان للزعيم الراحل الحبيب بورقيبة بعد أن قام بتصفية البنية التحتية الاقتصادية للمؤسسة الإسلامية التقليدية من خلال إلغاء مؤسسة الحبس والأوقاف، قرارات غاية فى الجذرية فى صالح المرأة مثل إعلان قانون الأحوال الشخصية في13 أغسطس 1956، الذى ألغى تعدد الزوجات، وأتاح التعليم الإجبارى للبنات، ونصح بتحديد النسل، وأوصى بحرية اختيار الشريك الزوجي، وألغى التطليق، وأفسح المجال أمام الزواج المدنى والطلاق القضائي.
ونص الدستور التونسى الذى تم تبنيه عام 1959 على المساواة القضائية بين الرجل والمرأة فى حق الانتخاب تصويتاً وترشيحاً، وحق العمل ومنحت المرأة التونسية الحق فى منح أولادها من غير التونسى جنسيتها، وتم استحداث صندوق يضمن تسديد النفقة الزوجية حتى لا تضطر للجرى وراء طليقها.
جاء سن تلك القوانين التشريعية الجديدة كما كان يقول بورقيبة، تعبيرا عن ضرورة التكيف مع متطلبات الحياة المعاصرة، وتسيير شئون الحياة، وفق المنطق الجديد الذى لا يعد متناقضاً مع روح الإسلام.
أما فيما يتعلق بالإرث بين الرجل والمرأة، فقد قال بورقيبة بالحرف الواحد للسيد محمد المزالى رئيس الحكومة الراحل: «سأموت وستبقى مسألة المساواة فى الإرث فى نفسي».
البعض يرى أن قرارات السبسى لا تخلو من أغراض سياسية؟
بقدر ما تم الثناء على طرح رئيس الجمهورية ومبادرته الجريئة، بقدر ما رأى قسم آخر من التونسيين، أن طرح الرئيس التونسى لا يخلو من التوظيف السياسى بما يخدم مصلحة الباجى قائد السبسى نفسه، وكذلك حزبه الأصلى نداء تونس، لا سيما مع اقتراب مواعيد استحقاقات انتخابية مهمة أولها فى الانتخابات البلدية فى ديسمبر 2017،وأيضا الانتخابات التشريعية، والرئاسية فى سنة 2019 فلقد أصبحت المرأة التونسية مصدرا من مصادر الشرعية للسلطة السياسية القائمة فى تونس، سواء فى عهد بورقيبة، أم فى عهد الرئيس الحالى الباجى قائد السبسى، الذى صوتت لانتخابه مليون امرأة. وبذلك لعبت أصوات النساء دورا حاسما فى فوز مرشح النداء الباجى قائد السبسى على حساب منصف المرزوقي، وبلغ عدد أصوات الناخبات 60 بالمائة من مجموع الأصوات التى حصل عليها الرئيس الباجى وهو ما اعترف به آنذاك، معربا عن امتنانه لنساء تونس اللواتى صوتن لصالحه. ويبدو أن قائد السبسى قرر المحافظة على هذا «الخزان الانتخابي» عند إعادة الترشح للرئاسة 2019 ، وهو ما لم ينفه أخيرا فى أحد تصريحاته .إلى جانب فرضية تفكيره أيضا فى المحافظة على تقدم الحزب الذى أسسه «نداء تونس».
لقد أذكى وصول حركة النهضة إلى السلطة عقب انتخابات 23 أكتوبر 2011، الخوف المشترك بين المدافعين عن المشروع الوطنى الحداثى والدولة المدنية والمرأة ودفعهم إلى التخندق فى الخندق الأيديولوجى والسياسى الواحد، باعتبارهما المستهدفين من مشروع حركة النهضة القائم على إستراتيجية «التمكين»، والهيمنة على مفاصل الدولة بالتدريج. فالمدافعون عن الدولة المدنية فى تونس يتفاخرون أنهم أسهموا فى تحرير المرأة، بوصفها الضامن الوحيد للمحافظة على مكاسبهم أمام مشروع الإسلاميين.
هل يمكن أن نقول أيضا إن السبسى يريد فى الوقت ذاته تحسين صورته لدى الغرب؟
المسألة ليست مناورة سياسية، وإنما هى من صلب ما هو مقتنع به، النخب الفكرية والسياسية فى تونس سواء الحاكمة أم فى المعارضة تؤيد المساواة فى الإرث باستثناء الحركات الإسلامية التى تحكمها مرجعية دينية، إن المجتمع التونسى بطبيعته معتدل ووسطى وعلمانى ومنفتح على الحداثة الغربية.
لكن تونس كدولة فى مأزق اقتصادى كبير، بحكم أن منوال التنمية المتبع منذ عهد النظام السابق أثبت فشله بشهادة المؤسسات الدولية المانحة، والطبقة السياسية الحاكمة بقيادة الرئيس الباجى عاجزة وفاشلة عن بلورة منوال تنمية جديد، لهذا هى تكرس نهج التبعية للغرب، والتفريط فى السيادة الوطنية، وإخضاع تونس لإملاءات وشروط صندوق النقد الدولي.
هل ستمرر المقترحات التشريعية للسبسى فى البرلمان ؟ الإسلاميون لديهم 69 نائبا من أصل 217 نائبا، والحزب الحاكم الذى تشتت إلى حزبين أو أكثر لديه 86 نائبا، والجبهة الشعبية اليسارية لديها 15 نائبا، والبقية للتيارات الديمقراطية. وأعتقد أن قانون المساواة فى الإرث سيشق طريقه فى تونس، لأن النهج الإصلاحى فى تونس تراكم تاريخيا منذ القرن التاسع عشر حتى الآن، فلا خوف على هذا النهج الإصلاحى، الذى يؤمن بتكريس قيم الحداثة الغربية بكل منطوياتها الفكرية والثقافية والقيمية.