زيارة سعودية مفاجئة وغير معلنة إلى العراق، تعد الأولى منذ الغزو الأمريكي عام 2003، أجواء الزيارة وتوقيتها دفع المراقبين إلى اعتبارها محاولة سعودية لمهادنة العراق وتجنب افتعال الأزمات معها في الوقت الحالي، تمهيدا لتصفية الخلافات رويدا رويدا. وصل وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، أمس السبت، إلى العاصمة العراقيةبغداد، في زيارة غير معلنة، حيث التقى نظيره العراقي، إبراهيم الجعفري، في مبنى وزارة الخارجية، ليلتقي بعدها رئيس الوزراء، حيدر العبادي، ورئيس الجمهورية، فؤاد معصوم، ورئيس مجلس النواب، سليم الجبوري. بحث الجبير مع الجعفري والعبادي عدة ملفات أبرزها التعاون بين البلدين لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، حيث هنأ الجبير المسؤولين العراقيين بالانتصارات على العصابات الإرهابية، وأعرب عن دعم السعودية للعراق في محاربة الإرهاب، مبديًا استعداد بلاده دعم وإعادة الاستقرار في المناطق المحررة. على الجانب الآخر، أشار الجعفري في بيان، إلى أهمية بذل المزيد من الجهود من أجل التعاون في محاربة الإرهاب وأفكاره التي تؤثر على عموم المنطقة والعالم، قائلا إن العراق حريص على إقامة أفضل العلاقات مع المملكة وتفعيل المصالح المشتركة ومواجهة المخاطر المشتركة، وأضاف: علينا أن نستحث الخطى ونستمر بالحوارات وتبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين لبناء علاقات قوية تكون مرتكزًا استراتيجيًا لمعالجة التحديات التي تواجه المنطقة. وشدد الجعفري على أن سياسة العراق منفتحة على بلدان العالم ولا يسمح بالتدخل في شؤونه الداخلية، ولا يتدخل في الشؤون الداخلية للدول، مضيفا أن العراق يتطلع لفتح معبر جميمة في إطار تعزيز العلاقات وفتح آفاق التعاون المشترك وزيادة حجم التبادل التجاري والاستثمار بين البلدين، بالإضافة إلى تسهيل إجراءات منح سمات الدخول الفيزا للعراقيين الراغبين بزيارة المملكة، ومناقشة ملف تشغيل الخطوط الجوية المباشرة بين بغدادوالرياض. وأكد الجعفري أنه كلَّف وكيل وزارة الخارجية العراقية بزيارة المملكة قريبًا لمتابعة المسائل الفنية الخاصة بتفعيل المباحثات بين بغدادوالرياض وعلى الصعد كافة، مشيرًا إلى أن العراق متمسك بالعلاقات مع جميع دول الجوار، مذكرًا بأن القوات التركية لا زالت متواجدة في العراق بالرغم من الإجماع العربي والمواقف الدولية الرافضة لهذا الانتهاك، داعيا السعودية إلى تأكيد موقفها تجاه التدخل التركي للأراضي العراقية، خصوصًا أنها كانت جزءًا من الإجماع العربي الذي تحقق في رفض انتهاك القوات التركية للأراضي العراقية، وحثّ الجانب التركي على الانسحاب من العراق. الحشد الشعبي.. تجنب نقطة الخلاف اللافت في تصريحات وزير الخارجية السعودي، أنه شدد على أن المملكة تقف على مسافة واحدة من جميع المكونات العراقية وتدعم وحدة واستقرار العراق، في إشارة إلى فصائل الحشد الشعبي، وأكد أن الروابط التي تجمع المملكة مع العراق كثيرة جدًا، وأن الزيارة تأتي لإعادة العلاقات الثنائية إلى مسارها الصحيح، داعيا إلى تبادل زيارات مسؤولي البلدين وتفعيل كل الملفات العالقة. خلال الزيارة أبلغ وزير الخارجية السعودي، رئيس الوزراء العراقي، بتسمية سفير سعودي جديد لدى العراق، ورغم عدم ذكر تفاصيل حول اسم السفير الجديد أو متى سيتولى منصبه بالتحديد، إلا أن الحديث السعودي عن تعيين سفير جديد خلفًا لثامر السبهان، أرجعه بعض المراقبين إلى محاولات من المملكة لإعادة العلاقات العراقية السعودية إلى عهدها القديم، بعد أن توترت خلال العام الماضي بشكل غير مسبوق لأكثر من سبب، أولها تدخل المملكة الزائد في شئون الدولة العراقية والعمليات العسكرية التي يشنها الجيش العراقي ضد تنظيم داعش، بمساندة الحشد الشعبي الذي تعترض الرياض على مشاركته في المعارك، ما لاقى اعتراض عراقي واضح وصريح من قبل رئيس الوزراء، حيدر العبادي، ورئيس مجلس النواب، سليم الجبوري، ووزير الخارجية، إبراهيم الجعفري، إلا أن السعودية أصرت على إظهار رفضها لمشاركة الحشد، حتى دخل الطرفان في دوامة تصريحات لاذعة. قاد التصريحات في البداية السفير السعودي السابق لدى بغداد، ثامر السبهان، الذي تسلم في ديسمبر 2015 مهام منصبه كأول سفير للسعودية في العراق، بعد 25 عامًا من القطيعة، حيث أطلق تصريحات اتهم فيها الحشد الشعبي بارتكاب جرائم وبنشر الطائفية، ما رفضته العراق في انتظار لرد توضيحي من السعودية، التي تدخلت على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير، لتؤكد موافقتها على كلامه، ما تنج عنه تصعيد كلامي بين الطرفين دفع بغداد إلى تقديم طلب في أغسطس الماضي إلى الرياض لاستبدال سفيرها على خلفية تدخله السافر في الشأن الداخلي العراقي، وفي أكتوبر الماضي، سحبت الرياض السبهان، وعينت عبد العزيز الشمري قائمًا بالأعمال في سفارة المملكة بالعراق، في خطوة تعني في عُرف العلاقات الدبلوماسية تخفيض درجة التمثيل الدبلوماسي، الأمر الذي رأى فيه بعض المراقبين عودة إلى زمن القطيعة السعودية العراقية. لماذا الآن؟ رأى بعض المراقبين أن الزيارة السعودية مكيدة من المملكة تحاول من خلالها إبعاد العراق عن المحور السوري الإيراني الروسي، حيث تعتبر بغداد طرفًا مهمًا تريد أن تكسبه الرياض إلى جانبها في معركتها السياسية مع إيران، كما أن العراق لها أهمية كبيرة لدى المملكة، حيث تملك حدود تتشاطر فيها مع سوريا والأردن والسعودية، والمملكة وجدت أن بغداد بدأت في توسيع نطاق عملياتها العسكرية في إطار محاربة داعش، حيث قصفت منذ أيام قواعد لداعش في مدينة بوكمال الحدودية وداخل الاراضي السورية، بدعم وموافقة وتنسيق سوري إيراني روسي، الأمر الذي يعني أن العراق ستلعب دورًا إقليمًا قويًا في المستقبل المنظور. على جانب آخر، رأى بعض المراقبين أن الزيارة السعودية جاءت لتُعيد العلاقات السعودية العراقية إلى سابق عهدها، بعدما أدركت المملكة أن خسارتها لدول المنطقة العربية يدفعها إلى مزيد من العزلة الدولية، ويدفع بهذه الدول إلى توطيد علاقاتها السياسية والعسكرية بإيران على غرار لبنان واليمن والعراقوسوريا، الأمر الذي يصب في صالح تمدد النفوذ الإيراني، ما يمثل فزاعه بالنسبة للمملكة السعودية، فالزيارة السعودية للعراق في هذا التوقيت نتيجة مراجعة سعودية لسياسات المملكة المتطرفة والمتسرعة التي دفعتها إلى إثارة العديد من الخلافات والأزمات مع جيرانها كافة.