محافظ المنيا يعتمد نتيجة مسابقة الوظائف الإشرافية بالتربية والتعليم    خلال لقائه ببوتين.. الرئيس السيسي يُشيد بوتيرة الانعقاد لآلية التشاور السياسي واللجان المشتركة    الجيش الباكستاني: نحن في حالة حرب مع الهند وتواصلنا معًا عبر دولة ثالثة    بوتين: روسيا ستحقق أهدافها الاستراتيجية في أوكرانيا    بايرن ميونيخ يتوصل إلى اتفاق مبدئي مع فيرتز    «أنوكا» تشيد بتنظيم مصر للمنتدى الإقليمي للتضامن الأولمبي بالقاهرة    جامعة سوهاج تحصد 4 ميداليات ذهبية وكأس بطولة كمال الأجسام    استغلت حبس زوجها.. كيف حاولت "حنان" وعشيقها إخفاء قتل رضيعتها؟    حدث في8 ساعات| أبو مازن يلتقي الرئيس السيسي بموسكو.. والثقافة تصدر بيانا بشأن إغلاق قصور الثقافة المستأجرة    نانسي عجرم تستعد للغناء في جاكرتا هذا الموعد    ما حكم حج الحامل والمرضع؟.. الإفتاء تُجيب    حريق في عدد من المنازل بعزبة البهنساوى ببنى سويف بسبب ارتفاع درجات الحرارة    حملات مكثفة لتطهير الترع والمصارف بالفيوم حفاظًا على الزراعة وصحة المواطنين    ستيف ويتكوف: ترامب يؤمن بالسلام عبر القوة ويفضل الحوار على الحرب    عمرو سلامة عن تعاونه مع يسرا: «واحد من أحلام حياتي تحقق»    تكريم رئيس هيئة قضايا الدولة في احتفالية كبرى ب جامعة القاهرة    خطيب الجامع الأزهر: الحديث بغير علم في أمور الدين تجرُؤ واستخفاف يقود للفتنة    إدارة القوافل العلاجية بالمنوفية تحصد المركز الثاني على مستوى الجمهورية    قسم الجراحة..ينجح فى استخراج دبوس من معدة صغير بسوهاج    حقيقة إغلاق بعض بيوت الثقافة التابعة للهيئة العامة    النيابة تصرح بدفن جثة شاب غرق بترعة أبيس في الإسكندرية    الدوري الألماني.. توماس مولر يشارك أساسيا مع بايرن في لقائه الأخير بملعب أليانز أرينا    ترامب يوجه رسالة إلى الصين: الأسواق المغلقة لم تعد مجدية    الزمالك يحدد جلسة تحقيق جديدة مع زيزو    فريق طبي بمستشفى سوهاج الجامعي ينجح في استخراج دبوس من معدة طفل    المتحف المصري الكبير يستقبل 163 قطعة من كنوز الملك الذهبي توت عنخ آمون    مصرع عنصرين إجراميين في مداهمة بؤرًا خطرة بالإسماعيلية وجنوب سيناء    سجل الآن.. الوطنية للتدريب تطلق مبادرة "أنا أيضًا مسئول" لبناء وعي القيادة والمسؤولية لدى الشباب    أمين الفتوى: المعيار الحقيقي للرجولة والإيمان هو أداء الأمانة والوفاء بالعهد    الضرائب: 9 إعفاءات ضريبية لتخفيف الأعباء وتحفيز الاستثمار    محافظ الشرقية يطمئن على نسب تنفيذ أعمال مشروعات الخطة الإستثمارية للعام المالي الحالي بديرب نجم    شهادات مزورة ومقر بدون ترخيص.. «الطبيبة المزيفة» في قبضة المباحث    «المستشفيات التعليمية» تنظم برنامجًا تدريبيًّا حول معايير الجودة للجراحة والتخدير بالتعاون مع «جهار»    البابا لاون الرابع عشر في قداس احتفالي: "رنموا للرب ترنيمة جديدة لأنه صنع العجائب"    التموين تعلن آخر موعد لصرف الدعم الإضافي على البطاقة    استلام 215 ألف طن قمح في موسم 2025 بالمنيا    قناة السويس تدعو شركات الشحن لاستئناف الملاحة تدريجيًا بعد هدوء الهجمات    جامعة القاهرة: أسئلة امتحانات الترم الثاني متنوعة لضمان العدالة    مروان موسى: ألبومي الأخير نابع من فقدان والدتي    أحمد داش: جيلنا محظوظ ولازم يوجد صوت يمثلنا    المنظمات الأهلية الفلسطينية: غزة تواجه أوضاعا خطيرة بسبب القيود الإسرائيلية    عاجل.. الزمالك يُصعّد: نطالب بحسم مصير "القمة" قبل 13 مايو لضمان العدالة في المنافسة على اللقب    الشباب والرياضة تنظم الإحتفال بيوم اليتيم بمركز شباب الحبيل بالأقصر    رئيس جامعة الإسكندرية يستقبل وفد المجلس القومي للمرأة (صور)    رئيس الوزراء يؤكد حِرصه على المتابعة المستمرة لأداء منظومة الشكاوى الحكومية    عقب أدائه صلاة الجمعة... محافظ بني سويف يتابع إصلاح تسريب بشبكة المياه بميدان المديرية    "موسم لا ينسى".. صحف إنجلترا تتغنى ب محمد صلاح بعد جائزة رابطة الكتاب    جدل فى بريطانيا بسبب اتفاق ترامب وستارمر و"الدجاج المغسول بالكلور".. تفاصيل    أبو بكر الديب يكتب: مصر والمغرب.. تاريخ مشترك وعلاقات متطورة    سائح من ألمانيا يشهر إسلامه داخل ساحة الشيخ المصرى الحامدى بالأقصر..فيديو    13 شهيدا وهدم للمنازل.. آخر تطورات العدوان الإسرائيلي في طولكرم ومخيميها    كاف اعتمدها.. تعرف على المتطلبات الجديدة للمدربين داخل أفريقيا    ضبط دقيق مجهول المصدر وأسطوانات بوتاجاز مدعمة قبل بيعها بالسوق السوداء بالمنوفية    محافظ القليوبية يستقبل وفد لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب لتفقد مستشفى الناس    تحقيقات موسعة في العثور على جثة متعفنة داخل منزل بالحوامدية    إعلام إسرائيلي: تفاؤل أمريكى بإمكانية التوصل إلى اتفاق بشأن قطاع غزة    بسبب الأقراص المنشطة.. أولى جلسات محاكمة عاطلين أمام محكمة القاهرة| غدا    التنمر والتحرش والازدراء لغة العصر الحديث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخرطوم - جوبا.. عام من الانقسام
نشر في الأهرام العربي يوم 31 - 07 - 2012

كان من المأمول مع عقد اتفاقية نيفاشا للسلام فى السودان عام 2005، أن يحقق السودان استقرارا وربما تنمية، ولكنه حصد تقسيما للتراب الوطنى بانفصال جنوبه عن شماله، قبل عام ولم يتوقف سيناريو التدهور فاندلعت صراعات مسلحة واسعة ومتكررة، وتخل مجلس الأمن الدولى مجددا بقراره 4020 شاهرا سيف الفصل السابع فى وجه دولتى السودان بعد أن فشلت كل أنواع المفاوضات بينهما، وأيضا مورست أبشع أنواع التراشق السياسيى الذى انطوى أحيانا على مؤشرات عنصرية بغيضة، ويمارس الطرفان حاليا أساليب الحروب بالوكالة التى يستهدف فيها كل نظام إسقاط الآخر، المشهد السودانى ينطوى أيضا على ربيع عربى من نوع خاص يريد فيه شعب شمال السودان إسقاط نظامه، ونجح بالفعل فى تكثيف احتجاجاته السلمية، ولكن يبدو أن هذا الخيار وإن كان يعيد هندسة العلاقات الشمالية الجنوبية، ربما على نحو أفضل، ولكنه أيضا مفتوح على فاتورة دم لن تكون هينة فى ضوء الانقسامات الاجتماعية والعرقية وضعف رابطة الوطنية السودانية.
الذكرى السنوية الأولى لميلاد السودانيين تتطلب جردة حساب لنرى فرص دولتى السودان عبر التفاوض المباشر فى تضميد جراح صراعات طالت واستطالت أو الانهيار النهائى؟
فى البداية ربما يكون من الأهمية بمكان استعراض التفاعلات السياسية فى السودان التاريخى قبيل الاستفتاء مباشرة فى يناير 2011، حيث مارس المجتمع الدولى ضغوطا هائلة لتمرير استفتاء تقرير المصير فى موعده بحسبان أن أى تأجيل له يعرض اتفاقية نيفاشا ذاتها للانهيار، خصوصا وأن تسوية القضايا العالقة بين الطرفين الشمالى والجنوبى عانت التأزيم وعدم الإنجاز . وفى المقابل أقدمت الخرطوم على إعادة حساباتها بشأن حجم الخسائر المرتبطة بعملية الانفصال مدفوعة بثورة الرأى العام السودانى عليها وإدراكها المتأخر أن عملية التقسيم التى دفعت لها بآلية منبر السلام العادل وجريدة الانتباهة ضمن عوامل أخرى تسبب فى حالة من حالات الفراغ الإستراتيجي ناتجة عن مهددات للسلطتين في الشمال والجنوب. ففي الشمال من الواضح حاليا وجود إرهاصات حالة صراعية على أكثر من مستوى أولها بين الحزب الحاكم والأحزاب المعارضة وثانيها فى صفوف الحزب الحاكم نفسه، وثالثها هو مقاومة النظام بأكمله لرياح التغيير بربيع سودانى تتصاعد بشائره، خصوصا بعد السقوط المرتقب لبشار الأسد وتحول الاهتمامات العربية والعالمية نحو السودان.
وفى مقابل هذا الموقف السودانى المستجد، مارست الولايات المتحدة ضغوطا هائلة على الحكومة السودانية للدفع نحو إجراء استفتاء تقرير المصير فى موعده برغم القضايا الخلافية العالقة بين والمتمثلة فى عشر قضايا أهمها الحدود بين الشمال والجنوب وتقسيم الديون وحسم قضية منطقة أبيى وتقسيم الموارد، خصوصا النفط والمياه، وقد تبلورت هذه الضغوط فى خطوتين الأولى الضغط على الطرفين الشمالى والجنوبى لقبول تأجيل استفتاء تقرير مصير منطقة أبيى أكثر القضايا المختلف عليها بين الطرفين، وهو الاستفتاء الذى كان مقررا عقده بالتوازى مع الاستفتاء الشامل لتقرير مصير جنوب السودان فى يناير 2011، وتقديم حوافز لحكومة المؤتمر الوطنى بما أطلق عليه خارطة الطريق الأمريكية والتى تنص على سبعة بنود لتطبيع العلاقات الأمريكية مع السودان، جوهرها شطب السودان عن لائحة الدول الراعية للإرهاب كمقابل لتنازلات سودانية فيما يخص تمرير استفتاء فصل الجنوب.
أما على المستوى الداخلى فقد أنجزت الفصائل الدارفورية نوعا من التفاهم أسفر عن اندلاع العمليات المسلحة على نطاق واسع نسبياً في دارفور، ثم تبلور تحالف القوى الثورية السودانية الذى وقع فى كاودا وثيقة إسقاط نظام الخرطوم فى نوفمبر 2011، وكان من ضمن الموقعين ياسر عرمان ممثل الحركة الشعبية (قطاع الشمال) إلى جانب الفصائل المسلحة الرئيسية فى دارفور . وهكذا تبلورت بيئة صراعية بامتياز مداخلاتها الأساسية سعى كل نظام للتخلص من النظام الآخر، وربما يكون الرئيس البشير صاحب الموقف الأوضح فى هذا، حين أعلن سعيه "لتأديب الحشرة الشعبية الأولى "يقصد الحركة الشعبية فى جنوب السودان وذلك فى إطار التصعيد المتبادل إبان احتلال جنوب السودان لمنطقة هجليج المنتجة للنفط.
أسباب الصراع بين شمال وجنوب السودان
صبيحة الانفصال فى يناير 2011، كانت هناك عشرة قضايا عالقة بين دولتى السودان لم يتم حسم الخلافات حولها، يبدو لنا أن أكثرها تأثيرا وتفاعلا فى الوقت الراهن هى قضايا الحدود والبترول المتداخلتان نسبيا، بتأثير أن حسم الحدود يرتبط بمواقع إنتاج البترول، على أن العنصر الأهم فى تقديرى كان غموض مبدأ المشورة الشعبية فى ولايتى النيل الأزرق وكردفان المقر فى إتفاقية نيفاشا والذى أسهمت تداعياته فى تعقيد الموقف بين دولتى السودان، حيث رتبت اتفاقية نيفاشا أوضاع الولايتين طبقا لصياغات غامضة نسبيا وتفتح أبوابا للتأويل والتفسير حسب طبيعة مصالح الأطراف التى تقوم بهذه العملية، وطبقا لهذه المهام يحتل منصب والى الولاية وزنا مهما فى عملية إدارة العلاقة السياسة مع المركز أى الخرطوم، كما أنه من الممكن أن يلعب أدورا حيوية لحكومة جنوب السودان فى ضوء الصراع الراهن مع الشمال. وطبقا لهذا الواقع جرت التفاعلات بشأن انتخابات والى جنوب كردفان، والتى جرت فى الأسبوع الأول من مايو 2011، وتأخر إعلان نتائجها لمدة يوم، واتهمت الحركة الشعبية خصمها اللدود المؤتمر الوطنى بترتيب عمليات واسعة من التزوير بالتعاون مع مفوضية الانتخابات لصالح مرشحها أحمد هارون ضد مرشح الحركة الشعبية فى الجنوب عبد العزيز الحلو، وقد تزامنت مع النتائج السلبية للعملية الانتخابية ضرورة تنفيذ الترتيبات الأمنية المنصوص عليها فى اتفاقية السلام فى الولايتين بعد أن تقرر قيام دولة الجنوب المستقلة، بما يعنى أعادة قوات الجيش الشعبى إلى داخل حدود الجنوب أسوة بما تم من جانب القوات المسلحة القومية التى انسحبت من الجنوب، وفى هذا السياق تقول الخرطوم أن جوبا قد تحايلت على ذلك باستمرار وجود عناصر الجيش الشعبى، كما أن العناصر المسلحة فى نطاق هذا الجيش من نوبىء الجبال رفضوا تسليم أسلحتهم للحكومة فى ولاية جنوب كردفان، وأيضا رفض مالك عقار والى ولاية النيل الأزرق انسحاب الجيش الشعبى من ولايته، وذلك على الرغم من تبعية الولايتين لشمال السودان .
الموقف الحكومى إزاء هذه الحالة كان اللجوء لآلية الحسم العسكرى فى ولاية جنوب كردفان فى مطلع يونيو 2011، كان من نتائجها أن انضم منسوبو الجيش الشمالى من عناصر جبال النوبة إلى المتمردين على سلطة الشمال، وأعلن عبد العزيز الحلو المهزوم فى انتخابات كردفان، قيادة تمرد مسلح ضد الحكومة لإسقاط النظام السياسى فى الخرطوم، وذلك فى تطور خطير من شأنه أن يعيد السودان إلى مربع الحرب الأهلية.
الاحتمالات المنطوية على إمكانية اندلاع الحرب الأهلية انطلافا من جنوب كردفان هذه المرة، تنطلق من حالة السيولة الهائلة فى مايطلق عليه المناطق الثلاث المهمشة ( أبيى – وولايتى كردفان والنيل الأزرق ) وهى الحالة الناتجة عن تقاطعات المصالح بين طرفى الحكم فى الشمال والجنوب والانقسامات العرقية والقبلية والتى تتجلى فى عملية معقدة من الصراع على الموارد الطبيعية، وحروب الوكالة التى تنشأ نتيجة التفاعل بين العاملين السابقين، فضلا عما لعبه التمثيل السياسى الفورى لإسرائيل فى جنوب السودان من تكثيف للهواجس الشمالية ضد الجنوب، وطبقا لذلك تم إعلان حالة الطوارئ في ولاية النيل الأزرق وعزل حاكمها المنتخب مالك عقار. بل أكثر من ذلك تم حظر الحركة الشعبية لتحرير السودان فرع الشمال باعتبار وجودها مخالفا لقوانين الأحزاب السياسية فى الشمال.
وفى هذه السياقات الملتهبة يبدو تبنى الخرطوم لميليشات عسكرية مضادة للسلطة فى جوبا طبيعيا، وربما يكون آخر عنوان معلن لهذا السلوك الشمال هو حالة جورج أتور الذى قتل فى وقت متزامن مع إبراهيم خليل، زعيم حركة العدل والمساواة التى تحارب الحكومة فى دارفور مطلع العام الحالى، وفى المقابل فإن الحركة الشعبية لجنوب السودان قدمت دعما مشهودا للفصائل المسلحة فى دارفور بهدف تطويق المركز من الجنوب والغرب.
نقمة النفط فى السودان
بدأ السودان فى تصدير النفط الخام في عام 1999، ووصل تدفقه إلى مستوى490 ألف برميل في اليوم بحلول عام 2009 وقبل حصول جمهورية جنوب السودان على الاستقلال، نظم تقاسم عائدات النفط بموجب اتفاقية السلام الشامل: نسبة 2 في المائة منها تذهب مباشرة إلي الولايات المنتجة (الشمال والجنوب لدى كل منهما هيكل اتحادي)، أما النسبة المتبقية فتوزع بالتساوي بين الخرطوم وجوبا. ولم يكن الجنوب أبدا راضيا عن تلك الصيغة، وبعد حصوله على الاستقلال، توقف بالضرورة عن تقاسم عائدات النفط مع الشمال. وأدى ذلك إلى خسارة كبيرة للشمال في العائدات، التي تصل حسب تقديرات صندوق النقد الدولي إلي 7.77 مليار دولار من يوليو 2011 حتى نهاية عام 2015، أي نحو 1.7 مليار دولار سنويا. وقُدرت إيرادات الحكومة بنحو 9.26 مليار دولار في عام 2011، ما يشير إلي أن فقدان عائدات النفط سيكون ضربة مدمرة للسودان الشمالى . وفي محاولة للتعويض عن فقدان عائدات النفط، طالبت الخرطوم الجنوب في أكتوبر 2011، بأن يدفع مبلغ 36 دولارا للبرميل رسم عبور للنفط الذي يتم شحنه عبر خط الأنابيب إلي ميناء بور سودان. وذلك بالمخالفة للمعدلات العالمية التى تتراوح مابين 2-3 دولارات للبرميل، وفى المقابل عرضت جوبا دفع رسم غير واقعي يبلغ 41 سنتا للبرميل تطور إلى 6 دولارات، وفى هذا السياق تصاعد التوتر بين الجنوبين فى ظل إقدام الشمال على مصادرة 815 مليون دولار مقابل ما تقول الخرطوم إنه رسوم عبور مستحقة لم يدفعها الجنوبيون المبالغة فى سعر مرور النفط والإقدام على مصادرة سفن محملة بالبترول تمت قراءتها جنوبيا فى إطار سعى الخرطوم للعب بورقة النفط ضدها وذلك بهدف مباشر لتحجيم قدرات دولة جنوب السودان على النمو والاستقرار، وبالتالى تلبية حاجة مواطنيها، والسعى إلى خلق توترات اجتماعية وتصعيد الغضب من جانب السكان الجنوبيين ضد الحكومة. وقد ردت جوبا على ذلك بوقف الإنتاج نهائيا فى 20 يناير2012 فى ضربة موجعة للاقتصاد الشمالى، أسهمت بشكل أو بآخر فى اندلاع المظاهرات ضد البشير ونظامه.
النزاع الحدودى
تمتد الحدود بين الدولتين 1950 كيلو مترا ما بين خطى عرض 9-12 وتنطوى على ثروات نفطية ومعدنية وحيوانية، وحركة بشرية سكانية تحت مظلة عرقية منقسمة بين عرب وزنوج.
وطبقا لاتفاقية السلام الشامل فقد تم اعتماد خط حدود الجنوب وقت الاستقلال فى 1-1-1956، كما تم اعتماد اتفاقية أديس أبابا نفس الخط، فى إطار المفاوضات التى عقدت عام 1972 بين شمال وجنوب السودان لإنهاء المرحلة الأولى من الحرب الأهلية السودانية ( 1955-1972). وقد تجسد هذا الخط الحدودى فى قانون الحكم الإقليمى الجنوبى الذى اعتمده كخط حدود إدارية، ولكنه تحول إلى مشكلة معقدة مع التوسع فى التنقيب عن النفط فى هذه المناطق والتحول الى أنماط الزراعة الآلية . ونظرا لأن البرلمان السودانى فقط هو من قام بعملية تحديد الخط الحدودى الجنوبى دون القيام بعمليات للمسوح بين الولايات، أو امتلاك ملامح طبوغرافية للخرائط الحديثة نسبيا، فقد ترتب على ذلك العديد من النزاعات مع البدء فى عملية وضع العلامات الحدودية وبدا واضحا تنامى حجم النزاعات فى هذا الشأن على المستويين المحلى والوطنى. وفيما يلى نرصد السبع مناطق الحدودية المختلف عليها وهى:
1-أبيى.
2- التخوم بين قبيلتى دينكا ملوال والرزيقات بين ولاية جنوب دارفور وولاية شمال بحر الغزال.
3- حقول النفط فى ولايتى الوحدة وجنوب كردفان.
4- مناطق الزراعة الآلية على امتداد ولايات النيل الأزرق وأعالى النيل وجنوب كردفان.
5- منطقة شال الفيل فى ولاية النيل الأزرق.
6- خط الحدود الشمالية لولاية أعالى النيل.
7- منطقة حفرة النحاس وكفياكنجيفى ولايتى جنوب دارفور وبحر الغزال.
وقد شكلت قضية أبيي بالذات حجرة عثرة فى اتفاقية السلام الشامل المعقودة عام 2005 وهددت بانهيار مفاوضات نيفاشا، وتطلبت هذه الحالة عقد برتوكول خاص لأبييى فى إطار اتفاقية نيفاشا انطوى على إجراء استفتاء للسكان لتحديد مصير المنطقة وضمان نصيب لها من النفط، وكان مقررا إجراء هذا الاستفتاء بالتزامن مع استفتاء تقرير مصير الجنوب فى يناير 2011، فإنه لم يتسن تنفيذ هذا الاتفاق حتى الآن بسبب الاختلاف حول من يحق له تحديد تقرير مصير منطقة أبيى، حيث ينكر السكان من العرق الزنجى (قبائل الدينكا) على المسيرية (السكان العرب) هذا الحق طبقا لرؤيتهم حول حدود أبييى ومن هم قاطنوها التاريخيون.
وقد استمرت التفاعلات بين الشمال والجنوب مأزومة بشأن أبييى إلى حد التصعيد العسكرى ووقوع قتلى فى اشتباكات واسعة أحيانا ومحدودة أخرى، وفى هذا السياق تحرك مجلس الأمن الدولى بناء على طلب من طرفى الحكم فى السودان ليصدر قراره رقم 1990 الذى يجيز نشر 4200 جنديا إثيوبيا، إضافة ل 50 عنصر شرطة للفصل بين الجانبين السودانيين المتحاربين فى أبييى لفترة 6 أشهر وذلك بحسبان أن تطور الصراع المسلح قد يعيد السودان إلى مربع الحرب الأهلية، فضلا عن كونه يطيح بآمال الجنوبيين فى إعلان دولتهم الجديدة فى موعدها المحدد.
على أن التطور الكيفى فى الصراع الحدودى بين دولتى السودان هو إقدام جنوب السودان على اجتياح منطقة هجليج الواقعة ضمن الحدود الشمالية والمعترف بها هكذا من جانب الجنوبين طبقا لقرار للتحكيم الدولى فى عام 2009. ففي العاشر من فبراير2012 تم التوقيع على اتفاق وقف العدائيات. واستنادا عليه تم التوافق على إخراج الدولتين لقواتهما المسلحة من مناطق النزاع على أن تكون تحت مظلة الرقابة الدولية. ولكن هذا الاتفاق لم يمنع جنوب السودان من الإقدام على اكتساح هجليج وتخريب منشآتها النفطية على خلفية اتهاماتها للخرطوم بممارسة قصف جوى على مناطق تابعة للسيادة الجنوبية.
الشاهد أن عناصر الصراع مازالت ماثلة فى السودان، وأن فرص الاستقرار تبدو بعيدة شمالا وجنوبا فلم تنتج اتفاقية اتفاقية نيفاشا للسلام الإ تقسيما وصراعا مسلحا على الموارد والحدود، وربما نستطيع أن نقول فى الذكرى السنوية الأولى لاستقلال الجنوب إنه عام من الفشل للطرفين الشمالى والجنوبى، وأن فرص الاستقرار والتعاون مازالت بعيدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.