وزير خارجية العراق السابق يشكر واشنطن على زيارة الجبير! سياسى عراقى: انتصارات العراق على الإرهاب دفعت الرياض للاعتراف بالأمر الواقع
فجأة وبدون مقدمات، وصل وزير الخارجية السعودى عادل الجبير إلى العاصمة العراقيةبغداد فى زيارة لم يعلن عنها من قبل . الزيارة التى يمكن وصفها بالتاريخية، حيث تعتبر الأولى لوزير خارجية المملكة منذ أكثر من ربع قرن، كما كشف ذلك وزير الخارجية العراقى إبراهيم الجعفرى، كما أنها أول زيارة لمسئول سعودى منذ عام 2003 . الزيارة المفاجئة كشفت فى الجانب المعلن منها، عن مساعى الجانبين لبدء صفحة جديدة من التعاون، خصوصا فى مكافحة الإرهاب والعمل على تضييق هوة الخلافات التى اتسعت منذ طلب العراق تغيير سفير المملكة فى بغداد على خلفية تصريحات أدلى بها وصفت بالطائفية، بالإضافة لمواقف اتهم فيها مسئولون عراقيون السعودية بتمويل الإرهاب فى المنطقة. وكان وزير الخارجية السعودى عادل الجبير، قد وصل العاصمة العراقيةبغداد السبت الماضى، وأعلن فى مؤتمر صحفى مشترك مع نظيره العراقى أن "السعودية والعراق جزء واحد، فهناك روابط أسرية وقبلية وجغرافية وتاريخية، وهناك أيضا مصالح مشتركة عديدة سواء فى مواجهة التطرف والإرهاب أم فى فرص الاستثمار والتجارة بين البلدين، تاريخ السعودية والعراق كان تاريخا مشرفا". وأضاف: "السعودية والعراق يواجهان آفة الإرهاب سواء من داعش أم القاعدة أم غيرها من المنظمات الإرهابية. هناك رغبة فى العمل معا للقضاء على هذه الآفة". من جانبه، رحب الجعفرى بنظيره السعودى، مؤكدا أن هذه الزيارة الأولى من نوعها منذ عام 1990، "نتطلع لتحقيق تعاون بين العراق والمملكة السعودية لمواجهة الإرهاب وتنظيم داعش الإرهابي، خصوصا أن العراق تحقق انتصارات باهرة ضد داعش خلال معركة استعادة الموصل". وبحسب خبراء ومراقبون، فإن الزيارة تعتبر تحولا فى الموقف السعودى تجاه دول المنطقة ومحاولة لوقف النفوذ الإيرانى على العراق واستعادة بغداد من أحضان دولة الملالى . ويرها آخرون تجسيدا للإستراتيجية الأمريكية الجديدة الساعية لمحاصرة إيران واستقطاب حلفائها بالمنطقة من خلال إيجاد حلفاء جدد مقربين من الإدارة الأمريكية الجديدة . التفسير الأخير عبر عنه هوشيار زيبارى، وزير الخارجية العراقى السابق، الذى وجه الشكر لأمريكا على زيارة الجبير! وقال زيبارى فى تغريدة على موقع تويتر "إن زيارة الجبير إلى بغداد هى خطوة ممتازة لتطبيع العلاقات بين العراق والسعودية، مردفا "شكرا لأصدقائنا الأمريكيين"، فى إشارة إلى أن زيارة الجبير للعراق تأتى بدعم ومباركة من الولاياتالمتحدة. واعتبر مراقبون أن تطورات الحرب ضد الإرهاب والانتصارات التى حققتها القوات العراقية على تنظيم داعش بالموصل، دفعت السعودية لتغيير إستراتيجيتها وتجاوز خلافاتها مع العراق .
جزية سياسية ويرى القيادى اليسارى العراقى دانا جلال، أن المعركة ضد الإرهاب فى حلب والموصل غيرت الكثير من مواقف الدول الداعمة للمعارضة السورية المعتدلة، بل والتنظيمات الإرهابية. التغيير شمل المواقف السياسية لدرجة ظهور اصطفافات جديدة فى الفضاءين الإقليمى والدولي. وقال ل "الأهرام العربي" إننا نشهد ملامح قلقلة فى التحالف (التركى – السعودى وملحقاتها الخليجية) فى الموقف من الوضع فى العراقوسوريا ولاحقاً فى الشأن اللبنانى واليمني. وأوضح جلال أن السعودية اقتنعت، ومن قبلها تركيا بأن القوى المدعومة منهما أصابها الموت السريرى عسكرياً، لذا عليها أن تدخل بشكل مباشر فى ساحة الصراع كما فعلت أنقرة بالتدخل، بل واحتلالها لبعض الأراضى السورية والعراقية، مشيرا إلى أن ابتعاد أنقرة عن الرياض وترتيب أوراقها الإقليمية والدولية وفق مصالحها الإستراتيجية، وهذا ما تجسد فى سياسة تصفير مشاكلها مع موسكووطهران وتل أبيب، وفرضت على الرياض وضع إستراتيجية علاقات سياسية جديدة، مقدمتها الاعتراف بالواقع الجديد وبوابتها الحوار مع بغداد، لأن بغداد تخلت عن دورها وكونها البوابة الشرقية للنظام العربي، لتلعب دورها الجديد بوابةً للحوار مع دمشقوطهران. وبحسب السياسى العراقى، فإن دخول ترامب البيت الأبيض وما سيخلفه من ظهور مرحلة يمكن تسميتها ب "الترامبية" فى أوروبا، وأقربها فرنسا يدفع حتماً إلى فرض ما يمكن تسميته بالجزية السياسية، أى على الدول التى تود أن تعيش بسلام فى عالم محكوم ترامبياً عليه، أن أدفع الجزية كى يتم حمايتها، لافتا النظر إلى أن الرياض تعمل على ألا تدفع جزيتها السياسية لأمريكا.
أوامر أمريكية بدوره يرى الكاتب الصحفى العراقى منتظر ناصر، أن إستراتيجية الرئيس الأمريكى ترامب بشأن العراق بدأت فعلا بعد الاتصال مع رئيس الحكومة حيدر العبادي، حين تناول كلاهما دور ايران فى المنطقة. واعتبر ناصر فى تصريحات ل "الأهرام العربى" أن زيارة وزير الخارجية السعودى إلى بغداد تأتى كحلقة فى سلسلة إجراءات ستتخذها الإدارة الأمريكية وحلفاؤها بالمنطقة، لمحاولة تحييد العراق على الأقل فى الصراع مع إيران، وفك ارتباطه الوثيق بالجارة الشرقية، بمعنى أن هناك طلبا أمريكيا من السعودية بضرورة تغيير الأخيرة سياساتها تجاه الحكومة العراقية، وفتح الطريق أمام العبادى لعلاقات عربية جديدة بغية الحصول على مزيد من الدعم، فى ظل صراع داخلى على السلطة مع المالكي. وأشار الصحفى العراقى إلى أن زيارة الجبير، كان مرتبا لها منذ مدة، تمهيدا لزيارة العبادى إلى الرياض، التى يعول عليها الطرفان فى فتح صفحة جديدة من العلاقات. وشدد ناصر على أن قيام العراق بتعويض مصر عن النفط السعودى مطلع الشهر المقبل، أثبت أن العراق قوة اقتصادية عربية لا يستهان بها، وأنه لا يزال يملك أسلحة يمكن أن ينافس بها المملكة العربية السعودية، برغم أن الأخيرة استخدمت كل أسلحتها فى الضغط على العراق، لكنها لم تفلح فى السابق، مشيرا إلى أن التطبيع الأخير من السعودية يأتى إيمانا منها بأن بغداد لا تزال مصدر قوة، خصوصا أن مرحلة الحرب على داعش فى نهاياتها.
عزل إيران واتفق معه فى الرأى المفكر الأردنى ميشيل الحاج، مستشار المركز الأوروبى لمكافحة الإرهاب، معتبرا أن السعودية، أدركت بأن حرب العراق على الإرهاب قد اقتربت من النهاية، أو هى موشكة على ذلك، فهى تريد أن تفطع الطريق على بغداد من التوجه نحو إيران مذكرة بغداد، بأن هناك طريقا آخر وهو طريق الرياض. وأكد الحاج ل"الأهرام العربي" أن زيارة الجبير لبغداد خطوة من الخطوات السعودية الساعية لعزل إيران ومحاصرتها ضمن حرب مسلسل معركة كربلاء التى لا تنتهى ولا تضع أوزارها أبدا منذ أربعة عشر قرنا، مشيرا إلى أنه برغم أنها شهدت حروبا عالمية سقط فيها ملايين القتلى فإن الأوروبيين تناسوا خلافاتهم واتجهت الدول الأوروبية للتنسيق بل وللدخول فى اتحاد الدول الأوروبية. أما نحن وبرغم رفع معاوية بن أبى سفيان شعار شعرة معاوية، فإن شعرة معاوية قد استخدمت فى كل المجالات إلا مجال المصالحة السنية الشيعية.
تنسيق مع إيران من جانبه يرى الباحث اللبنانى فادى عاكوم، أن زيارة الجبير لبغداد لم تكن تتم لولا وجود تفاهم إيرانى - سعودى مسبق، خصوصا أنها أتت متأخرة سنوات طويلة، بعد أن أصبحت المؤسسات الرسمية العراقية رهينة السيطرة الإيرانية، بالإضافة إلى السيطرة العسكرية على الأرض. مضيفا فى تصريحاته ل "الأهرام العربي" أنه إذا كان الإرهاب هو المحور الأساسى للمحادثات بين الجانبين، فهذا تاكيد على التفاهم مع إيران كون الحشد الشعبى العراقى والحرس الثورى الإيرانى أصبحا رأس حربة العراق فى حربه على الإرهاب، مع حقيقة لا يمكن التغافل عنها، أنه لولا الحشد الشعبى لما تحررت أجزاء كبيرة من الأراضى العراقية التى كانت تغرق تحت سيطرة تنظيم داعش. وأشار عاكوم إلى أن الجبير خلال المؤتمر الصحفى الذى عقده أواخر العام الماضى 2016 مع نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأردنى ناصر جودة، بمقر وزارة الخارجية فى الرياض خلال زيارة الأخير، أعلن وبكل صراحة أن الحشد الشعبى منظمة طائفية قامت بارتكاب المجازر الطائفية ويقاد من قبل ضباط إيرانيين. وتساءل عاكوم باستنكار: ما الذى تحول خلال شهرين فقط؟ هل بات الحشد الشعبى حشدا غير طائفي؟! واعتبر أن أمن المملكة أصبح مرتبطا بالحشد الشعبى، أو بمعنى أصح أصبح مرتبطا بإيران والحرس الثوري، خصوصا أن الحشود الإرهابية على الحدود بين البلدين لا تزال موجودة، ومن المؤكد أنها كانت فى صلب المحادثات، وأى توجه مستقبلى للسيطرة على هذه الحشود لا بد وأن يتقاطع ويلتقى من خلال مفاوضات مع الحشد، مشيرا إلى أنه يبدو أن تفاهما إيرانيا - سعوديا جديدا تم ترتيبه وعملية التنفيذ ستجرى فى العراق. ويرى الباحث اللبنانى على مسئوليته أن المنطقة مقبلة نحو جملة من التسويات، أساسها اتفاقات خفية بين إيران والسعودية، بدأت فى لبنان بعد إفساح السعودية المجال لحليف الحرس الثورى الإيرانى، للوصول إلى سدة الرئاسة واستقباله فى الرياض فى أول زيارة خارجية له، ثم زيارة الجبير لبغداد مشيرا إلى أن هذه اللقاءات تكشف تكشف تحولا فى الموقف السعودى وقبول المملكة ببقاء الرئيس السورى وبدء فتح الأبواب لحلفائه . وختم عاكوم تصريحاته بالتأكيد أن خطوات الرياض تسير نحو طهران لكن ببطء، بعد أن أدركت المملكة أن أى مقترح أو توجه أو اتفاق فى المنطقة وخصوصا فى العراقولبنانوسوريا، لا بد من موافقة الحرس الثورى الإيرانى عليه، وقريبا أشكال أخرى من التفاهم الإيرانى - السعودى ولكن بصور مباشرة وأكثر وضوحا. ناجى الشهابى الباحث المصرى فى العلاقات الدولية، اعتبر أن زيارة وزير خارجية المملكة العربية السعودية إلى العراق يأتى على أصداء اجتماعات الآستانة وجنيف 4 بخصوص سوريا . وقال ل"ألأهرام العربي" يبدو أن المملكة أدركت خلال الفترة الماضية ضرورة التواصل مع السلطتين الرسميتين فى كل من العراقولبنان، خصوصا بعد إشارات بغداد المتواترة خلال العام الماضى على لسان رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى والتى طالب فيها كلا من إيران والسعودية بتصفية حساباتهما خارج العراق. وأوضح أنه على الرغم من أن الزيارة جاءت متأخرة فإنها تأتى فى إطار نظرة واقعية من المملكة تجاه التحديات التى تواجه أمنها المباشر فى كل من العراق، ويمكن اعتبارها تأسيسا للعلاقات مع العراق فى مرحلة ما بعد داعش، خصوصا بعد أن شعرت المملكة بالعزلة خارج سياق المفاوضات الدولية بشأن العراقوسورياولبنان، نتيجة تطرف الخطاب السعودى تجاه الأوضاع فى سوريا وانعكاسات هذا الموقف على الأوضاع فى لبنانوالعراق. مشددا على أن السعودية تسعى لاستعادة العراق من أحضان إيران على أرضية العلاقات العربية والمصالح المشتركة سياسيا وأمنيا، وإقامة توازن داخل النظام السياسى فى العراق فى مرحلة ما بعد داعش.