هاشم ونعينع يحييان ذكرى وفاة عبدالحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق بالشرقية    القبطية الأرثوذكسية تستضيف اجتماعات رؤساء الكنائس الشرقية بالعباسية    قفزة في سعر الذهب مع بداية التعاملات الصباحية اليوم الجمعة    وزير الإسكان: قرارات إزالة مخالفات بناء بالساحل الشمالي وبني سويف الجديدة    البورصة المصرية تنفض غبار الخسائر.. الارتفاعات تسيطر على تداولات ختام الأسبوع.. وكيف أثر إعادة التعامل بأسهم "القلعة" على المؤشرات؟    للتوصل إلى هدنة شاملة في غزة، رسائل مصرية قوية للعالم    شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي على مدينة غزة    شخص يطلق النار على شرطيين اثنين بقسم شرطة في فرنسا    "حماس" توضح للفصائل الفلسطينية موقفها من المفاوضات مع إسرائيل    نشوب حريق بمصفاة نفط روسية بعد هجوم أوكراني بالمسيرات    حماس: لن نترك الأسرى الفلسطينيين ضحية للاحتلال الإسرائيلي    بعد التأهل لنهائي قاري.. رئيس أتالانتا: من يريد جاسبريني يدفع المال وهدفنا كان عدم الهبوط    نهضة بركان يبدأ بيع تذاكر مواجهة الزمالك في نهائي الكونفدرالية    تاو يتوج بجائزة أفضل لاعب من اتحاد دول جنوب إفريقيا    ذهاب نهائي الكونفدرالية، نهضة بركان يعلن طرح تذاكر مباراة الزمالك    تحرير 1419 مخالفة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني    خلافات أسرية.. تفاصيل التحقيق مع المتهم لشروعه في قتل زوجته طعنًا بالعمرانية    14 عرضا في مهرجان المسرح بجامعة قناة السويس (صور)    تركي آل الشيخ يعلن عرض فيلم "زهايمر" ل عادل إمام بالسعودية 16 مايو    رسالة قاسية من علاء مبارك ليوسف زيدان بسبب والدته    «القابضة للمياه»: ندوة لتوعية السيدات بأهمية الترشيد وتأثيره على المجتمع    الناس بتضحك علينا.. تعليق قوي من شوبير علي أزمة الشيبي وحسين الشحات    أول مشاركة للفلاحين بندوة اتحاد القبائل الإثنين المقبل    رئيس الحكومة اللبنانية يبحث مع هنية جهود وقف إطلاق النار في غزة    التعليم: 30% من أسئلة امتحانات الثانوية العامة للمستويات البسيطة    نشوب حريق داخل ميناء الشركة القومية للأسمنت بالقاهرة    القاهرة الأزهرية: انتهاء امتحانات النقل بدون رصد أي شكاوى أو حالات غش    بالتفاصيل، تشغيل قطارات جديدة بدءا من هذا الموعد    البصل يبدأ من 5 جنيهات.. ننشر أسعار الخضروات اليوم 10 مايو في سوق العبور    التنمية المحلية: تلقينا 9 آلاف طلب تصالح في مخالفات البناء خلال أول 48 ساعة    فصل متمرد.. تغير المناخ تكشف تأثير تقلبات الطقس على الزراعات    تشييع جثمان والدة الفنانة يسرا اللوزي من مسجد عمر مكرم ظهر اليوم    لمواليد 10 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    حفل زفافها على البلوجر محمد فرج أشعل السوشيال ميديا.. من هي لينا الطهطاوي؟ (صور)    صلاة الجمعة.. عبادة مباركة ومناسبة للتلاحم الاجتماعي،    دعاء يوم الجمعة لسعة الرزق وفك الكرب.. «اللهم احفظ أبناءنا واعصمهم من الفتن»    الصحة: أضرار كارثية على الأسنان نتيجة التدخين    أسعار اللحوم الحمراء في منافذ «الزراعة» ومحلات الجزارة.. البلدي بكام    3 فيروسات خطيرة تهدد العالم.. «الصحة العالمية» تحذر    موعد صلاة الجنازة على جثمان عقيد شرطة لقى مصرعه بببنى سويف    طبق الأسبوع| مطبخ الشيف رانيا الفار تقدم طريقة عمل «البريوش»    مايا مرسي تشارك في اجتماع لجنة التضامن الاجتماعي بمجلس النواب لمناقشة الموازنة    عبد الرحمن مجدي: أطمح في الاحتراف.. وأطالب جماهير الإسماعيلي بهذا الأمر    نص خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف مكتوبة اليوم 10-5-2024.. جدول مواعيد الصلاة بمدن مصر    أعداء الأسرة والحياة l «الإرهابية» من تهديد الأوطان إلى السعى لتدمير الأسرة    إصابة 5 أشخاص نتيجة تعرضهم لحالة اشتباه تسمم غذائي بأسوان    ما حكم كفارة اليمين الكذب.. الإفتاء تجيب    نهائي الكونفدرالية.. تعرف على سلاح جوميز للفوز أمام نهضة بركان    خالد الجندي: مفيش حاجة اسمها الأعمال بالنيات بين البشر (فيديو)    خالد الجندي: البعض يتوهم أن الإسلام بُني على خمس فقط (فيديو)    فريدة سيف النصر تكشف عن الهجوم التي تعرضت له بعد خلعها الحجاب وهل تعرضت للسحر    رد فعل صادم من محامي الشحات بسبب بيان بيراميدز في قضية الشيبي    اللواء هشام الحلبي يكشف تأثير الحروب على المجتمعات وحياة المواطنين    آية عاطف ترسم بصمتها في مجال الكيمياء الصيدلانية وتحصد إنجازات علمية وجوائز دولية    4 شهداء جراء قصف الاحتلال لمنزل في محيط مسجد التوبة بمخيم جباليا    مجلس جامعة مصر التكنولوجية يقترح إنشاء ثلاث برامج جديدة    «الكفتة الكدابة» وجبة اقتصادية خالية من اللحمة.. تعرف على أغرب أطباق أهل دمياط    «أنهى حياة عائلته وانتح ر».. أب يقتل 12 شخصًا في العراق (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسلم الصينى يعشق الوطن ويقّدسه.. مسجد ناجياهو ومتحف عائشة.. العرب مرّوا من هنا


«ناجياهو».. مؤسسة إسلامية ثقافية عمرها خمسمائة عام

عمارة المسجد تعتمد البناء التقليدى الصينى ممتزجا بالنمط الإسلامى

الصينى المسلم يسمى ابنه بأول اسم عربى تقع عليه عينه أثناء قراءة القرآن

جامع «ناجياهو» الكبير نادراً جداً ما أصابنى الخرس أمام جمال أية عمارة، مثلما أصابني وأنا أدور حول جامع «ناجياهو»، الألوان الزاهية كما هي، روعة التصاميم والروائح التى تفوح من الجدران ومن الأرجاء، وأوراق الشجر القديم تتساقط أمامى، وفوق رأسى، والمنطقة المحيطة ببيوتها الصغيرة، ومحلات الملابس الخاصة بالمسلمين، وأرضها الرمادية المبلطة ببلاطات مسدسة الشكل، ومنظر المواطنين يسيرون على دراجاتهم بالعشرات في صفوف منتظمة آتين إلى الجامع الكبير، ومنظر خروجهم منه، وقد فرغوا تواً من صلاة العصر بقمصانهم البيضاء، وطواقيهم، مرحهم وتمتعهم بالقرآن، الأطفال الذين جاءوا مع أهلهم، والبنات الصغيرات. جلست أمام الباب الكبير للمسجد على كرسى ومنضدة في مواجهة رجل، عرفت أنه مشرف المسجد، بملامحه الخليط العربى والصينى، وهو عموما من أصول عربية، وحالا تحلق الناس حولنا، ووضعوا رءوسهم بين يدى والأوراق التى أكتب فيها، وظل أحدهم يسأل: ما هذه اللغة؟
إنها العربية. فجلس على الأرض يتابعنى، ويتأمل الحروف، ويبدى إعجابه بها، ويقول:
اكتب، من فضلك اكتب، إنها لغة الرسول وأصحابه، إنها جميلة، جميلة جداً.
فى الباحة الكبيرة خارج مسجد «ناجياهو»، النظيفة والمبلطة يوجد حائط كبير ارتفاعه خمسة عشر متراً، وعرضه ثلاثون متراً، وهو يقع قبل الباب الخارجى للمسجد، وعلى هذا الحائط لوحة قديمة مكتوب عليها:
«المسجد الكبير، ناجياهو» مشهور، أسسه ولد من أولاد ناصر الدين، ابن السيد شمس الدين، وذلك في العام الثالث «لجيا جينغ» في أسرة «مين» الملكية، الموافق عام 1524م، أسلوبه البنائى قديم، طبيعى كما هو شكل البناء السكنى التقليدى، وهذا البناء فريد الشكل، ويتخذ فيه البناء الإسلامى، والبناء التقليدى الصينى، وهو يمثل الشكل البنائى لقومية «هوى» المسلمة الصينية، وقد مضى عليه كثير من السنوات، كما جُُدد مرات كثيرة، ويتكون من الجدار الحاجز،وعمارة الباب والمصلى، والغرف المرافقة والحمام وغيرها، والمصلى جليل رائع يمكن أن يسع أكثر من ألف مُصل، يتطهرون من أنجاس الدنيا، والمسجد الكبير «لناجياهو»، يمثل وحدة من وحدات المحفوظات الثقافية لدى المنطقة، فهو لديه تاريخ عريق يمثل الآثار الإسلامية والثقافية كما يكون في خلاص الإسلام (هكذا بالنص منقولاً من فوق الجدار)، وفيه أشجار قديمة خضراء، وفيه سكون، وهو مكان مقدس ويجتمع حوله المسلمون في «ناجياهو»، وهم يصلون فيه، ويدعون الله أن يرحمهم وغيرهم في المستقبل، ويجعله بلدا آمناً.
هذه المعلومات موجودة، وبخط قديم جداَّ، ولاحظ أن لغتها تعود إلى عصور قديمة، ما يعنى أن من كتبها، كان على علاقة بالمؤسسين الأوائل للمسجد، والنص كله موجود على الجدار الحاجز، كأنه خط الدفاع الأول، قبل الدخول إلى الباب الأول، الذى يؤدى إلى الفناء، وهذا الباب الأول هو باب المدخل، وعمقه خمسة عشر مترا، وفوقه ثلاثة أدوار ارتفاعها عشرون متراً، كان المؤذن يصعد فوقها لرفع الأذان، في آلة قديمة اسمها «بانغ كه لو»، وهى آلة تشبه الطبلة، عندما يضرب عليها المؤذن، يعرف الناس أن هذا وقت الصلاة، وعندما يتجمعون، يؤذن فيهم الأذان الإسلامى، وهذه الآلة لها دور مخصوص فوق الباب الأمامى، أما الأذان الآن «فمسجل»، وعندما يحين وقت الصلاة حسب الساعة الإلكترونية الموجودة في المسجد يقوم المشرف بتشغيل التسجيل، والأذان مسجل بصوت «ناهونغ جون» إمام المسجد، الأدوار الثلاثة فوق باب المسجد الأمامى تصعد إليها بسلم، ينتهى السلم في كل دور بحجرة ما زالت تحتفظ بطابعها القديم، أرضها من الخشب، وحوائطها حمراء، تدخلها لتخرج من نهايتها إلى السلم الذى يؤدى إلى الدور الأعلى، وهكذا حتى الوصول إلى ما قبل السطح، الذى يمكن صعوده بسلم حديدى.
فور الدخول من البلاب الأمامى إلى الفناء، سترى التقسيم نفسه، كما هو في مسجد «شين تشنغ»، كما شرحت لك نمط العمارة لدى قومية «هوي» المسلمة، فعلى اليمين حجرات إلقاء الدروس الدينية ومبادئ الإسلام، وفصول تعلم اللغة العربية، وفى الحجرة صفان طويلان من الكراسى الجلدية الفخمة جداًّ، ثم حجرة الإمام التى يقيم فيها، وعلى اليسار – في هذا المسجد تحديدا – مجموعة من المبانى الكبيرة، مهيبة المنظر، بألوانها التى تخلط بين الأخضر والرمادى، وتشكل معا لوحة فنية تظللها الأشجار القديمة، وتنطلق من بينها أصوات العصافير، واللوحة كلها وقت الغروب كأنها سحابة تسير ببطء، وعلى وشك الإمطار، وهذه المبانى تضم مدرسة متكاملة لتعليم الدين الإسلامى، الدراسة فيها منهجية، تختلف عن تعلم المبادئ الأولية الخاصة برواد الحجرات التى على اليمين، ألوان حوائط هذه المبانى تحتفظ بالألوان كما هى على حالتها منذ 130 عاماً، نفس البريق والزهو والدقة والمهارة التى تظهر صبر الفنان الصينى المسلم، الذى يعتبر الفن الجميل جزءاً من العبادة.
فور الدخول من باب المسجد إلى صحن الصلاة، تفاجأ بمهابة الأعمدة، عمق المسجد من الداخل طولا نحو مائة متر، وعرضاً خمسون متراً، وعدد أعمدته 32 عاموداً، وكما في مسجد «شين تشنغ»، تعلق على اليمين الجلابيب البيضاء الخاصة بالمصلين، التى تترك في المسجد، ويخلعها المصلى فور الانتهاء من الصلاة، وعلى اليمين مبنى صغير داخل حرم المصلى، ارتفاعه أربعة أمتار وعرضه ستة أمتار، هو غرفة الاعتكاف لإمام المسجد في رمضان، وبجوار كل عامود من الأعمدة يميناً ويساراً كرسى صغير للمرضى وكبار السن، والمنبر طرازه صينى خالص، وبداخله عصا طويلة، سألت عنها، وعن مغزى وجودها، فقيل لى إن هذه العصا يمسكها الإمام أثناء الخطبة، وهى موجودة في كل المساجد، ويخبرك الصينى المسلم أن العصا في يد الإمام وهو يخطب سنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
من قصر عائشة .. إلى «تشنغ خه»
فى يوم الخميس الثامن عشر من سبتمبر، من العام 2016م، كان موعدنا مع بعض الأسر المسلمة، بعد أن زرنا المساجد التى يصلون فيها، وعرفنا طقوسهم في المسجد، صحوت مبكرا جدا في هذا اليوم، جلست في بهو الفندق أراقب المطر من خلف الزجاج، وصل الشباب متأخرين، جاء المترجم أحمد فتحى أولاً، ثم «ماجينغ» من مؤسسة ينتشوان للإعلام والصحافة، المسئولة عن تنفيذ البرنامج، ثم السائق «قو وا»، سنذهب إذن إلى مدينة «يونينغ»، لكننا وصلنا متأخرين في حوالى الثانية ظهراً، لأنا مررنا على بيت الحكمة لإحضار كاميرا، وبعض الكتب الخاصة بتاريخ قومية «هوى» المسلمة، وعلى مشارف المدينة، كان ينتظرنا مجموعة من المسئولين في المنطقة، هم ثلاثة أشخاص، شديدو الأدب، شديدو التعاون والمبادرة بالإجابة عن أية أسئلة، وكان «لى واى شين»، أمين مكتبات المنطقة، حفياًّ بنا جداًّ، اندهشت من أن لكل منطقة مكتبات عامة خاصة بها، فقال لى: انتظر لترى.
المنطقة عبارة عن تجمع سكنى، له باب كبير، لا يدخلها إلَّا سكانها، وقد بدت من الخارج كأنها تسبح في الخضرة، وتحيطها مجموعة من التلال الخضراء والحدائق العامة، والفراغات بين صفوف العمارات عبارة عن حدائق صغيرة، وكلما رأيت منطقة جميلة، أصدم بأن التى تليها أجمل منها، حتى تعبت عينى من الجمال، ومرة نسيت «ماجينغ» تليفونها، فمررنا على التجمع السكنى الذى تقيم فيه مع عائلتها. أصبنا أنا والمترجم بحالة من الذهول والصمت الثقيل، فالمنازل صغيرة، لوها أبيض في مربعات من الحدائق، أبواب التجمع تفتح وتغلق إلكترونيا، والممرات الصغيرة مرصوفة باستقامة طولا وعرضا بالتساوي، والزهور تتدلى من الشرفات وعلى الحوائط الجانبية للمبانى، أشجار متسلقة كأنها تحضن البيوت.
صعدنا أحد بيوت قرية «يونين» وطرقنا باب إحدى الشقق، ففتح لنا رجل متوسط الطول، تجاوز الستين من العمر، مشرق الوجه، تشع علامة الصلاة من جبهته، ودخلنا مباشرة دون استئذان، إلى صالة الشقة، الحوائط كلها أمامنا وخلفنا مزدانة برسومات لطيور محلقة وأشجار بشواشي بيضاء، دعانا الرجل إلى الجلوس هاشاًّ باشاًّ، وتحلق حولنا أفراد الأسرة، وبادرته بالسؤال عن اسمه، فرفض الحديث قبل تقديم الطعام والشراب، وبدأت سيدتان في رص الأطباق، والفناجين المزخرفة نفس زخرفة الحوائط، والفاكهة، خوخ وتفاح، وبطيخ، ومع كل نوع كان المترجم يقول:
خوا خوا: بقسماط
يو سيانغ: كعك له نفس عجينة «الفايش المصرى»
- يين لى: كعك مصنوع من الأرز
- هوى شانغ مين: نوع من الخبز، يشبه الفطير المشلتت، لكنه أصغر حجماً
- تانغ سو، وتسونغ هوا بيان، كعك وفطير صينى
راحت السيدة الكبيرة، تصب الماء في الفنانجين، بعد أن تزيل الغطاء، وهى توجه حديثها إلى المترجم: شاى الجواهر الثمانية، وهو يشرح لى، اعتدل رب الأسرة وهو يوجه حديثه إلىّ، ويشير إلى المترجم: اسمى يوسف، من «يو شان». وهذه أسرتى ستة أفراد، أما العائلة فعددها ثلاثون شخصاً.
كيف تختارون الأسماء العربية، ولكل فرد من قومية «هوي» المسلمة، اسم عربى مع اسمه الصينى؟
- قال: نفتح المصحف ونقرأ، وأول اسم يقابلنا أثناء القراءة نختاره للطفل، فمثلا لو: «وكفلها زكريا».. الاسم هو زكريا يطلق على الطفل، وهكذا.
هم كرماء جداً، على عكس الشائع عنهم، وشديدو البساطة، ثم إنهم يحبون اللغة العربية، ويرونها مقدسة، وأنت تتكلم بالفصحى ألا ترى الجد ينصت باهتمام عندما تتكلم.
لاحظت فعلاً أن الرجل يقترب منِّى بشدة، ويضع أذنه قريباً من فمى، وأحياناً يضع يده خلف ظهرى ليقربنى حتى يسمع جيِّداً، طلبت من مرافقينا أن نرى أسرة أخرى، لأن الوقت المتبقى من اليوم قليل، ولا يسمح بالإطالة، وقمنا جميعا والرجل يصر على بقائنا والجدة غاضبة:
لكننا نريد أن تأكلوا معنا. وأصرت، فأخبرها المترجم أننى أعشق البطيخ، فحملت الطبق كله ووضعته بين يدى، وانحنت بأدب:
أرجوك تفضل.
نزلنا على السلم، حسب رغبتى، وكنا صعدنا في المصعد، كنت أود أن أرى أسماء الناس فوق الأبواب، فلم نجد شيئاً، فقط أرقام الشقق، وكنت في شوق إلى التدخين.
تجولنا في المربع السكنى، وكانت صنابير الرى بالرش تعمل بقوة فوقفنا نتلقى الرذاذ ونصور التلال وندخن، هذه الأسر كانت تسكن الجبال، وتعيش في ظروف بيئية صعبة، فقامت الحكومة ببناء هذه التجمعات، وتجهيزها بالمدارس والمكتبات والمستشفيات، ونقلت إليها هؤلاء الناس، لا فرق بين مسلم «هوي»، و«هان»، أو أية قومية أخرى، وهم يعيشون جميعاً هنا، ولا تعرف مهما فعلت «الهوي» من «الهان».
تقدمنا «لى واى شين» أمين المكتبات الخبير بالأسر، لأنه يزور الأطفال والتلاميذ كثيراً، ليطمئن عليهم وعلى قراءاتهم، وذهبنا إلى الأسرة الثانية، رب الأسرة اسمه «على» واسم العائلة «نا» التى تعود إلى عائلة «ناصر الدين» مؤسس مسجد «ناجياهو»، الذى حدثتك عنه منذ قليل، والأسرة كلها وعددها ثمانية أفراد تعيش معاً، والأطفال أكبر قليلاً، وكالعادة جرى التسابق على رص أطباق الطعام، وفناجين «شاى الجواهر الثمانى»، وراح الأطفال يعطونا الطعام بأيديهم ويجلسون معنا: «يونا»، و«ليو ناتس»، طفلتان تتصرفان بتلقائية ونظام، ثم طفلة أكبر قليلا تجلس في مواجهتنا هادئة صامتة، انتقلت إلى جوارها للحديث معها، فقالت على الفور: أنا «ناجينغ».
كم عمرك؟
أنا مدرسة في المدرسة الابتدائية، فنظرت إلى المترجم، هى طفلة يا رجل؟
فسألها:
وقالت عمرى ثلاثون سنة، وسعيدة بالتدريس فحياتنا تغيرت، والمناخ الذى نعيش فيه يساعدنا على الإبداع، لم يكن أحد من مرافقينا، في حاجة إلى شرح شىء، أو حتى توجيه الأسرة للحديث في أى شىء، وتركونا نتصرف بحريتنا مع الجميع، وبين الجميع، نتحدث في الدين، وحياتهم، واستقرارها وانتظامها، حتى «ماجينغ»، مسئولة البرنامج، كانت صامتة طوال الوقت، والعجيب أنها أثناء زيارة المساجد، كانت تغطى شعرها وتخلع حذاءها وتدخل معنا إلى المساجد والأماكن المقدسة، ولم أعرف أنها مسلمة إلَّا في نهاية الرحلة، عندما تحدثنا عن عائلتها وإخوتها، وسألتها لمعرفة سر صمتها:
- مالك يا «ماجينغ»؟
- لدينا يوم طويل، سنذهب إلى متحف قومية «هوي» المسلمة الآن؟
وانطلقنا، ومطر خفيف، يبدد صمتنا داخل السيارة، و«قو وا»، يبتسم: وصلنا وأشار إلى مكان مترامى الأطراف، داخل أسوار عالية تحيطه – أيضا – الأشجار، إنه متحف ثقافة قومية «هوي»، كان في انتظارنا على الباب فتاتان محجبتان، تحملان الشماسي التي دخلنا تحتها سريعا نتقى المطر بها، أخذنا نقرأ اللافتات والتعليمات والمعلومات التاريخية والثقافية الخاصة بالمكان، طلبت إحدى الفتاتين أن تحمل الشمسية نيابة عنى حتى أستطيع الكتابة، والأخرى حملت الشمسية فوق رأس المترجم حتى يقوم بالتصوير، و«ماجينغ» لابدة تحت شجرة تمسح وجهها من الماء، والممشى طويل، وقبل الدخول إلى تفاصيل المتحف الذى يتجاوز خمسين فدانا، توجد مواقف السيارات والمطاعم و«الكافيهات» وزوار عرب يأتون بسياراتهم ويترجلون للتصوير والتحلق حول بحيرة صناعية على يمين الممشى، قالت إحدى الفتاتين: حديقة هوي الثقافية ذات سحر خاص، بخاصة عندما يبزغ الصبح ويملأ أرجائها الآذان. كما تعتبر حديقة هوي الثقافية أحد «مناظر نينغشيا العشرة الجديدة»، وتحمل هذه الحديقة في طياتها الخصائص السياحية للثقافة الإسلامية لمنطقة نينغشيا ذاتية الحكم لقومية هوي. وقد اعتمدت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح بناء هذه الحديقة الساحرة.
أما مصدر السحر الخاص ل «هوى» فهو سحرها الروحى بحق، والذى ينبع من عاداتها وتقاليدها وهويتها وعقيدتها الإسلامية وفنونها. فإذا دخلت أحد منازل قومية هوى فستجد تقاليد الزيارة عندهم واضحة، حيث يحييك صاحب المنزل بتحية الإسلام وهى «السلام عليكم» بالعربية ويقدم لك لحم الخروف المسلوق، وكوباً من شاى الجواهر الثمانية المنعش اللذيذ المفيد (تذكرة طبعا)، ومما يجد ذكره أنه لا تتراءى أمام عينيك الثقافة التاريخية لقومية هوى وعاداتها وتقاليدها الشعبية فحسب، بل يلاحظ أيضاً وجود آلات موسيقية مثل «الواو الطينى» و«الوتر الشفوى».
المتحف يحتوى على ستة معارض، تحوي تطور تاريخ قومية هوى وعاداتها، تأسس المتحف، وبدأ يستقبل الضيوف في عام 2006م، بدأنا باليمين حيث «قصر عائشة» وله بابان كبيران، دخلنا من أحدهما، لنفاجأ بقسم كبير يشتمل على كل ما يخص المسلمين، ملابس وأغطية رأس، وتحف تراثية موروثة من العصور القديمة، عليها نقوش إسلامية وآيات قرآنية، وأحاديث نبوية شريفة وتقف البنات الصغيرات أمام كل قطاع منه للشرح والتوضيح، وتاريخ كل قطعة، قلت لإحداهن:
وفرى على الكتابة واعطنى الورق الذى معك، فرفضت بشدة:
فور الدخول وتجاوز هذا القسم، ستجد قاعتين كبيرتين الأولى اليمنى تحتوى على مكتبة كبيرة، خاصة بقومية «هوى» وتاريخها وأعلامها، ودورهم الوطنى، وكذلك من التحف الإسلامية وآثار بعض هذه الشخصيات، مع تاريخ شامل عن دور كل واحد منهم في تاريخ الصين، وفى المواجهة لوحة كبيرة عن أسرة «يوان»، حيث في هذا التوقيت زاد عدد المسلمين، وكان العرب يحضرون بكثرة للتجارة، فزاد دخول الناس في الإسلام، وانتشر في هذه المنطقة، المكان تكتظ جدرانه باللوحات الخاصة بالمساجد الكبيرة، ومسجد «شيانغ خه سه»، الذى تأسس في عهد أسرة «سونج»، ومسجد «فواى شنغ» تأسس في عهد أسرة «تانغ» ويقع في منطقة «جوانغ تشو»، ومسجد «فنغ خوان سه» من أسرة «سونغ» وعلى الجانب الآخر المواجه للداخل مجموعة كبيرة من الرسوم الإسلامية التى تصور رحلات التجار المسلمين إلى الصين.
حديقة الأرض الرطبة، ليست كأية حديقة، صحيح أنها، مثل كل حدائق الصين، مبالغ في اتساعها، وتتنوع فيها النباتات والأشجار، إنما هذه الحديقة تحديداً، يمكنك أن تطلق عليها «الحديقة الثقافية» وأنت مطمئن البال، ففى الممرات والطرقات، يغص المكان بالتماثيل لأعلام ثقافية ومحاربين قدماء، وحكماء منذ أقدم العصور التاريخية في الصين، وكل تمثال له قاعدة كبيرة كأنها صفحة من كتاب، عليها اسم الشخص، وتاريخه الحربى أو الثقافى، ودوره في نهضة الأمة الصينية، وهى حديقة أنشأتها الحكومة سنة 2005م لتضع فيها أبطال قومية «هوي» المسلمة حتى لا تنساهم الذاكرة الجماعية الصينية، ولتبرز الدور الحيوى الذى لعبه المسلمون في جعل الأمة الصينية على ما هى عليه الآن ومن بينهم:
«دينغ خه نيان»، وهو كاتب وشاعر، له العديد من المصنفات والقصائد، عاش بين سنوات 1335 - 1424م، وكان مشهوراً في نهاية أسرة «يوان» وبداية أسرة «مينغ»، وتنقل بين العديد من البلدان يدعو الصينين ويحثهم على وحدة الدولة، ووحدة مصير الشعب، ومن أشهر كتبه «ديوان شعر دينغ خه نيان»، و«الكتب الأربعة»، وهو كتاب متداول بين الناس إلى الآن.
«مى فاى» 1051 - 1107م، خطاط ورسام يكتب الشعر، وأحد أشهر من أتقنوا فن المناظر الطبيعية، ومن آثاره رسالته المرموقة في مدح أم الإمبراطور، وله كتب عن «تاريخ الكتاب»، و«تاريخ الرسم».
«سادو تسى» شاعر مشهور ورسام، ترك أكثر من 700 بيت من الشعر، تناول في قصائده الأحداث التاريخية، وحياة الشعب الصينى، ومن أعماله المشهورة كتاب «تاريخ أسرة يوان الجديدة»، وديوان شعر «وو يي».
«ماجيان» أو محمد مكين 1906 - 1978م، مترجم القرآن الكريم إلى الصينية، وخبير في اللغة العربية والترجمة والتعليم، درس في مصر، وأثناء دراسته في القاهرة، ترجم كتاب «كو نفوشيوس»، في النظرية اللغوية، وقدم ترجمته هدية إلى بعض الدول العربية، وعند عودته إلى الصين انهمك في ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الصينية، وهي إحدى أكمل الترجمات حتى الآن، بعد ذلك قام بالتدريس في جامعة بكين، وهو مؤسس قسم اللغة العربية فيها، وأدخل اللغة العربية في منهج الدراسات العليا باللغة الصينية.
«وانغ داى سينغ» 1580 - 1660م، من مقاطعة «جيانغ سو، وهو عالم فلسفة إسلامية شهير في قومية «هوى» في فترة أسرة «مينغ»، وأسرة «تشينغ»، ومن أهم مؤلفاته «الشرح الحقيقى للدين الحق»، و«الفقه الإسلامى»، وأحد الذين قدموا الثقافة العربية إلى شعب الصين.
«ليو تشه» 1655 - 1745م، مولود في «جيانغ سو»، أحد مشاهير أسرة «تشينغ»، كأحد المفكرين الكبار في التراث الإسلامى، حيث قام بشرح الثقافة العربية والصينية في دراسة مقارنة، أوضح فيها أوجه التشابه بين الثقافتين، حيث جمع بين الفلسفة الإسلامية والصينية، ومن أشهر مؤلفاته «فلسفة التوحيد»، أو «تيان فانغ شينغ لى»، وقدم في هذا المجال إسهامات كثيرة.
وعندما وقفنا أمام تمثال آخر، وشرح لي الزملاء والمترجم أهميته، حيث يقف طويلاً شامخاً أمام سفينة ومعه مجموعة من الرجال، يظهر الإصرار في نحت وجوههم، طلبت من الجميع أن نتمهل أمامه كثيراً، ونكتفى به، ويكون خير ختام لهذه الشخصيات الإسلامية المهمة، في حديقة الأرض الرطبة، فتقريبا كل شخص، وكل علم تحدثنا عنه هنا، استفاد من هذا الرجل، ومن مغامراته وجرأته في اكتشاف المجهول، إنه:
«تشنغ خه» أو «يوان»، البحار الصينى المسلم العظيم، الذى سبق «كولومبوس» بسبعين سنة في اكتشاف المجهول، ويقال إنه من أصول عربية، لكن المؤكد أنه صينى مسلم من قومية «هوى».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.